Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرابلس اللبنانية تستعد بغناها التاريخي للقب "عاصمة الثقافة العربية"

برنامج احتفالي شامل يعيد الى المدينة العريقة حقوقها ولكن بعيدا من أي دعم رسمي

تمتاز طرابلس بالحفاظ على نسيجها العمراني على مدى ثمانية قرون (اندبندنت عربية)

ملخص

تحتضن طرابلس اللبنانية آثاراً حية تعود إلى 3 آلاف سنة، مما يجعلها متحفاً حياً

يقول التاريخ إنه قبل قرابة ثلاثة آلاف عام أسس الفينيقيون التجار المهرة، مدينة ثلاثية الأجنحة والأحياء على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، لتعرف لاحقاً بـ"تريبوليس" اللبنانية، مشكلة منصة لإشعاعهم الحضاري في العالم القديم.

مضت الأزمان، وتعاقبت الشعوب، وتحولت تلك المدينة المشاطئة إلى مساحة للتفاعل الكوني، اجتمعت فيها أمم مختلفة وأقوام، تظهر جذورهم في نسبة أسمائهم إلى أمصار بعيدة، تصارعت حيناً، وتآلفت أحياناً، إلى أن صنعت منها "مدينة عابرة للمتوسط" بأبعادها المحلية، والعربية، والإسلامية.
اليوم تستعد طرابلس لتحتضن احتفالية "عاصمة الثقافة العربية"، وهو ما يدفع إلى الكتابة عنها بأسلوب أبعد ما يكون عن الوصف الخبري الرتيب، الذي يركز على التحضيرات الشكلية، ويهمل الجوهر، ليصبح الحديث عن الغنى الحضاري، متقدماً على أي حدث طارئ وموقت.
لا يوازي الأهمية الحضارية والثقافية التاريخية لهذه المدينة الواقعة في شمال لبنان، إلا استمرار الحياة في شرايينها على مدى الأزمنة المتلاحقة من المدنية، ليرتقي الحفاظ على كيانها إلى مرتبة الواجب الذي يقع أولاً على عاتق الميسورين من أبنائها، ومن ثم الدولة اللبنانية التي أمعنت في تهميش مناطق الأطراف، وكذلك أشقائها العرب بوصفها خزانة لأمجادهم. وهنا، لا يعد من قبيل المبالغة الإشارة إلى فرادة طرابلس بوصفها آخر الحواضر العربية الإسلامية الصامدة في المشرق، بعد أن تعرض أقرانها في الموصل، وبغداد، ودمشق وحلب، وحمص، إلى انتهاكات كبيرة من تدمير وتهجير، ونهب.


طرابلس عاصمة دائمة للثقافة العربية

تمتلك مدينة طرابلس أو "المدن الثلاث" Tripolis بحسب اللغة اليونانية، قيمة حضارية ذاتية، تكونت عبر مراحل تاريخية متعاقبة، ولعب موقعها الجغرافي على ساحل المتوسط دوراً في إغناء هويتها الثقافية والحضارية. يتطرق المؤرخ خالد تدمري رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس، إلى أهميتها التاريخية بوصفها "أكبر مدينة تاريخية تختزن مواقع أثرية بين مدن ساحل شرق البحر المتوسط، والعاصمة الثانية للمماليك بعد مدينة القاهرة"، راسماً معالم الشخصية التراكمية لطرابلس الفيحاء، فهي بمثابة "متحف حي"، ما زال ينبض بالحياة منذ القرون الوسطى.
يعود تدمري إلى طور النشوء، عندما أسس الفينيقيون أول مرفأ مشترك لاتحادهم التجاري الأول المؤلف من مدن صيدا، وصور، وأرواد، ومنه أقلعت أولى السفن التجارية إلى أوروبا وشمال أفريقيا، التي كانت تصنع من خشب الأرز، الذي يرسل من جبال الرز إلى ساحل طرابلس عبر نهر قاديشا. واستمر اتساع تلك المدينة خلال الحقبات التاريخية المتعاقبة، سواء كانت الحضارة اليونانية، أو الرومانية، أو البيزنطية، وصولاً إلى انتشار المسيحية. ومع الفتح الإسلامي في السنة 25 للهجرة، قام الأمويون بتعريب اسم تريبولس إلى "طرابلس" بإضافة حرف الألف في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، وفي تلك الحقبة برز "ليو الطرابلسي الذي أنشأ أول أسطول بحري إسلامي في التاريخ ضمن الميناء، تمهيداً لمعركة ذات الصواري، حيث انطلق به الأمويون لفتح القسطنطينية، ولكنها عندما صمدت، أكمل طريقه وفتح سالونيك". واستمرت المدينة بلعب دور رئيس في زمن الحضارة الإسلامية، ومع تأسيس دولة الفاطميين، أسس بنو عمار إمارة لهم في طرابلس، وقادهم ولعهم بالثقافة والعلم والفنون إلى تأسيس مكتبة "دار العلم" التي ضمت ثلاثة ملايين كتاب مخطوط، وعرفت في حينه "أكبر مكتبة في الدنيا"، وهو ما جعلها تكتسب لقب "مدينة العلم والعلماء"، إلا أنها "أحرقت بالكامل مع دخول الفرنجة المدينة، ولم يعثر على آثارها بسبب عدم الاهتمام بإجراء حفريات للكشف عن الحقبات السابقة"، وفق ما يؤكد خالد تدمري، كما استمرت بلعب دور بارز في ظل حكم الفرنجة – الصليبيين، وتحولت إلى "كونتية صليبية" ذات مناعة كبيرة، ولم يفلح الفتح الإسلامي في دخولها إلى حين تحريرها على يد السلطان منصور قلاوون في 26 أبريل (نيسان) 1289 بعد حصار استمر 33 يوماً.

وشهدت هذه المرحلة تأسيس طرابلس المستجدة "المحروسة"، حيث نقلت من ساحل البحر في شبه الجزيرة التاريخية- منطقة الميناء إلى الداخل بعمق ثلاثة كيلومترات، و"أسس المماليك مدينة من الصفر بنظام دفاعي فريد لحمايتها من غزوات الفرنجة القادمين بحراً، وشهدت توسيعاً للقلعة الكبيرة، وبناء سبعة أبراج على طول الشاطئ". واستمر الاهتمام بالعلم، حيث أسست المدارس والكتاتيب، حيث نجد أكثر من 50 مدرسة في محيط المسجد المنصوري الكبير. مع قدوم العثمانيين، عرفت بـ"طرابلس الشام" لتمييزها عن طرابلس الغرب الليبية، وازدهرت تجارة الحرير والسكر، والصناعات الحرفية، وحازت على مكانة كبيرة على غرار حلب ودمشق، كما أنشئ نظام مؤسساتي متكامل في عهد السلطان عبدالحميد، كما شهدت توسع الإرساليات، وتنظيمات الدولة، والسراي، ومؤسسات البريد، ولاحقاً ظهرت المقاهي، والفنادق، والسينما، ومؤسسات الترفيه، حيث ظهرت أولى دور السينما، والأوبرا في لبنان، وصولاً إلى إنشاء "معرض رشيد كرامي" على يد المعماري البرازيلي أوسكار نيماير.


اليوم، تجتمع الحقبات التاريخية المتعاقبة على أرض واحدة في طرابلس، ويكفي للزائر أن يسير من ساحة عبدالحميد كرامي (ساحة النور) نحو التل، وصولاً إلى الجامع المنصوري الكبير، ليستعيد 700 سنة من الزمن، والتي تجتمع بين جنبات "قلعة طرابلس- سان جيل". ويلفت تدمري إلى وجود مفردات معمارية نادرة في أبنية المدينة التاريخية كالعواميد الفينيقية، و"كورنيشات" رومانية، وتيجان أعمدة بيزنطية، وحجارة مزخرفة تعود إلى الحقبات الإسلامية المختلفة. ويحصي مؤرخ طرابلس، العلامة عمر تدمري وجود ما يفوق 180 معلماً أثرياً، تتنوع بين مسجد وكنيسة وخان وحمام ومدرسة وزاوية وتكية سبيل ماء وسوق، وقصور، وغيرها من المواقع الثقافية التي تشكل وجه طرابلس الحضاري. ويجزم تدمري بأن "طرابلس علمت أوروبا التحلية والنظافة، حيث صدر مرفأ طرابلس الصابون إلى العالم، وكذلك السكر الحلو المذاق من القصب الذي كان ينمو عند مجرى نهر أبوعلي، ومن ثم رواج صناعة الحلويات في المدينة".
ويصف تدمري طرابلس بـ"المتحف الحي" نظراً إلى إحيائها وأسواقها، وبيوتها الأثرية المبنية وفق نظام العقود الحجرية، والمتلاصقة، التي ما زالت تشهد على غنى المدينة، والحفاظ على النسيج العمراني الأصلي، وهو ما يندر رؤيته في باقي المدن المملوكية، رغم فقدانها أجزاء كبيرة في أعقاب طوفان نهر أبوعلي في خمسينيات القرن الماضي، وإقامة مشروع تقويم مجرى النهر، ومن ثم شق الطرقات، مؤكداً "الحاجة إلى وضع الدولة كل إمكاناتها للحفاظ على المدينة، ولكن للأسف تشهد المدينة إهمالاً كبيراً، لذلك هناك تعويل على الجهود المبذولة للنهوض من بلدية طرابلس، وغرفة التجارة والصناعة، وغيرها من النقابات".

الاحتفالية مقبلة... ولو بعد حين

طال انتظار طرابلس قبل الاعتراف بدورها الريادي كـ"عاصمة للثقافة العربية"، الذي جاء بقرار من منظمة الأليكسو، وتشهد التحضيرات المرافقة للاحتفالية تأخيراً واضحاً، ومستقبل مبهم للأنشطة  في غياب الرؤية والتمويل. وهذا ما قاد النخب الثقافية إلى طرح إشكاليات في العمق لناحية الفائدة من هذه الاحتفالية في ظل الوضع العام، وانعدام المقدرات المادية لتنظيمها كما يليق بـ"عاصمة لبنان الثانية"، وسط مخاوف من تحولها إلى مناسبة "فلكلورية". في الموازاة، يتوقع أن تنطلق الأنشطة في 25 مايو (أيار) 2024، وتستمر حتى ختام العام الحالي بحسب تأكيد رئيس لجنة الثقافة في بلدية طرابلس، الدكتور باسم بخاش الذي ينسق العلاقة مع وزارة الثقافة اللبنانية، فهو يعبر عن حماسه وطموحه لنجاح الفاعلية بتعاون "المخلصين"، عازياً التأخير إلى "انشغال الجهات الرسمية بأوضاع البلد المنهار"، ناهيك "عن عدم وجود أي تمويل رسمي، الذي يبلغ مقداره صفراً".
لا يحاول بخاش الاستماتة في الدفاع عن "الاستعدادات التي تأخرت أو عن تشكيل اللجان، والبدء المتأخر في التخطيط والأعمال"، ولكنه في المقابل يتعامل معها ببراغماتية مطلقة، فهي "فرصة لا تتكرر، ومن الضروري استغلالها من أجل وضع المدينة على خريطة السياحة والثقافة العربية"، وفي سبيل ذلك يفترض "تضافر جهود الجميع في لبنان، بمن فيهم المنتقدون من أجل إنجاح هذه الاحتفالية، وضرورة تجاوز الأحكام المسبقة والتعاطي السلبي، وقيام الجهات السياسية والأمنية بواجباتها لضبط الفوضى ومكافحة الفلتان وعلى رأسهم أبناء المدينة، لا سيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية بسام مولوي".
يكشف بخاش عن انطلاق أعمال 11 لجنة في مختلف الاختصاصات، والفنون، من أجل وضع برنامج لنشاطات تليق بتاريخ مدينة طرابلس العريق، وأن "هناك إصراراً لدى وزير الثقافة محمد مرتضى بالخروج من دائرة النشاطات التقليدية والأمسيات داخل الجدران الأربعة، وإقامة أنشطة ثقافية تتفاعل مع روح المدينة، وتكون ذات أثر عام". ويطمح بخاش إلى إعادة الأجواء الفنية إلى الباحات، والساحات العامة، وإلى استغلالها لإحياء الأماكن الأثري والتراثية، والمراكز الثقافية على غرار الخانات، القلاع، والقصور التي تزدان بها مدينة طرابلس، وأن نستفيد من تجربة بعض المدن الأوروبية التي تحولت إلى مدن ثقافية، كما يشير إلى جهود للحصول على هبات مالية من متمولين طرابلسيين وجهات دولية مانحة بهدف تنظيم فعاليات خاصة بطرابلس عاصمة للثقافة العربية، ناهيك بعروض وأمسيات تنظمها وزارات الثقافة بمختلف الدول العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


جو ثقافي دائم

لم تنتظر مدينة طرابلس تسميتها "عاصمة الثقافة العربية" من أجل البدء بتنظيم جو ثقافي، فلطالما لعبت المدينة دوراً مركزياً في الحياة العلمية والفكرية للأقضية المحيطة. ولم يترك أبناء طرابلس ميداناً معرفياً، إلا وخطوا أثراً لهم فيه، من العلامة حسين الجسر، والمفكر القلموني محمد رشيد رضا الذي أنشأ صحيفة "المنار"، والعلامة عبدالقادر المغربي العضو المؤسس للمجمع العلمي العربي ومؤسس صحيفة "البرهان"، إلى المفكر التنويري، فرح أنطون، ودولة رئيس مجلس النواب السابق، الشيخ محمد الجسر، وغيرهم كثير ممن شكل سيلاً من أصحاب الرأي، والذي أسس لجو ثقافي صاعد، توج بتأسيس الرابطة الثقافية في طرابلس عام 1943 تاريخ استقلال لبنان.
لم يغب العمل الثقافي عن طرابلس يوماً حتى في أشد أيام الحرب الأهلية ظلمة، وشهدت المدينة خلال السنوات الأخيرة انطلاق بعض المبادرات التي تستحق الثناء مثل "نادي قاف" للكتاب، وإقامة المسرح الوطني اللبناني ضمن سينما الأمبير في ساحة التل. يلفت الناشر ناصر جروس إلى أنه "خلال الحرب الأهلية اللبنانية، استمرت الحركة الثقافية وازدهر استيراد الكتب من مصر، وفي عام 1980 بدأت عملية نشر الكتب للمؤلفين المحليين بسبب إقفال المعابر وعدم القدرة للوصول إلى العاصمة بيروت، حيث صدر أكثر من 90 عنواناً خلال عامين فقط". ويشير جروس إلى أن "التعاون مع الأستاذ رشيد جمالي (رئيس سابق للرابطة الثقافية ولبلدية طرابلس) والأستاذ حسين ضناوي أثمر عن إقامة معرض سنوي للكتاب في طرابلس يكون موازياً لمعرض النادي الثقافي العربي في بيروت الذي يهتم بالكتاب العربي"، راوياً ""كانت الطرقات مغلقة مع بيروت، وأصررنا على ذلك، كنا نأتي بالكتب عبر ضهر البيدر، صعوداً إلى دير الأحمر، ومن ثم الالتفاف عبر الجبال وصولاً إلى طرابلس". وعززت هذه الاحتفالية الحياة الثقافية في طرابلس، وشكل ذلك نقطة انطلاق لتعميم معارض الكتاب على كل المناطق الشمالية من البترون إلى عكار.
يؤكد جروس أن "لطرابلس أبعاداً ثقافياً عابرة للحدود بين المناطق والأقضية، وهي مشروع تنويري، يختزن الذاكرة الجماعية لأبنائها، وكرَّسته مجموعة من المؤلفين والمفكرين في مؤلف ضخم (طرابلس في عيون أبنائها والجوار) الذي يحكي قصة حب بين طرابلس وجوارها"، مشدداً على تأثير الأوضاع الاقتصادية على دور طرابلس الثقافي، وعلى مكانة الثقافة والكتاب في حياة المواطنين، وتراجع المستوى الأكاديمي، و"لا ننسى أن مستوى الدخل لا يسمح باقتناء كتب حديثة غالية".


ولادة "فيحاؤنا"

يتطرق الناشر ناصر جروس إلى عودة الحياة الثقافية إلى المدينة خلال الأعوام الأخيرة، واستعادت فاعليتها بعد انتهاء جائحة كورونا، وصولاً إلى إنشاء تجمع "فيحاؤنا" (مؤلف من 10 جمعيات وناد ثقافي) الذي وضع برنامجاً ثقافياً ممتداً طوال العام، وتنظم في مختلف المؤسسات والمراكز الثقافية في المدينة، كما يذكر بـ"الأثر الإيجابي للثورة "اندلعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2019)" التي ألبست طرابلس زي عروس الثورة، وأبرزت وجه الانفتاح والانتعاش، ونفي الصور النمطية، ومحاولة إلصاق صفة التطرف بها".

الكاميرا في خدمة التراث

تشكل المدينة القديمة في طرابلس "فرصة للتنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل"، وهذا ما يعتقده المهندس منذر حمزة أحد المشاركين في لجان "طرابلس عاصمة الثقافة العربية"، معتبراً أنه "في الماضي، ضمت طرابلس نشاطاً زراعياً مهماً من خلال بساتين الليمون التي التهمها البناء، وكذلك معامل ضخمة لصناعة الخشب والسكر، والمواد الغذائية، وقد أسهم ذلك في تشغيل أعداد كبيرة من العمال، ناهيك بوجود شركة نفط العراق، وازدهار تجارة الجملة، ولكن جاءت الحرب ودمرت تلك المنطقة الصناعية، وهجرت المستثمرين، ولم تعد موجودة". ينطلق حمزة من هذه المقدمات، ليصل إلى نتيجة مفادها أن "الوسط القديم هو فرصة طرابلس الأخيرة للنمو، وهو مستقبل اقتصاد المدينة في حال أحسن استثمارها"، مشبهاً إياه بـ"إسطنبول الصغرى".
شهدت الأعوام الأخيرة اندفاع أعداد كبيرة من المصورين إلى أحياء طرابلس القديمة، مصطحبين متابعيهم في رحلة عبر الزمن، حيث يثير هؤلاء لدى المتلقي نوستالجيا الزمن الغابر. يعتبر المهندس منذر حمزة واحداً من هؤلاء الذي لجأ إلى الكاميرا الخاصة به، وبدأ يجول داخل المدينة القديمة، ملتقطاً "التفاصيل الجميلة"، قبل نشرها على صفحاته الخاصة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي تؤثر في أذواق شريحة كبيرة من الناس. اعتمد حمزة أسلوب "الإعلام الإيجابي" للترويج لواحدة من أغنى مدن الشرق المتوسط بالمواقع الأثرية، ووثق ذلك في كتاب أصدره، وضمنه المعالم الأساسية لنسيج عمراني متكامل على مر ثمانية قرون تقريباً، ويعتبر دليلاً سياحياً لطرابلس، يضم 900 صورة لمواقع أثرية وحرف وصنعات، ومأكولات شعبية في عاصمة شمال لبنان، وموزع على 384 صفحة، وهو ما "جاء تعويضاً عن الإهمال الرسمي والإعلامي لها، والتقصير من أبنائها". من هذا المنطلق، يخطط حمزة لإطلاق مسابقة تصوير من أجل توثيق الكنز التاريخي للمدينة، وإعادة إحيائها، ومصالحتها مع المحيط، والحث للحفاظ عليها من المنطقة المملوكية، وكذلك تلك التي تمتلك صبغة عثمانية، التي تضم أقدم وأندر الأسواق في العالم، والتي تستمر بتأدية وظيفتها منذ نشأته، مما يثير مخيلة السياح، وصولاً إلى منطقة الزاهرية والتل، إلى شارع عزمي والمطران التي تتبع النمط العمراني الأوروبي.


صنعة الكتب قائمة

تحضر "صنعة الكتب" في قلب المشهد الثقافي الطرابلسي العام، وتشكل بعض المكتبات جزءاً من تراث المدينة، ومقصداً للباحثين على غرار "مكتبة السائح" التي يديرها الكاهن إبراهيم سروج، الذي يردد على مسامع زائريه، أنه "مستمر في بذل الجهد من أجل الحفاظ على صنعة الكتب، والالتزام بقاعدة ما للمكتبة للمكتبة، وتأمين عناوين جديدة لإغناء سجلها، ومساعدة محبي الثقافة، ومقاومة الاضمحلال وظاهرة رمي الكتب، وإعادة نشر كتب تاريخ طرابلس مدينة العلم والعلماء". ويعتقد أن "النهضة الثقافية الطرابلسية لا تحصل من خلال الاحتفاليات العابرة، وإنما من خلال عمل جماعي لإعادة مكارم الأخلاق إلى موقعها المركزي، وإعلاء شأن الجانب الروحي على حساب المادة، وكذلك إعادة الحياة إلى المراكز الثقافية والمسارح، والنوادي، واتباع نسق كورال الفيحاء، وإبداع الدكتور بلال عبدالهادي الذي كتب لعنة بابل".
من جهتها، خطت "مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية" خطوة إلى الأمام من أجل تشجيع النشر الأدبي في الشمال، ودعم الكتاب، وتنظيم مباريات ثقافية. ويلفت سابا زريق الحفيد إلى أنه "تضم طرابلس كنزاً كبيراً من المفكرين والعلماء النوابغ، وأعداد هائلة من الناس التي تستحق الإضاءة عليها"، و"كان الأشقاء العرب يأتون إلى طرابلس لشراء الورق". ويكشف عن أن "مبادرة نشر الكتب الجديدة ودعمها مستمرة، وأثمرت نشراً لـ107 مؤلفات خلال 10 سنوات، وكذلك إنشاء وإغناء مكتبات المؤسسات التربوية باللغة العربية"، وهو ما يضعه زريق في خانة "الوفاء لمحبوبته الفيحاء".

المزيد من ثقافة