Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فاغنر" الروسية تستعد للتوسع في أفريقيا

تتحدث "اندبندنت" مع مقاتل سابق في "فاغنر" عن عدد مقاتلي الجماعة السابقين الذين يفكرون بمعاودة الانضمام لصفوفها، وذلك إزاء يقين المسؤولين الغربيين من أن الكرملين سيسعى لاستغلال الوضع المضطرب الراهن

رجال يحملون علم "فاغنر" خلال تظاهرات في النيجر العام الماضي تطالب الجيش الفرنسي بمغادرة البلاد (أ ف ب عبر غيتي)

ملخص

مع استمرار قرع طبول الحرب في أرجاء الشرق الأوسط تستعد مجموعة "فاغنر" الروسية للعمل في أفريقيا من جديد

مع استمرار قرع طبول الحرب في أرجاء الشرق الأوسط، حيث تسهم الصدامات في بلدان عدة بزيادة المخاوف من نشوب نزاع أوسع، تبدو مجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر" وكأنها عادت من جديد إلى العمل. فبعد ثمانية أشهر من فشلها الذريع في الزحف نحو موسكو، وستة أشهر من مقتل [زعيمها] يفغيني بريغوجين وضباطه إثر انفجار طائرتهم بالجو في ما اعتبر انتقاماً أمر به فلاديمير بوتين، يجري دعوة مقاتلي هذه المجموعة من جديد إلى حمل السلاح بمباركة الكرملين.

إلا أن الأجواء المثلجة باستمرار في أوكرانيا [التي اختبرتها المجموعة] استبدلت هذه المرة بأجواء الرمال والسافانا الأفريقية. إذ ثمة إعلان جديد يدعو للقتال في إطار "فيلق أفريقيا"، وهو اسم يستحضر "فيلق أفريقيا" Afrika Korps الألماني الشهير الذي شكله الماريشال إرفين رومل، والمشارك في الحملة الكبرى ضد بريطانيا والحلفاء في ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وكان هجوم "حماس" ضد إسرائيل قبل ثلاثة أشهر أدى إلى معارك من البر والجو والبحر في أرجاء المنطقة، وذلك تزامناً مع استمرار الهجمات القاتلة في غزة والهجمات الصاروخية وعمليات الاغتيال المدروسة في أنحاء الخليج واليمن ولبنان وسوريا والعراق وإيران، ووصولاً حتى إلى باكستان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وضمن هذا السيناريو الذي يزداد تفجراً واحتداماً، تعمل مجموعة "فاغنر" السابقة على تقوية حضورها في ليبيا والسودان، اللذين يشكلان جزءاً من منطقة شديدة التقلب، إضافة إلى تعزيز وجودها في دول أفريقية حيث حلت في مكان القوى الغربية المنسحبة.

ويقال في هذا الإطار إن الكثير من مقاتلي "فاغنر" السابقين أبدوا اهتمامهم في الالتحاق بـ "فيلق أفريقيا". سيرغي، المقاتل الذي خدم في صفوف "فاغنر" بسوريا وأوكرانيا ثم أنهى خدمته قبل وقت قصير من المحاولة الانقلابية، قال: "يبدو أنهم جديون ومنظمون [أي أصحاب "فيلق أفريقيا"]، لذا فإن رجالاً كثراً يفكرون بقبول العرض (عرض الالتحاق)".

وأضاف "فهم يعتمدون تأثيراً سيكولوجياً فعالاً. إذ إنهم يشيرون إلى أن جنوداً كثيرين يجدون صعوبة كبيرة في معاودة التأقلم مع الحياة المدنية: ندرك طبعاً إن الأمر كذلك فعلاً. كما إنهم يحذرون مما حصل مع بعض من خدموا في أفغانستان والشيشان. فهؤلاء انغمسوا في حياة الكحول والمخدرات، وانتهوا بالسجون وبتدمير حياتهم الزوجية. لذا فإن العودة إلى الخدمة العسكرية تمثل طريقة فعالة لتلافي كل هذه المشكلات".

وأكمل سيرغي قائلاً "هناك أشخاص عديدون يشتاقون لأيام خدمتهم في فاغنر. فهذه الجماعة شكلت بدايةً مجموعة خاصة من الناس. وذاك لا يشبه ما غدت عليه [فاغنر] في أوكرانيا مع تجنيد المحكومين وغيرهم من الأشخاص غير النافعين. من شكل "فاغنر" في البداية كانوا جنوداً محترفين ولدى كثيرين منهم خبرات كبيرة من القوات الخاصة. على أن "فيلق أفريقيا" اليوم يشكل اسماً متميزاً في الحرب، أليس كذلك؟ إنه اسم تاريخي".

في الإطار عينه تبدو موسكو اليوم حريصة على الاستفادة من الفرص التي تتيحها لها الأزمات، فتستغل الأجواء المضطربة اليوم، وفق ما يقول مسؤولون غربيون يراقبون من كثب الأنشطة الروسية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل. إذ ثمة بهذه المنطقة تركيز خاص ومتجدد لإيجاد منشأة بحرية روسية متنظرة في "بورتسودان" على البحر الأحمر، حيث يهاجم الحوثيون السفن الحربية الأميركية والبريطانية التي تحمي خطاً تجارياً دولياً أساسياً. وقد قامت "فاغنر" فعلاً هناك بابتداء الأعمال الأولى في مشروع المنشأة البحرية. كما أن المجموعة لديها منذ زمن علاقات قائمة مع السودان، وهي، بحسب الاعتقاد السائد، تمد طرفي النزاع في هذا البلد بالأسلحة في خضم الحرب الأهلية القائمة، وتحصد مقابل ذلك أرباحاً كبيرة جراء انخراطها بتجارة الذهب المحظورة.

كذلك، وبحسب المسؤولين الغربيين، فإن الكرملين يتحضر لما سيعقب النزاع الراهن في الشرق الأوسط. أحد السيناريوهات المقترحة اليوم لوقف النار في غزة يقضي بخروج ما تبقى من قيادة "حماس" هناك وانتقالهم إلى الجزائر – في محاكاة لانسحاب ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس بعد أن أدى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 إلى إخراجهم من لبنان في ذلك العام.

وترفض الحكومة الإسرائيلية حتى الآن خيار الجزائر، وتتعهد بتدمير "حماس" في غزة. لكن إن جرى تطبيق الخطة المرسومة من قبل فرنسا والسعودية، فإن المرتزقة الروس في ليبيا سيكونون على مقربة شديدة من بقايا "حماس" وقيادتها.

وقد زُعم في هذا الإطار وجود قياديين سابقين من "فاغنر" رصدوا في ليبيا، بعد وصولهم أخيراً إلى قاعدة الخادم الجوية في الشرق، وإلى سرت والجفرة وسط البلاد، وهي مناطق يسيطر عليها الماريشال خليفة حفتر، قائد المتمردين (الليبيين) الذي دعمته موسكو خلال النزاع الضروس المندلع إثر سقوط معمر القذافي.

وكما يقال فإن موسكو تستغل الغضب العام السائد في دول الجنوب العالمي إزاء فشل الغرب المفترض، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، في إدانة إسرائيل نتيجة أكثر من 26 ألف قتيل سقطوا حتى الآن، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، في غزة بسبب هجومها. وقد أخذت جنوب أفريقيا زمام المبادرة في اتهام إسرائيل أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، بالقصد في ارتكاب إبادة في غزة. وذاك اتهام نفته إسرائيل بشدة.

إلى ذلك، فإن نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف واللواء أندريه أفريانوف، من وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية (أي جهاز الـ GRU)، يلعبان أدواراً رئيسة في إطار توسع الكرملين الجديدة في أفريقيا.

وقد سافر الرجلان إلى ليبيا للقاء حفتر في بنغازي، كما زارا جمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو ومالي والنيجر – وهذه جميعاً دول انتقلت مجموعة "فاغنر" إليها، أو ما زالت تسعى لذلك، بعد قيام الأنظمة العسكرية فيها بإجبار القوات الغربية بقيادة فرنسا على الانسحاب.

وفي السياق ذاته، يقول أحد مسؤولي الأمن الغربيين: "من الواضح أن روسيا تركز في الآونة الأخيرة على أوكرانيا، وجراء ذلك شهد نفوذها في الشرق الأوسط، الذي كان نفوذاً مهماً جداً، تضاؤلاً ملحوظاً. لذا فإنهم الآن يدرسون الطرق التي يمكن أن يعودوا من خلالها، و"فاغنر"، مهما حملت من اسم اليوم وغداً، تمثل وكيلاً (روسياً) فعالاً في هذا المسعى. والفارق بين وضعها الماضي وحاضرها يتمثل بأنها اليوم ستكون تحت إشراف مباشر من الكرملين، بدل الائتمار لأشخاص مثل بريغوجين ومعاونيه. ليس ثمة من شك أن هناك الآن بعض الفراغ من الناحية الأمنية بعد رحيل الفرنسيين من غرب أفريقيا، وروسيا تحاول ملء الفراغ المذكور عبر استخدام الشركة العسكرية الخاصة".

ويأتي في هذا الإطار إعلان تشكيل "فيلق أفريقيا" كمجموعة تخلف "فاغنر". الإعلان صدر في الأصل من مدونين حربيين روس، ثم أكد الكولونيل السابق في الجيش ورئيس تحرير مجلة "ناتسيونالنيا أوبورنا" [الدفاع الوطني] والمقرب من وزارة الدفاع في موسكو، إيغور كوروتشينكو، إعلان ولادة الفيلق.

ويسعى الـ"فيلق" هذا للاستحواذ على دور "فاغنر" التي حظيت بمصالح واسعة في أفريقيا، حيث قدمت خدمات أمنية لأنظمة وحكام سلطويين مقابل دفعات ومصالح غالباً ما تمثلت بحقوق في قطاع المعادن الثمينة. وبعد أن بدا أن بوتين سامحه على محاولة الانقلاب التي نفذها، شارك بريغوجين في جولة بأفريقيا لطمأنة زبائن روسيا هناك بأن الخدمات ستستمر كالمعتاد بدعم من الحكومة الروسية.

من جهته، قال رايلي مويدر، المحلل البارز في مركز الأبحاث "معهد نيولاينز" New Lines Institute بالولايات المتحدة قال بهذا الإطار: "جرى تصوير بريغوجين في تلك المنطقة قبل تحطم طائرته. هذه المنطقة تبحث عن دعم، لذا فإن روسيا الآن تريد التأكيد لهم أنها لا تزال ملتزمة تجاه المنطقة".

يفكوروف وأفيريانوف كانا على معرفة ببريغوجين طبعاً، لكن روابطهما به لم تكن ودية. إذ إن يفكوروف صُور على أنه سجين عند بريغوجين عندما انتقلت قوات "فاغنر" إلى مدينة روستوف الروسية خلال المراحل الأولى من المحاولة الانقلابية – وذاك شكل إحراجاً أمام الرأي العام لم ينسه نائب وزير الدفاع (يفكوروف). كما اتُهم أفيريانوف وجهاز الاستخبارات العسكرية (GRU) بأنهم كانوا جزءاً من مؤامرة لاغتيال بريغوجين وضباطه الأبرز، وتلك مؤامرة وضعها، بحسب ما يُزعم، رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، نيكولاي باتروشيف.

ويمثل "فيلق أفريقيا"، وفق ما ينشر في قنوات "تليغرام، "فرصة سانحة" منبثقة من أفريقيا لإمكانية التجنيد مرة أخرى، وذلك نظراً لابتعاد الدول الأفريقية من الغرب. انسحاب القوات الفرنسية من مالي والنيجر تعتبر من الأمثلة التي قدمت في هذا الإطار. "والآن، حين غدت روسيا قوية متحديةً العالم بأسره، باتت تحتاج إلى مقاتلين محترفين أكثر من أي وقت مضى"، وفق ما ورد في أحد المنشورات على "تليغرام".

وأراد "الفيلق" التشديد على أن قيادته مؤلفة من ضباط مجربين سبق وخدموا في وحدات "نخبة" و"متخصصة" ضمن القوى المسلحة الروسية والشركات العسكرية الخاصة، على حد سواء. ويقال إن بعض أولئك القادة كانوا ضمن "فاغنر". كما يُرحب بالأعضاء السابقين في هذه المجموعة الأخيرة (فاغنر) للتقدم بطلب "فرص عمل" في الفيلق. وهم سيحظون بالتقدير وسيسمح لهم بارتداء شارات "فاغنر" على بذلاتهم إلى جانب شارات "فيلق أفريقيا".

وفي الإطار عينه وعدت حملات التجنيد برواتب مرتفعة تدفع بالعملات الأجنبية عند الضرورة، وبقيادة مهنية وكفوءة. كما وعدت بالتأمين الصحي والخدمات الاجتماعية التي من ضمنها تعويضات سخية لعائلات المحاربين الذين يصابون أو يقتلون خلال قيامهم بالأعمال الحربية.

سيرغي، المقاتل السابق في "فاغنر" والذي يعيش اليوم بدولة في أوروبا الوسطى، قال في السياق: "لقد كانوا أيضاً إيجابيين جداً في مسألة محددة. فكثيرون ممن تركوا "فاغنر" كانوا متخوفين من أن يجري تحميلهم مسؤولية التحرك [أي محاولة الانقلاب] حتى لو لم يكن لهم أي دخل في الأمر. هؤلاء الشبان [الداعون اليوم إلى التجنيد في فيلق أفريقيا] يقولون إن العضوية السابقة في "فاغنر" ليست مشكلة، لا بل إنها في الحقيقة أمر جيد. الشرط الوحيد الذي يمكن أن نراه حتى الآن هو أن عناصر "فاغنر" الذين انضموا إلى الحرس الوطني الروسي (روسغفارديا) بعد [الانقلاب] عليهم البقاء بتلك القوات، إذ لا يمكنهم أن ينتقلوا ببساطة إلى قوات أخرى".

ماذا سينتظر "فيلق أفريقيا" في عالم الكرملين والمرتزقة الروس العنيف يبقى أمراً سنراه لاحقاً. القوات التي حملت الاسم نفسه في الماضي، "فيلق أفريقيا"، استسلمت كبقية قوات المحور في شمال أفريقيا عام 1943، وقد أرسل معظم عناصرها إلى معسكرات الاعتقال في الولايات المتحدة كأسرى حرب. أما رومل، الذي قدسه جنوده واحترمه أعداؤه، فقد اشترك بمؤامرة فاشلة ضد هتلر، مثلما فعل بريغوجين ضد بوتين. الفوهرر أراد تلافي محاكمة رومل، خوفاً من ردود الفعل التي قد تثيرها المحاكمة نظراً لشعبية الرجل بأوساط الجيش والشعب الألماني. لذا قام السجانون النازيون بمنح رومل خيار الانتحار مقابل الحفاظ على عائلته والمقربين منه. وقد ارتدى المارشال (في لحظاته الأخيرة) بذلة الميدان الخاصة بـ"فيلق أفريقيا" وتناول كبسولة السيانيد.

© The Independent

المزيد من دوليات