Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معاناة السودانيين تثري "تجار الحرب"

نشأت أسواق عرفت ببيع المساعدات الإنسانية والغذائية والسلع المسروقة

انعكست حال الفوضى الأمنية في السودان على أسعار المواد الغذائية والسلع والخدمات (اندبندنت عربية - حسن حامد)

 

ملخص

نشأت فئة من تجار الحرب والأزمات يتجاوز نشاطهم السلع الأساسية إلى تجارة السلاح وتهريب البشر خصوصاً الفارين من الحرب إلى دول الجوار، وراكموا ثروات طائلة على حساب ضحايا الحرب

ما كاد السودانيون ينهون حقبة الرئيس السابق عمر البشير بإشعال انتفاضة 2018، بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، حتى دخلوا في أزمة أخرى نتيجة السياسات الاقتصادية غير المستقرة خلال الفترة الانتقالية، ثم بلغ الوضع المعيشي ذروة السوء باندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أبريل (نيسان) الماضي.

حوالى خمسة أعوام قضاها السودانيون بحثاً عن التعافي من الأزمة الاقتصادية حتى داهمتهم الحرب، وانعكست حال الفوضى الأمنية على أسعار المواد الغذائية والسلع والخدمات، وضاعفت ارتفاع أسعار النفط والغاز والكهرباء، مسببة موجة تضخم عالية. كما انعكست على أسعار السكن، إذ قفزت الإيجارات في مدن النزوح إلى أرقام ضخمة، وبات المسكن الصغير في مدن مثل القضارف وسنار وكسلا وشندي وعطبرة يكلف حوالى 700 دولار أميركي، وفي بورتسودان نحو 1500 دولار.

حدث كل ذلك ضمن مشهد سياسي- اقتصادي متأزم أدى إلى انفجار الوضع الأمني والعسكري، وتمحور في تصعيد الأزمة التي تعجز الإحصاءات عن حساب نتائجها المتمثلة في المعاناة المفروضة بسبب الحرب، ولكن كثيراً من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية التي تعمل في ظروف قاسية، تحاول سرد أرقام تقريبية غير ثابتة أو مؤكدة بسبب النزوح واللجوء المستمر، وتوصلت إلى أن غالبية السودانيين معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي وملايين الأطفال معرضون لخطر المجاعة، إضافة إلى انعدام العلاج المخصص للأمراض المزمنة، وأصبح طيف واسع يعاني اضطراب ما بعد الصدمة وعلامات الاكتئاب وسط تفشي حال الغضب والإحباط وضعف المعنويات.

أما الذين لم يغادروا منازلهم في العاصمة الخرطوم وبقية المدن المتأثرة بالحرب، فإن مشاهد الخراب من حولهم والأحياء شبه الخاوية وأصوات المدافع ومظاهر العسكرة المستمرة، لا تقل فظاعة عن مشاهد عدم الاستقرار والفاقة التي يعانيها النازحون إلى مدن أخرى، وغيرهم خلال رحلة اللجوء.

تجار الأزمة

لم تكن الدولة في عهد عمر البشير تقوم بالتزاماتها تجاه تلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بينما بدأت تحويل الخدمات الاجتماعية إلى سلع تتبارى على التربح الفاحش منها مجموعة من المنتمين إلى النظام. كان هؤلاء يقومون بتكديس السلع الأساسية لخلق ندرة، ثم يعرضونها بأسعار مضاعفة، وأثرت هذه المجموعة نفسها جراء التسهيلات الممنوحة لها، فأصبحت مهمة المواطنين السعي إلى الحصول على السلع والخدمات الأساسية بالوسيلة نفسها، تعتمد على مدى مقدرتهم على اتباعها والمنافسة فيها.

وبهذا نبتت شريحة أساسية من التجار كل مؤهلاتهم هي الانتماء إلى "حزب المؤتمر الوطني"، وأخرى  استطاعت النفاذ إلى عالم المال والأعمال بالمضاربة في العملة والذهب، ومع أنه فُرضت عليها رسوم مقابل السماح لها بالعمل في النشاط نفسه الذي يعمل به أعضاء الحزب، لكنها نجحت في إنشاء اقتصاد موازٍ تتكدس فيه الأموال بدلاً من خزانة الدولة. وتردد أن أموال التعويضات لأسر ضحايا الهجمات التي شنها تنظيم "القاعدة" على سفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا عام 1998 وتعويضات عائلات 17 بحاراً أميركياً قتلوا عندما استهدف التنظيم سفينتهم، المدمرة "يو إس إس كول"، بميناء في اليمن عام 2000 التي دفعتها حكومة الفترة الانتقالية للولايات المتحدة تم جمعها من تجار العملة.

لذلك ليس غريباً أن تنشأ فئة من تجار الحرب والأزمات والمستفيدين من استمرارها، يتجاوز نشاطهم السلع الأساسية إلى تجارة السلاح وتهريبه وتهريب البشر، خصوصاً الفارين من الحرب إلى دول الجوار بالطرق غير الرسمية، وراكموا ثروات طائلة على حساب ضحايا الحرب واستغلال الأزمة، ولا يبدو أن هؤلاء يتعرضون لأي محاسبة من أي نوع لغياب التشريعات والقوانين ولمقدرتهم على التخفي والانتقال من مكان إلى آخر، خصوصاً في ظل قضايا أخرى متعلقة بالانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون مثل عمليات القتل الجماعي والاعتقالات العشوائية والإخفاء القسري والسلب والنهب.

"إجراءات قاسية"

ومع الشكوى المستمرة جراء تفاقم الوضع الاقتصادي المتأثر بارتفاع سعر الصرف مقابل العملة الوطنية، ووصول الدولار الأميركي إلى أكثر من 1200 جنيه سوداني في السوق الموازية، وضعت الحكومة من مقرها في ولاية البحر الأحمر، سلسلة جديدة من أسعار الوقود والقمح والأدوية والغاز، ورفعت سعر الدولار الجمركي.

وحذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من أن "تصاعد النزاع في السودان سيترك آثاراً سلبية على التصنيفات الائتمانية له وللدول المجاورة، وكذلك على بنوك التنمية متعددة الأطراف التي تقرض السودان والدول المجاورة"، وأكدت أنه "إذا انحدر الصراع إلى حرب أهلية طويلة الأمد، سيؤدي إلى تدمير البنية التحتية الاجتماعية والمادية وستكون له عواقب اقتصادية دائمة، ما يؤثر في جودة أصول البنوك الإقليمية التي تمول السودان، إلى جانب ارتفاع نسبة القروض المتعثرة وتأثر معدلات السيولة في مصارف البلاد".

 وعن ذلك، ذكر كبير مستشاري المعهد الأوروبي للسلام والباحث في مركز سياسة الطاقة العالمية هاري فيرهوفن أن "البنوك الإقليمية المرشحة هي بنك التجارة والتنمية الذي يفوق إجمالي حجم قروضه للبلاد 930 مليون دولار، أو ما يمثل 14 في المئة من إجمالي محفظة الإقراض لديه، وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي الذي تعدّ نسبة 31 في المئة من قروضه موزعة على السودان ودول مجاورة، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص لأن نحو ثلاثة في المئة من أصولها مرتكزة في الخرطوم".

وقال المواطن متوكل عوض الله المقيم في مدينة بورتسودان إن "الأسعار في الأساس مرتفعة من دون قرار حكومي، وتعمل الولايات كل على حدة على وضع أسعارها الخاصة التي تتفاوت من منطقة إلى أخرى، تُحسب فيها كلفة الإنتاج إضافة إلى وسائل النقل وغيرها"، مضيفاً أن "سعر غالون البنزين وصل إلى ما يعادل 30 دولاراً أميركياً، وأسطوانة غاز الطهي زنة خمسة كيلوغرامات وصل سعرها إلى 24 دولاراً"، وشكا عوض الله من تصاعد حجم الإنفاق الأسري بسبب الزيادات التي فرضتها الحرب وفاقمتها الحكومة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورصدت دراسة أجراها "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" ومقره الولايات المتحدة، خسائر الاقتصاد السوداني خلال فترة الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بـ15 مليار دولار تقريباً حتى نهاية العام الماضي، مما يعادل 48 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتضمنت الدراسة 10 ولايات من أصل 18 ولاية وهي ولاية الخرطوم وولايات دارفور الخمس وولايات كردفان الثلاث وولاية النيل الأزرق، بحسب مستويات القتال.

ووجدت الدراسة أن الناتج المحلي الإجمالي في قطاع الصناعة انخفض بحوالى 70 في المئة والخدمات بنحو 49 في المئة والزراعة بما يقارب 21 في المئة، متوقعة أن يرتفع معدل الفقر الوطني بحوالى 4.5 في المئة ليصبح مليونا شخص إضافي تقريباً تحت خط الفقر.

نهب المساعدات

وبسبب تواصل النزاع وحال الفوضى الأمنية وغياب أجهزة الدولة، سُجلت حالات من تدهور الوضع الإنساني والمعيشي بعد سطو عصابات على مستودعات المساعدات الإنسانية في المناطق المتأثرة بالحرب والتي كان من المفترض أن تصل إلى النازحين. ونشأت بالتوازي أسواق عُرفت ببيع المساعدات الإنسانية والغذائية والسلع المسروقة، منها سوق على طريق الخرطوم - ود مدني في منطقة شمال الجزيرة.

وكشف "برنامج الغذاء العالمي" التابع للأمم المتحدة في فبراير (شباط) الجاري عن تلقيه تقارير تفيد بأن أشخاصاً يموتون جوعاً في السودان، بينما أكدت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين بدارفور أن "الموت يهدد الآلاف من قاطني مخيم كلمة في جنوب دارفور". وأشار "برنامج الغذاء العالمي" إلى أن "عدد الجوعى تضاعف خلال العام الماضي مع حرمان المدنيين من المساعدات بسبب الحرب، وتتسارع حاجات المساعدات الغذائية بسبب التوسع الأخير في القتال".

وكانت مفوضية العون الإنساني، بعد أن نقلت مقرها إلى ود مدني عقب الحرب مباشرة، تقدم الإسناد والدعم اللازمين لاستقبال المعونات وتوزيعها للمستهدفين داخل الولاية وخارجها، ولكن تعطل كل ذلك بعد هجوم قوات "الدعم السريع" على ولاية الجزيرة.

وقال مفوض عام العون الإنساني صلاح المبارك يوسف إنه ناقش مع المنسق المقيم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كلمنتاين نكويتا سلامي، بحضور نائب مدير "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية" "أوتشا" - مكتب السودان، "ضرورة استئناف بعثات ومنظمات الأمم المتحدة أنشطتها الإنسانية التي قُلصت بعد اندلاع الحرب، وجُمدت بعد أحداث ود مدني وتعسر إمكان الوصول إلى المتأثرين من الشرائح المختلفة بالولايات المتضررة في الجزيرة وسنار وكردفان ودارفور وبقية الولايات الأخرى".

شبكة مصالح

من جهة أخرى، أفاد مواطنون في ولاية الجزيرة بأن قوات "الدعم السريع" تفرض جبايات على أصحاب القوارب النيلية التي تربط بين شرق النيل الأزرق وغربه، وأصبحت القوارب وسيلة يستغلها الركاب بعد توقف وسائل المواصلات الأخرى، كما يستخدمها التجار لجلب المواد التموينية وترحيل الفاكهة والخضراوات من المزارع إلى المناطق القريبة.

يذكر أنه منذ اندلاع الحرب، تقلصت الزراعة في ولاية الجزيرة، وقضى هجوم قوات "الدعم السريع" على أجزاء من الولاية وفرض سيطرتها على ود مدني واجتياح المناطق التابعة لمشروع الجزيرة على ما تبقى من محاولات إنقاذ الموسم الزراعي الشتوي الذي كان يؤمل في أن تتم خلاله زراعة 300 ألف فدان من القمح.

وقال المزارع عبداللطيف حسين "يأخذ أفراد هذه القوات أتاوات من الإنتاج على ضفة النهر، ويقاسموننا الإيرادات التي نعود بها لمناطقنا، كما يقاسمون أصحاب كمائن الطوب الأحمر المنشأة قرب المزارع إيراداتهم اليومية والبضائع المنقولة"، وألمح كذلك إلى أن هناك شبكة مصالح بين هذه القوات وعدد من المواطنين، خصوصاً الشباب، إذ نشأت طبقة منهم تنشط في هذا النوع من الجبايات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير