Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين التربية الحديثة وتلك التقليدية منافسة في تربية أطفال اليوم

يظهر للأهل غالباً أنه لا يمكن الفصل بين الأمرين أو اعتماد أحدهما بمعزل عن الآخر

لا يمكن الاعتماد على التربية الحديثة أو التقليدية بالمطلق لأن لكل منهما ما يميزها (غيتي)

 

ملخص

هناك جدل دائم حول المبدأين لأن لكل منهما خصائص تميزه، وأي من الممارسات تعتبر الأفضل لتنمية شخصية الطفل بشكل سليم.

في تربيتهم أطفالهم يسعى الأهل إلى توفير بيئة آمنة لهم، وأيضاً إلى تنمية قدراتهم وتعزيز إمكاناتهم ليتمكنوا من الدخول في المجتمع ومواجهة الحياة بكل ما فيها من تحديات بأفضل شكل ممكن في يوم من الأيام.

ويعتمد بعضهم أساليب التربية التقليدية التي ترتكز على القسوة والتعامل الصارم مع الطفل، لاعتبارها مجدية أكثر لنمو شخصية صلبة، فيما يلجأ آخرون إلى التربية الحديثة القائمة على الحوار و تنمية إمكانات الطفل كافة مع هامش أكبر من الحرية، بهدف تنمية شخصية أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة.

ومن الأهل أيضاً من يفضل الدمج بينهما، أما الخبراء فيعتبرون أن ثمة خصائص تميز كلاً من الأسلوبين في التربية، وإن كانت الدفة قد تميل إلى التربية الحديثة بما يميزها من خصائص.

 

بين القسوة والحوار

اختارت جيهان معربس أن تربي توأمها وفق أسس التربية الحديثة، فكثيراً ما اعتمدت على الحوار والمشاركة في تربيتهما منذ الطفولة مستبعدة القسوة، وإن كانا طفلين مشاغبين تسببا لها بكثير من المتاعب. لكن في الوقت نفسه، لا تنكر أن ثمة حاجة أحياناً إلى القسوة في التربية وإلى النظام الصارم، خصوصاً مع الأولاد، لأن التهاون قد لا يجدي نفعاً في ظروف معينة أياً كانت المرحلة العمرية، ولذلك تعتبر أن الدمج بين أسلوبي التربية ضروري أحياناً في التعامل مع الأطفال لأن لكل أسلوب ما يميزه لنمو سليم للشخصية. 

دارين قبان تؤيد بدورها فكرة الدمج بين أسلوبي التربية، وتشير إلى أنها تربي طفليها وفق ذلك، فيكون للطفل ثقة بنفسه وشخصية قوية يتميز بها في المجتمع، ويعبر عن رأيه بثقة من دون خوف أو تردد. كما تفضل دارين أن تكون هناك علاقة صداقة تربط بين الأهل والأطفال على أساس المشاركة والحوار، لكن ضمن حدود معينة، "فيجب أن يبقى موقع الأهل مصاناً وأن يكون هناك التزام بحدود معينة مع الأطفال ليتصرفوا في إطارها، فلا تكون لهم حرية مطلقة من دون ضوابط، أما عندما يحصل خطأ فمن الممكن أن يحصل نقاش حوله ولو تكرر، وهذا لن يؤدي إلى زعزعة ثقة الطفل بنفسه كما يعتقد بعضهم، فمن المهم أن يدرك الطفل حجم أخطائه وتداعياتها". كما تشير دارين إلى أهمية العقاب أحياناً ضمن حدود لئلا يتحول إلى هاجس للطفل، "فمن المهم أن ترتكز التربية على الحوار وعلاقة الثقة مع ضرورة التقيد بضوابط معينة تجنباً للفوضوية في التربية".

أما إلسا سماحة فترفض الضرب والتعنيف رفضاً قاطعاً في تربية أطفالها، لكن تعتبر القسوة والتوازن بين أسلوبي التربية ضرورياً. وتشير إلسا إلى أنها تشعر بأن أطفالها لا يتمتعون بالمعلومات العامة والمعرفة التي كانت لديها عندما كانت في مثل سنهم، "فلا بد من أن يكون لهم مزيد من المعرفة والثقافة، وهذا ما تبين في الدول المتقدمة التي تعود إلى حد ما للأسلوب التقليدي في التعليم بخاصة". أما في التربية والمعاملة، فلا تعتبر هذه الوالدة أن القسوة مجدية، وتفضل التعامل مع أطفالها على أساس الحوار والثقة والمشاركة، ولهذا يتميز أولادها بصراحة واضحة ولا يخفون سراً عنها، لأنها عوّدتهم على هذا الأسلوب القائم على الثقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

للتربية الحديثة أسسها

ويبدو للأهل غالباً أنه لا يمكن الفصل بين التربية الحديثة والتربية التقليدية أو اعتماد إحداهما بمعزل عن الأخرى، فثمة حاجة دوماً إلى الاستعانة بممارسات من التربية التقليدية، وإن كان معظمهم يفضل الحوار وغيره من مقومات التربية الحديثة.

لكن في الواقع، تتطلب التربية الحديثة التحلي بالوعي للتقنيات التي من المفترض الاستناد إليها من لحظة إنجاب الطفل، فتكون هناك نظرة واضحة إلى ما هو متوقع منه في مستقبله وشخصيته، وفق ما توضح الدكتورة في العلوم التربوية واختصاصية علم النفس العيادي سمر الزغبي، التي تشير إلى أنه "من الناحية العلمية ثمة تطبيقات وممارسات خاصة بالتربية الحديثة أثبتت فاعليتها في المجال التربوي، أما التربية التقليدية فتعتمد على الضرب والقسوة لتنمية شخصية أكثر صلابة، مما قد يتحول في الواقع إلى تعنيف ويفقد الطفل ثقته بأهله مسبباً كوارث حقيقية على مستوى شخصيته، وانطلاقاً من ذلك لا يمكن إلا أن يكون هناك ميل إلى التربية الحديثة بمختلف تطبيقاتها بعد أن تبين أن للتربية التقليدية سلبيات عدة لا يمكن الاستهانة بها".

وفي وسائل التربية الحديثة هناك تركيز على مجالات النمو، ولكل من المراحل العمرية خصائص يمكن على أساسها التحدث عن إيجابيات تطبيقات معينة وممارسات قد تبدو فاعلة وسلبيات أخرى. لكن في الوقت نفسه، ترفض الزغبي الحديث بالمطلق عن فاعلية واستبعاد النمط الحازم في التربية، لأن له مكانه الذي لا يسمح بالاستغناء عنه، "إذ يجب عدم الاعتماد على النمط الفوضوي، لكن أيضاً يجب عدم تبني النمط التسلطي والحازم الذي يعتمد على العقاب بشكل أساس، وأثبت فشل الدول التي اعتمدت النظام الديكتاتوري، فيما نجحت الأنظمة الديمقراطية التي تتمتع بمزيد من المرونة واستطاعت أن تتفوق، وما نشدد عليه كخبراء في المجال التربوي ألا نعتمد في تطبيق أساليب التربية الحديثة على ما يأتي من الخارج، إذ لا يمكن تبنيها بالمطلق وإن كانت مبنية على دراسات وأبحاث أثبتت فاعليتها".

وبالتوازي، لا يمكن استبعاد القواعد المرنة والمعلنة والثابتة التي تسهم في بناء علاقة ثقة في التربية الحديثة، وهي تعتمد على ممارسات فيها مزيد من الحوار والمشاركة مع الطفل بالاستناد إلى رغباته. وبالتالي تبرز أهمية التركيز على القواعد المرنة  ضمن حدود، إذ يجب عدم المضي فيها بالمطلق حتى لا تؤثر سلباً في نمو الطفل وشخصيته، بدلاً من أن تكون هناك استفادة من أثرها الإيجابي. ولذلك/ تشدد الزغبي على ضرورة أن يبقى هناك مكان دائماً للحزم في التربية إلى جانب المشاركة، "فيجب ألا يتحول الطفل إلى صديق لأهله كما هو الاعتقاد السائد، لأن هذا غير ممكن، وقد تكون هناك نقاط مشتركة وعلاقة ثقة قائمة ومشاركة، لكن لا يمكن أن يتحول الأهل إلى أصدقاء لأبنائهم لأن لهم مكانتهم الخاصة مهما كانوا مقربين، ولذلك يجب أن تستند العلاقة إلى شيء من المرونة والثقة والتعلق والانفصال، مع أهمية الحفاظ على مسافة معينة بين الأهل والأطفال على رغم التفاعل القائم".

وتشدد الدكتورة في العلوم التربوية واختصاصية علم النفس العيادي أيضاً على أهمية تحفيز الطفل على المبادرة في سبيل إعداده حتى يقوم بالأمور من تلقاء نفسه في الحياة ويتمكن من مواجهة التحديات، إضافة إلى قواعد معينة يجب الحرص على تطبيقها أياً كانت الظروف، ومنها أن يكون الأهل قدوة أو نموذجاً يحتذى للطفل، سواء اُعتمدت أساليب التربية الحديثة أو التقليدية.

تنمية شخصية الطفل

من جهتها، تؤيد الاختصاصية في العلوم التربوية مهى قاسم ممارسات التربية الحديثة على التربية التقليدية، كونها تسعى إلى تنمية شخصية الطفل من مختلف جوانبها وتعزز قدراته وثقته بنفسه واستقلاليته، لأنها قائمة على الحوار بين الأهل والأطفال. وتقول قاسم، "فالتربية الحديثة تدعو إلى النقاش مما يزيد من سعة المعرفة لدى الطفل، وينطبق هذا على النقاش بين المعلمة والطلاب في التعليم الحديث، ويعتبر الحوار بنّاء دائماً ويؤدي إلى نتائج إيجابية، أما التربية التقليدية فتركز على الانضباط والقواعد والطاعة للأهل والأساتذة وفيها نوع من القمع، ففي المدرسة قد يمنع الطفل من طرح الأسئلة على الأستاذ".

وعلى رغم ذلك، ثمة جدل حول أفضلية كل من الأسلوبين، فلكل منهما سلبيات وإيجابيات تنعكس على الطفل في مكان ما، وقد يكون الاختيار بينهما بحسب الأولويات التي يضعها الإنسان، سواء للثقافة ربما أو للشخصية أو للالتزام والانضباط. وحسب قاسم، "لا يمكن أن ننكر أن للتربية التقليدية إيجابيات أيضاً، فمبدأ الامتثال للأهل والقواعد التي يفرضونها يساعد في تنظيم سلوك الطفل، فيتميز بالانضباط كونه مبنياً على قواعد معينة لا خلل أو تهاون فيها، ومن هذه الناحية تعتبر التربية التقليدية الأفضل، وفي الوقت نفسه فإن للتربية الحديثة إيجابيات عدة أيضاً، كأهميتها في تعزيز دور التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لتطوير مهارات الطفل والمعرفة لديه في هذا المجال، إضافة إلى تعزيز التفكير النقدي والفكر الأكثر اتساعاً وشمولية، إنما يبقى الدمج بينهما لتلبية حاجات الأطفال في تربية متكاملة ومتوازنة، فيمكن الدمج بين أفضل جوانب التربية الحديثة مع جوانب التربية التقليدية الفضلى".

وهنا يأتي دور الأهل في تحقيق التوازن لتنمية شخصية الطفل ومهاراته في بيئة سليمة تشجعه على التفكير النقدي والاستكشاف والمشاركة في صنع القرارات مع الأهل، ويمكن الحفاظ على التقاليد والثقافة التربوية التقليدية مع استيعاب التقنيات الحديثة لأسلوب تربوي سليم ومتوازن. لكن قاسم تشير إلى أنه "في أيامنا هذه تزيد صعوبة مراقبة كل ما يختبره الأطفال، ويصعب وضع الضوابط مما يزيد الأعباء والمسؤوليات على الأهل".

ويبقى المطلوب في الدمج بين الأسلوبين هو الحرص على التواصل الدائم مع الأطفال وإفساح المجال لهم للتعبير عن آرائهم، وتجنب توبيخهم أمام الآخرين أو المقارنة بينهم وبين آخرين أو مع أشقائهم، لما لذلك من انعكاسات سلبية على ثقة الطفل بنفسه. وهنا تبرز أيضاً أهمية المكافأة على سبيل التقدير، والاهتمام بحديث الطفل أياً كانت طبيعته، والامتناع من الضرب لأن ذلك قد يفسد شخصية الطفل ويؤثر في مستقبله. وبشكل عام، يمكن اعتماد قواعد التربية التقليدية بما فيها من انضباط وتوبيخ ونظام، على أن يكون التوجيه بالطرق الحديثة والحوار هو الأساس.

المزيد من تحقيقات ومطولات