Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لن يؤدي تشكيل حكومة فلسطينية جديدة لتغيير الواقع الراهن؟

يجب أن تتزامن معها خطوات أخرى تتعلق بترتيب أوضاع الفلسطينيين في المجمل وإجراء الانتخابات المؤجلة في المدى المتوسط

جانب من اجتماع للحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة محمد اشتية (وفا)

ملخص

إن إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية في العموم تحتاج إلى توافقات دولية وإقليمية متعددة، وليس فقط تشكيل حكومة فلسطينية في توقيت بالغ الأهمية

تأتي خطوة تشكيل حكومة فلسطينية جديدة في ظل سياقات محددة أهمها استمرار العلميات الإسرائيلية في قطاع غزة، وعدم توقف إطلاق النار حتى الآن على رغم مساعي أطراف رئيسة إقليمياً (مصر – قطر) ودولياً (الولايات المتحدة – فرنسا) للتوصل إلى هدنة جديدة، وإتمام المرحلة الأولى من الخطة الثلاثية المراحل.

أهداف عاجلة

ولذلك أهداف عاجلة هي:

رغبة الرئيس محمود عباس في نقل رسالة للجانبين، أولاً الأميركي، مفادها أن السلطة الفلسطينية بصدد إعادة ترتيب خياراتها السياسية والاقتصادية والعمل على ملء الفراغ الذي قد يتم بعد وقف إطلاق النار، مما يتطلب تشكيل حكومة جديدة، وثانياً الإسرائيلي، بأن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن إدارة القطاع في المقام الأول وليس أي فصيل آخر وأن الوضع السابق كان استثنائياً بعد انقلاب حركة "حماس" على السلطة الشرعية.

التجاوب مع مطالب بعض الأطراف المعنية ومنها مصر والأردن والسعودية بإجراء تغييرات في الداخل الفلسطيني (بصرف النظر عن الخلاف في شأن الاسم المرشح لرئاسة الحكومة) وإعادة ترتيب الأوضاع الفلسطينية، وبهدف إفشال مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في إجراء تعديلات هيكلية على مستويات السلطة الفلسطينية الراهنة، ومسعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى نقل رسالة استباقية للقوى والفصائل الفلسطينية التي اجتمعت في موسكو في الـ28 من فبراير (شباط) الماضي، لترتيب الأولويات الفلسطينية في الفترة المقبلة مع العمل على توحيد المواقف والتوجهات الفلسطينية الحالية.

سد الثغرات التي تعلن عنها الحكومة الإسرائيلية الراهنة (خطة نتنياهو الأخيرة) بتشكيل سلطة جديدة تكون مسؤولة عن إدارة الأوضاع في قطاع غزة، وتعمل إلى جانب السلطة الإسرائيلية التي ستبقى في القطاع لبعض الوقت، ونقل رسالة إلى المؤسسات والمنظمات الدولية بأن السلطة الفلسطينية تجدد حضورها السياسي والاقتصادي في قطاع غزة بهدف تأكيد الدور الجديد الذي يمكن للسلطة الفلسطينية أن تقوم به في الفترة المقبلة ارتكاناً إلى وجودها الشرعي بمقتضي "اتفاق أوسلو" التي لا تزال تحكم العلاقات بين السلطة الفلسطينية، وتل أبيب على رغم المساعي الإسرائيلية إلى إفشال دور السلطة والمطالبة بإعادة هيكلتها.


رسائل مباشرة

أما الرسائل المباشرة التي ستوجهها خطوة تشكيل حكومة فلسطينية جديدة فهي:

نقل رسالة للرأي العام الفلسطيني وللقيادات الصاعدة في جيل الوسط في حركة "فتح" بقدرة الرئيس محمود عباس على التغيير والإمساك بكل الملفات السياسية داخل مركزية "فتح" وسائر مواقع النظام السياسي الفلسطيني. ويسعى عباس إلى نقل رسالة متعددة الاتجاهات داخلياً وخارجياً بإمكانية التغيير في كل قطاعات النظام الفلسطيني، وليس فقط في الحكومة، ومن ثم الرد على المطالبات الفلسطينية من مختلف الفصائل بضرورة إجراء انتخابات تشريعية وبرلمانية تتماشى مع ما يجري في الداخل الفلسطيني وعدم اقتصار الأمر على قطاع غزة.

يتخوف رئيس السلطة من مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بتكرار سيناريو ياسر عرفات برفض التعامل مع رمز السلطة الفلسطينية ورئيسها، بما ينزع شرعية عباس، وصولاً إلى احتمالات إقدام نتنياهو على تجميد العمل، أو التهديد بوقف العمل باتفاق أوسلو بخاصة مع تعثر حصول السلطة الفلسطينية على المتحصلات الجمركية، وعدم تنفيذ "اتفاق باريس" الشق الاقتصادي في "اتفاق أوسلو" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

قطع الطريق على حركة "حماس" التي تسعى إلى البقاء في المشهد السياسي العام باستمرار التفاوض معها على ملف المحتجزين وباعتبارها الطرف الرئيس الموجود في الواجهة الراهنة، ومن ثم فإن تشكيل حكومة جديدة ينقل رسالة بقوة المركز السياسي للرئيس عباس في الخريطة الفلسطينية، وباعتباره القيادة المسؤولة عن إدارة الأوضاع الفلسطينية وبصفته الثلاثية رئيساً للسلطة، ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيساً لحركة "فتح".

إشكالات محددة

إلا أن عدداً من الإشكالات تقف في طريق تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، أبرزها:

رفض "حماس" إجراء أي تغيير وزاري يأتي بحكومة تكنوقراط متخصصة وفنية للتعامل مع المتغيرات الجديدة في الداخل الفلسطيني، بخاصة أن الحركة تتجه إلى تبني استراتيجية محددة في ظل المناورة عبر الدخول ضمن نظام منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة تأكيد شروطها (المحاصصة)، وطرح حلول عامة لإتمام الحوار الوطني الفلسطيني المتعثر منذ سنوات، مما قد يؤجل أي خطوات لإعادة تعويم دور السلطة الفلسطينية وإعادة تقديمها للواجهة الدولية مجدداً، وتصميم "حماس" على الإبقاء على خيار المقاومة، والمناورة به في مواجهة برنامج حركة "فتح" الداعي لاستئناف التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بدعم ومشاركة دولية، وإعادة تأكيد تأييدها خيار الدولة الفلسطينية المستقلة انطلاقاً من ثوابتها الرئيسة (فلسطين من النهر إلى البحر) على رغم اعترافها بحدود يونيو (حزيران) 1967 بناءً على وثيقة حركة "حماس" التي أعلنتها أخيراً، ووضع الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية مزيداً من الشروط، ليس لقبول أو رفض التعامل مع حكومة فلسطينية جديدة، وإنما لإجراء مزيد من التغييرات في السلطة الفلسطينية بأكملها وتغيير القيادة الفلسطينية، وإجراء انتخابات جديدة، وبناء شرعية جديدة للنظام الفلسطيني بأكمله، وهو أمر قد يواجه بحالة رفض من القيادة الفلسطينية، حيث لا تريد - في الأقل في الوقت الراهن - إجراء أية تغييرات، بل المضي مرحلياً في بعض الخطوات التي تراها واشنطن وتل أبيب أنها غير كافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استمرار احتلال إسرائيل لغزة والبقاء في القطاع لأطول مدة ممكنة لفرض الاستقرار، ومنع وقوع حوادث أمنية في مدنه، بخاصة في خان يونس، ومدينة غزة مما قد يبقي الأمور على ما هي عليه، على رغم تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، وعدم تقديم أي مساعدات أوروبية، وعدم الإفراج عن المستحقات التي تحتجزها إسرائيل، واستمرار تجميد المساعدات الأميركية إلى حين اتضاح مسار الأحداث في قطاع غزة مما قد يعرقل أي خطوة مستجدة للحكومة الفلسطينية أياً كانت عناصرها، وخبراتها المطروحة.

احتمال تغيير الحكومة الإسرائيلية الراهنة وإعادة تشكيل ائتلاف وطني في إسرائيل لا يقتصر فقط على مجموعة اليمين مما قد يؤدي إلى مزيد من التشدد وليس المرونة، وعلى اعتبار أن دخول شخصيات مثل بيني غانتس أو يائير لبيد لن يأتي بجديد في ظل وجود وزراء من نوعية بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وانشغال الإدارة الأميركية بقرب الانتخابات الرئاسية مما سيؤخر بالفعل أي اتصالات أو خطوات قد تقدم عليها الإدارة الراهنة، مما سيتطلب الاستعداد فلسطينياً بكل الأوراق السياسية الممكنة لمواجهة احتمالات عودة الرئيس الأميركي السابق ترمب إلى البيت الأبيض.


الخلاصات الأخيرة

تعد خطوة تشكيل الحكومة الفلسطينية خطوة هامشية، ويجب أن تتزامن معها خطوات أخرى تتعلق بترتيب الأوضاع الفلسطينية في المجمل، وإجراء الانتخابات المؤجلة في المدى المتوسط، ومن المتوقع أن يكون لخطوة تشكيل حكومة جديدة تأثيرات في الداخل، بخاصة لدى حركة "حماس" التي لا تريد استحضار دور بديل عنها، على رغم إدراك قيادات الحركة بأن إعادة الأوضاع إلى ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ستكون صعبة.

ومن المرجح اتجاه "حماس"، بل والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة أيضاً، التي لا تنضوي تحت قيادة "منظمة التحرير" إلى التشويش على خطوة تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة بتأكيد عدم ملاءمة ذلك في التوقيت الراهن. كما ستتجه السلطة الفلسطينية إلى تبني خيارات انفرادية وليس من خلال تشاورات جماعية تضم الفصائل، سواء ما يتم في موسكو، أو ما سيجري في الجانب الآخر من الصورة في قطاع غزة، على اعتبار أن إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية في العموم تحتاج إلى توافقات دولية وإقليمية متعددة، وليس فقط تشكيل حكومة فلسطينية في توقيت بالغ الأهمية، وفي ظل الصراع الراهن حول الخطوة التالية التي يمكن العمل عليها في ظل ما يجري من تطورات متعلقة بإدارة المشهد الفلسطيني بأكمله، واشتراط الولايات المتحدة إجراء تغيير كامل في منظومة السلطة الفلسطينية، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وتجديد مؤسسات النظام الفلسطيني بأكمله، وهو أمر لن يقتصر على تشكيل حكومة جديدة بوجوه قديمة يعاد تدوير دورها، وفي ظل ظروف صعبة ومعقدة تحتاج إلى تعاملات غير تقليدية، وهو ما سيدفع إما إلى التعامل بعيداً من الأطراف المعنية، أو النظر إلى ما يجري من تغييرات حكومية على أنها أمور شكلية لا يمكن التوقف أمامها كثيراً في ظل الإعصار القادم إلى السلطة الفلسطينية من الداخل، ودورها على الساحة السياسية المقبلة في رام الله، وأي دور يمكن أن تقوم به في ظل تصاعد دور المنافسين من تلويح إسرائيلي بحكم العشائر، أو تكنوقراط من خارج السلطة، وهو ما سيظل يمثل إشكالية حقيقية للسلطة الفلسطينية ورموزها في رام الله، وتسعى إلى امتداد دورها في قطاع غزة في المرحلة التالية من وقف إطلاق النار.

المزيد من تحلیل