Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجرائم تتركز في المدن وتتصاعد نسبتها داخل قرى المغرب

يشكل المس بالأشخاص والممتلكات 47 في المئة من مجموع القضايا

سجل تقرير الداخلية المغربية أنه رغم ارتكاب آلاف الجرائم فإن الوضعية الأمنية في البلاد عادية وتحت السيطرة (مواقع التواصل)

ملخص

يرى باحثون أن نمط التفاعل القائم على أساس العلاقات العميقة والشخصية، يقلل من تبني الأفراد للسلوكات والممارسات الإجرامية في القرى

تتركز الجريمة في المدن بصورة أكبر من القرى في المغرب، وفق تقرير رسمي حديث لوزارة الداخلية حول خريطة الجرائم في البلاد لعام 2023، إذ تم رصد حوالى 70 في المئة من الجرائم في الحواضر، و30 في المئة منها مسجلة في البوادي. ويبدو أن نسبة الجريمة للعام الحالي تناقصت في المدن مقارنة بعام 2022 حين سجلت نسبة 78 في المئة، وارتفعت النسبة في القرى هذا العام بعدما كانت في حدود 22 في المئة خلال 2022، وفق الأرقام الرسمية ذاتها.

أرقام رسمية

وكشفت أرقام وزارة الداخلية المغربية عن أن مجموع الجرائم والمخالفات المسجلة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 بلغ 637600 قضية إجرامية، بينما يشكل المس بالأشخاص والممتلكات 47 في المئة من مجموع القضايا المسجلة بالبلاد.
وتبعاً للمصدر عينه، فإن جهود السلطات المحلية والأجهزة الأمنية تمكنت من حل 91 في المئة من القضايا، وهي نسبة كبيرة في مجال حل وفك ألغاز المسائل المعروضة، بينما لا تزال نسبة تسعة في المئة من دون حل.
وسجل التقرير الرسمي ذاته أنه على رغم ارتكاب آلاف الجرائم فإن "الوضعية الأمنية في البلاد عادية وتحت السيطرة، كما أن السلطات الأمنية المعنية تحقق أعلى مستويات الإحساس بالأمن لدى المواطنين والزوار، مما انطبع إيجاباً على صورة المملكة من حيث الاستقرار الأمني".
وتُعد هذه النسب بعيدة كلياً من المعدلات المسجلة في عدد من بلدان العالم، وفق تقرير وزارة الداخلية المغربية التي استدركت بالقول إن هناك مفارقة في هذا الصدد تتمثل في ما سمته التضخيم الذي يعتري بعض الجرائم بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي تمارس التهويل، مما ينعكس سلباً على مستوى الشعور بالأمن.

ظاهرة حضرية بامتياز

في هذا الصدد يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة أغادير زهير البحيري إن "الجرائم تمثل من المنظور السوسيولوجي ظاهرة حضرية بامتياز، جراء اختلال بنى وأنساق التنظيم الاجتماعي، بصورة تجعل الممارسات الاجتماعية والسلوكات العامة تتم خارج نطاق المعايير والضوابط الاجتماعية المشكلة لثقافة المجتمع".
ويشرح البحيري ذلك بنوع من "الأنوميا" التي تصيب الأفراد والجماعات، وتؤدي بهم إلى حال من الاضطراب وعدم الاستقرار، مما يسهم في بروز أنماط مختلفة للإجرام الحضري كتعبير عن الوجود الاجتماعي لهؤلاء الأفراد الذين لم تساعد الظروف والسياقات التاريخية والمؤسساتية على تسهيل اندماجهم الاجتماعي بأبعاده ومستوياته الثقافية والاقتصادية والسياسية.
ويلفت إلى أن "الهامشية الحضرية تشكل محدداً مهماً في تزايد معدلات الجرائم المسجلة في المدن والمجالات الحضرية الكبرى، ومعنى ذلك أن الظاهرة تنتشر وتنبثق أكثر في الأوساط والمجالات الشعبية الهامشية، حيث تكون الحياة أكثر حرية وأكثر تشجيعاً على المغامرة، وأكثر عزلة بالمقارنة مع أحياء أخرى لها حظ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية".
وأردف البحيري أنه "تقبع في الأحياء الهامشية فئات اجتماعية تقع على هامش البناء الاجتماعي العام للمجتمع، وتعاني أشكالاً متعددة للإقصاء والاستبعاد الاجتماعي، مما يجعل السلوك الإجرامي رد فعل وتمرداً على واقع لا يضمن للفرد وجوده الاجتماعي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أنماط التفاعل الاجتماعي

كيف يمكن تفسير تمركز الجرائم في المدن؟، سؤال يجيب عنه البحيري بقوله إن "تزايد معدلات الجرائم في الحواضر والمدن يمكن تفسيره بتغير أنماط التفاعل الاجتماعي، بمعنى أن نمط التفاعل القائم على أساس العلاقات العميقة والشخصية والدائمة والعاطفية يقلل من تبني الأفراد للسلوكات والممارسات الإجرامية في القرى". ويستدرك بأنه "في مقابل قوة العلاقات الأولية ودورها في تنظيم وضبط سلوكات وممارسات الأفراد، فإن الثقافة الحضرية تتسم بتطور بنية متجددة للعلاقات الثانوية وبنمط قيم مرتبط بالمادية والفردنة والحساب والظرفية، ومن ثم يصبح الأساس الاجتماعي والنفسي الذي تنبني عليه الشخصية الذاتية للأفراد في المدينة باعثاً على تبني الإجرام كمحدد للفعل والممارسة الاجتماعية".
ويرى البحيري أن حدة الجرائم واحتماليتها تزداد في المدن مع التحول من منطق الانسجام والوحدة والتجانس الذي يميز البنية الاجتماعية التقليدية، إلى منطق الاختلاف والتباين والتمايز الاجتماعي، فإن إدراك الفرد وتأويل وضعيته الاجتماعية في المدينة يتم من خلال محددات حسابية ومادية بالأساس تكون مفسرة لارتفاع معدلات الإجرام في المدن مقارنة بالقرى، لا سيما في ظل وضعيات الهشاشة والفقر والإقصاء والاستبعاد والتناقضات التي تميز كثيراً من المجالات الحضرية، إذ يصبح العنف والإجرام إلى حد ما حتمية اجتماعية تفرزها البيئة الاجتماعية المختلة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً".


جرائم المدن والقرية

وتختلف طبيعة الجرائم المقترفة بين المدينة والقرية، فأكثر جرائم المدينة تتوزع بين القتل والسرقة والنشل والاعتداء الجنسي والتزوير وترويج المخدرات بأنواعها كافة وغيرها من الجرائم التي ترتكب بكثرة بين سكان المدن خصوصاً.
في المقابل، تشهد القرى المغربية جرائم من نوع آخر، تناسب تركيبتها الجغرافية وبيئتها الخاصة، حيث تكثر على سبيل المثال جرائم سرقة المواشي التي ترتكبها عصابات تشتهر باسم "الفراقشية"، وأيضاً جرائم صناعة وترويج الكحول المسمى "الماحيا". وفي القرية أيضاً يتم ترويج المخدرات والممنوعات، خصوصاً "الكيف"، وكذلك تتناسل شبكات تهجير الراغبين في الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، علاوة على جرائم أخرى ترتبط بالمجال القروي.

في السياق، يقول جيلالي فاضل، وهو ناشط اجتماعي في مدينة خنيفرة المغربية، إنه "في قرى المنطقة وفي عدد من القرى المغربية تنتشر ظاهرة سرقة المواشي التي تُعرف بالفراقشية على يد عصابات متخصصة في سرقة رؤوس الأغنام والأبقار من فلاحي المنطقة".
ووفق المتحدث عينه تعد عصابات "الفراقشية" أكثر من يقض مضاجع سكان القرى، بخاصة صغار الفلاحين الذين يمتلكون بضعة رؤوس من المواشي، فسرقة هذه المواشي على قلتها والتي تعتبر رأسمال القروي ومورد رزقه، تعد كارثة بالنسبة إلى القرويين.
وقبل أيام قليلة، سرق لصوص رؤوس أغنام في قرية تقع ضواحي خنيفرة، حيث استغلت العصابة حلول الظلام في المنطقة لاقتحام حظيرة فلاحية واقتياد عدد من رؤوس الماشية بعد تسميم كلاب الحراسة.
ومن الجرائم الرائجة الأخرى في قرى المغرب، وفق فاضل، هناك صناعة مُسكر معروف باسم "الماحيا" ومعناها "ماء الحياة"، يتم إعداده بطريقة يدوية ويروج بكثرة في القرى بخلاف المدن، وأردف أن "هناك جرائم تتشارك فيها القرية مع المدينة من قبيل الخطف والقتل وترويج المخدرات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير