Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غياب المكتبات يبدد هوية أحياء وشوارع عدة في الجزائر

أسباب الظاهرة تعود للبحث عن الربح السريع والغزو التكنولوجي والوسائط الاجتماعية وارتفاع أسعار الكتب

مكتبات تحولت إلى متاجر للوجبات السريعة وبيع الألبسة في الجزائر (الإذاعة الجزائرية)

ملخص

يعد بعض مكتبات الجزائر إرثاً مجتمعياً عريقاً سواء بسبب نوعية الكتب فيها أو الشخصيات السياسية والأدبية التي زارتها

تشهد شوارع مختلف مدن الجزائر غياب عدد من المكتبات التي كانت إلى وقت قريب تمنح هوية للحي والمنطقة والبلاد، وتعبر عن "نوعية" الفرد والأمة. وما يحز في نفوس الجيل "القديم" أي من كبار السن، أن بعضها يعد إرثاً مجتمعياً عريقاً سواء بسبب نوعية الكتب والمجلات وحتى الصحف التي تحتلها الرفوف، أو الشخصيات السياسية والأدبية المحلية والعالمية التي زارتها، الأمر الذي دفع إلى التساؤل حول أسباب سقوط الكتاب من أيدي الجزائريين؟

تراجع بعد قفزة نوعية

الجزائر العاصمة بعد استقلال البلاد عام 1962، كانت أشبه بمكتبة كبيرة مفتوحة بوجه العالم، وهذا الأمر بحسب ناشطين يتعلق بشعب يحب العلم والتعلم والفكر والسياسة، إذ انتشر جميع أنواع فنون الكتابة، وتأسس وضع ثقافي جديد منفتح على النشر وحتى التوزيع. وقد أقبل الناس على جو الفكر هذا حفاظاً على ترسيخ مفاهيم التواصل في العديد من المحطات الثقافية والسياسية وإن اختلفت اللغة، وكان لارتباط البلاد التي خرجت لتوها من الاستعمار برهانات ثقافية مزدوجة المحتوى، على اعتبار أن النضال التحرري آنذاك لازمه نضال فكري حاد، وقع كبير على الشارع الذي اتخذ من المكتبات صالونات أدبية ومن اقتناء الكتب عادة ثقافية أدبية، ومن المطالعة تقليد فكري علمي، ما ساهم في إنجاب نخبة جزائرية قادت المشهد السياسي والثقافي والأدبي لسنوات.

ولحظ المجتمع الجزائري تراجع الاهتمام بالكتاب لدرجة أن المتجول يكاد لا يرى مواطن يحمل كتاباً سوى أمام الجامعات، وبدأ الإقبال على المكتبات يضعف يوماً بعد يوم، أولاً بسبب الأزمة الاقتصادية التي عرفتها البلاد عقب تهاوي أسعار المحروقات، ثم لصالح السياسة مع الانفتاح الديمقراطي في 1989، وثالثاً مع دخول البلاد أزمة أمنية في سنوات التسعينات، وهو ما جعل المكتبات أمام حالات الإفلاس يليه الإقفال.

وتغيب المكتبات عن شوارع المدن الجزائرية إلا نادراً، ليقتصر الأمر على محلات صغيرة لبيع الأدوات المدرسية وأخرى لكتابة مذكرات التخرج ونسخ الدروس والمحاضرات، وهو العمل الذي يطغى عليه الطابع التجاري أكثر منه الفكري. وفي حين يمكن اعتبار غلق مكتبة أمراً عادياً كباقي الأنشطة التي تجد صعوبة في الاستمرار، فإن تحويل الصرح الفكري الأدبي الثقافي العلمي إلى محل لتقديم وجبات الأكل السريع أو مقاه شعبية أو بيع الألبسة والأحذية، هو ما أثار جدلاً ونقاشات على مختلف المستويات الشعبية والنخبوية والرسمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسباب تفاقم الظاهرة

وفي السياق، يقول الكاتب الصحافي بلال زديرة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن السبب الحقيقي وراء تفاقم ظاهرة غلق الكثير من المكتبات، هو انسياق أصحاب المحلات وراء مفاهيم الربح السريع، من دون الاهتمام بالخسارة الفادحة التي يمكن أن تضر بعالم الكتاب ومستقبل المطالعة في مجتمعنا، إضافة إلى برامج الغزو التكنولوجي والوسائط الاجتماعية والمواقع الإلكترونية التي خلقت نوعاً من الكسل لدى القارئ، وشجعته على هجرة الكتاب الورقي، والامتناع عن الذهاب إلى المكتبة لاقتناء ما يريده من مؤلفات، من دون أن "ننسى ضعف القدرة الشرائية لدى القارئ"، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكتب المرتبط بغلاء سعر الورق، مشيراً إلى أن هذه العوامل وأخرى اجتمعت لتفرز مفهوماً جديداً يبعد الكتاب والقراءة لصالح ثقافة التكنولوجيا الكاسحة.

ويواصل زديرة أنه مهما قيل عن فوائد التكنولوجيا ومصلحة الباعة في تحقيق ربحهم السريع، إلا أنه لا يمكن إنكار أهمية المكتبات وضرورة تواجدها في كل شارع وفي كل حي، لأنها تعمل لا محالة على إثراء المشهد الثقافي الجزائري وبناء الحضارة، مضيفاً أن المكتبات من شأنها تكوين جيل نافع ومتعلم تكون له مشاركة فعالة في بناء مجتمعه ومستقبله. فالكتب هي الأقدر على رصد أفكار المجتمعات العربية والغربية، وكشف عوالمها المتقلبة ومحطاتها التاريخية، وهي الوحيدة القادرة على تشكيل اتجاهات القارئ وتلوين ميولاته الاجتماعية و السياسية.

توفر الكتاب

في المقابل، يعتبر أستاذ الفكر العربي محمد نور الدين جباب، في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه الظاهرة ليست جديدة، وقال: "لأنني أنتمي إلى جيل عاش مرحلة ما قبل ثورة الاتصال والمعلوماتية، بالتأكيد يتأثر أكثر ويتأسف أكثر وهو يرى بعض المكتبات، التي تعد جزءاً من ذاكرته، تغلق، لكن اليوم بعد ثورة الاتصال والمعلوماتية اختلف الأمر كثيراً مع الجيل الجديد الذي يمكنه تحميل آلاف الكتب في حركة بسيطة على هاتفه".

ويتابع جباب أنه "حدث معي أكثر من مرة عندما أقدم للطلبة قائمة بالمصادر والمراجع، وقبل أن أغادر تكون هذه المراجع بين أيديهم، عكس عهد الجيل الذي أنتمي إليه، حين كانت مثل هذه العملية تتطلب أسابيع عدة من العمل مع موظفي المكتبة الجامعية". وختم أن المعرفة توسعت وانتشرت، وأصبح الكتاب متوفراً أكثر، بدليل أن الطالب والباحث يتحصل عليه بسهولة ويسر وفي الكثير من الأحيان من دون مقابل.

مكتبات حافظت على مكانتها

مكتبة "الفنون الجميلة" حفي الجزائر العاصمة، تعتبر مكاناً رمزياً ارتبط بأجيال عدة من الطلبة والباحثين والكتاب الذين مروا بها، إذ يعود تاريخ وجودها إلى عام 1950، واستمرت بعد استقلال البلاد في 1962، عندما قرر صاحبها الإسباني، فنسنت غراو، مواصلة حياته في الجزائر ورفض إقفال المكتبة حتى في عز الأزمة الأمنية، لكنه اغتيل على أيدي إرهابيين عام 1995 داخل المكتبة في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1994. بينما استقطبت مكتبة "بوداود" الواقعة بمحاذاة المسرح الوطني الجزائري، وأسسها الحاج عبد القادر بوداود وصديقه مرازقة في 1947، حيث كانت في بداياتها أشبه بالنادي الثقافي، العديد من الأسماء أمثال طه حسين والأمير سعد، وأيضاً مكتبة "النهضة" التي أنشأها المثقفان كشرود وميموني عام 1947، وجاءت تسميتها لاحتضانها كبار مناضلي الحركة الوطنية.

كما حملت مكتبة "دومينيك" والتي تعرف حالياً باسم "مكتبة الاجتهاد"- نفس الحس الفكري والثقافي الذي وجدت من أجله، إذ بعد استرجاع الاستقلال مباشرة، قام صاحبها بشرائها من المُعمرة "دومينيك"، وقد أتاحت مرور المناضل الفرنسي "ألبير كامو"، كما مكتبة "العالم الثالث" التي نجت من الغلق أو تحويل النشاط بعد شراء "دار القصبة" لها وإعادة تأهيلها وتحويلها إلى فضاء دائم لبيع الكتاب وآخر الإصدارات، ومكتبة "القرطاسية" التي تمكنت من الصمود بعدما ناضل عمالها كثيراً من أجلها.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات