Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نموذج الدولة غائب في ليبيا لكننا لسنا سوريا والعراق

يرى سلامة الغويل رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الليبي أن بلاده بعيدة من الإفلاس ولا تحتاج قروض صندوق النقد والبنك الدوليين رغم تراجع الدينار

ملخص

يقول سلامة الغويل إن توقيت رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا غير مناسب ويدعو إلى التحقيق لمعرفة أين يذهب؟

بعد أكثر من 12 عاماً على سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، لا تزال هوية الاقتصاد الليبي بلا ملامح واضحة، فلا هو الاقتصاد "الرأسمالي المتوحش" غير القابل للرقابة، كما لم يعد هو أيضاً الاقتصاد الاشتراكي المتأصل في الأساس طوال أربعة عقود من حكم النظام الجماهيري السابق، ومع ضبابية المشهد الاقتصادي في البلاد، وتواريه خلف أزمات سياسية وأمنية هي أشد فتكاً وأعلى صوتاً وأبرز حضوراً، غاب الإصلاح عن الاقتصاد الليبي لسنوات، وغاب معه التأسيس لمناخ استثماري آمن مدعوم بتشريعات وقوانين وقرارات ولوائح محفزة تجعل من ليبيا بيئة أعمال حاضنة وجاذبة للاستثمار.

التحديات والفرص والأزمات لم تغب عن طاولة حوارنا مع رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الليبي سلامة الغويل، فيما بدا الرجل الذي شغل في الماضي منصب وزير الدولة للشؤون الاقتصادية أكثر ميلاً للحديث انطلاقاً من البدايات لا المستجدات الأخيرة، إذ يقول إن بلاده تزخر بثروات وموارد طبيعية ضخمة، وتتمتع بموقع جغرافي متميز جعلها طوال التاريخ مطمعاً للغزاة، وفوق ذلك وتلك كوادر وخبرات علمية وفنية وعدد محدود من السكان لا يثاقل في حاجته إذا ما قورنت بحجم الثروات التي يمتلكها، لكن ثمة عقداً ضائعاً من عمر بلاده وأكثر تعقدت خلاله كثير من الملفات، وكان بإمكان الاقتصاد الليبي أن يكون في مكان آخر لولا الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد.

غياب نموذج الدولة المستقرة

في حديثه لـ"اندبندنت عربية" يرى سلامة الغويل أن الانقسام السياسي في ليبيا كان سبباً في غياب نموذج الدولة المستقرة، ومع غياب القوانين وتغول الفوضى الأمنية، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، كان من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد الليبي سلباً بتلك العوامل المجتمعة، التي لم تنتج حالة إيجابية داعمة لهذا الاقتصاد.

 

يشير الغويل إلى الانقسام السياسي في بلاده باعتباره السبب الرئيس في الأزمة الاقتصادية، فالاستثمار، كما يقول، في حاجة إلى بيئة آمنة باعتباره مؤسساً على قناعات رجال الأعمال والشركات، لكن ما حدث هو اعتماده على ثقافة الصفقة والانتهازية والاكتناز من دون التأسيس لأطر اقتصادية تنموية حقيقية، علاوة على بقاء هوية الاقتصاد الليبي من دون تشخيص بعد سقوط النظام السابق، وما إذا كان هذا الاقتصاد رأسمالي متوحشاً غير قابل للرقابة أو اقتصاد اشتراكي متأصل في الأساس منذ أربعة عقود.

ويرى الغويل في بلاده فرصاً ناجحة للاستثمار. ويقول إن كثيراً من رجال الأعمال العرب نجحوا في ليبيا، وليبيا صدرها رحب ومواردها متاحة وهي أرض بكر، وتحتاج فقط إلى خلق أمان نفسي وقانوني واجتماعي، فيما يتطلع أن تكون بلاده "محطة كل مستثمر يرغب في تطوير رأسماله واستثماراته، بخاصة أن القيم المجتمعية لليبيين يشهد بها الكثير".

الدولار والدينار والسوق السوداء

وبينما استشرى في ليبيا نشاط السوق السوداء للصرف، وارتفع الدولار إلى مستويات تجاوزت ثمانية دنانير في الأسابيع الأخيرة، يحمل الغويل حكومة غرب ليبيا جانباً من المسؤولية، حيال تدهور قيمة الدينار الشرائية وارتفاع معدلات التضخم واستنزاف الاحتياطات الأجنبية. ويقول إن إنفاق هذه الحكومة الضخم وغير المنطقي أدى إلى انفلات في الأسعار وأزمة الدولار وظهور السوق السوداء، إضافة إلى غياب العدالة والتنمية الحقيقيين، مع المبالغة في إبرام الصفقات السياسية لكسب المواقف.

ويعود الغويل بقوله "نظام المغالبة لا ينتج إلا القهر، والبرلمان حاول كثيراً أن يردع تلك السياسات، وأنتج حكومة حقيقية هي حكومة أسامة حماد، وبرعاية حقيقية للمؤسسة العسكرية، وبقيادة سياسية وتناغم مع الأطراف الدولية وخطاب وطني يفتح لليبيا الآفاق أن تكون دولة ذات سيادة، وبوفاق مع السلطة القضائية، وهذه كلها نواة بناء دولة، وحتى المواطنين بدأوا في مد جسور التواصل".

 

ويشير الغويل إلى أن ليبيا اليوم قاب قوسين أو أدنى من بناء دولة حقيقية مرجعيتها البرلمان وعلاقته المتوازنة مع التيار الإصلاحي في مجلس الدولة والجيش والقضاء والنيابة العام، في وقت ينحسر خلاله تيار الفوضى لصالح التيار الأكبر الراغب في بناء الدولة، متوقعاً دعم الدول الفاعلة في الملف الليبي مثل: السعودية ومصر والمغرب والإمارات وقطر، وكل الدول التي تدعم قيام حكومة موحدة، ولم يبقَ إلا القليل، معرباً عن اطمئنانه وتفاؤله بتشكيل حكومة وطنية موحدة تقود البلاد إلى الانتخابات.

توقيت رفع الدعم عن المحروقات

وبينما تلوح حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة في غرب ليبيا بإلغاء الدعم عن المحروقات، بدعوى عدم فعاليته وتشجيعه ظاهرة التهريب، واستنزاف موارد الدولة، يعارض وزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق، المقترح ويقول إن توقيته غير مناسب، وتقف وراءه أهداف سياسية، فيما الليبيون رافضون هذا القرار، مستدركاً "صحيح نحن في حاجة إلى هذا القرار لكن ليس الآن وليس في هذه الظروف أو هذا المبلغ المرصود للدعم، وينبغي التحقيق في طبيعة هذا الدعم وأين تذهب هذه الأموال، والمضي في المسار الإصلاحي أكثر فأكثر".

وعن حاجة إلى ليبيا للاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين، يعبر وزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق عن رفضه هذه التوجهات والمساعي، إذ يراها غير موضوعية أو واقعية وتجافي واقع البلاد الغنية بالثروات النفطية، فيما عدد سكان بلاده محدود، مضيفاً "لدينا خبرات قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة في التوقيتات المناسبة، وصحيح أن المواطن الليبي يعاني لكن معاناته لا تزال أقل من معاناة المواطنين في الإقليم، وسيكون هناك عمليات جراحية مطلوبة من المصرف المركزي، ولا خوف على ليبيا في ملف صندوق النقد الدولي، ولن تصل إلى مرحلة الإفلاس والاقتراض، وأنها لن تسقط بعون الله".

 

وتحدث رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الليبي، عن تاريخ نشأة مجلسه بقانون عام 2010، قبل أن يحول سقوط النظام السابق دون تفعيله قبل أن يستحدث المجلس في عام 2022، استشعاراً لأهمية وجوده في الاقتصاد الليبي، وبصلاحيات واسعة تحافظ على حماية المنافسة العادلة بين المؤسسات الإنتاجية والتجارية والاقتصادية المختلفة بصورة عامة، فيما هو جهاز رقابي يتبع السلطة التشريعية في ليبيا باعتبارها أكثر شمولية وقانونية وإلزاماً من السلطة التنفيذية، لأن من مهام مجلس المنافسة ومنع الاحتكار كما يقول، مراقبة السلطة التنفيذية، وآليات عملها وتفعيل انضباط مؤسسات هذه السلطة الإنتاجية والخدمية، لضمان جودة الحياة وتوفير السلع والخدمات للمواطنين.

ليبيا ليست سوريا والعراق

ويضيف رئيس المجلس "وفقنا بعد إنشاء هذا الجسم في خلق ثقافة مجتمعية حوله، وإقامة علاقات تعاون بينه وبين الأجهزة الرقابية الأخرى داخل الدولة، التي تشترك جميعها في توجيه المسار الاقتصادي للبلاد، والمجلس رصد عديداً من التجاوزات المتعلقة بالاحتكار والإضرار بالمنافسة داخل المجتمع الليبي، وخاطبنا الجهات المتخصصة ومن بينها النائب العام، وبالفعل أوقفنا هذا التجاوزات بعد تجاوب النيابة العامة مع تفعيل القانون في تلك المخالفات غير المشروعة، التي لا تحفظ حقوق المستهلكين وتكرس الاحتكار ولا تأبه بمعايير المنافسة العادلة، إذ إن من بين رسالة المجلس الحفاظ على المواطن وصون حقوقه كمستهلك".

 

ويعرج سلامة الغويل في حديثه إلى النيابة العامة والقضاء، مثنياً على هذه السلطة الوحيدة التي لم تنقسم كباقي السلطات والهيئات، وأسهمت في خلق حالة من الطمأنينة والأمان والهيبة لقرارات هذه السلطة، مضيفاً "لو كانت هذه السلطة انقسمت أيضاً لسقطت البلد بأكملها، ولكانت نموذجاً آخر للعراق وسوريا".

ويرى الغويل أن بلاده في حاجة إلى دعم الدول الإقليمية والعربية والإسلامية من أجل المحافظة على الهوية الليبية واقتصاد البلاد، بخاصة أن ليبيا لديها كثير من الموارد والامتيازات الجغرافية، وانفتاح في الإقليم الأفريقي. ويقول "نثق في الدول الإقليمية بخاصة مصر والسعودية وغيرهما من الدول الأخرى الفاعلة في الملف الليبي، ونتطلع إلى مخاطبة ضمائر قادة هذه الدول بالوقوف مع ليبيا، وأن تكون ليبيا كعادتها معول خير فاعل في معالجة جروح هذه الأمة في كل المحطات".

ويختتم رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الليبي، مؤكداً وجوب طمأنة جميع الأطراف السياسية في البلاد، والدول المهتمة صاحبة الأثر والجهد، فيما هو واثق من أن العدالة الاجتماعية الناجزة الحقيقية ممكنة اعتماداً على موارد البلاد، ومؤسسة على الشفافية ونقل الخبرة من دول العالم، خصوصاً تجارب السعودية ومصر والإمارات وقطر والجزائر.

المزيد من حوارات