Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اختفت أزمة دارفور من رادار الأخبار؟

السمة العامة لحرب الإقليم أنها إثنية كنتيجة للتعصب القبلي لكنها انعكست كثيراً على الخرطوم نفسها

بدأ التمرد في دارفور عام 2003 حين حملت الحركات التي تنتمي للقبائل الزنجية السلاح ضد تهميشها سياسياً واقتصادياً (حسن حامد)

ملخص

على رغم احتفاظ قوات "الدعم السريع" بطابعها شبه العسكري في إدارة الحرب إلا أنها في دارفور تبدو فاعلة قبلياً كنتيجة حتمية لسيادة القبيلة كسلطة بعد انحسار دور الدولة.

بينما يؤمن كثيرون بأن أزمة دارفور، أزمة حقيقية بدأت بمواجهات عسكرية لتمهيد وتهيئة البيئة الإدارية لجهاز الدولة السودانية للاقتناع بها عبر تحقيق نموها ثم تصاعدها من خلال ابتزازها بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي لا يعانيها الإقليم وحده، وإنما أقاليم عدة في البلاد، فإنه في الاتجاه المقابل يعتقد كثيرون بأن تلك الأزمة هي "مصنوعة" لتحقيق مصالح وأهداف محددة، ويدللون على ذلك بفتراتها الزمنية التي تشهد نشاط الحركات المسلحة والميليشيات العابرة للتنظيمات العسكرية وشبه العسكرية.

تطاول أمد أزمة دارفور التي واكبت في بداية عنفوانها الحرب الأهلية في جنوب السودان، ثم بعدما انفصل الجنوب، إلى الواجهة مرة أخرى، وعلى رغم تعدد الجهود لوقف نزيف الحرب في هذا الإقليم السوداني، إلا أنها تسببت في تأثيرات سلبية أرهقت الدولة وعمقت الانقسام المجتمعي الذي يزداد مع اتساع نطاق الأزمة وبقائها في حال المواجهة الفعلية لكل النظم الحاكمة.

ومن تربة دارفور أيضاً كانت تنمو جذور حرب السودان الحالية بين قوات الجيش و"الدعم السريع"، ومنها تحركت قوات خليل إبراهيم زعيم حركة "العدل والمساواة" السابق وغزت الخرطوم عام 2008. ومن دارفور تحركت قوات "الدعم السريع" إلى الخرطوم، بعدما أسس لذلك النظام السابق بإنشاء قوات "الجنجويد" ثم رعى تحولها إلى "الدعم السريع". وبعد أن اتخذت العاصمة مقراً لها بهدف التهيئة للدمج في القوات المسلحة، ليحدث الخلاف بينها وقوات الجيش ثم اندلعت الحرب.

استمرت أزمة دارفور بتهديد كيان الدولة السودانية وأصبحت جزءاً من الموروث التاريخي، من دون أن تعترف النخبة السياسية بالأزمة بصورة تامة لتتمكن من معالجتها، لذلك، ظلت تتجدد على نحو دائري.

أصل الحرب

السمة العامة لحرب دارفور هي أنها حرب إثنية، كنتيجة مباشرة للتعصب القبلي، وبغرض حيازة الأرض بين القبائل العربية وتلك التي تعود لجذور أفريقية أو ما يتعارف عليه بعبارات "عرب وزرقة". وبدأ التمرد على الحكومة عام 2003، حين حملت الحركات التي تنتمي إلى القبائل الزنجية السلاح، محتجة على تهميش المنطقة سياسياً واقتصادياً، ولكن بمرور الوقت خرج الصراع في الإقليم إلى نزاع داخل القبيلة الواحدة أو تحالفات بطون قبائل ضد أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع أن الحرب الحالية قادتها قوات "الدعم السريع" التي تعود بأصولها لقبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية، إلا أن دوافعها لإشعال الحرب في الخرطوم منذ أبريل (نيسان) الماضي، تختلف عنها في دارفور، ففي العاصمة وبقية الولايات لا يجسد الدافع الإثني أي أهمية على عكس تحركاتها في دارفور عند اجتياحها مضارب قبيلة المساليت.

على رغم احتفاظ "الدعم السريع" بطابعها شبه العسكري في إدارة الحرب، إلا أنها في دارفور تبدو فاعلة قبلياً، وهو نتيجة حتمية لسيادة القبيلة كسلطة بعد انحسار دور الدولة، ومحاولات النخب السياسية الاستفادة من حال عدم الاستقرار بالبحث أيضاً عن جذور تقوي بها موقفها في التنافس السياسي، ولذلك لم تخلُ أي حركة مسلحة من الركون إلى حزب سياسي يتبناها، إذا لم تنبثق منه مباشرة.

مراحل التعتيم

حال التعتيم الإعلامي لأزمة دارفور ليست حديثة ولكن غرابتها في هذه المرحلة، أنها منذ اندلاع الحرب، كان الصراع فيها مزدوجاً، الصراع القديم القائم منذ عام 2003 والجديد بهجوم قوات "الدعم السريع" على بعض الإثنيات أبرزها قبيلة المساليت للدرجة التي وصفت فيها تلك الهجمات بالإبادة الجماعية.

ويمكن إدراج مراحل التعتيم في، الأولى، إنكار أو التقليل من حجم الأزمة، إذ تتم ممارسة تعتيم إعلامي بإظهار صلابة موقف أحد طرفي النزاع وأن الوضع مسيطر عليه، وكان هذا الإنكار متفشياً في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير، واستمر حتى بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية تهماً بالإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية عام 2008، وأصدرت مذكرة توقيف عام 2009 ضد البشير وأعوانه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتمت مذكرة تسليم البشير بناءً على إحالة من مجلس الأمن الدولي لأن السودان لم يكن حينها عضواً في المحكمة.

أما ثاني مراحل التعتيم، فتمثلت في إخماد الأزمة بالمواجهة العنيفة مع القوى الفاعلة لمعرفة مدى قوتها ومدى تماسك الحركات المسلحة التي أنشأتها، وهذا لا يعني بالضرورة الاعتراف بالأزمة، بقدر ما يمكن اعتبار الفاعلين فيها مجرد متمردين لا قضية حقيقية لهم، وإنما يحركون من الخارج لزعزعة الأمن الداخلي.

وعندما يتعرض النظام لضغوط دولية، فإنه يلجأ إلى تفريغ الأزمة من خلال وضع البدائل باستقطاب زعماء الحركات المسلحة وإشراكهم في الحكم صورياً من دون حل الأزمة في الإقليم. وحدث ذلك أيضاً في ظل نظام البشير، عندما أسس حكومة الوفاق الوطني التي شملت إضافة إلى قادة بعض الحركات المسلحة، زعماء أحزاب سياسية عينوا في مواقع قيادية بتعيينات سياسية كمساعدين للرئيس.

 

 

أما المرحلة الثالثة، فهي تفتيت أزمة دارفور، وأسهم في ذلك وصولها إلى مرحلة شديدة الخطورة، لا سيما عند التحامها بالحرب في الخرطوم، وقوع العنف على مرأى من العالم، في وقت يحاول المجتمع الدولي تهدئة طرفي النزاع للوصول إلى هدنة. ولا تخلو هذه المحاولة من تحالفات جانبية بين أطراف الأزمة، ومصالح متضاربة.

وفي هذه المرحلة، تحولت أزمة دارفور التي كانت ملء السمع والبصر ويتعامل معها المجتمع الدولي كأزمة متكاملة من دون تحديد لولاية من ولاياتها الخمس، إلى أزمات صغيرة مقسمة مكانياً بفعل تدخل متعمد، وإثنياً بما يشبه تفجير الأزمة ذاتياً من الداخل.

نقاط مركزية

أثار الحراك التاريخي اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً بين دارفور ودول الجوار، خصوصاً تشاد اهتماماً دولياً متزايداً بالإقليم من جانب فرنسا وحلفائها الغربيين، وظلت هذه القوى تراقب التغيير الإيجابي في وتيرة العلاقات بين السودان وتشاد، كما لم تكن متحمسة للتحرك عند نشوب أي خلافات. وفي الغالب كان إقليم دارفور يترك لمصيره، خصوصاً إذا كانت وتيرة الصراع تركز على الداخل ولم يكن له تأثير إقليمي.

في هذه الأجواء تمددت قضية دارفور إقليمياً ثم دولياً، في وقت لم يبلغ فشل الدولة السودانية أو الحرب المدمرة في جنوب السودان ثم دارفور أي مصالحة، ولذلك انصب الاهتمام الدولي السياسي والإعلامي على تحديات الحرب وتأثيراتها، وكذلك الاهتمام باللاجئين إلى ليبيا وتشاد والنازحين على حدود الدولتين أكثر من الاهتمام بإنسان دارفور وسط نيران الحرب.

بدأت أخبار دارفور بالتلاشي مع انشغال المجتمع الدولي بالحرب الروسية- الأوكرانية. وبعد اندلاع حرب السودان، فعلى رغم معاناة نحو 9 ملايين من أهل دارفور وتعرضهم لما وصف بالإبادة الجماعية، فإنها شهدت فورة إعلامية موقتة، ثم انزوت. وتوقع مراقبون أن تعود الأضواء إليها بعد الأحداث الأخيرة واسعة النطاق، ولكن كانت استجابة الإعلام لنقاط مركزية في مدن أخرى مثل ود مدني، ثم انشغل العالم، بالحرب الدائرة في غزة.

هبة تشاد

لا يتوقع أن تنزوي أخبار دارفور طويلاً، ففي الأيام المقبلة سيشهد الإقليم تسليط الأضواء عليه مرة أخرى وبصورة متزايدة، بعد الأحداث الأخيرة والتوتر السياسي في تشاد على أثر مقتل زعيم "الحزب الاشتراكي بلا حدود" المعارض يحيي ديلو الذي كان من المفترض أن يخوض الانتخابات في مواجهة الرئيس محمد كاكا ديبي لإنهاء الفترة الانتقالية الممتدة منذ ثلاثة أعوام، إذ أعلنت الحكومة التشادية اعتقال ديلو وآخرين بتهمة التحريض على مهاجمة مقر الاستخبارات ومحاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا في البلاد، بعد مواجهة مع القوات الحكومية، ثم اعتقل صالح ديبي إنتو، عم رئيس الفترة الانتقالية محمد إدريس ديبي، والعضو في الحزب الذي كان يترأسه ديلو.

وربما تزيد الأحداث تعقيداً وتنزلق نحو مواجهات حامية بسبب الخلافات السياسية في إثنية الزغاوة الحاكمة التي تفاقمت بسبب الانقسامات داخل الحرس الجمهوري بين قوات "التدخل السريع" التابعة لمحمد كاكا ديبي، وقوات الحرس الرئاسي التابعة لصالح ديبي، ولكن هناك احتمالاً آخر بأن يحكم الرئيس الانتقالي قبضته كاملة على تشاد بعد الانتخابات، لتعود تشاد مرة أخرى لدائرة التعتيم.

 

 

وصف الباحث والصحافي الفرنسي جيروم توبيانا في كتابه "حرب تشاد – السودان بالوكالة وعملية دارفور تشاد... الأسطورة والحقيقة" أن "الصراع الدائر في دارفور يتخطى بآثاره البعيدة المدى الحدود السودانية إلى تشاد بصورة خاصة. والمساعي المبذولة من قبل الحكومة التشادية لتجنب الانحياز إلى أي طرف من أطراف النزاع تبددت في 2003 – 2004 بوصول 200 ألف لاجئ سوداني عبر الحدود وإرساء المجموعات الدارفورية المتمردة قواعد خلفية لها في شرق تشاد".

وأوضح توبيانا أن استقواء الحركات الدارفورية المسلحة المتمردة بتشاد، هو نتيجة لدخول المجموعات الإثنية العابرة للحدود ضمن صفوفهم، ومنها الزغاوة والبديات التي ينتمي إليها الرئيس التشادي الحالي ووالده إدريس ديبي. الآن يمكن أن يكون التأثير عكسياً بوجود هذه الإثنيات في تخوم البلدين، لا سيما أن العنف في شرق تشاد وغرب دارفور يتغذى على النزاعات بين المجتمعات المحلية، ثم يتمدد بعد ذلك لضعف مؤسسات الدولة في البلدين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل