ثمة رمزية خاصة لبرجي مركز التجارة الدولي اللذين سقطا في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في العام 2001، حيث يرمز البرجان إلى كونهما المقر الرئيس الذي تنطلق منه التجارة الدولية، والتعاملات المالية في العالم. وموقع المقرين نفسه مهم للولايات المتحدة الأميركية والعالم، فهما يقعان في منطقة منهاتن في ولاية نيويورك التي تعتبر العاصمة المالية للولايات المتحدة، وفيها مقرات البورصات والبنوك وشركات التأمين الضخمة أو ما يعرف في أميركا بـ "وول ستريت".
وكانت الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة عبر طائرتين على هذين البرجين بمثابة ضرب للرمز المالي والتجاري لأميركا، ثم تابع بطائرة ثالثة ضربت الرمز العسكري لأميركا وهو مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وكانت تنوي ضرب أيضاً البيت الأبيض، أي الرمز السياسي لكن الطائرة تحطمت قبل وصولها.
حرب كلفت التريليونات
واعتبرت هذه الأحداث المأسوية بمثابة حرب على الولايات المتحدة الأميركية، حركت بعدها أسطولها نحو أفغانستان والعراق لإسقاط نظامَي الحكم فيهما، حيث هزّت مشاهد سقوط الأبراج العالم ليتّحد بهدف إنهاء الإرهاب واقتلاع جذوره، لدرجة أن تاريخ 9/11 أصبح كأنه نقطة انطلاق للعالم، فما قبله ليس كما بعده.
وإلى الجانب الإنساني لهذه الأحداث المأسوية، كان هناك جانب اقتصادي أيضاً.
قدّرت الخسائر في هذه الأحداث بنحو تريليوني دولار بحسب التقرير الصادر عن لجنة 9/11، ووحدها خسائر البنية التحتية وتكلفة المنشآت المنهارة قدّرت بنحو 100 مليار دولار. أما تكاليف الحرب اللاحقة على أفغانستان والعراق فقد قدرتها جامعة براون بنحو 4 تريليونات دولار.
ضبابية اقتصادية
وأدّت هذه التراجيديا إلى حدوث عدم يقين في عالم المال والأعمال والاقتصاد عموماً. فكانت هناك أسئلة معلقة حول الأثر المالي والاقتصادي لهذه الأزمة في الاقتصاد الأميركي والعالمي، ومخاوف من ضربات شبيهة لعواصم مالية عالمية وعلامات استفهام حول مصير الحرب الجديدة التي تخوضها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. وإلى أين ستؤدي وما هي تكاليفها. كل هذه الضبابية خيمت على الأسواق العالمية لأحداث 9/11 حيث توقّف العمل والتداولات في بورصات نيويورك وناسداك وإخلاء مقراتها، بينما حدث الوضع نفسه في بورصة لندن حيث أخليت أيضاً تخوّفاً من أي ضربات محتملة وشبيهة.
وبعد نحو أسبوع من توقف التداولات، لفترة تاريخية لم تحدث إلا بالأزمات المالية العالمية، انهارت بورصة نيويورك بنسبة تفوق 7 في المئة في أكبر خسائر في تاريخ البورصة في يوم واحد.
خسائر التأمين
وكانت هناك تكاليف ضخمة للتأمين على مكاتب الشركات الأميركية والعالمية في البرجين، وقدرت الخسائر في قطاع التأمين بنحو 40 مليار دولار.
وتحرك البنك المركزي الأميركي على الفور لتسهيل ضخ السيولة في السوق، حيث وفّر نحو 100 مليار دولار من السيولة اليومية بعد 3 أيام من الأحداث، خصوصاً أن الدولار انهار مقابل عملات رئيسة في العالم.
وحدثت فوضى كبيرة في قطاع الطيران أدت إلى تدخل من السلطات الفيدرالية لتسهيل عمليات الطيران وإقراض شركات الطيران لتغطية خسائرها بسبب تغيير اتجاهاتها وتكاليف الطيران في ذلك الوقت.
سياحة مدينة الحريات
وكان هناك تأثير ضخم في قطاع السياحة، فنيويورك تعتبر مدينة سياحية بامتياز، وفيها الأبراج الشاهقة التي تعتبر رمزاً للتطور العمراني للولايات المتحدة، الدولة الناشئة حديثاً والتي جمعت المهاجرين من أنحاء العالم ليبنوا أحلامهم الخاصة فيها وليبحثوا عن حريتهم وحياة جديدة لهم. وفي نيويورك رمز الحرية الأميركية وهو تمثال الحرية الذي كان يستقبل هؤلاء الحالمين بمستقبل أفضل. وأيضاً في نيويورك تايمز سكوير، الساحة الشهيرة المليئة بلوحات كهربائية تضاء ليلاً ونهاراً، وتضفي جمالاً ورونقاً على الأبراج الشاهقة، وفيها يلتقي السياح وتقام الحفلات والمهرجانات الصاخبة وتنظَّم أهم دور المسرح المعروفة ببرودواي. أضف إلى ذلك وجود حديقة "سنترال بارك" التي تعتبر من بين أجمل حدائق أميركا وأضخمها وتقع في وسط منهاتن وتتميّز كعنوانٍ سياحيٍ أيضاً. وهناك آلاف العلامات السياحية في نيويورك، الولاية الديمقراطية التي تعتبر من بين الأكثر تسامحاً مع المهاجرين الرسميين أو الذين لا يحملون أوراقاً، حيث تعتبر ملاذاً آمناً تماماً كما هي كاليفورنيا، وهما الولايتان الأشهر في أميركا في تأييد الحزب الديموقراطي والأكثر إنسانية.
وخسرت سياحة نيويورك نحو 40 في المئة من نشاطها، على شكل إلغاء حجوزات فنادقها وتقليل عدد موظفيها وغيرها من الخسائر. وهناك أيضاً خسائر تكبدها اقتصاد نيويورك الذي يسهم بنحو 8 في المئة من الناتج الإجمالي للاقتصاد الأميركي بحجم 1.5 تريليون دولار كما في العام 2017، وقد خسر وقت الأحداث نحو 30 مليار دولار.
وتمت إعادة بناء ما يعرف اليوم ببرج التجارة العالمي الجديد كبديل عن البرجين الذين سقطا في9/11 ويعتبر أيضاً مقراً لكبرى الشركات الأميركية والعالمية، وبلغت تكلفة إنشائه نحو 4 مليارات دولار.
هذا المقال نشر في 10 سبتمبر (أيلول) 2019 وتعيد "اندبندنت عربية" نشره بمناسبة ذكرى هجمات سبتمبر