Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع على القيادة في إيران... خيارات ما بعد المرشد (2)

تعامل المؤسس مع موضوع خلافته أو استمرارية النظام والمنظومة التي أقامها وأسسها وأشرف على تكريسها على حساب جميع القوى السياسية الفاعلة والناشطة داخل المجتمع الإيراني

لم يسيطر على المؤسس السيد الخميني هاجس التفكير في الشخصية التي يجب أو من الممكن أن تتولى موقع خلافته (أ ف ب)

ملخص

إذا ما كان المؤسس قد لجأ إلى سياسة استبعاد والقضاء على القوى السياسية الليبرالية واليسارية وغير الدينية، من أجل بناء مشروعه الديني والأيديولوجي، فإن مرحلة ما بعد المؤسس، وفي ظل سلطة وحكم المرشد الحالي، عمدت إلى عملية تصفية من نوع آخر، هذه المرة داخل المؤسسة الدينية الحاملة للنظام

لم تكن مسألة خلافة المرشد مطروحة في المشهد السياسي الإيراني تاريخياً كما هي مطروحة في هذه المرحلة، ولم يكن النقاش حول موقع القيادة وإلى من سيؤول حاداً وحاضراً كما هو في هذه الأيام، ولم يدخل النظام في حالة من الجدل والصراع وحتى في حالة من الغموض والإبهام المتعلق بمستقبل موقع ولي الفقيه، حتى في ظل عزل الشيخ حسين علي منتظري من موقعه كنائب لقائد الثورة وولي الفقيه، لجهة أن القلق، الذي كان مسيطراً على الطبقة السياسية الحاكمة، كان ضرورة التخلص من منتظري لما يشكله من عائق أمام تنفيذ وتطبيق المشاريع التي بدأت بالتبلور حول إدارة النظام والدولة.

ولم يسيطر على المؤسس السيد الخميني هاجس التفكير في الشخصية التي يجب أو من الممكن أن تتولى موقع خلافته وتحمل مسؤولية قيادة النظام وإدارة الدولة، كما هو حاصل الآن مع المرشد خامنئي الذي دأب، خلال السنوات الأخيرة، على تكرار الحديث عن ضرورة التفكير بين أعضاء مجلس خبراء القيادة في موضوع خلافته أو البحث عن الشخصية المؤهلة لتولي موقع القيادة من بعده.

تكرار هذا الحديث من قبل المرشد، وحتى أخيراً في اللقاء الذي جمعه مع أعضاء مجلس خبراء القيادة القدماء والجدد بعد الانتخابات الأخيرة، وكلامه عن المحددات والمواصفات التي يجب أن يتحلى أو يتمتع بها أي مرشح لهذا الموقع، وعلى اللجنة الثلاثية المشكّلة لهذه المهمة من أعضاء هذا المجلس أن تأخذها في الاعتبار عينه، تكشف، في جوهرها، عن عمق الأزمة التي تعاني منها الجماعة التي تمسك بمفاتيح القرار والنظام ومنظومة السلطة في اختيار الخليفة، إذ لم يحدث في زمن المؤسس أن كانت مسألة الخلافة محل جدل وصراع علني وتجاذب بين أقطاب السلطة والمؤسسة الدينية، على رغم وجود العديد من الشخصيات المؤهلة لتولي هذا الموقع في حينها، على العكس من هذه المرحلة، التي بات فيها الجدل والصراع مفتوحاً وعلنياً، والطامحون لتولي هذا الموقع، حتى من الذين لا يمتلكون المحددات والمواصفات المطلوبة بالحد الأدنى.

وإذا ما كانت الحوزة الدينية في مرحلة المؤسسة بما تمثله من تجسيد للمؤسسة الدينية الحاكمة، تملك القدرة على التأثير أو نوعاً من القدرة على فرض شراكتها في الاختيار، إلا أن منظومة السلطة في تلك المرحلة، وبعد أن استطاعت تكريس نفوذها ودورها وسيطرتها على مسار العملية السياسية وحتى العقائدية الأيديولوجية، ونجحت في إسقاط شرط "المرجعية" المطلوبة في القائد أو المرشد، الأمر الذي مهّد الطريق لإخراج هذا الموقع وإبعاده عن أي تأثيرات ونفوذ لهذه الحوزة الدينية، وتحريره من الشروط الثقيلة التي قد تعيق استمرارية إدارة النظام والدولة ضمن الرؤية التي كرّستها هذه المنظومة مستفيدة ومستغلة وجود وقبول ودعم المؤسس.

تعامل المؤسس مع موضوع خلافته أو استمرارية النظام والمنظومة التي أقامها وأسسها وأشرف على تكريسها على حساب جميع القوى السياسية الفاعلة والناشطة داخل المجتمع الإيراني، وأعطاها بعداً واحداً ينسجم مع رؤيته الدينية والأيديولوجية التي أسس لها وعمل من أجلها على مدى عقود من صراعه مع النظام الملكي، وأن الارتياح والطمأنينة بثبات واستمرار ودوام ما أسسه، لم يجعله قلقاً على موضوع خلافته انطلاقاً لاطمئنانه لقدرة من يمسكون بالدولة والمنظومة بتجاوز مسألة الخلافة التي تشكل مرحلة انتقالية لا تؤثر أو تزعزع الأسس والقواعد التي أسسها وأقامها وحددها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى العكس من ذلك، يبدو أن مسألة الخلافة، تشكل الهاجس الأساس للمرشد الحالي، إلى درجة يمكن القول إنها باتت مصدر قلق له ولشريحة واسعة من قيادات النظام ومنظومة السلطة، في ظل الصراع المفتوح والمفضوح بين العديد من الشخصيات الدينية للوصول إلى هذا الموقع، على رغم عدم امتلاكها الشروط المطلوبة في المرشد، سواء على مستوى العلوم الدينية أو القدرة على تقدير المصالح الاستراتيجية والسياسية للنظام.

ولا يمكن إلغاء مسؤولية النظام والسلطة في خلق وإيجاد هذا المأزق، في عدم وجود شخصية واضحة يمكن الإشارة لها أو التصويب نحوها باعتبارها القادرة على تولي زمام مسؤولية القيادة في المرحلة المقبلة ما بعد المرشد الحالي، وتكون قادرة على تأمين استمرارية الآليات القائمة في إدارة الملفات الداخلية والخارجية والمشاريع والمصالح الاستراتيجية للنظام ومنظومة السلطة.

وإذا ما كان المؤسس قد لجأ إلى سياسة استبعاد والقضاء على القوى السياسية الليبرالية واليسارية وغير الدينية، من أجل بناء مشروعه الديني والأيديولوجي، فإن مرحلة ما بعد المؤسس، وفي ظل سلطة وحكم المرشد الحالي، عمدت إلى عملية تصفية من نوع آخر، هذه المرة داخل المؤسسة الدينية الحاملة للنظام، فتحول الصراع الذي قاده النظام، من صراع بين المؤسسة الدينية والقوى غير الدينية أو المعارضة لسلطة هذه المؤسسة، إلى صراع بين أبناء هذه المؤسسة، من أجل الوصول إلى التخلص من كل الأصوات المعارضة أو التي من الممكن أن تشكل مستقبلاً مراكز ثقل مؤثرة داخل النظام.

هذه السياسة التي اعتمدها النظام في تصفية البيت الداخلي أو المؤسسة الدينية الحاكمة، أدت في أولى نتائجه إلى تهميش الحوزة الدينية وإلغاء دورها، وبالتالي استتباعها لمؤسسة النظام والسلطة، وفي ثاني نتائجها، أخرجت أو استبعدت شخصيات كان من الممكن أن تلعب دوراً مؤثراً أو وازناً في رسم معالم الشخصية التي من الممكن أن تتولى موقع ولاية الفقيه وقيادة النظام، الأمر الذي جعل خيارات النظام والمنظومة معه ضيقة عند التفكير في عملية الانتقال ومن سيتولى هذا المهمة المصيرية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل