ملخص
بعد نحو 24 شهراً من الهدنة مع السلطة، هدد الأساتذة بالنزول إلى الشارع رفضاً لاستمرار وزارة التربية في ما وصفوه بـ"سياسة التعنت"
عادت لغة الاحتجاجات للشارع الجزائري بعد قرار تكتل النقابات المستقلة لأساتذة قطاع التربية الدخول في إضراب، احتجاجاً على تمادي الوزارة الوصية في عدم تسليمها نسخة عن مشروع القانون الأساسي الخاص بالأستاذ والتفرد بالقرار، على رغم أن الرئيس عبدالمجيد تبون شدّد على ضرورة تصحيح النص القانوني بصورة أعمق قبل المصادقة عليه.
تهديد بعد هدنة
وبعد نحو 24 شهراً من الهدنة مع السلطة في الجزائر، هدد الأساتذة بالنزول إلى الشارع رفضاً لاستمرار وزارة التربية في ما وصفوه بـ"سياسة التعنت"، وقال بيان تكتل الأساتذة النقابي إن أربعة أسباب مباشرة دفعت إلى اتخاذ قرار بالدخول في حركات احتجاجية عبر جميع المؤسسات التربوية للأطوار التعليمية الثلاثة، وأولها تمادي الوزارة المعنية في إصرارها على عدم إطلاعه وتسليمه نسخة عن مشروع القانون الأساسي الخاص بالأستاذ الذي هو محل عرض على مستوى اللجنة الحكومية ومجالس الوزراء، على رغم تعهد الوزير بذلك بتاريخ 25 أكتوبر (تشرين الأول 2021).
وأضاف البيان أن السبب الثاني يتمثل في إمعان الوزارة في سياسة التفرد بالرأي والقرار والإخلال بالالتزامات والتعهدات، خصوصاً ما يتعلق بعقد لقاءات ثنائية مع نقابات الأساتذة لإثراء ومراجعة وتصحيح القانون الأساسي الخاص بالأستاذ، و"بصورة أعمق، ومخالفة أوامر رئيس الجمهورية"، على حد تعبير التكتل، مشيراً إلى أن سببين آخرين عجّلا بقطع الهدنة، وهما الوقوف على عدم إشراك نقابات الأساتذة في إثراء ومراجعة مشروع النظام التعويضي، كما وعد وزير التربية، وكذلك تكريس سياسة الغلق والانفرادية والتعتيم في معالجة ملف القانون الأساسي الخاص بالأستاذ، مما أثار اتساع دائرة الشكوك والدعاية والاحتقان والتذمر، خوفاً من المساس بمكاسب المربين وحقوقهم.
مناشدة تدخل الرئيس
وناشد التكتل في رسالة موجهة إلى رئيس البلاد تحمل توقيع 10 نقابات مستقلة التدخل السريع لتبون للإفراج عن القانون الأساسي الخاص بمستخدمي التربية ونظامهم التعويضي في أقرب وقت ممكن، ضماناً لاستقرار القطاع وكعربون وفاء تجاه هذه الفئة المنتجة التي أضحت تحقق معدلات مرتفعة للنمو العلمي والاقتصادي والثقافي، بالنظر إلى أن الموارد البشرية هي الثروة الرئيسة للأمم وركيزتها الأساسية للتنمية، في عالم يتسم بالتطور والتغيّر السريعين على الصعد كافة.
وجدّد تكتل الأساتذة مطالبة السلطة الوصية بإعادة الاعتبار للأستاذ والرفع من مكانته المادية والمعنوية، إلى جانب التكفل السريع بإبراز مهنة الأستاذ المربي الذي آثر البقاء في قسمه طوال مساره المهني بمعية تلامذته، من خلال الارتقاء بها وتثمينها في رتب الترقية الواردة في القانون الأساسي الخاص بالأستاذ، فضلاً عن ضرورة السعي إلى تأمين مكاسب جديدة داعمة مهنياً واجتماعياً، على غرار مراجعة النظام التعويضي وإضافة منح وعلاوات أخرى والرفع من قيمتها، إلى جانب التعجيل بإنصاف الأساتذة من خلال القانون الخاص وعدم الإجحاف في حقهم وتحسين قدرتهم الشرائية المنهارة.
"إضراب كرامة"
وشغل قرار العودة للاحتجاجات مساحات واسعة من النقاشات بين من اعتبرها محاولة لكسب مزايا مهنية وتحقيق مصالح عمالية، ومن حذر من أنها تستهدف التشويش على الانتخابات الرئاسية التي تم تقديمها إلى الـسابع من سبتمبر (أيلول) 2024، إذ أكد النقابي عبدالكريم وردالي في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن الإضراب ليس من أجل الخبز أو المنح على رغم انهيار القدرة الشرائية للمواطنين بمن فيهم المعلم، والحال الاجتماعية المتدهورة التي يعانيها الأساتذة، بل هو "إضراب كرامة وردّ اعتبار"، لذلك فإن هذا الحدث لحظة تاريخية كان لزاماً على النقابات إقراره بهدف لفت انتباه السلطات العليا، مبرزاً أن الجبهة النقابية صمدت أكثر من عامين وهي تحاول تغليب سياسة الحوار والتشاور مع الحكومة، غير أن التعنت والإقصاء والتهميش وسياسة فرض الأمر الواقع والهروب نحو الأمام كانت طاغية، وختم أن الإضراب هو الحل الأخير للأساتذة من أجل تسجيل موقفهم الرافض لسياسة الرأي الأوحد والنظرة الضيقة وغير المقدّرة لجهودهم ومعاناتهم.
التشويش على الرئاسيات؟
من جهة أخرى، اعتبرت حركة "البناء الوطني" خطوة التكتل النقابي استفزازاً للاستقرار الاجتماعي الذي يتزامن مع استعداد البلاد لإجراء انتخابات رئاسية بعد أربعة أشهر من الآن، وأوضحت في بيان أن "الإضراب ينطوي على أجندة سياسية تستهدف التشويش على الاستحقاق السياسي المقبل، ومحاولة للزج بالأذرع الاجتماعية في إثارة حال من الإرباك، ضمن لعبة تصفية حسابات سياسية من طرف جهات خفية تريد إحراج السلطة وتأليب الرأي العام"، مضيفة أن القرار خطوة تصعيدية، خصوصاً أنها تأتي قبيل امتحانات الفصل الثالث وشهادة التعليم الأساسي وشهادة الباكالوريا.
وأشارت الحركة السياسية المحسوبة على الموالاة، إلى أن قرار تكتل نقابات الأساتذة بالدخول في إضراب أثار المخاوف لأنه يدفع نحو مزيد من الاحتقان في قطاع مهم وحيوي، بخاصة أنه يسبق موعداً مهماً وهو الاستحقاق الرئاسي "الذي يحتم على كل الوطنيين أن يلجأوا إلى التهدئة وتغليب المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، مع عدم إغفال الدفاع عن حقوق العمال عموماً وموظفي قطاع التربية خصوصاً". وشددت على أن فرص تجاوز الانسداد بين وزارة التربية والشركاء الاجتماعيين للقطاع قائمة، ويمكن الوصول إلى الحلول المناسبة عبر الحوار والتنازلات من الطرفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرية التعبير مكفولة
إلى ذلك، عاد وزير الاتصال محمد لعقاب للجدل الذي أثير حول تعليمات "مزعومة" من دائرته الوزارية إلى وسائل الإعلام في شأن تغطية اعتصام بعض النقابات التربوية احتجاجاً على مشروع القانون الأساسي للأستاذ، وقال إن حرية التعبير مكفولة في الجزائر وإن المؤسسات الإعلامية لم تمنع يوماً من تناول أي موضوع مهما كان نوعه بل بالعكس، نافياً منع الوزارة تغطية إضراب الأساتذة بقدر ما أكدت أن القانون الأساسي للمعلم الذي طالبت به نقابات التربية من صميم اهتمام الدولة، خصوصاً الرئيس تبون الذي شدد عليه في أكثر مناسبة وهو قيد الإعداد.
وأضاف أن تبون حث وزير التربية على إثراء مشروع القانون الأساسي للأستاذ للمرة الثالثة على التوالي، وهو الموقف الذي يبرهن أهمية هذا القانون الأساسي، ليس فقط على المستوى المادي، بل المعنوي، ولا يتعلق الأمر بتحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للأستاذ فحسب، بل بجعله فاعلاً أساسياً داخل المجتمع من حيث تكوين الأجيال المقبلة.