Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا المرأة البريطانية هي الأتعس بين نساء أوروبا؟

هل يمكن أن تكون الفجوة الصحية بين الجنسين في المملكة المتحدة - وهي الأكبر بين الاقتصادات العالمية المتقدمة - مسؤولة عن التراجع الأسرع في رفاهية الإناث مقارنة بالاتحاد الأوروبي، كما يظهر مؤشر عالمي لصحة المرأة؟

توصلت دراسة جديدة إلى أن النساء في المملكة المتحدة هن أكثر تعاسة وتوتراً من النساء في الدول الأوروبية (غيتي)

ملخص

وفقاً لتقرير صادر عن "هيئة الصحة العامة في إنجلترا"  في عام 2017، يمكن للنساء أن يتوقعن تمضية ربع حياتهن في حال صحية سيئة، مقارنة بنسبة الخمس فقط للرجال

إذا طرح عليك السؤال الآتي: كيف تشعرين كونك امرأة من المملكة المتحدة، فمن المحتمل أن تكون إجابتك الصادقة: "ليس على ما يرام تماماً". فوفقاً لمؤشر "هولوجيك"  Hologic العالمي لصحة المرأة - وهو مسح سنوي يستكشف مستوى رفاهية الإناث على مستوى العالم - تبين أن النساء في بريطانيا هن أشد تعاسة وتوتراً بالمقارنة مع نظيراتهن في دول الاتحاد الأوروبي.

وفيما تعطي الإحصاءات المقدمة في هذا المجال صورة محبطة نوعاً ما في هذا الشأن، إلا أنها قد لا تشكل صدمة بالنسبة إلى النساء (وربما تتماشى مع التجارب الشخصية لعديد منهن). فوفقاً لاستطلاع أجري أخيراً، أقرت 32 في المئة من النساء البريطانيات اللاتي شاركن فيه، أنهن كن حزينات في اليوم الذي سبق، في زيادة ملحوظة عن نسبة 21 في المئة المسجلة قبل ثلاثة أعوام. وفي المقابل، أعربت 26 في المئة فقط من نساء "الاتحاد الأوروبي" اللاتي شملهن البحث، عن مشاعر مماثلة في هذه الدراسة الأخيرة. وعبرت 39 في المئة من الإناث في المملكة المتحدة عن شعورهن بالتوتر في اليوم الذي سبق استطلاع رأيهن، وهو معدل يتجاوز المتوسط الأوروبي البالغ 34 في المئة.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن مستويات التوتر والغضب والحزن والقلق بين النساء في المملكة المتحدة، ارتفعت جميعها منذ إطلاق الدراسة في عام 2020، في حين أنها انخفضت في بقية أنحاء أوروبا. وفي جوهر الأمر، في حين يبدو أن مناطق أخرى تتحسن، فإننا في المملكة المتحدة نواصل مسارنا الهبوطي. وفي ما يتعلق بالرفاهية العاطفية للمرأة عموماً، حلت المملكة المتحدة في المرتبة الـ22 من بين 31 دولة أوروبية، وجاءت متخلفة عن بلدان مثل إيرلندا وبولندا وليتوانيا وألمانيا والدول الاسكندنافية (وربما من غير المستغرب أن هذه الأخيرة تفوقت في كثير من الأحيان، وسجلت درجات عالية في تصنيفات عدة متعلقة بنوعية الحياة).

ويقدم الوضع سيناريو مثيراً للقلق، ويدفعنا إلى التساؤل: لماذا تشعر النساء البريطانيات بالإحباط إلى هذا الحد؟ اسمحوا لي هنا أن أعدد العوامل التي يتعين أن تؤخذ في الاعتبار. فأزمة غلاء كلفة المعيشة تؤثر على نحو غير متناسب في النساء تحديداً، نظراً إلى استمرار الفجوة في الأجور بين الجنسين، وتزايد الشعور بانعدام الأمن الوظيفي الذي يواجهنه في كثير من الأحيان. ويبدو أن هذه التحديات كانت أكثر حدة هنا في بريطانيا مما كانت عليه في أوروبا. كذلك استغرق ارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب أسعار الطاقة، وقتاً أطول لتعود إلى الاستقرار مقارنة بالبر الرئيس لأوروبا. وكشفت دراسات سابقة أجرتها مؤسسة "مايند"  Mind الخيرية للصحة العقلية، أن 74 في المئة من النساء في إنجلترا وويلز يعتقدن أن ارتفاع تكاليف المعيشة انعكس سلباً على صحتهن العقلية.

في الوقت نفسه، أشارت شركة "هولوجيك" التي أجرت الاستطلاع، إلى أن الركود النسبي في المملكة المتحدة في مجال الرعاية الصحية للنساء، يعد عاملاً مساهماً آخر مهم، إذ يتم "تجاوز بلادنا من الآخرين" في هذا الصدد. ويبدو أن غيتا نارغوند كبيرة مستشاري هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" (أن إتش أس) NHS، والمديرة الطبية لمركز "إي بي سي آي في أف" ABC IVF  للتخصيب المختبري، تؤيد هذا الرأي. وتقول: "إن شعور النساء البريطانيات بالحزن والتوتر أكثر من نظيراتهن الأوروبيات، هو للأسف ليس مفاجئاً مع بلد يصارع أوسع فجوة في الصحة بين الجنسين، ضمن دول ’مجموعة الـ 20‘ G20، ويحل في المرتبة الـ12 على مستوى العالم".

وإذا ما تعمقنا أكثر في الإحصاءات، يصبح حجم هذا التفاوت واضحاً بشكل لافت للنظر. فوفقاً لتقرير صادر عن "هيئة الصحة العامة في إنجلترا"  Public Health England في عام 2017، يمكن للنساء أن يتوقعن تمضية ربع حياتهن في حال صحية سيئة، مقارنة بنسبة الخمس فقط للرجال. وتلفت السيدة نارغوند إلى أن النساء اللاتي يعانين انسداداً كاملاً في الشريان التاجي، هن أكثر عرضة بنسبة 59 في المئة من الرجال لتلقي تشخيص خاطئ. كما أنه عادة ما يستغرق الأمر ثماني سنوات حتى يتم تشخيص إصابة النساء بـ"انتباذ بطانة الرحم"  Endometriosis (نمو خلايا خارج الرحم تغطي المبيضين وقناتي "فالوب") وهي حالة تسبب آلاماً شديدة وصعوبات في الخصوبة. ومن المهم أن ندرك أن هذه الأرقام لا تمثل سوى النساء اللاتي يؤكدن إصرارهن على طلب التشخيص المناسب من اختصاصيين طبيين، في حين أن عدداً من النساء الأخريات إما يتخلين عن طلب الرعاية الطبية، أو يؤجلن تحديد موعد لأنهن يخشين من ألا تؤخذ أعراضهن على محمل الجد.

 

وبعد التشخيص تستمر التحديات. وتشير الدكتورة كلير ميريفيلد الطبيبة العامة والمديرة الطبية في شركة "سيلف" Selph (التي تقدم اختبارات في مجال الرعاية الصحية ولا سيما صحة الأمعاء والتمثيل الغذائي والمكملات الغذائية واليقظة الذهنية) إلى أن الضغط المتزايد على مرافق "أن إتش أس" تسبب بفترات انتظار طويلة بالنسبة إلى النساء، للحصول على علاجات تتعلق بصحتهن. وتوضح أنه "في عام 2022، تضاعف متوسط أوقات الانتظار للحصول على خدمات رعاية أمراض النساء في المستشفيات من 6.9 أسبوع إلى 13.7 أسبوع. واضطرت أكثر من 300 ألف امرأة للانتظار لفترة أطول من سنة، للحصول على معاينة من طبيب أمراض النساء، مقارنة بأقل من ألف في عام 2019". وتضيف أن هذا الضغط على الخدمات المتخصصة لا يترك مجالاً كبيراً للدعم الطبي في ما يتعلق بقضايا الخصوبة والفترة المحيطة بانقطاع الطمث، وكلاهما يمكن أن يسهم بشكل كبير في التوتر، والتأثير السلبي في رفاهية المرأة وصحتها العامة.

تاريخياً، كان الرجال هم المرضى القياسيون في الرعاية الطبية والأبحاث. في المملكة المتحدة، أقل من 2.5 في المئة من الأبحاث الممولة من القطاع العام تركز على الصحة الإنجابية للإناث، على رغم حقيقة أن امراة من كل ثلاث من المحتمل أن تواجه مشكلة تتعلق بأمراض النساء في حياتها. والنتيجة هي أن الإناث يجدن أنفسهن ضمن نظام رعاية صحية لم يتم تصميمه على نحو تؤخذ فيه احتياجاتهن في الاعتبار. وفي حين أن هذه التجربة قد تكون بالفعل محبطة، لكن ألا ينطبق الأمر أيضاً على مختلف أنحاء العالم؟

ليس تماماً، فبحسب السيدة تنارغوند تقوم دول عدة بخطوات كبيرة لمعالجة هذه الفوارق. وتعطي مثالاً على ذلك إسبانيا، التي أصبحت "أول دولة أوروبية تمنح حقوقاً للمرأة في مكان العمل في ما يتعلق بفترة الدورة الشهرية، مما يمكن أياً من النساء اللاتي يواجهن فترات حيض مؤلمة من أخذ إجازة من العمل مدفوعة الأجر بالكامل، وبدعم من نظام الرعاية الاجتماعية". وفي الوقت نفسه، تقول الدكتورة ميريفيلد إن "الدنمارك توفر مجموعة شاملة من علاجات الصحة الإنجابية ضمن نظام الرعاية الصحية الخاص بها، بما فيها علاجات العقم (على سبيل المثال، تغطى كلفة ثلاث دورات من التلقيح الاصطناعي للطفل الأول)". في المقابل، تشير الدكتورة ميريفيلد إلى أن "المملكة المتحدة تتجه نحو اتباع نهج تفاعلي تجاه صحة المرأة، وغالباً ما تسعى النساء إلى الحصول على الدعم فقط عند ظهور المشكلات بدلاً من خضوعهن للفحوصات التي قد تكشف مشاكل محتملة في المستقبل". وتلفت إلى كثير من الدول الأخرى تتبنى نهجاً أكثر استباقية، بحيث تقدم فحوصاً روتينية لا تسهل الكشف المبكر وتقديم الدعم فحسب، بل توفر أيضاً فرصاً للتثقيف والفحص الوقائي".

ثقافة العمل لدينا بالنسبة إلى النساء غالباً ما تتطلب ساعات أطول ومقداراً أقل توازناً ما بين العمل والحياة، مقارنة بنظيراتنا في أوروبا

جورجينا ستورمر، مستشارة نفسية

 

يضاف إلى ما تقدم أن هناك عوامل أخرى خارج نظام الرعاية الصحية تسهم في التحديات التي تواجهها المرأة. وتقول جورجينا ستورمر المستشارة المعتمدة لدى "الجمعية البريطانية للإرشاد والعلاج النفسي" British Association for Counselling and Psychotherapy (BACP) (وهي هيئة مهنية للمستشارين والمعالجين النفسيين الممارسين في بريطانيا) إنه "على رغم أن النساء يتمتعن بفرص أكبر من أي وقت مضى في المملكة المتحدة، إلا أننا نتحمل ضغوطاً هائلة". وتضيف أن "ثقافة العمل لدينا غالباً ما تتطلب ساعات أطول ومقداراً أقل توازناً ما بين العمل والحياة، مقارنة بنظيراتنا في القارة". وتقارن ستورمر الوضع في بريطانيا مع دول أخرى (كالبلدان الاسكندنافية، التي ينتهي دوام العمل فيها في الساعة الخامسة مساء تماماً، أو فرنسا التي تتعرض للانتقاد لإصراراها على التقليد المتمثل في تمضية إجازة صيفية طويلة). 

وتشعر النساء بتأثير هذه التحديات بشدة، لأنهن غالباً ما يتحملن مسؤوليات إضافية تتمثل في رعاية الأطفال، والقيام بالواجبات المنزلية، وتقديم الرعاية لأهل مسنين. ويعد نظام رعاية الأطفال في المملكة المتحدة أحد اكثر الأنظمة كلفة على مستوى العالم، مما يجعل من الصعب على بعض الآباء الجدد العودة للعمل. وبالتالي غالباً ما تتوقف النساء عن متابعة حياتهن المهنية من أجل رعاية أطفالهن، وهو خيار قد يناسب بعض الأمهات، لكنه قد يكون محبطاً بالنسبة إلى أخريات. يشار إلى أن بلداناً أخرى مثل الدانمارك لديها سياسات أكثر توازناً في مجال الإجازة الوالدية، بحيث لا تفترض أن أحد الوالدين يتعين عليه أن يتحمل النصيب الأكبر من مسؤوليات تقديم الرعاية منذ البداية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذاً ما الذي تتطلبه معالجة هذا الوضع السيئ؟ ترى الدكتورة ميريفيلد أن الاستثمار بشكل أكبر في الرعاية الصحية للنساء والاختبارات الوقائية، يمكن أن يحدث فارقاً كبيراً لدى النساء، خصوصاً لجهة توفير دعم أفضل لهن خلال فترة ما قبل انقطاع الطمث. وتوضح أن هذا "يمكن أن يحسن الحالة المزاجية ويقلل من خطر الإصابة بحالات صحية مثل القلق ومتلازمة الأيض". كما أن توفير خيارات لرعاية الأطفال بأسعار معقولة، وتعزيز الإجازة الوالدية المشتركة، هما بمثابة خطوات إيجابية إلى الأمام. ومع ذلك، من المفهوم أن تبدو هذه الحلول المقترحة وكأنها مبتذلة - فقد دافع عنها الناشطون منذ أعوام من دون إحراز تقدم يذكر. ربما تكون هذه الدراسة الجديدة بمثابة جرس تنبيه للتحفيز على اتخاذ إجراءات فاعلة في هذا الصدد. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن فكرة الانتقال إلى الدانمارك باتت أشد جاذبية على نحو متزايد.

© The Independent

المزيد من منوعات