Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تظاهرات مزارعي فرنسا تقدم الفلاحة على السياسة

يطالبون بدعم المحاصيل ويستنكرون زيادة الضرائب على "الديزل" بينما يرفضون صفة "التخضير" التي تجلب لباريس 9.8 مليار دولار

ملخص

لماذا يتظاهر المزارعون في فرنسا؟

تشهد فرنسا حالياً احتجاجات قادها المزارعون للتنديد بظروف العمل في قطاعهم، وتأتي هذه التحركات كورقة ضغط تستخدمها النقابات ضد حكومة غابرييل أتال، مع الآمال المتجهة نحو استجابة إيجابية من الحكومة لمطالب المزارعين.

في الأثناء، يواجه العالم الزراعي تحديات متعددة تثير مخاوف المزارعين، بما في ذلك الأزمات الصحية مثل إنفلونزا الطيور التي تسببت في أضرار كبيرة لمزارع الدواجن، إضافة إلى الأمراض الوبائية التي تؤثر في الماشية، وتأثيرات تغير المناخ، كما تأثر أيضاً القطاع بالتأجيل المتكرر لمشروع قانون الزراعة الذي وعد به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أكثر من عام، وقد اعتبر من قبل بعض أصحاب المهنة أقل طموحاً حيث أُعلن سابقاً عن "قانون التوجه الزراعي".

وزيادة على ذلك، يتسبب الارتفاع التدريجي في رسوم الجباية على وقود "الديزل" على الطرق الوعرة أو غير المعبدة في زيادة غضب المزارعين، كما يشعرون بالاستسلام للمعايير الوطنية أو الأوروبية في إطار "التحول البيئي"، ويُظهر ذلك رفض المعارضين للصفقة الخضراء الأوروبية التي تحدد أهدافاً للحد من استخدام المبيدات الحشرية.

وفي تحليله لأسباب هذا الاستياء أشار الباحث السياسي نبيل شوفان إلى أن الوضع في فرنسا يفضح وضعاً مشابهاً في دول أخرى عدة مثل ألمانيا وهولندا وبريطانيا ورومانيا، ومع  اختلاف الأسباب المباشرة للغضب في كل بلد إلا أن السبب المشترك هو سوء تصرف الحكومات في التعامل مع تحديات مهنة الزراعة والتنافسية الزراعية.

وفي ما يخص فرنسا تتنوع الأسباب المباشرة للغضب بدءاً من فرض قواعد ومعايير تشكل عبئاً متزايداً على المزارعين، مع بطء الحكومة في تنفيذ التبسيط الإداري الموعود، إذ يعاني المزارعون نقص الدعم في مواجهة التحديات المناخية والصحية.

كلف الإنتاج

وسلّط شوفان الضوء على تحديات المزارعين الفرنسيين الناجمة عن تداولات التضخم وارتفاع كلفة الطاقة بشكل كبير، إضافة إلى ارتفاع أسعار العمالة وكلفة علف الحيوانات، ويعكس هذا التوتر العلاقة بين المزارعين والمصنعين، ويشير إلى أنهم يتهمون المصنعين بتجاهل زيادة كلف الإنتاج، ملقين باللوم على التشجيع الحكومي على الحفاظ على الأسعار.

وأرجع الباحث السياسي هذا التوتر الحاصل بينهم في ما يتعلق بالكلف المتزايدة وتوجيهات الحكومة، إذ يعتبر المزارعون أنهم يتحملون عبء زيادة الكلف من دون تلقي الدعم الملائم أو الاعتراف بالتحديات التي يوجهونها في سياق السوق وسياسات الحكومة.

وفي هذا السياق، أضاف شوفان أيضاً أن المزارعين الفرنسيين يستنكرون الزيادة التدريجية في الضرائب على وقود "الديزل" غير المخصص للطرق التي قررتها الحكومة كجزء من التحول البيئي، مشيراً إلى عدم نكران المساعدة الحكومية لهذا الوقود الذي تعترف النقابات بأنه ركيزة أساس لقدرات المزارعين التنافسية.

وأكد الباحث السياسي أن المزارعين الفرنسيين يعبرون عن انتقاداتهم بسبب المنافسة غير العادلة مع نظرائهم الأجانب الذين يصدرون منتجاتهم إلى الاتحاد الأوروبي من دون مواجهة معايير صارمة.

وذكر نبيل شوفان أن المزارعين الفرنسيين، بدورهم، يستنكرون رفض بروكسل تمديد الإعفاء الذي يسمح بزراعة الأراضي  حتى عام 2024، على رغم التوترات في سوق الغذاء العالمي بسبب الأحداث في أوكرانيا، لافتاً إلى أن الصفقة تشمل مشاريع لتنظيم الحفاظ على المروج الخضراء ورسم خرائط جديدة للأراضي الغنية بالكربون والأراضي الرطبة، ما قد يؤدي إلى اقتطاع مساحات كبيرة صالحة للزراعة في سهول فرنسا.

صفقة أوروبا الخضراء

وتشكل صفقة الخضراء الأوروبية مصدر استياء آخر، إذ يرفض المزارعون إستراتيجية تخضير الزراعة، ويعارضون خفض استخدام منتجات حماية النباتات والمبيدات الكيماوية، كما يخشون من حظر مفاجئ للمبيدات المثيرة للجدل.

ونوه شوفان إلى أن مخاوف المزارعين الفرنسيين من الصفقة الخضراء الأوروبية تبدو واضحة، فعلى رغم أنها تعود بالفائدة الأكبر على فرنسا بمساعدات تبلغ قيمتها تسعة مليارات يورو (9.8 مليار دولار) سنوياً، فإن مزارعيها يعترضون على إستراتيجية تخضير الزراعة الأوروبية، ويرفضون إحدى مشاريعها الرئيسة التي تهدف إلى خفض استخدام منتجات حماية النباتات والمبيدات الكيماوية إلى النصف بحلول عام 2030، مقارنة بالفترة 2015 وحتى2017.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطرد الباحث السياسي قائلاً إنه على رغم أن المفوضية جددت ترخيص مبيد الأعشاب المثير للجدل "غليفوسات"، فهو مبيد عشبي فعال والمستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، لكنه صنف عام 2015 على أنه "مادة مسرطنة محتملة" من جانب الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وقد رحب المزارعون بهذا التجديد لكنهم يخشون أن يتم حظره في أية لحظة.

ورأى شوفان أن اليمين المتطرف يقف إلى جانب المزارعين كما فعل رئيس حزب "التجمع الوطني" جوردان بارديلا حين ندد بـ "أوروبا ماكرون التي تريد موت زراعتنا" خلال زيارته إحدى تجمعات المزارعين الغاضبة، ودعا رئيس قائمة حزب اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية إلى "الوطنية الاقتصادية".

وتابع الباحث السياسي أنه "على رغم أن مراقبين يرون أن المزارعين لا يتجهون بصورة كبيرة إلى اليمين المتطرف، ولا ينخدعون بخطابات جوردان بارديلا ومارين لوبان، وهما ليسا متخصصين في الزراعة، ويبقى هناك تخوف مشروع لدى الحزب الحاكم من ثلاثة تحديات، أولها الاعتقاد في أوساط المزارعين بأن اليمين المتطرف سيفوز وبالتالي التصويت له أو تشتت الأصوات أو الامتناع من التصويت".

غضب دفين

بدوره، قال باحث علم الاجتماع  عبدالحميد العبيدي إن "تحركات المتظاهرين تعبر عن غضب دفين متراكم منذ أعوام طويلة ضد اللوبيات الأوروبية التي تستورد منتجات فلاحية من بلدان سوق العمل فيها ليس مقنناً وعادلاً، ما يجعل كلفة الإنتاج فيها ضعيفة بالنسبة إلى المستثمرين الأوروبيين في القطاع الفلاحي".

أضاف العبيدي أن "قرارات أوروبية تصدر وتضغط على هؤلاء الفلاحين الصغار في نشاطهم الإنتاجي قصد ثنيهم عن تزويد السوق المحلية ومنافسة الإنتاج الفلاحي المستورد بكلفة وجودة أقل بكثير"، مشيراً إلى أنها "مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى بعضهم ولمهنة الفلاحة، بخاصة أنه ليس لديهم ثقة في الفيدرالية الوطنية للفلاحين التي يسيطر عليها المقاولون الكبار في مجال الفلاحة".

ولا شك في أن القطاع الزراعي في حاجة ماسة إلى حلول حكومية فعالة وملموسة من الحكومة الفرنسية، وتتنوع هذه الحلول في مجالات عدة أولها التبسيط في مواجهة الأعباء الإدارية والترجمة المفرطة للقواعد الأوروبية، وفضلاً على ذلك يتطلب القطاع الزراعي اليوم رؤية حقيقية حول استخدام الموارد المائية والعمل على تقليل استخدام مبيدات الآفات.

وفي هذا السياق الصعب، تخشى حكومة غبرييل أتال استغلال اليمين المتطرف للوضع لمصلحة أجندتهم السياسية، وفي الوقت نفسه، يعاهد رئيس الوزراء الفرنسي بتأمين حق المزارعين في الحصول على حصتهم العادلة مما يظهر التفاني في دعم هذه الفئة المهمة وتحسين وضعها في الوقت الحالي.

من جهته، شدد رئيس الاتحاد الزراعي الفرنسي أرنو روسو على ضرورة أن تتخذ الحكومة إجراءات أكبر وأكثر جدية لدعم المزارعين في ظل التحديات التي يواجهونها، داعياً إلى أهمية إعادة الكرامة لمهنة الزراعة مع التركيز على قضايا الدخل.

ولفت روسو إلى أهمية احترام شروط الإنتاج الفرنسية في المفاوضات التجارية، إذ يعتبر المزارعون أن القرارات الأوروبية تسبب صعوبات في تلبية حاجاتهم، وتعمل على تقويض قدرتهم التنافسية.

ويشارك عدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وبولندا ورومانيا، أيضاً في تعبئة الفلاحين، وبناء على ما سبق، أوضح روسو أن الأساس المشترك هو سوء فهم ماهية الإطار الأوروبي ما يسهم في تفاقم مشكلات المزارعين، بخاصة في سياق الصفقة الخضراء التي يعتبر المزارعون أنها لا تفهم حاجاتهم، وتضعهم في موقف صعب نتيجة للتحول البيئي.

أرقام زراعية

وأظهر استطلاع حديث أجراه معهد "سي إس آي" الفرنسي لدراسات الرأي أن 94 في المئة من الفرنسيين يؤيدون حظر استيراد المنتجات الزراعية الأجنبية التي لا تفي بالمعايير المفروضة على المزارعين في فرنسا.

وعلى الجانب السياسي، هناك وحدة نادرة، فالمستجيبون الذين يزعمون أنهم جمهوريون يؤيدون بالكامل هذا الحظر بنسبة 100 في المئة، يليه عن كثب التجمع الوطني الذي يدافع أيضاً في برنامجه عن التفضيل الفرنسي بنسبة 97 في المئة، أما مؤيدو حزب إريك زمور فهم الأقل احتمالاً لدعم هذا الاقتراح لحظر استيراد المنتجات الأجنبية التي لا تفي بالمعايير المفروضة على المزارعين الفرنسيين، مع ردود إيجابية بنسبة 90 في المئة.

ووفق الاستطلاع، فإن هناك تجانساً كبيراً في النتائج، ومن المرجح أن تدعم النساء هذا الحظر بنسبة 95 في المئة، أي أكثر من الرجال الذين يؤيدونه بنسبة 93 في المئة.

المزيد من تقارير