ملخص
من عادات المرأة الطوارقية أنها هي التي تختار زوجها وليس العكس وتتزوج مرات عدة وهذه العادة تؤكد ارتباطها تاريخياً بعادات المرأة المرابطية مثل زينب النفزاوية التي اختارت بنفسها يوسف بن تاشفين أمير المرابطين زوجاً لها.
على رغم انتشار شعب الطوارق أو الملثمين الزرق، في مجالات جغرافية صحراوية، من قبيل مالي والنيجر وبوركينا فاسو والجزائر وليبيا، فإن علاقاتهم بالمغرب تظل حاضرة بقوة، تاريخياً وسياسياً وروحياً أيضاً.
ويرصد مؤرخون وباحثون مؤشرات عدة إلى العلاقات التاريخية والحضارية بين الطوارق والمغرب، باعتبارهم جزءاً من أمازيغ المملكة، منها المرأة واللثام ونمط الترحال واللغة، معتبرين أن "المغرب شكل على الدوام قبلة للزعامات السياسية والاجتماعية للطوارق".
القبيلة والأمازيغية
يقول في هذا الصدد المؤرخ المغربي إبراهيم القادري بوتشيش إن الطوارق أو "التوارك" أو "الرجال الزرق" كما يسميهم الرحالة الأوروبيون، يرتبطون بتاريخ المغرب ارتباطاً وثيقاً، وعلى الخصوص منذ بداية الفتح الإسلامي للبلاد، حتى إن بعض الباحثين ربطوا اسم "الطوارق" باسم القائد الأمازيغي طارق بن زياد.
ويورد بوتشيش مجموعة من المؤشرات التي تعكس ارتباط الطوارق بالمجال المغربي وتاريخه، منها المجال الجغرافي والانتماء القبلي، حيث إن مجال انتشار شعب الطوارق حالياً في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو والجزائر وليبيا، أي في المجال الصحراوي الذي يشمل منطقة شمال أفريقيا وجنوب الصحراء أو ما كان المؤرخون يطلقون عليه اسم السودان الغربي، هو ذات المجال الجغرافي الذي انتشرت فيه قبائل المرابطين.
ولفت المؤرخ إلى أن الأصل الأمازيغي لشعب الطوارق يؤكد أيضاً علاقاتهم التاريخية القديمة مع المغرب، إذ هناك من يرى أن أصل الطوارق يرجع إلى القبائل الأمازيغية التي كانت تقيم في أفريقيا الشمالية والصحراء قبل الإسلام، على غرار قبائل صنهاجة ذات الأصل الأمازيغي أيضاً، بل يذهب البعض إلى أن لفظ "طوارق "تحريف لمصطلح "تماشق" الأمازيغي، الذي يحيل على معنى "الرجال الأحرار".
اللثام والترحال
ومن المؤشرات الأخرى يضيف المتحدث، ارتداء اللثام ونمط العيش القائم على الترحال، حيث إن تغطية الوجه باللثام أو ما يعرف في الأمازيغية بـ"تاجلموست" يعد من الأعراف القديمة عند الطوارق، كما يعتبر لباسه ملزماً لكل من بلغ سن الرشد من الرجال، بينما النساء يمشين كاشفات الوجه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطرد بوتشيش أن كل المؤرخين يجمعون على أن المرابطين كانوا يتميزون بوضع لثام على وجوههم حتى إنهم عرفوا نتيجة لذلك بالملثمين أو أهل اللثام، كما عرفت دولتهم باسم دولة الملثمين، في حين لم تكن نساؤهم يتلثمن.
وأكمل أن "ما يثبت أن شعب الطوارق هم حفدة المرابطين كذلك، اعتماد نمط عيشهم الذي كان عليه الأجداد، فقبيل بداية تشكل الدولة المرابطية عاشوا حياة تعتمد على الترحال في الفيافي والقفار، والتنقل بحثاً عن الماء ومصادر الرزق، وهذا النمط الترحالي هو نفس النمط السائد اليوم عند الطوارق، مما يدل على استمرار هذه السمات الحضارية بين مرابطي الأمس وطوارق اليوم".
اللغة ومكانة المرأة
ومن المؤشرات الأخرى لارتباط الطوارق بالمجال المغربي، وفق بوتشيش، اللغة باعتبار أن اللهجات الأمازيغية متعددة وكثيرة التنوع في المغرب، وتعد اللغة الطوارقية مظهراً من مظاهر هذا التعدد، ومنها تتفرع ثلاث لهجات يختلف استعمالها من قبيلة إلى أخرى، وهي "التماشق" و"التماجق" و"التماهق"، وتكتب بحروف "تيفناغ" السائدة في المغرب، وإن كان استعمالها بدأ يقل في العقود الأخيرة لأسباب عدة، سياسية واقتصادية واجتماعية.
المرأة الطوارقية تعد أيضاً مؤشراً آخر من مؤشرات التواصل التاريخي بين الطوارق والمغرب فهي تحتل خانة متميزة داخل الأسرة وفي نسيج المجتمع، ولها شخصيتها الوازنة، وصوتها المسموع الذي يجعل منها ربة البيت الحقيقية وليس الرجل، بل إن الأبناء الطوارق ينتسبون إلى أمهاتهم وليس لآبائهم.
ومن عادات المرأة الطوارقية أنها هي التي تختار زوجها وليس العكس، وتتزوج مرات عدة، وهذه العادة تؤكد ارتباطها تاريخياً بعادات المرأة المرابطية مثل زينب النفزاوية التي اختارت بنفسها يوسف بن تاشفين أمير المرابطين زوجاً لها بعد أن كانت قد تزوجت ثلاثة أزواج قبله بمحض إرادتها.
العلاقات السياسية بين الطوارق والمغرب
من جهته يقول أستاذ العلاقات الدولية حسن بلوان، إنه يمكن وصف العلاقات المغربية مع تشكيلات الطوارق بالصحراء الأفريقية الكبرى بعلاقة الأصل بالفروع على اعتبار الروابط التاريخية والدينية المتينة الضاربة في الماضي القريب والبعيد، وهو ما شكل جسراً لعلاقات سياسية واجتماعية وثقافية بين المملكة المغربية والطوارق الأمازيغ عبر التاريخ.
واعتبر بلوان أن المغرب شكل على الدوام قبلة للزعامات السياسية والاجتماعية للطوارق، كما شكل عبر التاريخ مصدر إلهام للعلماء والوجهاء الطوارق، ومنطلقاً أيضاً للتيارات الدينية التي ما زالت متأصلة في المجتمع الطوارقي بخاصة في إقليم أزواد أكبر تجمع لشعب "الهشتاق"، الذي تربطه بالمغرب روابط ثقافية واجتماعية وثيقة.
وسجل المحلل ذاته أن "تأثير المغرب السياسي على مكونات الطوارق لا ينفصل عن النفوذ الروحي والديني للمغرب في الغرب الأفريقي والساحل والصحراء"، مورداً أن "الطوارق متشبثون بالمذهب السني المالكي والعقيدة الأشعرية ويتمسكون بالإسلام الوسطي المعتدل على رغم التحديات التي تفرضها الحركات الإسلامية المسلحة، مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وبقية الحركات الإرهابية.
وبالعودة إلى التحديات الأمنية التي تعانيها المنطقة بخاصة إقليم أزواد، يتضح أن المغرب حاضر بقوة في جميع تفاصيل التطورات السياسية والأمنية منذ أحداث عام 2012، حيث لم تنقطع وفود الطوارق إلى المغرب طلباً للنصرة أو الوساطة وعياً من الطوارق أن المملكة عامل مهم في استقرار المنطقة واستتباب الأمن فيها، ولاعب أساس في أي ترتيبات تنسج في عمقه الإقليمي الأفريقي.
3 ركائز
واعتبر بلوان أنه نتيجة للتغيرات الجيو- إقليمية المعقدة التي يعيشها الطوارق وإقليم أزواد، راهن المغرب دائماً على مواقف متوازنة وعدم الانجرار إلى فخاخ أطراف الأزمة في مالي، حيث حافظ على علاقات متميزة مع الحكومات المتعاقبة في باماكو، وفي الوقت نفسه بقي منفتحاً على تشكيلات الطوارق من خلال مقاربات دبلوماسية جديدة تقوم على ثلاث ركائز.
الركيزة الأولى، وفق بلوان، تتمثل في الحفاظ على وحدة الأراضي المالية كخط أحمر لا يمكن تجاوزه، والثانية النظر بحذر إلى تجاذبات القوى الإقليمية والدولية التي اتخذت الأراضي المالية ساحة للصراع وتصفية الحسابات الدولية.
وأما الركيزة الثالثة، تبعاً للمتكلم، فهي البحث عن مداخل جديدة اقتصادية وتنموية لحل الأزمة في مالي بين الطوارق والحكومة من خلال تمكينها من بوابة في المحيط الأطلسي وتكثيف التعاون بين دول الساحل والمغرب.
وذهب بلوان إلى أن العلاقات بين المغرب والطوارق تتسم بالحتمية التاريخية والجغرافية وأثمرت روابط سياسية واجتماعية وثقافية تحاول أن تستثمرها المملكة في جلب الاستقرار والأمن والتنمية للمنطقة انطلاقاً من قاعدة الصحراء المغربية".