Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إدارة "فترة انتقال" السودان بعد الحرب... أزمة داخل الأزمة

حديث ياسر العطا اعتبره كثر تكريساً لديكتاتورية جديدة

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا خلال زيارة الأول أم درمان بعد استعادة الجيش هيئة الإذاعة والتلفزيون (إعلام مجلس السيادة السوداني)

ملخص

طرح حديث ياسر العطا تساؤلات عدة حول من هو الوصي على الشعب السوداني؟ ومن الذي يحدد خياراته؟ وما الوضع المثالي لإدارة الفترة الانتقالية بعد توقف الحرب ما يضمن استقراراً سياسياً كاملاً؟

أشعل حديث مساعد قائد الجيش السوداني عضو مجلس السيادة ياسر العطا أمام مجموعة من العسكريين بأن الجيش لن يسلم السلطة للقوى المدنية من دون إجراء انتخابات، وأن الفترة الانتقالية التي تأتي بعد انتهاء الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش وقوات "الدعم السريع" سيقودها الجنرال عبدالفتاح البرهان، جدلاً كبيراً وسط السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره كثر تكريساً لديكتاتورية جديدة.

 

كما طرح هذا الحديث تساؤلات عدة حول من هو الوصي على الشعب السوداني؟ ومن الذي يحدد خياراته؟ وما الوضع المثالي لإدارة الفترة الانتقالية بعد توقف الحرب وما يضمن استقراراً سياسياً كاملاً؟

ضعف وتراخٍ

الكاتب السوداني عثمان ميرغني أشار إلى أن "هناك خللاً في الملعب السياسي السوداني، فالقوى السياسية المختلفة دائماً نجدها تنتظر ما يهدى إليها من سلطة على طبق من ذهب، إذ ظلت القوات المسلحة السودانية تحكم البلاد منذ إطاحة النظام السابق على رغم الشراكة الموقعة مع القوى المدنية بما عرف بالوثيقة الدستورية في الـ17 من أغسطس (آب) 2019، في ظل تراجع القوى السياسية المنضوية تحت تحالف قوى الحرية والتغيير، فهناك كثر من الملفات التي كان يجب أن يقودها المدنيون بتفويض من الوثيقة الدستورية مثل ملفات السلام والاقتصاد، لكن أصبحت في يد المكون العسكري بسبب ضعف وتراخي الحكومة المدنية آنذاك". وأضاف "الواقع أن تراجع المكونات السياسية منذ أن بدأت الحرب وتركها الفضاء واسعاً لطرفي الحرب شجع أكثر السلطة العسكرية الحاكمة حالياً على المضي قدماً في استغلال الفراغ السياسي ومحاولة التمادي للاستمرار في الحكم حتى بعد نهاية الحرب، فمتابع مجريات الأحداث منذ إطاحة نظام المؤتمر الوطني، وحتى اليوم، سيكون على قناعة بأنه لن تكون هناك انتخابات حقيقية ونزيهة بعد انتهاء فترة الانتقال المقبلة حتى إذا سلمنا جدلاً أن القوى العسكرية ستسلم السلطة عبر الانتخابات، نظراً إلى غياب القوى المدنية وعدم تأثيرها في المشهد السياسي، فالثغرة لا تزال في القوى السياسية التي بسبب ضعفها تشجعت السلطة العسكرية للاستمرار في الحكم".

 

وتابع الكاتب السوداني "الوضع المثالي لإدارة الدولة بعد الحرب أن يكون هناك حكم مدني كامل من دون أي شراكة مع القوى العسكرية، على أن تنحصر مهام المنظومة العسكرية في حراسة البلاد والدستور وليس التصدي لأي عمل سياسي أو قيادة الدولة على أي مستوى من المستويات حتى إذا كان تشريفياً في المجلس السيادي، لذلك لا بد أن يتم الآن وقبل نهاية الحرب اختيار رئيس وزراء على أن يكون محايداً ولا ينتمي لأي قوى حزبية، وأن يقوم بتكوين حكومة مدنية من شخصيات مستقلة ومعروفة بالاستقامة السياسية وتكون قادرة على تأسيس دولة حقيقية".

وختم ميرغني "هذا الأمر يساعد، مجرد انتهاء الحرب، في أن تكون هناك سلطة مدنية قادرة على استكمال هياكل الدولة بخاصة المجلس التشريعي والمؤسسات العدلية المختلفة والمفوضيات، مما سيؤدي إلى أن تكون هناك دولة كاملة الأركان بدلاً من وجود هياكل مفرغة من السلطات كما كان الوضع قبل الحرب".

ديكتاتورية شمولية

من جهته قال المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ "ما ذكره مساعد قائد الجيش ياسر العطا في ما يتصل بصورة إدارة المرحلة التي تلي إنهاء الحرب هو تصور فعلي يقود لتأسيس ديكتاتورية شمولية، كما أنه يمثل تنصلاً من التزام قائد الجيش، في يوليو (تموز) 2022، بالخروج الكامل للقوات النظامية والجيش من المشهد السياسي وعودته للثكنات، بالتالي فإن هذا الحديث هو التفكير، للمرة الأولى، بصوت عالٍ، للموقف الرسمي للعطا الذي ظل يقدم نفسه وكأنه أبرز المدافعين والملتزمين بثورة ديسمبر (كانون الأول)، في حين أن تطلعاته السلطوية كانت واضحة للعيان، لذلك فإن مناهضته الاتفاق الإطاري وقيادته تيار الحرب نابعتان، بصورة أساس، برغبته الشخصية في استمرار طموحه السياسي، مما دفعه فعلياً للتحالف مع تنظيم الحركة الإسلامية وزعيمها علي كرتي على رغم التباين بين الطرفين باعتبارهما يسعيان لتأسيس تيار سلطوي شمولي".

ونوه أبو الجوخ إلى أن "الحديث عن تسليم السلطة للمدنيين عبر الانتخابات لن يكون إلا تكراراً لانتخابات حقبة حكم الإخوان في السودان، إذ تمتزج رغبات الجنرالات المتعطشين للسلطة ومجموعات الإسلاميين من خلال الاتفاق على سلطة مشتركة ريثما يتفجر صراع مستقبلي بينهما". وتابع "من الواضح أن التوجهات الإقليمية والدولية باتت تتحرك بإيقاع أسرع من أجل إنهاء الحرب، ومن الضروري الانتباه لبلورة موقف شبه موحد يتمثل في ضرورة إخراج تنظيم الإسلاميين الإخواني المصر على استمرار الحرب من المعادلة المستقبلية، إلى جانب خروج الجيش والقوات النظامية من العمل السياسي وتسليم السلطة للمدنيين، وهذا يفسر سبب تصريحات العطا وكرتي والمجموعات المرتبطة بالإسلاميين وتصعيد خطابها أخيراً باعتبارهم على علم كامل بهذا التوجه ما يقطع الطريق على مساعي عودتهم للسلطة مجدداً أو حتى وجودهم في المشهد السياسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وختم المحلل السياسي "التصور المستقبلي يقوم على ضرورة وضع معالجات تضمن عدم اندلاع الحرب مجدداً، ما يتطلب إصلاح وبناء المؤسسات العسكرية والأمنية على أسس قومية مهنية احترافية خاضعة للسلطة المدنية الدستورية، وستكون هناك مجموعة تحديات أمام المؤسسات التي ستتولى الحكم بعد الحرب على رأسها معالجة آثار الحرب، وتحقيق العدالة، وإعادة الأعمار، والتعويضات للمتضررين، بوصفها تحديات أساسية باتت مرتبطة بإعادة تأسيس الدولة مجدداً، وهذا يتطلب حقيقة سنداً إقليمياً ودولياً بغرض الإعانة والمساعدة في مشاريع إعادة الإعمار وجبر الضرر".

نتائج كارثية

في السياق أيضاً، أوضح المتخصص في مجال العلوم السياسية في "الجامعات السودانية" عبده مختار أن "السودان وأهله لن ينعموا بالاستقرار السياسي والأمن مع هذه العقلية التي تدير البلاد الآن، ما دام ما ترمي إليه، بعد توقف الحرب، استمرارها في السلطة، ما يعني إعادة إنتاج الأزمة، لأنه عمل ضد إرادة الشعب الذي صنع الثورة ضد العسكر والنظام الإسلاموي السابق، فهذا فعل استفزازي للشارع السوداني، لكن الشعب لن يسكت عن ثورته، ومن الصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء"، لافتاً إلى أن مشكلة العسكريين أنهم يقفون مع حاضنة سياسية لفظها الشعب في ثورة شعبية عظيمة يشهد لها كل العالم.

وأضاف مختار "الحديث عن استمرار العسكر في الحكم بعد الحرب حديث غير مسؤول لأنه لن يقود إلى استقرار البلاد وتحقيق إرادة الشعب وآماله وطموحاته بأن يحكم نفسه بنفسه بصورة ديمقراطية، بالتالي ليس هناك مخرج وخيار غير الاستناد على تجربتي أكتوبر (تشرين الأول) 1964 وأبريل (نيسان) 1985، اللتين كان قوامهما حكومة كفاءات مستقلة بعيداً من أي إملاءات من الحاضنة التي تقف وراء المكون العسكري".

وأشار المتخصص في مجال العلوم السياسية إلى أن "فرض الاستقرار بالقوة ستكون نتائجه كارثية على البلاد، فلا بد من حكومة انتقالية تعبر عن إرادة الشعب وتحظى بالقبول الجماهيري، فضلاً عن إبعاد طرفي الحرب عن الساحة السياسية".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات