Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي إمكانية الجيش اللبناني لتنفيذ القرار 1701؟

الوفود الغربية تطالب لبنان بالتطبيق ونشر 15 ألف جندي في الجنوب

الحكومات اللبنانية المتعاقبة كانت تحسم كل عام من موازنة المؤسسة العسكرية (أ ف ب)

ملخص

انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني مرتبط بثلاثة عوامل... فما هي؟

أثار تصريح لوزير خارجية لبنان عبدالله بو حبيب الأسبوع الماضي عن عدم قدرة الجيش اللبناني على الانتشار واستلام زمام الأمور في الجنوب ضجة واسعة، مما اضطره إلى إصدار بيان ينفي فيه ما وصفه بـ"المعلومات المغلوطة والأخبار المجتزأة والمقتطعة من تصريحات عدة سابقة ولا صحة لها". وعلى رغم نفي الوزير إلا أن كثيرين في لبنان يعتبرون أن الكلام عن عدم قدرة الجيش اللبناني على تسلم منطقة جنوب الليطاني، هو الرد الرسمي الذي أبلغه المسؤولون في لبنان إلى الموفدين الدوليين. وكشفت مصادر سياسية لـ"اندبندنت عربية" عن أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سبق وأبلغ وزيرة خارجية ألمانيا آنالينا بيربوك في آخر زيارة لها إلى بيروت أن الجيش اللبناني لا يملك في ظل الأزمة المالية الحالية القدرات والإمكانات الكافية لتنفيذ القرار (1701)، الذي ينص على نشر 15 ألف جندي في منطقة جنوب الليطاني يتولون حماية المنطقة بالتنسيق مع القوات الدولية، فيما تكون المنطقة خالية من أي سلاح ومسلحين. وفي تصريحات لقناة "أم تي في" المحلية، قال بوحبيب اليوم الثلاثاء إن "المطلوب نشر الجيش في الجنوب لكن لا قدرة على نشر 15 ألف عنصر وطلبنا من المجتمع الدولي مساعدتنا في تجنيد 7 آلاف". ورأى بعضهم في الموقف اللبناني اعترافاً واضحاً بأن لبنان الرسمي، على رغم تمسكه بالقرار الدولي ظاهراً، إلا أنه يؤكد عدم جهوزيته لتطبيقه كاملاً. كل ذلك دفع إلى التساؤل عن حقيقة وضع الجيش، وهل أنه فعلاً لا يملك القدرات الكافية من عتيد وعداد للانتشار جنوباً، أم أن هذا الموقف يهدف كما اعتبر سياسيون في المعارضة إلى تبرير وجود "حزب الله" بكامل سلاحه وعتاده خارج القرار السيادي للدولة؟

لماذا انتشار الجيش غير ممكن؟

بحسب اللواء المتقاعد عبر الرحمن شحيتلي والمدير العام السابق للإدارة في وزارة الدفاع، فإن انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني مرتبط بثلاثة عوامل، عامل سياسي وعامل تقني وعامل العديد. والعاملان التقني والعديد مرتبطان بالأمور اللوجستية، فيما العامل السياسي المتعلق بسلاح "حزب الله" تحديداً، فمرتبط بالمعالجة السياسية التي لا تتولاها المؤسسة العسكرية، خصوصاً أن الجيش اللبناني لم يكلف بعد بنزع سلاح الحزب لا في جنوب الليطاني ولا في الأراضي اللبنانية، وهو لن يقوم بهكذا مهمة حسب شحيتلي لما لها من مفاعيل وارتدادات سياسية تؤثر في بنيته، كونه سيواجه في هذه الحالة ثلث الشعب اللبناني.

ويضيف اللواء المتقاعد أن العائق الأساسي أمام مهمة الجيش في جنوب الليطاني إذا كلف بها، هو أولاً لوجستي، فعناصر الجيش اللبناني لا يمكن أن ينتقلوا من الشمال والبقاع إلى الجنوب ليلتحقوا بمكان عملهم لمدة لا تقل عن ستة أيام، وهم يتقاضون أجراً لا يتخطى 100 و200 دولار غير كافية لتأمين حياة كريمة لعائلاتهم. ويشرح شحيتلي أنه في الوضع المالي الحالي للجيش يتعذر عليه نشر عناصره بالشكل المطلوب منه. ويضيف أنه من الأسباب اللوجستية التي تعوق انتشار الجيش حالياً في منطقة جنوب الليطاني، أن انتقاله وحركته في المنطقة تتطلب إمكانات مادية كبيرة، فضلاً عن تأمين أماكن إقامته سواء كانت في منازل جاهزة (prefabrique) أو خيم أو مبان وهي كلها خيارات مكلفة وصعبة في ظل الموازنة الحالية المحدودة للمؤسسة العسكرية.

جهوزية الجيش 40 في المئة

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن دولاً عدة أبدت استعدادها لتأمين ما يلزم للمؤسسة العسكرية حتى يتمكن الجيش من الانتشار في منطقة جنوب الليطاني، إلا أن اللواء شحيتلي ينتقد هكذا قرار ويصفه بالقرار الخاطئ، لأنه لا يمكن دعم الجيش في الجنوب من دون دعم الألوية كافة المنتشرة في المناطق، إذ لا يمكن بحسب رأيه تجهيز وحدات وترك أخرى من دون أي تجهيزات، خصوصاً أن هذه الوحدات تتبدل بشكل دوري، معتبراً أن تجهيز الجيش يجب أن تتم مقاربته ككل حتى يتمكن من القيام بمهماته. ويؤكد شحيتلي أنه إذا لم يدعم الجيش دعماً كافياً فسيتعذر عليه القيام بالمهمة في الجنوب، خصوصاً أن عناصره تقوم حالياً بكل مهمات الداخل الأمنية نظراً للجهوزية المنخفضة لدى القوى الأمنية الأخرى التي لا تتخطى الـ10 في المئة، فيما لا تتعدى جهوزية الجيش اللبناني حالياً الـ40 في المئة، بينما في الأوقات العادية كانت تتراوح بين 65 و70 في المئة، مقارنة مع الأوقات الحرجة حين ترتفع إلى 90 في المئة.

وكان البريطانيون والفرنسيون أبدوا خلال زيارات وزراء خارجيتهم إلى بيروت الاستعداد لتدريب الجيش اللبناني وإدخال ما بين 7 آلاف و12 ألف جندي جديد، وذكرت معلومات عن مساعٍ فرنسية لعقد مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني، وتوفير المقدرات التي يحتاج إليها لضم عناصر جديدة وتوفير مستلزماتها.

مسؤولية الحكومات المتعاقبة

وتحجج لبنان دائماً بالأزمات الداخلية والحاجة إلى الجيش في الداخل لعدم تطبيق البند المتعلق بنشر 15 ألف عنصر في جنوب الليطاني بحسب القرار (1701) الذي صدر بعد حرب يوليو (تموز) 2006 . ويكشف مصدر عسكري رفيع لـ"اندبندنت عربية"، عن أن السلطات اللبنانية لطالما تحايلت على الاتفاق الدولي عبر احتساب عدد الجنود المنتشرين من منطقة النهر الأولي لرفع العدد المنتشر في الجنوب. وبين عامي 2009  و2010، كان عدد الألوية المنتشرة في جنوب الليطاني ثلاثة أي 6 آلاف عنصر، لكن مع قرار إعادة تمركز القوى العسكرية وعندما اتخذ القرار بإنشاء لواء احتياط هو اللواء الـ11 الذي كلف بالتدخل في الأمور الطارئة، طلب رئيس جمهورية فرنسا السابق نيكولا ساركوزي تعزيز وجود الجيش اللبناني في الجنوب تطبيقاً للقرار (1701)، فارتفع عدد الألوية حينها من ثلاثة إلى أربعة فبات العدد 8 آلاف عنصر يضاف إليهم 300 عسكري في مواقع الجيش الثلاثة الموجودة في الجنوب و100 من الشرطة العسكرية وحوالى 50 عنصراً في القوات البحرية، إضافة إلى 150 من قيادة قطاع الجنوب اللبناني، ليصبح العدد الإجمالي الموجود حالياً في جنوب الليطاني 8600.

هذا العدد بحسب مدير العمليات السابق العميد المتقاعد مارون حتي، مضاف إليه حوالى 10 آلاف عنصر من القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) الذين لم يتمكنوا من ردع الفلسطينيين أو عناصر "حزب الله" من إطلاق الصواريخ من الجنوب، لأن القرار السياسي سمح للحزب بأن يعزز قدراته وترسانته فكان يستعد وكذلك إيران. ويسأل حتى المسؤولون اللبنانيون الذين يتحدثون عن عدم قدرة الجيش على الانتشار، ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2006 في سبيل تعزيز قدرات الجيش، إذ كان يمكن أن تخصص نسبة مئوية من الناتج المحلي لتعزيز إمكانات المؤسسة العسكرية. ويتفق حتى مع اللواء شحيتلي في حاجة الجيش إلى تجهيزات لوجستية وإلى إعادة تموضع لزيادة عدده في الجنوب، متهماً "حزب الله" بمنع تقوية الجيش اللبناني لتبرير وجوده. ويسأل العميد المتقاعد عن "ثكنة يوسف يونس" في بلدة الخيام التي تحولت في زمن الاحتلال الإسرائيلي إلى سجن، وسيطر عليها "حزب الله" بعد الانسحاب الإسرائيلي وحولها إلى متحف ورفض تسليمها إلى الجيش اللبناني.

في المقابل يوضح اللواء المتقاعد عبدالرحمن شحيتلي أن قرار عدم تسليح الجيش وتعزيز قدراته لم يكن قراراً حكومياً فقط على رغم اعترافه بأن الحكومات المتعاقبة لم تقاتل من أجل زيادة قدرات الجيش، بل كانت تحسم سنوياً من موازنة المؤسسة العسكرية نسبة خمسة في المئة، بدلاً من زيادتها تماشياً مع ازدياد عديد الجيش وحاجاته. ويكشف شحيتلي عن خطة ثلاثية لرفع مستوى الجيش أطلقت قبل تقاعده عام 2013 وبلغت قيمتها 4.7 مليار دولار، وحازت على موافقة سفراء الدول المانحة الأوروبية والعربية والأميركية، بعدما اطلعوا على المسودة. وتضمنت الخطة تسليح الجيش وتدريب عناصره وتأمين صيانة دائمة للآليات والأسلحة وتوفير لوازم الاتصالات والسكن وغيرها، وبلغت نسبة مشاركة الدولة اللبنانية فيها مليار و700 ألف دولار فيما تم توزيع المليارات الثلاثة المتبقية على الدول المانحة بصيغة مساعدات عينية يحددها الجيش، وأقرت الحكومة اللبنانية التي كان يترأسها آنذاك الرئيس تمام سلام الخطة، وكانت وزارة المال جاهزة لصرف المبلغ والبدء بالتنفيذ، لكن الخطة ذهبت أدراج الرياح وسط تباينات بين الدول المانحة في شأن مصدر المعدات. ويعترف شحيتلي بأن عدم صدقية الدولة اللبنانية السياسية مع الدول المانحة الصديقة هي المانع الأساسي الحالي أمام أية عملية لمساعدة الجيش.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير