Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خريطة المحافظين في المشهد الانتخابي الإيراني (4-4)

المعسكر المحافظ تحول إلى مسرح لكل الجماعات الساعية لتكون شريكة في المشهد السياسي

يتوجه الإيرانيون الجمعة إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات البرلمانية ولاختيار أعضاء مجلس خبراء القيادة (أ ف ب)

ملخص

جميع القوى والأحزاب في المعسكر المحافظ تعمل ضمن استراتيجية واحدة بما يخدم أهداف منظومة السلطة والقيادة، مع احتفاظها بخصوصياتها الحزبية التي تسعى للاستئثار بالمشهد والسيطرة على الحصة الأكبر في مختلف المواقع والاستفراد بها

إن أي محاولة رصد أو البحث في الآليات التي تحكم التحالفات داخل المعسكر المحافظ أو الموالي للنظام في إيران، تقف عند المستوى الأول الظاهر لها، من القدرة على الخوض في التفاصيل والأبعاد والخلفيات، التي تبقى في مجال التقدير، إذ من الصعب الوقوف على الأبعاد أو الخلفيات الحقيقية لأي قرار أو إجراء تتخذه أو تقوم به، نتيجة غياب الشفافية وحالة الشك بين هذه القوى وصراع المصالح وما يتحكم بها، والتي تتجاوز في كثير من الأحيان حدود الإدراك العقلي والمنطقي لأي شخص من خارج هذه المنظومة. 

من هنا، وعلى رغم إمكانية حصر التنافس بين ثلاثة أقطاب رئيسيين في هذا المعسكر، هي تجمع ائتلاف قوى الثورة "شانا" و"جبهة الثابتون" (بايداريها) وتجمع الوحدة "شوراي وحدت"، وأنها تتلاقى على نقاط وأفكار وتختلف على أخرى بخاصة في ما يتعلق بتقاسم الحصص أو في تصدر أشخاص للمشهد وتوليهم للمناصب المتقدمة في السلطة والإدارة، فإن الذي يستدعي التوقف عنده، هو بروز تشكلات جديدة، تحاول أن تأخذ مكاناً لها في هذا المشهد، وأن تدخل على لعب التقاسم والشراكة في السلطة، في ظل عدم وجود منافس من خارج هذا المعسكر، وتحوله إلى تنافس داخلي في البيت الواحد.

ومن هذه القوى الجديدة التي بدأت بالتبلور منذ سنة وفي المراحل الأولى لبدء التفكير الجدي داخل هذا المعسكر في الانتخابات البرلمانية، هو تيار "الشبكة الاستراتيجية لأنصار الثورة الإسلامية" (شبكة راهبردي ياران انقلاب إسلامي) واختصارها "شريان"، بقيادة واضحة من وزير الطرق والإسكان مهرداد بذرباش والنائب السابق حميد رسائي. 

تقسيم الأدوار

في الوهلة الأولى يبدو هذا التيار أو الشبكة أنها انقسام داخل "جبهة الثابتون"، إلا أن المسار والمواقف التي تكمن في خلفية هذا التشكل والأهداف التي يسعى لها، تدفع إلى الاعتقاد بوجود تقسيم للأدوار بينها وبين الجبهة، بحيث يتولى هذا التيار إعلان المواقف المتشددة نيابة عن الجبهة التي قد تجد نفسها محرجة في ذلك، بخاصة إذا ذهبت نحو عقد تسويات مع التجمعات والتشكلات الأخرى المنافسة، وتحديداً مع ائتلاف قوى الثورة "شانا" الذي يتمسك بالرئيس الحالي للبرلمان محمد باقر قاليباف كمرشح وحيد للمعسكر الإصلاحي لتولي السلطة التشريعية مرة جديدة. 

 

التقارب بين رئيسي و"شريان"

ويتهم هذا التيار أو الشبكة بالتنسيق مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، كون أن معظم قياداتها هم أعضاء في حكومته، وأن الهدف من هذا التقارب والانسجام، يقوم على رغبة كل منهما بالتخلص من رئاسة قاليباف للبرلمان، وما يشكل بالنسبة لرئيسي التخلص من مصدر قلق أو تشويش عليه وعلى عمل حكومته. وهذه العلاقة أو التقارب بين رئيسي و"شريان" يعتبر مكملاً لتقارب وتنسيق سابق بين الرئيس و"جبهة الثابتون" الذي سمح بالتعاون بينهما بعد توليه السلطة التنفيذية، وسمح لهم بالوصول إلى العديد من مفاصل الدولة سواء في الوزارات أو الإدارات العامة. 

وقد تحول هذا التقارب، وتولي أعضاء في الحكومة مواقع قيادية في هذا التيار، إلى اتهام رئيسي والسلطة التنفيذية بالتدخل في الانتخابات البرلمانية ومحاولة السيطرة عليها وكسب الأكثرية فيها، من أجل التخفيف من مصادر المعارضة لسياساته الإدارية وبخاصة الاقتصادية منها، الأمر الذي يضرب بشكل واضح مبدأ فصل السلطات التي نص عليها الدستور بشكل واضح، ويخرج موقع الرئاسة عن دوره كحكم بين مؤسسات الدولة. 

"جبهة الثابتون" تشكك في أسباب هذا التقارب بين رئيسي و"شريان"، وتعتبره محاولة من الرئيس لاستعادة التجربة التي سبق أن قام بها وزير الطرق والإسكان بذرباش في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، عندما شكّل التجمع الانتخابي الذي عرف باسم "الرائحة الحسنة للخدمة - رايحه خوش خدمت" واستطاع الحصول على ثلث مقاعد العاصمة طهران وفرض أحمدي نجاد شريكاً أساسياً داخل المعسكر المحافظ وفي السلطة التشريعية. 

 

"انتخاب الأصلح"

وبالتالي فإن "جبهة الثابتون" ينظرون إلى هذا التقارب كاستهداف لهم من قبل رئيسي، الذي من المفترض أن يكون متحالفاً معهم، وأن رئيسي يسعى لإضعاف دورهم وتحجيم الضغوط التي يمارسونها عليه وما يحصلون عليه من مواقع في الإدارات العامة وفي الحكومة، بخاصة وأن رئيسي بدأ منذ أشهر بعملية استبدال أشخاص في مواقع إدارية أساسية وعين فيها أشخاصاً موالين أو مقربين منه على حساب الأشخاص المعزولين المحسوبين على الجبهة. 

هذا التوتر في العلاقة بين رئيسي و"جبهة الثابتون"، دفع أمينها العام صادق محصولي للتعرض لرئيسي بشكل غير مباشر، معلناً أن الدعم الذي تقدمه هذه الجبهة لأي طرف هو دعم مشروط، وأنها لم "تمنح أي شخص شيكاً على بياض" ليتصرف كما يحلو له وتقتضي مصالحه على حساب مصالح هذه الجبهة. 
ولا تختلف جماعة "شريان" عن "جبهة الثابتون" لناحية الشعارات التي يرفعونها ورؤيتهم لمستقبل الدولة والنظام، فهم على غرار الأخيرة، يرفعون شعار "التصفية" أو الاستخلاص، والتي تسعى لاستبعاد كل من لا يؤمن بتوجهات المنظومة ومشروعها في إدارة النظام ومستقبلة. 

إضافة إلى ذلك، فهم يلتقون مع الجبهة في شعار "انتخاب الأصلح"، وأنهم الجهة المؤهلة لتحديد "الأصلح"، كذلك رفع راية الاستقلالية أو المشاركة المستقلة في السباق الانتخابي، أي إخراج هذا السباق من التجاذبات الحزبية، وذلك نتيجة افتقار هاتين الجماعتين لقاعدة شعبية كبيرة أو واسعة كما لدى الآخرين داخل الجسم المحافظ، إلا أنهم في المقابل يتمتعون بنفوذ واسع وصوت وقوي ومرتفع داخل المنظومة، الأمر الذي يمنحهم القدرة على التأثير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المعسكر المحافظ 

ويمكن القول إن التشكلات الكبرى في المعسكر المحافظ عملت وبشكل مدروس على إنشاء أو تبني تشكلات فرعية جديدة ظهرت على الساحة ودخلت المشهد الانتخابي، إما لأسباب شخصية تحول دون انضوائها تحت المسمى الأكبر، وإما لأن قيادة التشكل الأكبر لا تستطيع أو لا تملك الهامش في إعلان مواقف متشددة ضد منافسيها في التشكلات الأخرى، وبالتالي فإنها تقول على لسان هؤلاء ما لا تستطيع أن تقوله مباشرة. 

وعلى غرار تيار "شريان" المتفرع والقريب من جبهة (بايداريها)، يمكن اعتبار تشكل "تجمع صحوة الثورة الإسلامية – مجمع بيداري نيروهاي انقلاب" واختصاره "مبنا" إلى حد ما واحداً من تفرعات تجمع ائتلاف قوى الثورة "شانا"، مع احتفاظ كل طرف منهما بخصوصياته العقائدية والأيديولوجية. 

وقد دخل تجمع "مبنا" السباق السياسي والانتخابي بعد تريث طويل، لجهة أن أغلب قياداته يوصفون بأنهم من "الثوريين العقائديين"، كجماعة "حزب الله" إيران بقيادة حسين الله كرم. 

توجهات المرشد الأعلى

وهذه الجماعة أو التشكل "مبنا" وعلى رغم راديكاليتها المفرطة، إلا أنها لا تخرج عن الخطوط التي ترسمها المنظومة، بل تعمل ضمن أهدافها وتوجهاتها، لذلك يمكن اعتبارها أكثر قرباً من تيار "تجمع ائتلاف قوى الثورة" من غيره، لما يشكل هذا الائتلاف من تعبير غير مباشر على إرادة وتوجهات المرشد الأعلى والدولة العميقة و"حرس الثورة"، بخاصة وأن القوى والأحزاب المجتمعة تحت هذا الشعار، تعتبر، وتحديداً تيار حسين الله كرم، رأس الحربة "العقائدية" في الهجوم التسقيطي الذي شنه التيار المحافظ على عائلة المؤسس الخميني واتهامها بالانحراف عن مبادئ "الثورة الإسلامية"، ولاحقاً في المعركة ضد الرئيس الأسبق وأحد أعمدة النظام هاشمي رفسنجاني لما يشكله من خطر على مخططات هذه المنظومة ومشروعها في مصادرة القرار السياسي والإداري وبناء مشروعها الإسلامي أو "الإمارة والحكومة الدينية". 

 

ولعل المؤشر العملي على التقارب بين جماعة "شانا" وجماعة "مبنا" أن الأخير استطاع استقطاب محسن رضائي القائد الأسبق لـ "حرس الثورة" والقريب من المرشد وإقناعه بالمشاركة في احتفاليتهم الانتخابية، في حين عجز تيار "الشبكة أو شريان" في هذا الاستقطاب. ورضائي كان من الوجوه الأساسية الحاضرة إلى جانب غلام علي حداد عادل ومحمد باقر قاليباف في احتفالية الائتلاف الانتخابية في العاصمة طهران. 

غياب منافس حقيقي

ويبدو أن المعسكر المحافظ، وفي ظل غياب منافس حقيقي، تحول إلى مسرح لكل الجماعات الساعية لتكون شريكة في المشهد السياسي، في محاولة لمنع أي من الأطراف الاستفراد بالتمثيل ومصادرته، من هنا يمكن فهم النشاط الذي تقوم به جماعة لا تزال هامشية نسبياً، وترفع شعار "تيار العدالة" (عدالتخواهان) ومحاولة شق طريقها للدخول حديثاً على المشهد السياسي إلى جانب القوى والأحزاب والتجمعات الكبرى في المعسكر المحافظ. 

وعلى رغم محاولة هذا التيار التأكيد على استقلاليته، فإن دعوته لانتخاب الإصلاح، وتركيز هجومه وانتقاداته لرئيس يجعل من السهل تصنيفه باعتباره من التشكلات الرديفة لـ "جبهة الثابتون" وتخدم استراتيجيته في السعي للسيطرة أو التحكم بمستقبل السلطة التشريعية. 

إضعاف قاليباف

في الخلاصة، يمكن القول إن جميع القوى والأحزاب في المعسكر المحافظ تعمل ضمن استراتيجية واحدة وهدف مرسوم، بما يخدم أهداف منظومة السلطة والقيادة، مع احتفاظها بخصوصياتها الحزبية التي تسعى للاستئثار بالمشهد والسيطرة على الحصة الأكبر من السلطة في مختلف المواقع والاستفراد بها، بحيث يجعل منها شريكاً أساسياً في مستقبل العملية السياسية وتركيبة النظام. 

أما القاسم المشترك الذي تلتقي عليه وتختلف فيه هذه القوى، فهو موقفها من الرئيس الحالي للبرلمان قاليباف، الذي تحول وجوده على رأس لائحة المرشحين لتولي مرة ثانية رئاسة السلطة التشريعية إلى حائل أو عائق أمام توصل قوى هذا المعسكر للاتفاق على تشكيل لائحة موحدة لخوض انتخابات العاصمة طهران التي تشكل الميزان والمعيار لحجم وقدرة أي من الأطراف التمثيلية والشعبية. 

ولا تخفي القوى المعارضة لعودة قاليباف موقفها، وتحمله مسؤولية عدم التحالف، ولا تستبعد في الوقت نفسه أن ينعكس هذا الموقف على القاعدة الشعبية للتيار المحافظ، التي قد تلجأ إلى الالتزام بموقف الخيمة الكبرى للمعسكر المحافظ المتمثلة بتجمع "شانا" والاقتراع للائحة التي تصدر عنه، من دون الالتزام بالاقتراع لشخص قاليباف، الأمر الذي قد يضعه في دائرة الخطر الجدي، ويحقق أهداف معارضيه بإخراجه أو إضعافه إلى حد كبير بحيث تمنع استمراره في رئاسة البرلمان، أو على أقل تقدير تحصرها في السنة الأولى من عمر المجلس الجديد. 

إمكانية التسوية

وعلى رغم حدة الاختلافات والتباينات بين القوى الرئيسية في هذا المعسكر (الائتلاف وجبة الثابتون) إلا أن جماعة محصولي لا يقطعون الطريق على إمكانية التوصل إلى تفاهم في حال عقد تسوية مع جماعة الائتلاف يحصلون فيها على عدد مؤثر من مقاعد العاصمة طهران، إضافة إلى عدد من المقاعد في المدن الكبرى والأطراف، بحيث يكون باستطاعتهم إعادة تشكيل كتلة وازنة في البرلمان الجديد تشكل الغطاء لاستمرارهم وفرض شراكتهم في السلطة التنفيذية وإدارات الدولة. 

وقد تبدو إمكانية التسوية بين الائتلاف و"جبهة الثابتون" غير مستبعدة، بالنظر إلى التجارب السابقة لهذه الجبهة، بخاصة في الانتخابات الرئاسية الحالية مع إبراهيم رئيسي، عندما تخلت عن مرشحها الذي تعتبره "الأصلح" سعيد جليلي لمصلحة دعم رئيسي بعد حصولها منه على وعود جدية حول مشاركتها في الحكومة والدولة، وهو الدعم الذي شكل خلافاً داخل صفوفها ودفع أمينها العام السابق للاستقالة لعدم عمله ببيان دعم رئيسي وأن معايير هذه الجبهة "العقائدية والأيديولوجية" لا تنطبق على رئيسي فضلاً عن كونه لا يمثل "الخيار الأصلح" لتولي السلطة التنفيذية. 

المزيد من تحلیل