Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا حققت جبهات المساندة من أهداف لحرب غزة؟

أعطت إسرائيل والولايات المتحدة حجة للرد بما يناسب مصالح الدولتين

جبهات الإسناد أعادت الولايات المتحدة عسكرياً إلى المنطقة (أ ف ب)

ملخص

هل أشغلت "جبهات المساندة" الجيش الإسرائيلي؟

فرضت حرب غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي منهجاً ونهجاً جديدين على الساحة الإقليمية، مما استدعى إعادة قراءة لاستراتيجية الدول التي تدير هذه الحرب، إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة والدول الغربية، والتنظيمات والميليشيات "الممانعة" بإدارة إيرانية.

 ومعلوم، منذ انطلاق الحرب أن حلفاء الممانعة أعادوا التركيز على شعار "وحدة الساحات"، مما دفع كثيرين من الكتاب والمراقبين إلى تفنيده والبحث عن مدى ثباته، وحجتهم أنه لو طبقت "الممانعة" ذلك الشعار، لَمَا جاء تعليق السلطات الإيرانية وعبر بعثة إيران لدى الأمم المتحدة أن طهران ليست ضالعة في عملية "طوفان الأقصى" التي بدأتها حركة "حماس" ضد إسرائيل؟

وقالت البعثة في التاسع من أكتوبر إن "الإجراءات الحازمة التي اتخذتها فلسطين تشكل دفاعاً مشروعاً تماماً في مواجهة سبعة عقود من الاحتلال القمعي والجرائم البشعة التي ارتكبها النظام الصهيوني غير الشرعي"، مؤكدة، وفقاً للبيان، "دعم إيران لفلسطين على نحو لا يتزعزع" وأن نجاح عملية "حماس" كان بسبب المباغتة ، مما يمثل أكبر فشل للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وفقاً لوكالة الطلبة الإيرانية "إسنا"، حينها.

 

كذلك، فعل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي شدد على طابع عملية "طوفان الأقصى" الفلسطيني الخالص تخطيطاً وتنفيذاً، نافياً أن يكون الحزب أو أي طرف آخر على علم مسبق بها، لكن نصرالله استدرك عدم علمه بأمر العملية بإطلاقه شعاراً آخر تمثل بـ"جبهات المساندة" أو الإسناد أو "المشاغلة".

في السياق عينه، كان الحوثيون أعلنوا، نهاية أكتوبر الماضي، عن بدء عمليات عسكرية ضد إسرائيل دعماً للفلسطينيين، ووجه ممثلو الحركة تهديدات ضد الولايات المتحدة، وكشفوا عن عزمهم مهاجمة أي سفن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، ووصفوا أفعالهم بأنها رد على "العدوان الإسرائيلي - الأميركي" في قطاع غزة.

ومن ثم التحقت كتائب "حزب الله" العراقي بشعار "المساندة"، مسددة هجمات ضد القواعد الأميركية في المنطقة، آخرها إعلان فصائل تطلق على نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهي عبارة عن تحالف من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مسؤوليتها عن الهجوم الذي نفذ عبر طائرات من دون طيار على قاعدة عسكرية أميركية تعرف بـ"البرج 22" في منطقة الركبان بمديرية الرويشد، شمال شرقي الأردن قرب الحدود السورية، في الـ29 من يناير (كانون الثاني) الجاري.

جبهات الإسناد أعادت الولايات المتحدة عسكرياً إلى المنطقة

ويشير مراقبون إلى أن جبهات الإسناد تلك لم تفعل شيئاً، إلا تحويل الأنظار عما يجري فعلياً داخل غزة، فبينما تستمر إسرائيل بحربها ضد "حماس" ملتحفة بغطاء دولي، وهو مشروعية "الدفاع عن النفس"، ومن هنا، عمدت إلى سياسة الاغتيالات للقضاء على قادة "حماس" في محاولة لمنعها من أن تكون مجدداً مصدر تهديد لأمن المستوطنات، مما جلب الويلات على غزة والغزيين، فتحولت المناطق الشمالية من القطاع، وبفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى مناطق "غير صالحة للسكن"، وفقاً لتقرير مجلة "بوليتيكو" الأميركية المنشور في الـ 23 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

أيضاً بات القطاع أشبه بمقابر جماعية ومسحت عائلات بأكملها من السجل المدني، بلغ عددها حتى الـ15 من أكتوبر الماضي 55 عائلة، وفقاً لـ"المفكرة القانونية"، ولعل أبلغ ما يعبر عن وضع القطاع ما قالته الشاعرة الفلسطينية هبة أبو ندى التي قتلت في إحدى الغارات، "صورنا العائلية، كيس من الأشلاء، كومة من الرماد، خمسة أكفان ملفوفة بجانب بعضها متفاوتة الحجم. الصور العائلية في غزة مختلفة، لكنهم معاً كانوا معاً ورحلوا معاً".

ويذهب أصحاب تلك المقاربة إلى أن جبهات الإسناد تلك جلبت الحرب والدمار إلى بلادهم وأعطت إسرائيل والولايات المتحدة المسوّغ وشرعية الرد بما يناسب مصالح الدولتين، وأعادت واشنطن عسكرياً إلى المنطقة، ومكنت تل أبيب من فتح جبهات عدة، وعن ذلك قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن إسرائيل تتعرض للهجوم في سبع جبهات منفصلة، وردّ الجيش على ست منها.

ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن غالانت قوله "نحن في حرب متعددة الجبهات ونتعرض للهجوم من سبع مناطق غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والعراق واليمن وإيران، قمنا بالرد بالفعل واتخذنا إجراءات في ست من هذه المناطق"، ونفذت القوات الإسرائيلية كذلك عمليات اغتيال استهدفت قادة في "الحرس الثوري" و"فيلق القدس" و"حزب الله" في قلب العاصمة دمشق، أضف إلى ذلك عمليات الاغتيال النوعية التي نفذتها في الجنوب اللبناني مستهدفة قادة النخبة في "حزب الله" "فرقة الرضوان"، وفي قلب العاصمة بيروت باستهدافها القائد الحمساوي صالح العاروري.

كما أن الحوثيين، وبعد استهدافهم السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر، تحولوا إلى أشبه بـ "قراصنة"، واستدعوا رداً أميركياً مباشراً عبر انضمام حاملة الطائرات "يو إس إس أيزنهاور" ومجموعة السفن الحربية التابعة لها إلى الحاملة "جيرالد فورد" التي سبق ونشرت في المنطقة في أعقاب "طوفان الأقصى"، وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في بيان حينها إن نشر السفن الحربية يشير إلى "التزام واشنطن الحازم أمن إسرائيل وتصميمنا على ردع أي دولة أو جهة غير حكومية تسعى إلى تصعيد هذه الحرب".

وأعادت إدارة الرئيس جو بايدن تصنيف جماعة الحوثيين منظمة إرهابية عالمية محددة بصورة خاصة، بعدما كانت ألغت تصنيفها عام 2021، وكانت الولايات المتحدة أعلنت كذلك تشكيل تحالف دولي للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر تحت مسمى "المبادرة الأمنية المتعددة الجنسيات"، ويضم 10 بلدان من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بعد تصعيد الحوثيين من حدة هجماتهم، مما "يعرّض حياة البحارة الأبرياء للخطر، ويتعارض مع القانون الدولي"، وفقاً لبيان صادر عن "البنتاغون"، فعلقت شركات شحن كبرى عدة المرور عبر مضيق باب المندب الذي تمر عبره نسبة 40 في المئة من التجارة الدولية إلى حين ضمان سلامة الملاحة فيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي إطار الرد على العمليات التي استهدفت القوات الأميركية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على جماعة كتائب "حزب الله" العراقية، متهمة إياها بالمسؤولية عن الهجمات التي استهدفت واشنطن وشركاءها في العراق وسوريا. وربما هذا ما استدعى من تلك الكتائب أن تعلّق عملياتها العسكرية والأمنية ضد القوات الأميركية بهدف "منع أي إحراج للحكومة العراقية"، وفق بيانها، مؤكدة أن "إيران لا تعلم كيفية عملها وكثيراً ما اعترضت على تصعيدها ضد القوات الأميركية".

أيضاً، نفت البعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة أن يكون لبلادها أي دور في الهجوم على الموقع العسكري الأميركي على الحدود بين الأردن وسوريا الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أميركيين، وفقاً لتقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا"، وذكر تقرير الوكالة أن ممثل إيران في الأمم المتحدة قال إن طهران ليست لها علاقة ولا دور في الهجوم على القاعدة الأميركية.

​​​​​​​"إنجاز عسكري"

على المقلب الآخر، أشار محللون إلى أن ما حصل منذ السابع من أكتوبر "إنجاز عسكري ونصر استراتيجي، يضاف إلى إنجازات المقاومة وحلفاء إيران في المنطقة"، وكان نصرالله أعلن في خطابه في الثالث من نوفمبر الماضي أن "الجبهة اللبنانية خففت جزءاً كبيراً من القوات التي كانت ستسخّر للهجوم على غزة وأخذتها باتجاهنا"، قائلاً إن "ما يجري على جبهتنا اللبنانية عند الحدود مهم ومؤثر جداً ولم يتم الاكتفاء به على كل حال وهو غير مسبوق في تاريخ الكيان"، ولفت إلى أنه "لو كان موقفنا التضامن سياسياً والتظاهر لكان الإسرائيلي مرتاحاً عند الحدود الشمالية، وكانت قواته ستذهب إلى غزة"، مضيفاً أن "جبهة لبنان استطاعت أن تجلب ثلث الجيش الإسرائيلي إلى الحدود مع لبنان، وجزء مهم من القوات الصهيونية التي ذهبت إلى الجبهة الشمالية هي قوات نخبة، ونصف القدرات البحرية الإسرائيلية موجودة في البحر المتوسط مقابلنا ومقابل حيفا، وربع القوات الجوية مسخرة باتجاه لبنان، وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي موجه باتجاه جبهة لبنان، ونزح عشرات الآلاف من سكان المستعمرات". وأكد أن "هذه العمليات على الحدود أوجدت حالاً من القلق والتوتر والذعر لدى قيادة العدو وأيضاً لدى الأميركيين"، محذراً "العدو الصهيوني من التمادي الذي طاول بعض المدنيين في لبنان وهذا سيعيدنا إلى المدني مقابل المدني".

إذاً فعلياً، وعلى لسان نصرالله، تحوّل نحو ثلث الجيش الإسرائيلي باتجاه لبنان، وهذا ما عُدّ إنجازاً. فهل شغلت "جبهات المساندة" الجيش الإسرائيلي وحققت تقدماً عسكرياً؟ أم فشلت أمام آلة الحرب الاسرائيلية؟

يقول الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير "طبعاً، هذه الجبهة ساعدت في إشغال الجيش الإسرائيلي، والدليل الضغوط الدولية والإقليمية لوقف الحرب على الجبهة الجنوبية، كذلك العدد الكبير من المستوطنين الذين تركوا المستوطنات، إضافة إلى الخسائر البشرية والمادية والتهديدات الإسرائيلية بشنّ هجوم على لبنان. كذلك بقية الجبهات في اليمن والعراق ساعدت في الضغط على الكيان الإسرائيلي وأميركا، وهذا باعتراف قادة المقاومة". ويضيف أن "الحرب مع العدو الإسرائيلي ومع داعمته أميركا ليست سهلة، وهي حرب طويلة، وعلى رغم عدم التوازن العسكري والمادي، فإن هذه الجبهات قامت بدور في دعم المقاومة الفلسطينية وضغطت على أميركا لوقف الحرب وهذا ما لاحظناه أخيراً".

"حماس" تركت وحيدة

ويشير الكاتب والمحلل السياسي أسعد بشارة إلى "إيران والهروب الاستراتيجي"، ويقول "أطلقت الممانعة عليها اسم حرب المساندة وهي لم تؤدِّ إلى أية مساندة لحركة حماس في غزة، بل تركت إيران الحركة تقاتل وحدها على مرأى من أذرعها ومنها تحديداً، وهي التي كانت تتوعد بأنها قادرة على محو تل أبيب بسبع دقائق"، مضيفاً أنه "باستعراض جبهات المساندة المزيفة يمكن القول إن في العراق تحرشات قام بها الحشد الشعبي ضد القواعد الأميركية لم تترجم ولو بالحد الأدنى تخفيفاً للضغط الإسرائيلي عن حماس في غزة. أما العمليات التي نفذها حزب الله في الجنوب، فهي أيضاً لم تؤدِّ إلى أي تغيير في الوضع الميداني أو في الهجوم الإسرائيلي الذي تطور إلى حد تنفيذ عمليات هدم لغزة فوق رؤوس أهلها"، ويتابع أنه "في البحر الأحمر، لم تصل ترجمات العمليات العسكرية أيضاً إلى أن تصيب إسرائيل بأي خسائر أو أضرار، بل أصابت الاقتصاد العالمي والعربي، تحديداً المصري، واستدعت تشكيل تحالف دولي لتأمين خليج باب المندب".

"الصبر الاستراتيجي"

ويختم المحلل بشارة بالقول "في المحصلة، إيران اتبعت سياسة ما سمته ’الصبر الاستراتيجي‘، وهو بالمعنى الحرفي الهروب الاستراتيجي من أي مواجهة مباشرة مع أميركا وإسرائيل، والاتكال على القتال بأذرعها حتى آخر ذراع سواء في العراق أو في لبنان أو في اليمن، وفق معادلة وحدة الساحات. هذه المساندة هي لتأكيد الدور الإقليمي لإيران والتأكيد على أنها لاعب إقليمي وأنها تسعى إلى ترسيخ نفوذها في المنطقة وإلى استمرار حوارها مع الولايات المتحدة الذي سيتواصل حتى لو نفذت أميركا رداً قاسياً على استهداف قاعدتها في الأردن. من هنا تقدم طهران نفسها على أنها الإطفائي القادر على إخماد حرائق المنطقة التي تشعلها، والهدف تعزيز مكانتها الإقليمية ونفوذها، بينما تقوم أذرعها بدور الأدوات وتحدث الخراب في المنطقة، وما حال العراق وسوريا ولبنان واليمن والآن غزة، إلا صورة دقيقة عن هذا الخراب العميم. نأت إيران بنفسها عبر تنفيذها هروباً استراتيجياً من غزة، مكتفية بتحريك ما سمته ’حرب مساندة‘، فيما هي تفاوض أميركا في مسقط، وتستعد لقطف ثمار الحرب على أشلاء غزة وأهلها".

المزيد من تحقيقات ومطولات