Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خريطة حرب الدعاية بين روسيا وأميركا تشتعل في الجنوب

يتهم مسؤولون في واشنطن استخبارات موسكو بمحاولة تقويض نفوذها بأفريقيا عبر سلاح المعلومات المضللة

جدار مشروخ يعبر عن العلاقة بين أميركا وروسيا في شأن حرب المعلومات (غيتي)

ملخص

بات واضحاً استخدام الروس والأميركيين لتكتيكين في حرب المعلومات الدائرة بينهما وهما التضليل والأخبار المزيفة.

في لقاء بمبنى وزارة الخارجية الروسية سنة 2017، وجهت سؤالاً لمسؤولي إدارة الإعلام والصحافة بالوزارة في شأن الاتهامات الأميركية لموسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية التي أجريت نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2016 وفاز فيها مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب، فكان الرد أن الولايات المتحدة لديها أقوى وكالات استخبارات في العالم ومن ثم فإن إصرار الأميركان على توجيه الاتهامات لموسكو في هذا الصدد يعني أنه "إما مجرد نوع من الدعاية" أو أن هذه الوكالات "فشلت" في عملها".

بعد مرور أكثر من سبع سنوات، لا تزال واشنطن توجه اتهامات لموسكو بالتآمر ضدها عبر الدعاية الزائفة ونشر أخبار كاذبة. ففي وقت سابق من فبراير (شباط) الجاري، اتهم مسؤولون أميركيون وكالات الاستخبارات الروسية بمحاولة تقويض النفوذ الأميركي في أفريقيا من خلال نشر معلومات مضللة مفادها أن الأفارقة كانوا موضع اختبارات غير معلومة في برامج الأبحاث البيولوجية التي تديرها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والتشكيك في برامج الصحة العامة الغربية. وأشاروا إلى أن الأمر يتعلق بحملة روسية لمواجهة الولايات المتحدة في أفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث تتنافس واشنطن وموسكو على كسب الرأي العام في جميع أنحاء العالم.

أفريقيا وأميركا اللاتينية

وفق التفاصيل التي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن جزءاً من الحملة يتعلق بـ"المبادرة الأفريقية"، وهي خدمة إخبارية على الإنترنت تم تأسيسها أواخر العام الماضي واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لانتقادات الجهود الغربية في مجال الصحة العامة في أفريقيا، وعقدت مؤتمراً استخف فيه المشاركون بشركات الأدوية الغربية.

وقال جيمس روبين، الذي يشرف على مركز المشاركة العالمية التابع للخارجية الأميركية، والذي يسعى لكشف جهود التضليل السرية في الخارج، "تقدم أجهزة الاستخبارات الروسية الدعم المادي والتوجيه للمبادرة الأفريقية.. إنهم يشككون في العمل الطبي الذي تقوم به المنظمات الطبية الشرعية ويمنعون الأفارقة من الثقة في الجهود الطبية التي يمكن أن تنقذ الأرواح".

وبحسب المسؤولين الأميركيون فإن بعض موظفي "المبادرة الأفريقية" المدرجين على الموقع الإلكتروني مرتبطون بمجموعة "فاغنر"، المنظمة شبه العسكرية والتجارية الروسية والمعروفة بنشاطها في أفريقيا، لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف نفى هذه المزاعم ووصفها بأنها دعاية مناهضة لروسيا. وكتب في رسالة عبر البريد الإلكتروني للصحيفة "لقد أصبحت هذه الاتهامات معتادة بالنسبة إلى الغرب... ولا أحد منهم مدعوم بالأدلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول مسؤولو الاستخبارات الأميركية، الذين يتوقعون أن يستهدف الكرملين على الأرجح الانتخابات الرئاسية لعام 2024، إن أساليب التضليل الروسية المستخدمة في أجزاء أخرى من العالم يمكن أن تقدم نظرة ثاقبة لعملياتها المستقبلية.

ففي نوفمبر الماضي، قالت الخارجية الأميركية إن الحكومة الروسية تقود حملة تضليل ممولة جيداً ومستمرة في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، مستفيدة من الاتصالات الإعلامية في الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي وكولومبيا وكوبا والمكسيك وفنزويلا والبرازيل والإكوادور وبنما وباراغواي وبيرو وأورغواي، من بين دول أخرى في أميركا اللاتينية.

ووفق موقع الخارجية الأميركية، فإن الجهود الروسية الخفية تتعلق بتنفيذ حملة تلاعب بالمعلومات مصممة لاستغلال انفتاح بيئة الإعلام والمعلومات في أميركا اللاتينية، و"يبدو أن الهدف النهائي للكرملين هو غسل دعايته ومعلوماته المضللة من خلال وسائل الإعلام المحلية بطريقة تبدو طبيعية بالنسبة لجماهير أميركا اللاتينية لتقويض الدعم لأوكرانيا ونشر المشاعر المناهضة للولايات المتحدة. والمشاعر المناهضة لحلف شمال الأطلسي".

ومنذ الحرب الروسية - الأوكرانية التي اندلعت فبراير 2022، تتهم القوى الغربية موسكو بنشر دعاية مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الروسية للترويج لسردية موسكو بأن الحرب تهدف لتحرير أوكرانيا من النازية. وأفادت دراسة أصدرتها المفوضية الأوروبية في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن التغييرات التي أجراها إيلون ماسك على معايير السلامة الخاصة بمنصة "إكس" (تويتر سابقاً) لعبت دوراً رئيساً في زيادة انتشار الدعاية الروسية، إذ خلصت الدراسة التي استمرت لمدة عام إلى أن "التحليل الأولي يشير إلى أن مدى انتشار الحسابات المدعومة من الكرملين وقوة تأثيرها قد زادا بصورة كبيرة في النصف الأول من عام 2023، نتيجة تفكك معايير السلامة على (إكس)".

حرب المعلومات

ووفق الخارجية الأميركية، فإن ما يعرف بـ"وكالة التصميم الاجتماعي" (SDA) ومعهد تطوير الإنترنت وStructura ينسقان في شأن تطوير حملة تلاعب بالمعلومات تستهدف أميركا اللاتينية تهدف إلى تعزيز المصالح الاستراتيجية لروسيا في المنطقة على حساب الدول الأخرى من خلال استمالة وسائل الإعلام المحلية والمؤثرين علناً وسراً لنشر المعلومات المضللة والدعاية.

ويزعم تقييم التهديدات السنوي لمجتمع الاستخبارات الأميركي لسنة 2023، أن الجهات الفاعلة لدى روسيا كثفت جهودها لإخفاء أيديها بشكل متزايد وغسل رسائلها المفضلة من خلال نظام بيئي واسع من المواقع الوكيلة والأفراد والمنظمات التي تبدو وكأنها مصادر أخبار مستقلة.

وتزرع موسكو القصص الأصلية أو تعمل على تضخيم الخطاب الشعبوي أو المثير للانقسام الموجود مسبقاً باستخدام شبكة من وسائل الإعلام الحكومية والوكلاء والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تعمل على تكثيف هذا المحتوى لمزيد من اختراق بيئة المعلومات الغربية. ويمكن أن تشمل هذه الأنشطة نشر محتوى كاذب وتضخيم المعلومات التي ينظر إليها على أنها مفيدة لجهود التأثير الروسية أو نظريات المؤامرة، بحسب التقييم نفسه.

وفي حين تواصل واشنطن توجيه الاتهامات إلى موسكو في شأن بث معلومات مضللة تستهدف المصالح الأميركية، فإنه عادة ما تقابل روسيا تلك الاتهامات بنغمة من السخرية. ففي سنة 2018، طرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، سؤالاً استنكارياً على صفحتها على "فيسبوك" قائلة، "13 شخصاً تدخلوا في الانتخابات الأميركية؟! 13 في مقابل أجهزة استخبارات لها ميزانيات بالمليارات؟"

 

 

سؤال زاخاروفا كان تعليقاً منها على إعلان المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر، الذي كان يتولى التحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، اتهامات لـ13 روسياً باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير قانوني لزرع الخلافات السياسية داخل الولايات المتحدة. وقال مولر، إن الأفراد تآمروا منذ سنة 2014، وعملوا كناشطين سياسيين أميركيين وركزوا جهودهم حول النقاط الساخنة الخاصة بالهجرة والدين والعرق.

لكن من جانب آخر لا يمكن إنكار حروب المعلومات وهي استراتيجية معروفة ويتم الإقرار بها بين الدول الكبرى وحتى من قبل الولايات المتحدة. ففي مقابلة سابقة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، أقر المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ستيفن هول، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تتدخل منذ تأسيسها في انتخابات الدول حول العالم عبر توظيف المعلومات بطريقة محددة.

وفق الأمم المتحدة، فإن حروب المعلومات هي تلك الأعمال التي ترمي إلى تحقيق تفوق إعلامي باستخدام تدابير تهدف إلى استغلال معلومات العدو وقدراته أو إفسادها أو تدميرها أو زعزعتها أو تخريبها. ويستخدم المصطلح لوصف عملية جمع المعلومات وتوزيعها وتعديلها أو تخريبها والتدخل فيها بهدف استخدام تلك المعلومات وتوصيلها بطريقة تغير التصور لقضية أو حدث ما من أجل تحقيق بعض النتائج المقصودة. وهناك تكتيكان مستخدمان في حرب المعلومات هما التضليل (أي النشر المتعمد لمعلومات كاذبة) والأخبار المزيفة (أي الدعاية والمعلومات المضللة التي تتنكر في شكل أخبار حقيقية).

منصات التواصل الاجتماعي

وتقول ورقة بحثية نشرها مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة بعنوان "القرصنة الإلكترونية والإرهاب والتجسس وحملات التضليل والحرب في الفضاء الإلكتروني" إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تتيح انتشار المعلومات المضللة بشكل أسرع وإلى جمهور أكبر من المنصات الأخرى عبر الإنترنت. وتساعد حسابات الروبوت الآلية في هذا المسعى من خلال نشر المعلومات بمعدل أسرع وأكثر تكراراً مما يستطيع المستخدمون الفرديون القيام به. على سبيل المثال، طور تنظيم "داعش" الإرهابي تطبيق "فجر البشائر" ليعرض منشورات على منصة "إكس"، التي وافق عليها المديرون الإعلاميون لدى التنظيم، تلقائياً على حسابات المشتركين في الخدمة، مما يعني الوصول إلى حسابات خاصة بالمستخدمين والنشر نيابة عنهم.

ووفق الدراسة، فإن الروبوتات تضخم عادة المعلومات المضللة والأخبار المزيفة عبر الإنترنت، ويساعد التعرض الانتقائي والمتكرر للمعلومات المضللة والأخبار المزيفة في تشكيل وتعزيز وتأكيد صحة ما يتم نقله، لذا يعتقد أن المعلومات المضللة والأخبار المزيفة تؤثر في سلوك الناخبين وفي نهاية المطاف على نتائج الانتخابات.

سباق تسلح دعائي

تعتبر كل من روسيا والولايات المتحدة أنشطة الدعاية والتضليل أداة للسياسة الخارجية، هكذا أكدت دراسة صادرة عن جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة سنة 2020. وتقول الدراسة إن الدعاية الأجنبية تقدم كتهديد للدولة من خلال المجتمع، مما يعرض الأمن القومي للخطر ويهدد التحالفات الدولية القائمة ويقوض الأنظمة الانتخابية والثقة في الديمقراطية، وزعزعة استقرار الحكومة من خلال الاضطرابات. وعلى رغم كون الجماهير الأداة التي تتجسد من خلالها قوة الدعاية، فإنها تبدو سلبية ومجرد أشياء في لعبة شد الحبل بين الولايات المتحدة وروسيا ووسائل الإعلام لديهما، وغير قادرة على مقاومة الدعاية أو تطوير مبادرات مجتمعية لتعزيز الصحافة المستقلة.

وداخل الولايات المتحدة، يعتقد مراقبون أميركيون أنه بعد انتخابات عام 2016 كانت هناك حالة "هوس" من قبل الديمقراطيين بروسيا تتعلق بالتنافس السياسي الداخلي، وهو ما أشار له تيد غالين كاربنتر، الزميل الرفيع لدى معهد كاتو وهو مركز أبحاث سياسية في واشنطن، ضمن مقال سابق له. وقال إن قضية التدخل الروسي المزعوم في انتخابات 2016، أدت إلى انقسام حزبي عميق ومرير، فالديمقراطيون واليسار الراديكالي يصرون على أن دولة معادية سعت إلى هزيمة مرشحهم وتثبيت رئيس يمكن لموسكو التأثير أو التحكم فيه.

وأضاف كاربنتر، أن مثل هذه الاتهامات، التي خيمت على الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، كانت صاخبة ومبالغ فيها على نحو متزايد، مما خلق مناخاً من عدم التسامح حيال روسيا وجدلاً في شأن سياسة الولايات المتحدة تجاهها، مشيراً إلى أن المشهد يشبه بشكل مقلق الحقبة المكارثية في سنة 1950 (المكارثية نسبة لعضو مجلس الشيوخ الأميركي جوزيف مكارثي الذي داوم على توجيه اتهامات لموظفي الحكومة بالشيوعية والتآمر مما قاد لسجن العشرات بتهم تتعلق بالعمل لمصلحة الاتحاد السوفياتي خلال الخمسينيات وهو ما ثبت عدم صحته في ما بعد).

 

 

أصبحت تهديدات الدعاية والتدخل الرقمي والتلاعب الآن جزءاً رئيساً من الخطاب حول العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ تقدم كمسألة تتعلق بالأمن الوطني والدولي ويتم تأطيرها بلغة الحرب. ومع ذلك، حذرت دراسة جامعة شيفيلد، بأن إضفاء الطابع الأمني على قضية ما يمكن أن يشكل في حد ذاته تهديداً لأنه يخلق فرصا للجهات الفاعلة لاستخدامها لتحقيق مصالحها الخاصة. وسعى كل من الكرملين والبيت الأبيض إلى تحقيق مصالح سياسية محلية من خلال تقديم التقارير الإعلامية الناقدة على أنها "أخبار مزيفة"، والدعوة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في "حرب المعلومات".

وأضافت أن الخوف المتزايد من الدعاية الرقمية المتطورة على نحو متزايد يمكن أن يعزز الدعوات إلى تنظيم الدولة بشكل أقوى للمعلومات والإنترنت ويؤدي إلى "سباق تسلح" دعائي ويحاول كل جانب التفوق على الآخر.

وتسهم الاتهامات الدعائية والخطاب السياسي العدائي في إثارة الشكوك الشعبية لدى الجانبين، مما يحد من فرص استعادة الحوار. فبالفعل، يرى 71 في المئة من الأميركيين أن روسيا تمثل تهديداً، وفق استطلاع سابق أجرته مؤسستا "رويترز" و"إبسوس"، في حين أن 80 في المئة من الروس يعتبرون الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) تهديداً ويعتقدون بغالبية ساحقة أن موسكو متهمة ظلماً بالتأثير في الانتخابات الأميركية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير