ملخص
العلاقات تتطور باستمرار وهناك زيارات متعددة للوفود الدبلوماسية بين "طالبان" وإيران، وتنمية للعلاقات القنصلية، وتوقيع عدد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية
"طالبان" وإيران جارتان تجمعهما قواسم مشتركة منها محاربتهما حقوق الإنسان، ومواجهة عقوبات دولية واسعة، والقمع العنيف للنساء والمعارضين، وإطلاق شعارات معادية لأميركا. وجدير بالذكر أن العلاقة بين النظامين خلال العام الماضي تطورت في شتى المجالات منها العلاقات الدبلوماسية.
كما عمل الدبلوماسيون الإيرانيون خلال العام الماضي -خلال مؤتمرات دولية لم تحضرها "طالبان"- على سد الفراغ، واتخذوا مواقف تدعم مواقف "طالبان" وتحولوا إلى صوتهم في تلك المؤتمرات.
ويعد سفير إيران الدائم في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني على رأس هذه الجهود وإدارة لوبيات النظام الإيراني لمصلحة "طالبان" في المؤتمرات الدولية.
"تعاون أمني"
إنه يطرح دائماً خلال اجتماعات مجلس الأمن والكثير من المؤتمرات المرتبطة بأفغانستان موضوع ضرورة إيجاد علاقة مع "طالبان". لقد انتقد مراراً وتكراراً وفي أكثر من مناسبة العقوبات على "طالبان" وتجميد أموال البنك المركزي الأفغاني، إذ قال إيرواني خلال اجتماع مجلس الأمن أخيراً "يجب أن نعتبر من التجربة السابقة في فرض العزلة على طالبان".
كما ادعى إيرواني أن "طالبان نجحت في إيجاد الاستقرار في البلاد وإدارة اقتصاد أفغانستان". يتحدث المسؤول الإيراني عن إدارة "طالبان" للاقتصاد في وقت أنفقت الولايات المتحدة الأميركية 2.6 مليار دولار على أفغانستان من أجل تفادي انهيار البنوك الحكومية والخاصة في البلاد. لكن عدد المواطنين الذي يحتاجون إلى مساعدات في أفغانستان إلى ازدياد. واستناداً إلى أحدث الإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي نشرت في 2023، هناك أكثر من 29 مليون مواطن أفغاني بحاجة إلى مساعدات عاجلة.
وأثناء مشاركته في مؤتمر لمعارضي "طالبان" في روسيا، أشاد دبلوماسي إيراني شارك في الاجتماع بأداء الحركة، وقال للحاضرين: "التعاون الأمني الأفغاني مع الدول المجاورة ضد داعش أثمرت نتائج قيمة".
وادعى هذا الدبلوماسي الإيراني أن عمليات "طالبان" أدت إلى إضعاف "داعش خراسان"، على رغم الهجوم الانتحاري الذي استهدف مدينة كرمان خلال ذكرى مقتل قاسم سليماني وأسفر عن مقتل 96 شخصاً وجرح 284 آخرين.
"تقييم خاطئ"
وذكرت "رويترز" نقلاً عن مصادر أميركية أن الهجوم في مدينة كرمان نظمته "داعش خراسان" من داخل أفغانستان. هذا الهجوم الدامي يثبت أن تقييم النظام الإيراني لـ"طالبان" و"داعش خراسان" كان خاطئاً، وأن "داعش" لا يزال يشكل تهديداً في أفغانستان.
لكن السؤال الأساسي هو هل تثق إيران التي تدعم "طالبان" في المؤتمرات الدولية، بهذه الحركة أم تعتبر أيديولوجية هذه المجموعة خطيرة على أمنها؟
قال أحمد موسوي مبلغ، الصحافي الأفغاني المقيم في ألمانيا، في تصريح لـ"اندبندنت فارسية"، إن "النظام الإيراني ليس واثقاً بطالبان لكنه يحاول من خلال الحفاظ على العلاقات وتنمية التعاون معها منع الأضرار الناجمة عن هيمنة طالبان على أفغانستان".
ويرى موسوي مبلغ أنه خلال العام الماضي وعلى رغم التحديات بين إيران و"طالبان"، فإن العلاقات بينهما تتطور باستمرار، مشيراً إلى الزيارات المتعددة للوفود الدبلوماسية بين "طالبان" وإيران، وتنمية العلاقات القنصلية، وتوقيع عدد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية.
وأضاف أن "النظام الإيراني من خلال العلاقات مع طالبان يتعامل مع الحركة كحكومة قانونية ويتظاهر بأنه يعترف بحكم الحركة، لكنه بسبب الانتقادات المطروحة دولياً يتجنب الاعتراف الرسمي بحركة طالبان".
واعتبر الصحافي الأفغاني أن النظام الإيراني وخلال العام الماضي، عمل على تنمية نفوذه بين المسؤولين الأفغان المنتمين إلى قندهار بقيادة ملا هبة الله آخوند زاده. وأن هذا المعسكر يتمتع بنفوذ واسع في نظام "طالبان" ويدير جميع أجزاء حكم "طالبان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حكومة "طالبان"
وخلال الأشهر الأولى من عودة "طالبان" إلى الحكم، تولت شبكة حقاني بقيادة سراج الدين حقاني إدارة المؤسسات الأمنية والموانئ والمناجم في أفغانستان، لكن خلال العام الماضي تنحى العديد من قادة شبكة حقاني من مناصب أساسية وتقلص نفوذ هذه المجموعة، وأوكلت المسؤوليات في المناصب الكبيرة التي تدر الأموال في البلد إلى مسؤولين ينتمون إلى معسكر قندهار.
وكان إبراهيم صدر وعبد القيوم ذاكر، وهما من القادة الأساسيين في "طالبان" ومن المسؤولين المقربين للحرس الثوري الإيراني، قد فقدا مناصبهما في مايو (أيار) عام 2021 خلال تشكيل حكومة "طالبان".
خلافاً لتصورات مناصري المسؤولين المذكورين التي كانت تتوقع تولي ذاكر وزارة الدفاع وصدر إبراهيم وزارة الداخلية، فإن المسؤولين المعروفين في الحركة أزيحا من تركيبة الحكم في "طالبان" باتهام تلقي أموال وإمكانات عسكرية من الحرس الثوري الإيراني.
وبعدما غادر المسؤولان إلى هلمند وقندهار وعملا على تعبئة المناصرين لهما، أصدرت "طالبان" قرارين بمنح ذاكر مسؤولية مساعد وزير الدفاع وإبراهيم صدر مساعداً لوزير الداخلية في نظام "طالبان".
التحديات والخلافات
على رغم أن "طالبان" والنظام الإيراني عملا على تنمية العلاقات الدبلوماسية والتجارية، فيبدو أن الموقف الإيراني يستند إلى محاولتها احتواء خطر "طالبان"، لكن هنالك تحديات. فالنظام الإيراني قائم على نظرية ولاية الفقيه والحكم الذي يدور حول شخص واحد، بينما نظام "طالبان" قائم على معتقدات وتفسيرات متطرفة خاصة بها تحت إدارة شخص يطلقون عليه لقب "أمير المؤمنين". يقول أحمد موسوي مبلغ إن هذا الموضوع يشكل تضاداً أيديولوجياً وتحدياً في العلاقات بين النظامين.
من جانب آخر، فإن محاربة "طالبان" للغة الفارسية تثير انتقادات وغضباً في أفغانستان. لكن النظام الإيراني الذي يعد ضمن البلدان الناطقة باللغة الفارسية، ويدعي أنه حريص على الحفاظ على الإرث الحضاري والثقافي، لم يحتج بعد على هذه الإجراءات الصادرة عن "طالبان".
وكان عبد الغني برادر مساعد رئيس الوزراء في حكومة "طالبان" استعان بمترجم خلال زيارة إلى إيران، وكانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أفغاني في إيران بواسطة مترجم.
ويعتقد الصحافي الأفغاني أحمد موسوي مبلغ أن هذا التصرف من ملا برادر كان متعمداً من أجل إرسال رسائل بشأن هيمنة قوم البشتون على أفغانستان. أنه يعتقد أن النظام الإيراني لم يعترض على هذا الأمر لأنه لا يدخل الاهتمامات الثقافية في عمله الدبلوماسي والسياسي.
وفي الوقت نفسه، فإن "طالبان" وعلى أساس قراءتها المتطرفة من المذهب، أصدرت أوامر مشددة ضد الرجال والنساء في أفغانستان. وعملت على إلغاء الفقه الشيعي الذي كان معتمداً خلال عمل الحكومة السابقة في الجامعات والمؤسسات القضائية، ومنعت تدريس المواد المرتبطة بالمذاهب الأخرى، واكتفت بالمواد المرتبطة بالمذهب الحنفي في المدارس.
إضافة لإجراءات "طالبان" ضد المذهب الشيعي التي لم ترافق احتجاجاً إيرانياً رسمياً، فإن الحركة خاضت خلافاً مع إيران حول حق الاستفادة من مياه نهر هلمند، ويعد هذا الأمر من التحديات في العلاقة بين النظامين.
معاهدة 1972
منذ عودة "طالبان" إلى الحكم، انتقد الكثير من المسؤولين الإيرانيين تخلي الحركة عن معاهدة عام 1972. في تلك المعاهدة وردت تفاصيل حق استفادة إيران من مياه نهر هلمند، وأن أفغانستان تعهدت بالالتزام بها.
وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد وجه انتقاداً شديداً لـ"طالبان" خلال زيارته إلى محافظة سيستان وبلوشستان، قائلاً "عليكم أن تأخذوا كلامي على محمل الجد... لا تلوموني بعد هذا التحذير".
وأشار موسوي مبلغ إلى التناقض الأيديولوجي بين النظامين في أفغانستان وإيران والتوتر بينهما بشأن حق الاستفادة من مياه هلمند، والذي أثار خلافاً عميقاً بين البلدين، فإن النظامين يسعيان إلى تعزيز أوجه مشتركة بينهما. يعتقد الصحافي الأفغاني أن تشابك المصالح بين إيران وروسيا والصين ونظام "طالبان" يساعد على تعزيز التعامل بين "طالبان" والنظام الإيراني، لكن خلافاً لتصورات الكثير من المسؤولين الإيرانيين، فإن "طالبان ليست عدوة لأميركا، بل إنها تعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة".
وأضاف الصحافي الأفغاني، مثلما تسعى إيران إلى تصدير المعتقدات الشيعية وتصدير الثورة إلى المنطقة، فإن "طالبان" تصدر الإرهاب إلى بلدان المنطقة منها آسيا الوسطى.
وكان المسؤولون في عدد من بلدان آسيا الوسطى وكذلك روسيا قد حذروا من خطر نمو التطرف في بلدانهم، وعبروا عن قلقهم من نمو نشاط المجموعات الإرهابية في أفغانستان.
وكان المراقبون في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة قد أكدوا في تقرير صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي، استمرار العلاقات بين "طالبان" و"القاعدة" وتحريض "طالبان" باكستان و"الحركة الإسلامية" في أوزبكستان و"الحزب الإسلامي" في تركستان وجماعة "أنصار الله" في طاجيكستان وعدد آخر من المجموعات الإرهابية. وقد أكد التقرير أن "طالبان" و"القاعدة" يتوليان الدعم المالي لعدد من هذه المجموعات منها "أنصار الله" في طاجيكستان.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"