Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرارات المحكمة الاتحادية قد تخلق واقعا مختلفا في البيت الكردي

الاتحاديون يعدونها انتصاراً والديمقراطيون يشكون في حياديتها

رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العاليا في العراق (موقع المحكمة الاتحادية)

ملخص

جاءت القرارات المتعلقة بالبرلمان بعد نحو 10 أشهر عقدت خلالها المحكمة الاتحادية 12 جلسة

دخل إقليم كردستان منعطفاً جديداً عقب صدور حزمة قرارات عن المحكمة الاتحادية في بغداد، يرجح أن تخلق تبعاتها واقعاً مختلفاً في ميزان القوى داخل البيت الكردي خلال الانتخابات البرلمانية التي من المتوقع إجراؤها منتصف العام الحالي، فيما تحدث بعضهم عن "احتمال وجود عوامل إقليمية هدفها تقويض الإقليم".

وأصدرت المحكمة الاتحادية أمس الأربعاء حزمة قرارات منها إلغاء مقاعد الـ "كوتا" في البرلمان الكردي المخصص للأقليات والبالغة 11 مقعداً لمخالفتها الدستور، ليتقلص بذلك المجموع الكلي لمقاعد البرلمان إلى 100 مقعد، كما نص قرار آخر على تولي مفوضية الانتخابات الاتحادية الإشراف على الانتخابات الكردية بدلاً من نظيرتها في الإقليم، فضلاً عن إلزامها الإقليم تطبيق نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، أي تقسيم الإقليم إلى أربع دوائر عوضاً عن الدائرة الواحدة.

وجاءت القرارات المتعلقة بالبرلمان بعد نحو 10 أشهر عقدت خلالها المحكمة الاتحادية 12 جلسة على خلفية طعون كان تقدم بها كل من رئيس كتلة "الاتحاد الوطني الكردستاني" في برلمان الإقليم زياد جبار، وعضو كتلة المسيحيين في مجلس محافظة السليمانية آمانج شمعون، فيما قدمت دعوى من شخصيات ونشطاء في الإقليم بإلزام حكومتي بغداد وأربيل بتنفيذ قانون الموازنة الاتحادية وإطلاق رواتب موظفي الإقليم.

شكوك وتحفظات

وأثارت القرارات تضارباً في المواقف بين الحزبين الحاكمين في الإقليم "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، الذي رأى في بعض منها مصادرة لحقوق الإقليم الدستورية، فيما قابله ترحيب من نظيره "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني الذي رأى فيها مكسباً لكونها "استغلت من قبل الديمقراطيين"، في حين وصفت قوى الأقليات مثل المسيحيين والتركمان القرارات بأنها "مصادرة لحقوقها وانقلاب على الدستور".

وقد تواجه عملية تنفيذ بعض القرارات ومنها الخلافات المالية تحديات في ضوء شروط متبادلة بين الحكومتين، وفي هذا الإطار يرى النائب الأسبق عن "الديمقراطي" عبدالسلام برواري أن "القرار المتعلق بالرواتب وإبعادها عن الخلاف السياسي محل رضى، لكن لا أعتقد أنه سيحل المشكلة القائمة على رغم أنه ملزم للجميع، لأن في مسألة تسليم الإقليم إيراداته وما يتعلق ببيانات الموظفين قد يبدي بعضهم في بغداد شكوكه في صحتها كما شهدنا في الفترة السابقة، ولكن بصورة عامة فهذه أول مرة تلزم فيها المحكمة الاتحادية حكومة بغداد بتوطين رواتب موظفي الإقليم بكونهم عراقيين".

وحول إلغاء مقاعد الـ "كوتا" قال "لقد كان متوقعاً وهناك رأي يقول إن قوانين الإقليم المطعون فيها لا تخالف المواد الدستورية، لأن النظام الاتحادي يعطي الحق للأقاليم بإصدار تشريعات خاصة به، شرط ألا تتعارض مع الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية الواردة في المادة (110)، لكن المهم هنا أن قرارات المحكمة فتحت الباب أمام إجراء الانتخابات التي تأخرت نحو عامين، ورئيس الإقليم سيعلن قريباً موعد إجرائها والذي يتوقع أن يكون في يونيو (حزيران) المقبل، وهذا هو الأهم".

وسبق أن أصدرت المحكمة الاتحادية في مايو (أيار) 2023 قراراً اعتبرت بموجبه أن تمديد ولاية برلمان الإقليم في سبتمبر (أيلول) عام 2022 غير دستوري، وأدت الخلافات بين الحزبين إلى تأجيل متكرر للانتخابات البرلمانية.

وألمح مراقبون وسياسيون من حزب طالباني إلى أن "إلغاء معاد الـ ’كوتا‘ يلحق خسارة ثقيلة بنفوذ حزب بارزاني، وقد يجرده من استحواذه على الغالبية النيابية التي كان يتمتع بها سابقاً، ذلك أن كتل الأقليات وفقاً لبعض المزاعم كانت مدعومة من الديمقراطيين".

وفي هذه النقطة قلل برواري من التداعيات قائلاً إن "الحزب الديمقراطي أجرى مفاوضات مع حزب الاتحاد ووافق على معظم مطالبه من أجل إجراء الانتخابات، وأعتقد أن من يتصور أن القرارات هي لمصلحة طرف ضد آخر واهم، فخوض الانتخابات يصب في مصلحة الجميع، وإذا كان حزب الاتحاد يعد إلغاء تمثيل الأقليات الذي كان عنصراً مهماً للتعايش انتصاراً لمصلحته فهنيئاً له".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تساؤلات قانونية

من جهة أخرى أبدى مراقبون وقانونيون شكوكهم في إمكان تطبيق القرارات جراء الخلاف المزمن بين الحكومتين، مع توقعات بأن يستمر الواقع القائم في ظل رفض الإقليم تسليم إيراداته وتأخر بغداد في حل مشكلة حصة الإقليم في الموازنة.

وعن إمكان تنفيذ القرارات يرى القانوني إسماعيل نامق أن "المقاعد تقسم وفق القوانين، والمفوضية لا تملك الصلاحية في ذلك، إذاً كيف سيتم تقسيم المقاعد الـ  100 على الإقليم؟".

كما تساءل عن "آلية تقسيم الإقليم على أربع دوائر انتخابية على اعتبار أن قضاء حلبجة لم يحول رسمياً إلى محافظة، ومفوضية الانتخابات لا يمكنها قانوناً أن تتعامل معها كمحافظة". وأردف، "كل دائرة انتخابية تحتاج إلى وجود مكتب لمفوضية الانتخابات، والسؤال هو كيف سيفتح المكتب الرابع في حين أن الإقليم رسمياً يتكون من ثلاث محافظات هي أربيل والسليمانية ودهوك، وبناء على هذه التساؤلات فأنا لست متفائلاً بقرارات المحكمة الاتحادية ولا أستبعد أن تتسبب في مزيد من الخلافات والتوترات".

تدخلات خارجية

وأفرزت الخطوة حالاً من الشد والجذب بين نواب ومسؤولين من الحزبين ضمن الانقسام والصراع السياسي المزمن في الإقليم، إذ عد الديمقراطيون الخطوة انقلاباً ومؤامرة ضد الإقليم بأمر إيراني لمصلحة "الاتحاديين"، بينما عزاها "الاتحاديون" إلى التلاعب واستغلال مقاعد الأقليات، بينما لم تكن تعكس تمثيلاً حقيقاً لأبنائها.

ويجمع المراقبون على إمكان تنفيذ القرارات المتعلقة بالانتخابات بخلاف تلك المتعلقة بالرواتب التي يبدو أن تنفيذها سيواجه عقبات على أرض الواقع، وفق الباحث والمحلل دلشاد أنور الذي قال إن "المحكمة الاتحادية يغلب عليها الطابع السياسي وأصبحت أداة بيد القوى الشيعية، بدليل ترشيح نجل رئيس المحكمة الاتحادية من قبل قوى شيعية قبل أيام لمنصب محافظ ديالى على رغم أن سنّه يخالف الضوابط القانونية"، موضحاً أن "القرارات المتعلقة بالمستحقات المالية مطاطية وليست حاسمة ويمكن استخدامها كورقة ضد الإقليم لتقديم تنازلات للقوى الشيعية، أي أنها مجرد عملية تضميد جرح ولن تحل مشكلات الإقليم، ومن الناحية الفنية فإن أياً من الطرفين لن يكون قادراً على تنفيذها جراء الخلاف على البيانات الخاصة بعدد موظفي الإقليم، كما أن وزارة المالية الاتحادية لن يكون باستطاعتها تحمل مسؤولية الأمور الفنية والتعيينات ومعاملات الموظفين وكثير من العقبات الأخرى".

وحول الحلول المطروحة يعتقد أنور أن "حل أزمة الرواتب يكمن في إجراء تعديل على الموازنة الاتحادية عبر فصلها عن النفقات الفعلية كغيرها من المحافظات".

وعلى رغم إقرار الموازنة منذ منتصف العام الماضي إلا أن الإقليم لم يتسلم حصته كاملة والبالغة 12.6 في المئة، جراء خلافات واتهامات متبادلة تتعلق بالتنصل من تنفيذ بنود الموازنة، مما عمق أزمته المالية المستمرة منذ عقد وعجزت خلاله حكومته عن تأمين رواتب موظفي القطاع العام، وتدهور في مستوى الخدمات وأدت إلى إشعال إضرابات واحتجاجات شبه يومية تركزت معظمها في ساحة نفوذ حزب طالباني.

صراع مبطن

ويظهر الخلاف بين حكومتي أربيل وبغداد وجود طرف ثالث خارجي يسهم في استمراره، على حد قول المحلل في الشأن الكردي إبراهيم علي الذي يرى أن "القرارات بقدر ما تمثله من نكسة ضد الديمقراطيين فإنها في الوقت نفسه تعكس مدى قوتهم، والواضح أن أدوات الصراع في ظاهرها قانونية لكن في باطنها صراعاً إقليمياً، فالإيرانيون لم ينسوا دخول الديمقراطيين ورئيس البرلمان الاتحادي السابق السنّي محمد الحلبوسي في تحالف مع رجل الدين مقتدى الصدر الذي كان سبباً في تشتيت البيت الشيعي لتشكيل حكومة أغلبية على رغم فشلهم، وقد نشهد قرارات أخرى".

وجردت سلسلة القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية خلال السنوات الأخيرة صلاحيات واسعة كان يتمتع بها الإقليم الكردي، وقد تجاوز عددها خلال العامين الماضيين 35 دعوى، ست منها أدت إلى تعليق صادرات الإقليم النفطية إلى تركيا التي كانت تحدث بمعزل عن بغداد، وعدم دستورية قرار تمديد دورة برلمانه وإلغاء شرعية مفوضية الانتخابات الخاصة به وكذلك مجالسه المحلية.

ووفق المحلل علي فإنه في حال تنفيذ القرارات الأخيرة "فإن تغييرات كبيرة ستطرأ على الإقليم، ذلك أن مسالة الرواتب ستترك أثراً إيجابياً على نفسية الناخب للمشاركة في الانتخابات، وهذه المرة لن يكون باستطاعة الحزبين الاستمرار على هذا النهج، وسيكون أمامهما صوغ اتفاق جديد لتقاسم المناصب والنفوذ، بخاصة وأنه مع إلغاء مقاعد الـ ’كوتا‘ وتدني شعبية الحزبين واستحالة حصول القوى الصغيرة على مقاعد نيابية فإن ميزان القوى قد يشهد تغييرات، وربما سيقتصر البرلمان المقبل على الحزبين والقوى المعارضة الرئيسة".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات