Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيقاف وزير النفط الليبي... مكافحة للفساد أم مناكفة سياسية؟

كان من بين أبرز الوزراء المعروفين بمعارضتهم للدبيبة واتهمه بتوقيع اتفاقات تهدر ثروات الليبيين

وزير النفط والغاز الليبي الموقوف محمد عون (رويترز)

ملخص

حلت ليبيا في المرتبة 170 عالمياً أي من بين الدول الـ10 الأكثر فساداً في العالم والـ15 عربياً بـ18 درجة على مؤشر مدركات الفساد من بين 180 دولة.

جاء قرار رئيس هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا عبدالله قادربوه بإيقاف وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية محمد عون ليفتح ملف الفساد الحكومي الذي تعانيه البلاد منذ عقود، إلا أنه، أي القرار، لم يوضح تفاصيل أخرى في شأن القضية المنظورة أو المخالفات محل التحقيق.

واستند القرار إلى المادة 31 من القانون رقم 20 لعام 2013 بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية وتعديلاته ولائحته التنفيذية، وذكر أن إيقاف الوزير جاء "لدواعي ومقتضيات المصلحة العامة"، وبناءً على "مذكرة مدير الإدارة العامة للتحقيق ومجريات التحقيق حيال وقائع القضية رقم 178 الكاشفة لوجود مخالفات قانونية".

كذلك قرر رئيس الهيئة إيقاف مديرين بالمصرف الليبي الخارجي احتياطياً عن العمل، وفي وقت سابق هذا الشهر تقرر إيقاف رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للنقل السريع.

كل تلك الإيقافات تطرح أسئلة تتعلق بانتشار الفساد في الإدارة الليبية والهيئات الحكومية الرسمية وغير الرسمية في البلاد، بينما يرجعها بعضهم إلى مناكفات سياسية، إذ كان وزير النفط الموقوف من بين أبرز الوزراء المعروفين بمعارضتهم لرئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، واتهمه في وقت سابق بتوقيع اتفاقات من شأنها أن تؤدي إلى إهدار ثروات الليبيين.

وعقب القرار خرج الوزير الموقوف محمد عون في تصريحات صحافية، قال فيها إنه لم يتسلم ما يفيد بإيقافه من هيئة الرقابة ولا يعرف السبب، ولا يعلم ما هي القضية 178 التي استندت إليها هيئة الرقابة في قرار إيقافه، كما لم تستدعِه الرقابة ولم تأخذ أقواله في القضية التي أشارت إليها.

إلا أن مصدراً من هيئة الرقابة ذكر في تصريحات إلى صحيفة "المرصد" الليبية أن عون أوقف في قضية منظورة تحت التحقيق منذ مدة قدمت من رئيس مؤسسة النفط السابق مصطفى صنع الله.

وأوضح المصدر أن القضية تتعلق بتولي عون عام 2007 منصب رئيس اللجنة العليا للتفاوض المسؤولة عن صياغة اتفاقات تقاسم الإنتاج بين المؤسسة وشركائها الأجانب، شارحاً أن المستندات التي قدمها صنع الله، تتهم عون بمنح الشركاء الأجانب حق تغيير الاتفاقات وزيادة مدد الامتياز لأكثر من 60 عاماً بصورة مخالفة للقانون.

وأشار إلى أن المستندات المقدمة في شكوى صنع الله، تتهم عون بالتفريط في المال العام والتسبب في خسائر للدولة الليبية استمرت حتى عام 2023 بينما كان أحد عقود "شركة إيني" الإيطالية سينتهي في 2009.

فساد في كل المجالات

وكشف مؤشر مدركات الفساد CPI لعام 2023 الذي أصدرته "منظمة الشفافية الدولية" عن أن الفساد المستشري في الدول العربية "يقوض بصورة كبيرة تحقيق تقدم في المنطقة".

وحلت ليبيا في المرتبة 170 عالمياً أي من بين الدول الـ10 الأكثر فساداً في العالم والـ15 عربياً بـ18 درجة على مؤشر مدركات الفساد من بين 180 دولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول الباحث الاقتصادي وحيد الجبو لـ"اندبندنت عربية" إن "سبب تفشي الفساد في ليبيا بصورة كبيرة هو انهيار أجهزة الدولة بعد عام 2011 على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن الانقسام السياسي بين الشرق والغرب، وعدم سيطرة الدولة على المؤسسات التي دبت فيها الفوضى، مما شكّل فرصة سانحة للفاسدين لتوسيع أنشطتهم مع غياب المحاسبة القضائية بسبب الوضع الاستثنائي المتمثل في الانقسام والحروب الداخلية والاقتتال".

ويضيف أن "الفساد المستشري في ليبيا أدى إلى تخريب النسيج الاقتصادي وأثر بصورة كبيرة في المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة التي لم تعُد قادرة على الاقتراض لفساد المؤسسات المالية وغياب الحماية الأمنية للقوافل المصرفية بين طرابلس العاصمة وبقية مدن البلاد، فضلاً عن سوء الإدارة المالية والإدارية، مما أسفر عن انهيار النظام المصرفي في البلاد وانتشار السوق الموازية".

ويشير الجبو إلى أن "غياب الكفاءة في التعيينات والاعتماد على المحاصصة القبلية والمحسوبية في المؤسسات المالية أفقدتها النجاعة المطلوبة وأدت إلى خسائر كبيرة في مختلف القطاعات"، ويرى أن "الحل للخروج من هذه الوضعية هو العودة لدولة ليبية واحدة موحدة وإنهاء حال الانقسام السياسي وإبعاد كل الفاسدين والمتورطين في عمليات النهب وإحالتهم إلى الجهات القضائية، على أن تضغط منظمات المجتمع المدني على المؤسسات التي انتهت صلاحياتها مثل مجلس الدولة ومجلس النواب والسلطة التنفيذية التي أصبحت خارج الشرعية مع مطالبة الشعب بإجراء الانتخابات في أقرب وقت".

ويشدد الجبو على ضرورة دعم الاقتصاد الليبي وتحوله من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على العائدات النفطية فقط إلى اقتصاد متنوع تنافسي، خصوصاً مع ما تتمتع به البلاد من امتيازات مثل الموقع الاستراتيجي والجغرافي والثروات المتنوعة التي تزخر بها، لكن هذا غير ممكن الآن مع حال المخاض الصعبة التي تعرفها البلاد.

أخطاء وانحرافات

وأظهر آخر تقرير صادر عن "ديوان المحاسبة" الأخطاء والانحرافات والاختلالات التي تواجهها البلاد وتطغى على نهج إدارة المال العام وبيّن أن الإيرادات العامة خلال عام 2022 بلغت 177 مليار دينار ليبي (سعر صرف الدولار الرسمي يعادل 4.9 دينار، وفي السوق السوداء نحو 7.4 دينار)، وبفارق يتجاوز 40 مليار دينار عن البيانات التي أوردها المصرف المركزي ووزارة المالية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وزيادة بنحو 53 مليار دينار ليبي عن إيرادات عام 2021.

وأكد التقرير الحقيقة الثابتة منذ عقود وهي اعتماد الخزانة العامة بصورة كبيرة على النفط وبنسبة تزيد على 98 في المئة، إذ لم تتعدَّ مساهمة الإيرادات السيادية (الضرائب والرسوم وما في حكمها) خلال عام 2022 ما يساوي 1.5 في المئة من الإيرادات الكلية بقيمة 2.7 مليار دينار.

على جانب النفقات، بلغ إجمالي ما أنفق بحسب تقرير الديوان نحو 171 مليار دينار، وبزيادة بلغت 68 مليار دينار على نفقات العام الذي سبق، وبينما بلغ الفائض في الموازنة العامة لسنة 2021 نحو 20 مليار دينار، كان الفائض نحو 6 مليارات دينار فقط خلال 2022.

وتعكس الأرقام الواردة في التقرير الإخلالات الكبيرة في الإنفاق العمومي الليبي الذي يبقى من دون تدقيق ويتفاقم بصورة مخيفة بلا أي أفق للتصدي له والعمل على تركيز آليات تكبح جماحه، مما قد يحول ليبيا إلى جنة ضريبية باقتصاد متداعٍ يرجع البلاد عقوداً إلى الوراء.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي