Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرائم القتل إلى تصاعد في الجزائر والعقوبات غير رادعة

من بين الأسباب التي يقدمها القتلة الغيرة وصون الشرف والاضطرابات النفسية والميراث والانتقام

القضاة أمام تحدي إيجاد حلول لظاهرة الجرائم العائلية (التلفزيون الجزائري)

ملخص

طريقة تنفيذ هذه الجرائم تشغل الشارع وتكشف عن تحول خطر في سلوك الجزائري بالاتجاه نحو العنف

يكاد لا يمر يوم لا تسجل فيه جرائم قتل في الجزائر، حتى باتت أشبه بظاهرة تأخذ منحى تصاعدياً خطراً داخل الأسر بين قتل الوالدين والأبناء والزوج والزوجة، وحتى تصفية عائلة بكاملها. ومعظمها يرتكب لأسباب "تافهة"، لكنها تكشف عن الحالة التي تهيمن على المجتمع، مثل الإرث، أو شكوك بخيانات، أو انتقام عاطفي، وتبقى الطرق البشعة في تصفية هذه الخلافات العائلية تثير كثيراً من الهواجس والمخاوف.

جرائم "هيتشكوكية"

آخر جريمة "عائلية" شهدتها مدينة مستغانم غرب الجزائر أثارت الرأي العام وطرحت نقاشات واسعة على مستويات عدة، بعد أن أقدم مواطن يبلغ من العمر 45 سنة على قتل طليقته وصهره البالغ من العمر 60 سنة، وزوجة صهره بعدما انهال ضرباً على رؤوسهم بآلة حادة "مطرقة"، وأضرم النار في البيت مما تسبب في اختناق ابنه.

وقبلها، اهتزت محافظة عين الدفلى بوسط البلاد، على وقع جريمة قتل راح ضحيتها ثلاثة أفراد من عائلة واحدة، عثر عليهم مذبوحين داخل منزلهم العائلي في حي بوراس، ودرات الشكوك حول رب العائلة وزوجته وابنتهما، كما عرفت منطقة غليزان بغرب البلاد في الفترة ذاتها، جريمة نفذها مواطن يبلغ من العمر 68 سنة قتل زوجته وابنه وابنته بواسطة سلاح أبيض، ولاحقاً عثرت عليهم مصالح الأمن غارقين في دمائهم.

وفي واقعة أخرى شهدتها مدينة عنابة شرق الجزائر، أقدم رجل على وضع حد لحياة زوجته البالغة من العمر 39 سنة، من خلال توجيه طعنات غائرة في أنحاء متفرقة من جسدها، وتركها غارقة في بركة من الدماء داخل منزلهما العائلي.

أزمة قيمية حقيقية

وليست هذه الجرائم الأولى ولا الأخيرة التي تهز العائلات الجزائرية، فقد باتت صفحات الصحف والقنوات التلفزيونية ومختلف المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تعج بأخبار "التناحر" العائلي، وتبقى طريقة تنفيذ هذه الجرائم هي التي تشغل بال الشارع، وتكشف عن تحول خطر في سلوك الجزائري بالاتجاه نحو العنف.

ويرى المتخصص في علم الاجتماع رضوان قروم في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن المتفحص للمشهد الاجتماعي في الجزائر يخلص إلى أن الجريمة أخذت أبعاداً خطرة بتسجيلها معدلات قياسية تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعت كصمام أمان للأمن والاستقرار، وهو مما يؤكد أن المجتمع يعيش أزمة قيمية حقيقية أو حالة من "اللامعيارية". وقال إنه بات من المستعجل فتح نقاش جاد وعميق من أجل البحث في الظروف والعوامل المجتمعية المشجعة على تنامي الجريمة بصورة كبيرة في المجتمع الجزائري، مبرزاً أن كل سلوك إجرامي إنما هو انعكاس لصراعات نفسية داخل الفرد تدفعه حتماً إلى ارتكاب الجريمة، بل هناك من يعتبر السلوك الإجرامي مظهراً من مظاهر "اللاشعور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أرقام نسوية؟

وكشف آخر تقرير لائتلاف "فيمينيسد الجزائر" نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، عن مقتل 261 امرأة في الأقل في الجزائر منذ عام 2019، نصفهن أمهات و16 منهن كن حوامل وقت الجريمة. وقال إن الإحصاء ارتكز أساساً على القضايا التي تناولتها الصحافة المحلية، مضيفاً أن غالبية الضحايا تعرضن للطعن أو الذبح أو القتل بأسلحة نارية، والبعض تعرضن للحرق. وذكر أن من بين الأسباب التي قدمها القتلة هي "الغيرة" و"صون الشرف" والاضطرابات النفسية. وأشار التقرير إلى أن 80 في المئة من الجناة هم من أفراد عائلة الضحية، و61 في المئة من القتلة هم الأزواج، وهناك حالات مقتل أمهات على أيدي أبنائهن، مبرزاً أن بعض الأحيان تواطأت عائلات بأكملها في عملية القتل، كما كان الحال مع "نهال البالغة 19 عاماً التي قتلت في مارس (آذار) 2022 على أيدي أقاربها لأنها كانت حاملاً"، وهي غير متزوجة، وأن معظم عمليات القتل، وهو ما نسبته 71 في المئة، وقعت في بيئة مغلقة مثل المنزل ومكان العمل.

إعادة النظر في العقوبات

وفي السياق، يقول المتخصص في مجال القانون عبدالحفيظ كورتل إن جرائم القتل صارت طاغية ومتكررة، بل وأصبحت متسلسلة تمس عائلة بأكملها مع استخدام السلاح الأبيض في كل الجرائم، مشيراً إلى وجوب القيام بدراسات من قبل خبراء في الإجرام للخروج بحلول مستعجلة. وأضاف أن هذه الجرائم أصبحت تمس فئات شبابية وعائلية، مما يدل على أن مؤشر الجريمة في تصاعد كبير، والتي تجلت أبشع مظاهرها في القتل المصحوب بالتنكيل، وبصورة علنية، مما يعني بأن المجرمين فقدوا شعور الخوف بالكامل، وقد ترسخت لديهم ثقافة اللاخوف، باعتبار أن عقوبة الإعدام لن تمسهم حتى وإن تم النطق بها.

ويضيف كورتل أن الظرف الحالي يفرض ضرورة إعادة النظر في تدابير قانون العقوبات، مع معالجة اجتماعية، موضحاً أنه يجب تصنيف جرائم القتل حسب الفئات، حيث تكون عقوبة الإعدام للفئة الأولى، وهي القتل المتعمد، على أن يتم تكييف باقي الفئات بحسب نوع جريمة القتل المرتكبة، إضافة إلى مداهمة أوكار الجريمة، وتعقب حاملي الأسلحة لأنهم ببساطة يعتبرون مشروع قتلة جدد. وذكر أن الأولياء يتحملون قسطاً من المسؤولية لعدم تنشئة أبنائهم ومنحهم التربية اللازمة والسلوك الرزين، وتركهم لمصيرهم المحتوم، وهو الشارع الذي يتولى تربيتهم بكل مساوئه.

المزيد من تقارير