Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إنهم يملكون الجنسية الفرنسية فلماذا هناك مشكلة انتماء؟

بعد اندلاع المواجهات جاء في بيان لمكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة "هذه فرصة للبلاد لتعالج بجدية المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون"

"ما حصل متوقع في مجتمع معقد ومركب كالمجتمع الفرنسي، ويتألف من مكونات مختلفة ومتضادة"  (أ ف ب)

ملخص

هل تخضع السلطات الفرنسية لمطالب المجتمع بوقف دوامة العنف وتهدئة العلاقات بين الشرطة والشباب من أحياء الطبقة العاملة؟ تقرير يتناول عمق المشكلة بعد التظاهرات العنيفة التي لفت فرنسا قبل أسابيع

لفت تداعيات مقتل الشاب نائل مرزوق (17 سنة) الذي قتل على أيدي الشرطة في "نانتير" إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، العديد من المدن والضواحي في فرنسا. وتحولت إلى بؤرة للاحتجاجات الواسعة والعنيفة، وخرج آلاف المتظاهرين للاعتراض على عنف الشرطة الذي تسبب بمقتل الشاب من الأصول الجزائرية. وكان نائل قد تعرض إلى إطلاق نار من مسافة قريبة بعد أن أوقفته الشرطة في 27 يونيو (حزيران) الماضي، حيث كان يقود سيارة مستأجرة وتجاوز نقطة تفتيش.

وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية عن اعتقال 1300 شخص وإصابة 79 شرطياً، كما دفعت بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إرجاء زيارة رسمية إلى ألمانيا كانت مقررة سابقاً. وأحصت الداخلية الفرنسية في بيان 31 هجوماً ضد مراكز الشرطة و11 هجوماً ضد ثكنات قوات الدرك. وأضاف البيان أن النيران أضرمت في حوالى 1350 سيارة، في حين تعرض 234 مبنى للحرق أو التخريب، وأحصي 2560 حريقاً على الطرقات العامة. 

هل الجيل الثاني والثالث من المهاجرين "فرنسي"؟

ووصف مراقبون الاحتجاجات بأنها الأكبر من حيث العنف الذي تبدى تجاه مؤسسات الدولة، واتساع نطاق التظاهرات والتداعيات الاجتماعية والسياسية التي حصلت من بعدها. وتأتي تلك الاحتجاجات في سياق سلسلة احتجاجات تشهدها فرنسا منذ نحو عقدين، مما يعني أنها قابلة للاشتعال مجدداً، على رغم توقف أعمال العنف. ما كان لافتاً هو أن المحتجين من أصول مهاجرة ويحملون الجنسية الفرنسية، أي يتبعون الجيل الثاني أو الثالث من أبناء المهاجرين الأوائل، وأن أغلبهم من الشباب، ومنهم ما زال قاصراً، ووفقاً لبعض التقارير أن هؤلاء فقدوا الأمل بتقبل المجتمع الفرنسي لهم، كما أنهم يعاملون بعنصرية توضحت بشكل لافت في المجتمع الفرنسي أخيراً. وعلى خلفيات تلك الحوادث عادت اتهامات الإهمال والتهميش وعدم المساواة لتطرح بوجه السلطات الفرنسية. وكان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أبدى قلقه إزاء مقتل الفتى نائل، وقالت المتحدثة باسم المكتب رافينا شامداساني: "هذه فرصة للبلاد لتعالج بجدية المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون". علماً أن الرئيس ماكرون كان قد وصف الحادث بأنه "لا يمكن تفسيره ولا يُغتفر"، مضيفاً أنه "لا شيء يبرر موت شاب"، التصريح الذي لم يلق الرضا من قبل الشرطة الفرنسية، بخاصة أن التحقيقات الرسمية ما زالت جارية.

وفي وقت يرى اليمين المتطرف أي حزب مارين لوبان أن الهجرة والمهاجرين هم أصل البلاء وأن تهاون الحكومات المتعاقبة مع قضية طرد المهاجرين هو العامل الذي ينعكس عنفاً في الضواحي وفي شوارع المدن حالياً، لاحقت اتهامات بـ"عنصرية فجة" رئيس كتلة حزب الجمهوريين اليمينية في مجلس الشيوخ الفرنسي برونو روتايو بعد الإدلاء بتصريحات قال فيها، إن الشبان الذين شاركوا في أعمال الشغب التي شهدتها البلاد، والذين يتحدر بعضهم من أصول مهاجرة "رجعوا إلى أصولهم العرقية". وقال، إن هؤلاء الشبان "هم حتماً فرنسيون، لكنهم فرنسيون على بطاقة الهوية، ولسوء الحظ فبالنسبة إلى الجيلين الثاني والثالث (من المهاجرين) هناك ما يشبه العودة لأصولهم العرقية".

 

"اندبندنت عربية" ناقشت مطلعين وباحثين في الشأن الفرنسي الداخلي، حول ما حصل تحديداً في فرنسا في الفترة الماضية، وهل من الممكن اعتبار أولاد المهاجرين من الجيلين الثاني والثالث عرباً؟

يضع عضو حزب "النهضة الفرنسي" حزب الرئيس ماكرون، المحامي زيد العظم، المقيم في باريس، ما صدر من تصريحات عن الأحزاب اليمينية بخانة "الشعبوية"، ويقول "هذا هو خبز أحزاب اليمين المتطرف، ويضيف أن 90 في المئة من الموقوفين هم من الفرنسيين، أما إذا تكلمنا عن الأصول، فلنسأل لوبان عن أصلها ومن أين أتت، عملية حصر الأصول عملية معقدة وصعبة وعقيمة. وإذا أرادوا العودة لجدلية الأصول، فسيسأل كل مواطن فرنسي حينها عن جذوره وأصوله، ما يعنينا هنا هي الرابطة القانونية بالدولة الفرنسية وهي الجنسية، وزير الداخلية جيرالد دارمانان نفسه جده جزائري، إيريك زمور اليميني المتطرف أصله جزائري، مما يعني أن تعبير الجيل الثاني والثالث هي مصطلحات اجتماعية، ولا تلعب دوراً في تصنيفات المواطنين الفرنسيين. ويشدد العظم أن الدولة الفرنسية عاملت الفتى نائل كمواطن فرنسي.

الباحث في الشؤون الفرنسية تمام نور الدين المقيم في باريس أيضاً له رأي آخر، ويقول إن ما شاهده الناس عبر شاشات التلفزة من أعمال شغب وعنف، هي محطات شبه يومية في الضواحي الفرنسية، من الاعتداء على الشرطة وحرق سيارات وغيرها، والجديد أنهم خرجوا من الضواحي إلى وسط المدينة وبدأوا بالنهب والاعتداء على المدنيين. وهو يقول إن أرقام وزارة الداخلية "مخففة"،  فالإصابات في الشرطة بلغت نحو 900  و 4000 سيارة لحقت بها أضرار.  والمشكلة أن الكثير من المهاجرين يحملون الجنسية الفرنسية ولكن عند سؤالهم عن هويتهم يقولون إنهم جزائريون أو غيرها من الجنسيات، وأن الجنسية هي فقط وسيلة للعيش على الأراضي الفرنسية، وهذا ما ينعكس على ممارسة المواطنة الفرنسية. ويضيف نور الدين أن هناك القسم الأكبر من المهاجرين الذين لا يعتبرون أنفسهم فرنسيين هم من أصول جزائرية، المشكلة بين الجزائر وفرنسا لم تنته بعد، وعندما تقوم فرنسا بطرد جزائريين لا يحملون أوراقاً فالسفارة الجزائرية في فرنسا والقنصليات لا تعطي تصريح مرور. 

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قال "بدل طردهم يجب اعطاؤهم تأشيرات 132 عاماً (فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر)، وفقاً لنور الدين. وأخيراً وقع الرئيس الجزائري مرسوماً بإعادة إدراج النص المحذوف الذي يهاجم فرنسا إلى النشيد الوطني الجزائري ويقول النص، "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يُطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منا الجواب". ويعلق الباحث في الشؤون الفرنسية على هذا بالقول إن مشكلة الجزائر والجزائريين مع فرنسا والفرنسيين مشكلة معقدة وحتى الآن لا يوجد لها حل، والأمور لن تهدأ، لأن الرغبة في الانتقام ما زالت في قلوب الكثيرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل تتعامل السلطات الفرنسية بعنصرية مع المهاجرين؟

وكانت لقيت حادثة مقتل الشاب نائل تفاعلاً واسعاً من قبل الجزائريين، وأعادت طرح طريقة تعامل إدارة الرئيس ماكرون مع المهاجرين الجزائريين من جديد، وبالخصوص الذين يقطنون بالضواحي. واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بتعليقات متعاطفة مع الشاب نائل، حيث أثار الجزائريون قضايا العنصرية في فرنسا والإسلاموفوبيا والمعاملة التمييزية بين الفرنسيين ومزدوجي الجنسية من الجزائريين، واعتبروا أن ما حدث هو رد فعل عفوي من جماهير غاضبة شعروا أنهم مستهدفون من الإدارة الفرنسية. يقول المحامي زيد العظم قد يكون هناك بعض العنصرية من قبل بعض عناصر الشرطة، لكنها ليست ممنهجة.

وكل التقارير التي تصدر وتقول إن الشرطة متهمة بالعنصرية خاطئة، لأن ليست كل الشرطة عنصرية بل بعض عناصرها وعددهم ليس بالقليل. كما أن تعليق الرئيس الفرنسي بعد الحادثة جاء بمكانه الطبيعي كأفضل رد على الاتهامات بالعنصرية، جاء تصريحه بوصفه الحامي والضامن لتوازن المؤسسات، كما أن القضاء لم يعط كلمته حتى الآن. وهذه اشكالية نعيشها، هناك شرطي ضرب شاباً بسبب أعمال الشغب مطلع هذا الشهر يوليو (تموز) في مرسيليا، فأمر القضاء بتوقيف الشرطي ووضعه بسجن احتياطي، ما أدى لحالة نقمة من قبل الشرطة على القضاء، واعتبر فريدريك فو، مدير عام الشرطة الوطنية أن "مكان الشرطي ليس السجن". ويضيف العظم، أن هناك أزمة بين الدولة وبعض الفرنسيين المقيمين في الضواحي، ويكمن الحل بيد الدولة ومن ثم البيت والأسرة. وكان ماكرون قد صرح أن الحل يكمن في العودة إلى تطبيق القانون والنظام، وأن أحد الأسباب الرئيسية لما حصل هو تهافت السلطة على كافة المستويات بدءاً بالمستوى العائلي. ودليله إلى ذلك أن من بين 1300 شخص مثلوا أمام القضاء لمشاركتهم في أعمال العنف والشغب والسرقات، ثمة 608 منهم من القاصرين، ما يدل على قصور عائلي وتداعي السلطة والتربية في الإطار العائلي. وقال ماكرون، "يحتاج بلدنا إلى ترميم السلطة على كافة المستويات إن في إطار العائلة أو المدرسة وعلى مستوى المنتخبين المحليين أو القوى الأمنية".

ويعلق عضو حزب "النهضة الفرنسي" أنه عندما نرى أولاداً صغاراً قاموا بعمليات النهب عمرهم لا يتجاوز 13 و 14 سنة، فهذه مسؤولية الأهل. ويعتبر تمام نور الدين أنه عندما قامت السلطات الفرنسية بتشييد الضواحي كان ذلك من أجل المواطنين الفرنسيين ذوي الدخل المحدود، ولم تشيد للأجانب، وكان ساكنوها من الفرنسيين في السابق. علماً أن المقيمين في تلك الضواحي لا يدفعون بدل إيجار بل رسوم رمزية، تبلغ خمسة إلى عشرة يورو، كما أن الدولة تدفع لهم شيكات مصرفية للماء والكهرباء، لكن المهاجر يأتي ويبقى متمسكاً بفكرة أنه مهاجر ولن يعمل، طالما أن الدولة تدفع لهم مساعدات اجتماعية. وعن الاتهامات بالعنصرية يقول إن هناك بعض العنصرية لكن مؤسسات الدولة ليست عنصرية، وتعامل كل الناس بسواسية ولا تمييز في القانون الفرنسي، ومحتمل أن يكون هناك أفراد من الشرطة عنصريين لكن جهاز الشرطة ليس عنصرياً، حيث يوجد العديد من أفرادها من أصول مهاجرة، ونصف الجيش تقريباً أصوله من المهاجرين".

"الحق باستعمال السلاح"

وكانت تقارير عدة تحدثت عن أن مشكلات السلطات الفرنسية مع الضواحي زادت منذ عام 2017، وتحديداً عند صدور المادة 435.1 من قانون الأمن الداخلي حيز التنفيذ في فرنسا، وبموجب هذه المادة أصبح لدى عناصر الشرطة إمكانية توسيع نطاق استخدام سلاح الخدمة، فيما لم يكن يتسنى لهم ذلك إلا في حالة الدفاع عن النفس، وأعطى هذا القانون شرطة المرور إمكانية استخدام القوة، عبر إطلاق النار على سائقي السيارات الفارين من نقاط التفتيش.

وعن هذا يشرح المتخصص في الشأن الفرنسي أن من يحدد ماهية الحادثة بوصفها جريمة قتل أو لا هو القضاء، ومن يحدد إذا ما كان الشرطي له الحق بإطلاق النار هو القضاء أيضاً، وماكرون أخطأ بوصفه ما حدث بتعبير "لا يغتفر". ويضيف أن في فرنسا اليوم 25 ألف حالة عدم امتثال، وحالات عدة من إطلاق النار، لأن عدم الامتثال يتيح لرجال الشرطة الحق بإطلاق النار. وأن هناك حالتين للسماح للشرطي بإطلاق النار، إذا ما تعرضت حياته للخطر، وإذا تعرض الناس والمارة للخطر. وخلال العام الماضي سقط برصاص الشرطة 15 مواطناً أكثر من نصفهم فرنسيون لا ينتمون للمهاجرين، لأن بتقدير الشرطة من لا يمتثل فهو إما مطلوب أو من أصحاب السوابق أو يحمل مخدرات أو سلاحاً وغيرها من الأمور الجرمية.

"وقف دوامة العنف"

وكانت صحيفة "لوموند" ومجلة "لوبس"، وفي مقالين منفصلين، أوائل يوليو، اعتبرتا أن وقف دوامة العنف وتهدئة العلاقات بين الشرطة والشباب من أحياء الطبقة العاملة يتطلب تغييرات عميقة، تبدأ من الاعتراف أولاً بما هو واضح من أن هناك عنصرية مؤسسية في الشرطة، وأخذ ذلك على محمل الجد، وجعل محاربة الشعور بالتهميش وبالإهمال من قبل أفقر السكان أولوية وطنية. ورأت "لوموند" أن سلسلة الليالي المأساوية على إثر مقتل الشاب نائل، واندلاع الشغب والغضب بين الشباب في أحياء الطبقة العاملة، الذي يتحول إلى نهب وعنف وتدمير، مما يثير منطقياً عدم الفهم والخوف والغضب، إلا أن العلوم الاجتماعية تجعل من الممكن شرح ظروف وفاة نائل والحريق الذي أحدثه في جميع أنحاء البلاد، كما تقول مجلة لوبس.

يرى نور الدين أن هناك فرقاً كبيراً بين من يقول أحمل الجنسية وجواز سفر فرنسياً وبين من يقول أنتمي إلى هذه الأمة، ما حصل في فرنسا ليس تظاهرات، بل عمليات سلب ونهب واعتداء على الملكيات الخاصة والعامة، وقلة تربية وانتقام وحقد، كانت هناك عائلات مؤلفة من الأم والأب والأولاد ينهبون سويةً، فأي مثال يقدمون لأولادهم؟ ويتابع أنه وفقاً للقانون الفرنسي من يعمل يدفع ضريبة للحكومة الفرنسية، بدورها تقوم بتوزيع شيكات للعاطلين من العمل، من مهاجرين وفرنسيين، وهناك سيدة كتبت على واجهة متجرها، الرجاء لا تكسروا الواجهة كي أستطيع أن أدفع لأهلكم المساعدة الاجتماعية آخر الشهر. وبالنسبة لزيد العظم أن ما حصل متوقع في مجتمع معقد ومركب كالمجتمع الفرنسي، والذي يتألف من مكونات مختلفة ومتضادة، لكن هذا هو سقفها لأن لا مصلحة لأحد بنشوب حرب أهلية أو أن تتطور الأمور أكثر.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير