Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتردد البنوك المركزية في إعلان النصر على التضخم؟

محافظوها يفضلون الانتظار لفترة أطول قليلاً بدافع الحذر من توجهات أسواق العمل

قبل عام واحد، كان بنك الاحتياط الفيدرالي ونظراؤه، في خضم سلسلة وحشية من الزيادات في أسعار الفائدة (غيتي)

ملخص

بدأ صناع السياسات في تمهيد الطريق لخفض أسعار الفائدة لكن بيانات العمالة الأميركية القوية تظهر أن الضغط على الأسعار لم يهدأ بعد

بدأ محافظو البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم الاستعداد لخفض أسعار الفائدة، على خلفية التضخم الضعيف بشكل مطرد، لكن وفق ما تظهر أرقام الوظائف في الولايات المتحدة، فإن أسواق العمل الساخنة هي أكبر عائق محتمل أمامهم لتحقيق أهداف التضخم البالغة اثنين في المئة.

ويقول المحلل الاقتصادي في جامعة "كورنيل"، إسوار براساد، لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن بيانات، الجمعة الماضي، جعلت إعلان النصر على التضخم قراراً "أكثر صعوبة" بالنسبة إلى البنوك المركزية. ويضيف "الحقيقة هي أنه في ظل هذه الضغوط، سيكون من الصعب للغاية إبقاء التضخم تحت السيطرة ما لم يظل نمو الإنتاج قوياً".

وهذا لا ينفي مدى دراماتيكية التحسن في صورة التضخم، فقبل عام واحد، كان بنك الاحتياط الفيدرالي ونظراؤه، في خضم سلسلة وحشية من الزيادات في أسعار الفائدة التي يخشى البعض من أنها قد تدفع الاقتصادات إلى الركود.

وعندما واجه جيروم باول رئيس "الفيدرالي" الصحافيين، الأربعاء الماضي، في أعقاب اجتماع السياسة الأول لمجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي عام 2024، كان واثقاً، مشيداً بـ"ستة أشهر من التضخم الجيد" وتوقع مزيداً في المستقبل. وقال "دعونا نكون صادقين: هذا اقتصاد جيد".

والجمعة الماضي، تفاجأت الأسواق بإصدار مكتب إحصاءات العمل الذي أظهر أن الاقتصاد الأميركي أضاف 353 ألف وظيفة في يناير (كانون الثاني) الماضي، أي ضعف ما كان متوقعاً تقريباً.

وحذر باول في فبراير (شباط) 2023، من أنه لا يزال أمام المسؤولين "طريق طويل ليقطعوه" أثناء محاولتهم تهدئة "المصاعب الكبيرة" التي يفرضها أعلى معدل تضخم منذ 40 عاماً، ومنذ ذلك الحين، انخفض التضخم نحو هدف بنك الاحتياط الفيدرالي البالغ اثنين في المئة عبر مجموعة من المقاييس المختلفة.

منطقة اليورو وخفض التضخم

وفي فرانكفورت، بدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد في 25 يناير الماضي، إيجابية على نحو مماثل في شأن صورة منطقة اليورو، عندما أعلنت أن "عملية خفض التضخم" بدأت بالفعل. ويبلغ نمو الأسعار الرئيسة في الكتلة الآن 2.8 في المئة، وهو ليس بعيداً من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ اثنين في المئة.

بريطانيا وأخبار جدية في شأن التضخم

وقال محافظ بنك "إنجلترا" أندرو بيلي، للصحافيين في لندن، الخميس الماضي، إنه يرى "أخباراً جيدة في شأن التضخم" بعد أن انخفض نمو الأسعار في بريطانيا، إلى النصف في غضون ستة أشهر، إلى أربعة في المئة.

وأظهرت سرعة تراجع التضخم خلال الأشهر الأخيرة خطأ عديد من واضعي أسعار الفائدة، وانخفض نمو أسعار المستهلك في الاقتصادات المتقدمة من أكثر من سبعة في المئة في عام 2022، إلى 4.6 في المئة في عام 2023، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

في حين أشارت توقعات الصندوق، الأسبوع الماضي، إلى مزيد من الخفض إلى 2.6 في المئة فقط هذا العام، وهذا أقل بكثير من توقعاته السابقة البالغة ثلاثة في المئة، مع توقع أن تشهد أربعة أخماس الاقتصادات التي يتتبعها تضخماً رئيساً سنوياً، وتضخماً أساساً أقل في عام 2024.

وقال رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في "معهد أموندي للاستثمار"، محمود برادان، للصحيفة، إن اتجاه التضخم الآن "انخفض بشكل حاسم، وهي مجرد مسألة وقت قبل أن نرى تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة هذا العام".وأضاف "يريد محافظو البنوك المركزية بدافع الحذر الانتظار لفترة أطول قليلاً، لكن يمكنني أن أرى أن بنك الاحتياط الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا يخفضون أسعار الفائدة في منتصف هذا العام".

تراجع التضخم ومصير أسواق العمل

وتقول الصحيفة، إن التقدم المستمر في قصة تراجع التضخم ستتوقف بصورة كبيرة على مصير أسواق العمل، وتشير إلى أنه على رغم أن الخفض الأولي في التضخم كان مدفوعاً بعوامل خارجية، فإن التقدم يعتمد الآن على المهمة الأكثر صعوبة المتمثلة في كبح نمو الأسعار المحلية، مضيفة أن ذلك سيكون أكثر صعوبة إذا ظل نمو الوظائف والأجور قوياً للغاية.

في حين يقول الاقتصاديون، إن التخلص من آخر بقايا نمو الأسعار الزائد، قد يتطلب من صناع السياسات الحفاظ على سياسة صارمة بشكل مستمر، تؤدي إلى مزيد من خفض الطلب.

كل هذا يعكس المخاوف التي ظلت تطارد محافظي البنوك المركزية لأشهر، فهل يتبين أن "الميل الأخير" من الجهود الرامية إلى دفع نمو الأسعار حتى الانخفاض، إلى المستوى المستهدف بنسبة اثنين في المئة هو الأكثر صعوبة؟ وإذا حدث ذلك، فسيتعين على البنوك المركزية أن تتحلى بالصبر خصوصاً قبل خفض أسعار الفائدة، بحسب تساؤل الصحيفة.

ومن بين البنوك المركزية الكبرى، بدا المسؤولون في بنك الاحتياط الفيدرالي على الدوام، الأقل اهتماماً بالصعوبات المتمثلة في اجتياز تلك المرحلة الأخيرة من رحلة مكافحة التضخم، في وقت تستمر الإنتاجية في الظهور بصورة جيدة، كما يستطيع الاقتصاد الأميركي أن يتحمل الأجور الأعلى.

وبدا باول نفسه متشككاً في شأن هذه الفكرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين قال "التضخم مستمر في الانخفاض، والأمر جيد جداً حتى الآن، على رغم أننا نفترض نوعاً ما أن الأمر سيصبح أكثر صعوبة من هنا، ولكن حتى الآن لم يحدث ذلك".

وتقول الصحيفة، إن ثقة بنك الاحتياط الفيدرالي تدين بشيء ما لطبيعة التضخم في الولايات المتحدة ووتيرة هبوطه، وتضيف "في حين تضررت الولايات المتحدة بشدة من تعطيل سلاسل التوريد المرتبطة بفيروس كورونا، فإنها لم تشهد ذلك النوع من الارتفاع في أسعار الطاقة، الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء أوروبا في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، ونتيجة لذلك، لم يصل التضخم في الولايات المتحدة قط إلى رقم مزدوج، وبلغ ذروته عند 9.1 في المئة في عام 2022".

مخاوف سوق الوظائف

لكن المخاوف في شأن سوق الوظائف المحموم عادت للظهور بقوة، الجمعة الماضي، وإضافة إلى أرقام يناير الماضي القوية، وتعدلت أرقام ديسمبر الماضي، ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضي صعوداً، وزاد متوسط الأجر في الساعة بنسبة 4.5 في المئة، وفقاً لمكتب العمل الأميركي.

وتقول كبيرة الاقتصاديين الأميركيين في شركة "كيه بي أم جي"، ديان سونك، إن المستويات المنخفضة بشكل غير عادي من تسريح العمال، وانخفاض ساعات العمل تشير إلى أن بعض قوة سوق العمل ترجع إلى "اكتناز" أصحاب العمل للعمالة. وتوضح أن أولئك الذين كافحوا لتوظيف العمال بعد انتهاء عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، لم يرغبوا في أن يجدوا أنفسهم في نفس الوضع عندما ارتفع الطلب.

وتضيف "ومع ذلك، لا يزال هناك كثير من الرواتب لبدء العام أكثر من المعتاد، وعندما نأخذ في الاعتبار المراجعات التصاعدية للشهرين السابقين ونمو الأجور الأكثر سخونة من المتوقع، فإن ذلك يشير إلى أن سوق العمل قد تتسارع من جديد".

3.3 في المئة معدل نمو الاقتصاد الأميركي في الربع الرابع

من جانبه، يقول أحد كبار المديرين في شركة "إيه جي أميركا ليندينغ"، كيرت كوفينجتون، التي تقدم الائتمان للمزارعين، إن ضغوط الأجور لا تزال مرتفعة في ولايات مثل كاليفورنيا، إذ ارتفع الحد الأدنى للأجور على مستوى الولاية بمقدار 50 سنتاً أخرى إلى 16 دولاراً في الساعة هذا العام، ارتفاعاً من 12 دولاراً في الساعة عندما ضرب الوباء.ويضيف كوفينجتون، "إن إنتاج سلع معينة يعتمد بشدة على العمالة، بخاصة المحاصيل المتخصصة، وترى كثير من الزيادة في كلفة العمالة على محاصيل الغرب الأوسط مثل الذرة والفاصوليا، ولكن عندما تدخل في المحاصيل المتخصصة مثل بعض الفواكه والخضراوات، فإن كلفة العمالة ترتفع بصورة كبيرة".

ويشعر بعض الاقتصاديين بالقلق من أن الانكماش في أسعار السلع الناجم عن تخفيف ضغوط سلسلة التوريد سينتهي قريباً، مما يجعل مهمة قمع نمو الأسعار الإجمالي أكثر صعوبة، ويكتسب هذا أهمية بخاصة نظراً إلى الطلب القوي في الولايات المتحدة، مع توسع الاقتصاد بمعدل سنوي قدره 3.3 في المئة في الربع الرابع من عام 2023.

وزعم برادان أن نمو الأجور المرتفع بشكل عنيد يمثل علامة الاستفهام الرئيسة لمحافظي البنوك المركزية، وهم يستعدون "للميل الأخير" من رحلة مكافحة الضخم، لكنه يظل متفائلاً، ورأى أن نمو الأجور في الولايات المتحدة ينبغي أن يكون حميداً لأنه مدعوم بنمو قوي في الإنتاجية، وفي أوروبا، ينبغي أن يؤدي الطلب الاقتصادي الضعيف إلى "الاعتدال المستمر".

في حين يشير آخرون إلى أن الموقف الذي يواجه بنك الاحتياط الفيدرالي، يختلف تمام الاختلاف عن دوامة الأجور والأسعار المخيفة التي شهدناها خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وتقول الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياط الفيدرالي ومؤسسة شركة تحمل اسمها كلوديا سهام، "لم تكن موجة التضخم هذه تتعلق في المقام الأول بالطلب، فالأمر كان يتعلق باضطرابات سلاسل التوريد وأسواق العمل والإنفاق الناجمة عن كوفيد، ولا تزال الإنتاجية تبدو جيدة حقاً، يمكن للاقتصاد الأميركي أن يتحمل الأجور الأعلى".

تسويات الأجور في أوروبا

وفي البنك المركزي الأوروبي، أوضح واضعو أسعار الفائدة أن تركيزهم الرئيس في الأشهر المقبلة سينصب على تسويات الأجور، وما إذا كانت متوافقة مع هدف التضخم بنسبة اثنين في المئة.

وفي ديسمبر الماضي، حذر رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل، من أن التضخم هو "وحش عنيد وجشع"، وأن خفضه سيتطلب "الضغط على أسنانك وعدم التراجع". وفي الآونة الأخيرة، بدا ناغل أكثر تفاؤلاً إلى حد ما، إذ قال في إحدى الفعاليات التي أقيمت في برلين، الأسبوع الماضي، إنه جرى "ترويض الوحش".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن لاغارد حذرت من أنه "من السابق لأوانه" مجرد مناقشة التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة في هذه المرحلة، وهو أمر بالغ الأهمية بسبب ارتفاع الأجور، ومما يثير القلق في البنك المركزي الأوروبي وغيره من الأماكن هو أن العمال سيطالبون بزيادات كبيرة في الأجور، من أجل استعادة القوة الشرائية التي فقدوها خلال الارتفاعات الأولية في الأسعار، وبينما تجد هذه القوة الشرائية المتزايدة طريقها إلى الاقتصاد، فإنها تؤدي إلى ارتفاع جديد في الأسعار.

وارتفعت الأجور في منطقة اليورو أكثر من خمسة في المئة العام الماضي، وهو ما يقترب من معدل التضخم السنوي، وبينما تظهر البيانات الأخيرة أن ضغط الأجور "يتراجع بالفعل"، قالت لاغارد إن البنك المركزي الأوروبي لا يزال يريد التأكد من أن كلفة العمالة المرتفعة "يجرى استيعابها بصورة كافية" من قبل الشركات التي تختار خفض هوامش أرباحها بدلاً من رفع أسعارها.

وانخفض التضخم في منطقة اليورو بشكل مطرد من مستوى قياسي بلغ 10.6 في المئة في أواخر عام 2022، إلى أقل من ثلاثة في المئة، لكن لاغارد أعربت عن قلقها من أن أحد المجالات التي تبدو فيها الأسعار أكثر ثباتاً هو قطاع الخدمات، إذ تشكل العمالة حصة كبيرة من إجمالي الكلفة.

وارتفعت أسعار الخدمات في منطقة اليورو بنسبة أربعة في المئة على أساس سنوي حتى يناير الماضي، للشهر الثالث على التوالي.

وسجلت البطالة 6.4 في المئة في منطقة اليورو في ديسمبر الماضي، وهو مستوى قياسي منخفض، فيما يرفض الاقتصاديون المتفائلون فكرة مفادها أن أوروبا أصبحت على أعتاب دوامة الأجور والأسعار، ويشيرون إلى أن "الربط" التلقائي للأجور بالأسعار اختفى إلى حد كبير باستثناء قلة من البلدان، مثل بلجيكا.

في حين أن أحد الاختلافات الرئيسة عن الفترات السابقة من التضخم المرتفع هو أن الأجور تبدو كأنها تتبع الأسعار بدلاً من أن تقودها، وفقاً لكبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك "غولدمان ساكس"، سفين جاري ستين، إذ يقول "من الطبيعي أنه عندما يكون لديك صدمة في العرض تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، يكون لها تأثير متأخر على الأجور، لكن الخطر هنا ليس كبيراً".

اقرأ المزيد