Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قضية هاجر الريسوني... أثيرت لتكميم أفواه منتقدي السلطة في المغرب؟

عادت المطالبة بضرورة إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية والإجهاض السري

الصحافية المغربية المعتقلة هاجر الريسوني (اندبندنت عربية)

أثار اعتقال الصحافية هاجر الريسوني بتهمة الإجهاض غير القانوني وإقامة علاقة جنسية خارج إطار الزواج، جدلاً واسعاً في المغرب، حيث انقسمت ردود الأفعال بين مدافع عن الصحافية وعن حرية التعبير، واعتبار أن الهدف من القضية هو "إجهاض الصحافة"، باعتبار أن الصحافية معروفة بآرائها المنتقدة للنظام والداعمة للمعارضين، إضافة إلى عملها في جريدة "غير مرغوب فيها" لدى البعض، إلى جانب تيار يدعو عمها أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى الخروج بموقف يتماشى مع مواقفه الدينية المحافظة. كما أدت القضية إلى عودة المطالبة بضرورة إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية والإجهاض السري التي طُرحت منذ سنوات.

حيثيات القضية

وفي الوقت الذي اعتمد فيه دفاع الريسوني صيغة تُبرئها من التّهم المنسوبة إليها، وتتهم فيها السلطات الأمنية بانتهاك سلامتها الجسدية والمعنوية، اعتبرت تلك السلطات أن الصحافية ثبتت في حقها التهم المنسوبة إليها.

وقال المحامي محمد صادقو عضو هيئة الدفاع عن الصحافية، بخصوص تفاصيل الاعتقال، "لقد اعتقلت الشرطة الصحافية المغربية هاجر الريسوني يوم 31 أغسطس (آب)، من قبل ستة من عناصر مكافحة الجريمة، بناء على تهمة الإجهاض غير القانوني وممارسة الجنس خارج إطار الزواج، وذلك لدى مغادرتها عيادة طبيب أمراض النساء في الرباط، حيث زارته على وجه السرعة بعد نزيف أصابها، وقامت الشرطة بعد ذلك باقتيادها قسراً إلى المستشفى الجامعي في الرباط، حيث خضعت، ومن دون موافقتها أو احترام أية أعراف وقوانين، لتحليل طبي تحت إشراف النيابة العامة، للضغط عليها كي تعترف بأفعال من صميم حياتها الشخصية ولم ترتكبها أصلاً".

في حين اعتبرت النيابة العامة أن اعتقال الصحافية حدث بمحض الصدفة نتيجة ارتيادها عيادة طبية، كانت أساساً محل مراقبة بناء على معلومات توصلت إليها الشرطة القضائية حول الممارسة الاعتيادية لعمليات الإجهاض.

أوقفت حملاً إرادياً

وأشار وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية في الرباط إلى أن "المعنية بالأمر صرّحت للطبيب بأنها أوقفت حملاً غير مرغوب فيه إرادياً في إحدى العيادات الخاصة في الأسبوع السابع صبيحة يوم 31 أغسطس"، وأن الريسوني "سبق أن خضعت لإجهاض بمحض إرادتها في وقت سابق، مقرّة بوجود هرمون وعلامات حمل أثناء فحص عنق الرحم".

وأضاف وكيل الملك أن "جهاز الفحص بالصدى أظهر أن غشاء الحمل غير موجود وأن هناك بعض بقايا الأغشية الدموية، كما أن تقرير مختبر الشرطة العلمية استخرج نمطاً وراثياً مؤنثاً مطابقاً للنمط الخاص بالمعنية بالأمر، وذلك من العينات المرفوعة من الأنبوب الزجاجي والبقع الحمراء المأخوذة من المنديل الورقي والضمادتين الطبيتين والقفاز الطبي والإبرة التي تم حقن الصحافية بها".

تضامن وتشهير

قضية اعتقال الريسوني خلقت موجة تضامن كبيرة من قبل نشطاء وإعلاميين في المغرب وبعض بلدان العالم، لكن في المقابل، أطلقت حملة من السب والتشهير بالصحافية باعتبارها أقدمت على فعل غير أخلاقي يزيح عنها عباءة الاحترام. غير أن هاجر اكتفت من داخل زنزانتها بتقديم "الشكر لكل من عبر لها علاناً عن التضامن والمساندة"، وطلبت منهم "الانتباه للجانب السياسي في هذا الملف، الذي يتجاوز قضية الحق في الإجهاض، ليمس الحق في حرية التعبير، والذي تقف وراءه الرغبة في إسكات الصحافة الحرة المستقلة في المغرب، كما يطرح الملف سؤالاً حول استقلالية القضاء في بلادنا".

استهداف الصحافيين؟

ويعتبر بعض الحقوقيين والإعلاميين أن ملاحقة الصحافية تدخل في إطار سياسة تكميم أفواه الصحافيين، الذين تجرأوا على انتقاد السلطة، عبر فبركة قضايا لإدانتهم، ونبّه محمد العوني رئيس جمعية "حريات الإعلام والتعبير"، في حديث لـ "اندبندنت عربية"، إلى تصاعد وتيرة استهداف الصحافيين ما يؤثر في حرية الإعلام في المغرب وعلى صورة البلد بشكل عام. وأضاف العوني أن "ملف قضية الصحافية الريسوني مفبرك يهدف إلى الإضرار بسمعتها عبر التعدي على خصوصيات حياتها الشخصية، والمستهدَف من تلك القضية هو قلم الصحافية، ما يؤكد سعي بعض المسؤولين إلى إجهاض ما حققه الإعلام المغربي من مساحات للحرية والجرأة والنقد".

نفي رسمي

من جانبها، نفت الحكومة المغربية بشكل غير مباشر استهدافها الصحافيين، وأعلن الناطق الرسمي باسمها الوزير مصطفى الخلفي في وقت سابق، وعلى الرغم من كونه تجنب الخوض بشكل مباشر في قضية الريسوني، ليقول إن "المغرب شرع في إطلاق إصلاحات كثيرة لدعم حرية الصحافة وضمان حماية الصحافيين، خصوصاً بعد اعتماد قانون جديد للصحافة والنشر يرسخ حقوق الصحافيين ويضمن عدم اللجوء إلى عقوبات سالبة للحرية، كما يؤكد التزام الدولة بحمايتهم من الاعتداءات ويعزز استقلالية الإعلام".

لكن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية في الرباط، أكد أن "اعتقال الصحافية ليس له أي علاقة بمهنتها بل يتعلق بأفعال تعتبر في نظر القانون الجنائي جرائم، وهي ممارسة الإجهاض بشكل اعتيادي وقبول الإجهاض من قبل الطاقم الطبي والمشاركة في ذلك والفساد طبقاً للقانون الجنائي".

تياران متصارعان

إلى ذلك، اعتبر محللون أنه "يجب التركيز على الجدل الحقوقي الذي يثار بشكل دوري حول الحريات وضماناتها، وضرورة النضال الحقوقي لتحصين الحرية من جبروت السلطة واستثمارها لقضايا الآداب بشكل انتقائي، لتأديب ذوي الرأي الحر".

واعتبر بلال التليدي الباحث في قضايا الجماعات الإسلامية في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن "هناك من يرى أن المخرج من ذلك يكمن في نزع السلطة يدها عن ملف الحريات الفردية، والابتعاد عن الحياة الخاصة للأفراد بعيداً من اعتبارات الانتقام السياسي، ودليلهم على ذلك أن السلطة لا ترى الفساد والعلاقات الجنسية خارج الزواج إلا عند النخب المستقلة في الرأي، مع أن عينها تراقب كل شيء، وتعرف خريطة الفساد بكل تلالها وهضابها وجبالها، وتدرك أكثر من غيرها أن البؤر المشتعلة لهذا الفساد موجودة خارج دائرة هذه النخب، حيث يعرفها الجميع، وفي مقدمهم السلطة"، على حد تعبيره.

تدبير اختلاف بين مرجعيتين

وأشار التليدي إلى أن القضية معقدة أكثر مما تبدو عليه، نظراً لارتباطها بطريقة تدبير اختلاف بين مرجعيتين في الدستور، مرجعية إمارة المؤمنين ومرجعية حقوق الإنسان، ومسؤولية السلطة في الإضرار، ليس فقط بمرجعية حقوق الإنسان ووضعيتها الراهنة، ولكن بجوهر نظام إمارة المؤمنين أيضاً". وخلص التليدي إلى أن "الأمر ينتهي بأحد الطرفين إلى إلغاء الآخر، بحيث يستشهد من يتبنون مرجعية حقوق الإنسان ببعض الوقائع، ليثبتوا صوابهم في المطالبة بضرورة رفع التجريم عن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وترك الحريات الفردية مرسلة من غير قيد أو شرط، إلا ما كان من شرط الرشد وتواطؤ الطرفين"، فيما يرى من يستمسكون بمقتضيات المرجعية الإسلامية، في مطلب هؤلاء، "تمهيداً لفتح باب يصعب غلقه، ومس بمنظومة قيم، وخلق توتر خطير بين الأجيال وتفكيك للأسرة".

دعوة للالتزام بالجرأة

كذلك، شكّلت قضية هاجر فرصة جديّة للبعض لانتقاد الإسلاميين ممن كانوا أشداء خلال مناهضتهم لمطالب احترام الحقوق الشخصية، كإلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية والإجهاض، إذ طالبت الإعلامية والأديبة زكية حدوش رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحمد الريسوني (عم الصحافية) إلى التحلي بالجرأة والإدلاء بتصريح يتماشى مع مواقفه الشديدة بخصوص القضايا التي تهم العقيدة، وسألت العلامة "ماذا تقولون اليوم، أنتم من اخترع مصطلحاً خاصاً لمن دافعوا عن تقنين الإجهاض، وأطلقتم عليهم منذ أربع سنوات ونيف نَعْتَ الإجهاضيين الذين يريدون فتح باب جهنم لعلاقات جنسية لا مشروعة ولا محدودة، وقد قلتم في نفس الندوة المعلومة، إن المجهِضات قاتلات ويعاملن معاملة القاتلات، لأن الأجنة هم شهداء. أما الدية التي أفتيتم بها فهي القتل للفاعلات".

المزيد من العالم العربي