Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوريس جونسون حطم حزب المحافظين لكنه يريد منه الفوز في الانتخابات

تمرّد 21 نائباً من حزب رئيس الوزراء وتحدوا تهديده بإنهاء حياتهم المهنية

كين كلارك وفيليب هاموند ودومينيك غريف وروري ستيوارت والسير نيكولاس سوامي حفيد تشرشل. أولئك مجرد حفنة من الأشخاص الـ22 الذين لم يعد بإمكانهم تسمية أنفسهم نواباً محافظين في نهاية يوم طويل ومثير أخذ فيه رجل واحد حزب المحافظين إلى مذبحِ أناهِ المرعبة وحطمه تحطيماً.

انطلق ضجيج الاستنكار من منصة الخطابة في مجلس العموم، في تمام الساعة 3.35 مساءً. بدا الأمر كأنه صرخة وفاة عفريت محارب تلقى سهماً في جانبه ولم يعد يقوى على القتال.

لكن في الواقع، تبين أن ذلك الضجيج يأتي من رئيس الوزراء في لحظة دقيقة يرى فيها أمامه أغلبيته البرلمانية تتلاشى.

إذاً، لقد ارتفع ذلك الضجيج. وبعد مرور دقيقتين على انخراطه في إلقاء بيانه حول قمة "مجموعة الدول السبع"، وبينما كان النواب يستعدون ليوم من الدراما المتوقعة، حدث ما لم يكن في الحسبان.

ظهر فيليب لي، النائب المحافظ عن مقاطعة براكنيل، صاحب الصوت الرقيق والمحبّذ للبقاء في الاتحاد الأوروبي، عند حاجز قاعة المجلس. إذ سار ست خطوات إلى الأمام وانحرف يميناً، وليس إلى اليسار، وأخذ مقعده بين نواب "الأحرار الديمقراطيين"، الحزب الذي انضم إليه في هذه اللحظة غير المعلنة.

قبل هذا الحدث، كان عدد النواب في مجلس العموم المضطرين إلى التصويت مع الحكومة يزيد عن غيرهم بإثنين. وبعد الخطوات الست القصيرة لفيليب لي، أصبح هذا العدد أقل باثنين. هكذا، تحولت غالبية زائد واحد إلى أقليةِ ناقص واحد.

كل هذا كان مجرد مقدمة لما سيأتي لاحقًا، وهو بصريح العبارة تدمير لحزب المحافظين . لكن سنأتي على هذا لاحقا.

ابتسم النائب لي، وتأوّه جونسون، وارتفع صوت الابتهاج بين الليبيرالين. لقد كان هذا انشقاقا على طريقة المصارعة الحرة الترفيهية. بالنسبة إلى نائب يجلس في المقاعد الخلفية ويبلغ من العمر 48 عامًا، كان ما حدث أقرب إلى مشهد  درامي يخرج فيه (مقدم البرامج وحكم مسابقات المواهب) سايمون كويل من مروحيته ليلقي نظرة على المتبارين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 عامًا والذين بلغوا مخيم التدريب وهم لا يصدقون ما يحدث.

منذ هذه اللحظة بات جونسون يترنح في حالة من الفوضى. لقد كان واقفًا عند منصة الخطاب يتمايل ويستدير ويلوح بيديه على أمل، أو ربما حتى على اعتقاد، أن خطابه الفارغ والمقزز قد يحجب شقوق برج أكاذيبه الذي ينهار من حوله.

وإذا كان هناك شك حول من سيفوز في هذه المعركة بالذات من حرب البريكست القاسية، فقد تبدد الآن. كان كل شيء ينهار.

كان جونسون يأمل أن يجري تصديق أكاذيبه. لقد بقي 58 يومّا حتى موعد البريكست. وحتى الآن، تمثّلت البريكسيت الوحيدة التي استطاع جونسون تأمينها في تلك التي ستأتي مع أزمة نقص الأغذية ونقص الوقود ونقص الأدوية ومع شتى أشكال الرعب الاخرى التي يحب مؤيّدو البريكست تسميتها بمشروع الخوف. لكنها المخاوف نفسها التي توصلت إليها الحكومة في استنتاجها، وتخاف من نشرها.

كان جونسون يأمل أن يواصل الإدعاء قدر المستطاع، بأن تهديده بإلحاق البؤس بشعبه يدفع بالمفاوضات مع بروكسل إلى الأمام، وأن مخاطرة رئيس الوزراء البريطاني بسبل عيش شعبه من أجل حياته المهنية الخاصة تؤثي ثمارها مع أناس عقلاء بالفعل.

ولكن لا أحد كان يصدق ذلك. لقد وقف هيلاري بن وكين كلارك وفيل هاموند جميعًا، واحداً تلو الآخر، واختصروا المسافة بطرح أسئلة دقيقة على جونسون. ما هي المقترحات الجديدة التي أُرسِلَت إلى بروكسل لتكون بدائل مقترحة لتسوية مشكلة الحدود الإيرلندية؟ هل ستنشرها؟

لن يفعل ذلك، ولا توجد مقترحات. وفي جوابه، لم يفعل سوى التلويح بإصبعه على منصة الخطابة، وأخذ يرمي كلامًا فارغًا سطحيًّا حول "مقترح الاستسلام لجيريمي كوربين." لقد بدى جونسون مثل رجل يغرق يائساً من عجزه على تحمل الوضع، ويبحث عن طوف نجاة لم يكن موجودًا هناك لإنقاذه.

لا يمكن التقليل من خطورة اللحظة ولا يمكن التضحية بحياة الآخرين الصغار والضحك عليها، على الرغم من محاولته. حدث ذلك عندما حبس ضحكات خافتة في عمق حنجرته، ليتركها تتسرب من أنفه.

لقد أسرف في الكلام، بينما كان كين كلارك يريد معرفة صحة ما هو واضح جداً، بمعنى أن كل ما كان يأمل جونسون في تحقيقه هو خروج بدون صفقة ثم الدعوة إلى "انتخابات عامة تحت شعار قومي قبل أن تصبح عواقب الخروج بلا اتفاق واضحة للعامة."

تمثّل جوابه في هرطقات سريعة، أضفى عليها نوعًا من الإثارة بكلمات لاتينية، حول انتخابات 2001 لزعامة حزب المحافظين.

يُعرف جونسون في السجل العام على أنه كذاب، وقد كان ذلك سببا في طرده من العمل مرتين، لكن كذبه لم يكن أبدّا أكثر وضوحّا مما كان عليه أمس، وقد تبين أنه كذاب سيء.

تنطوي ممارسة السياسة في كثير من الأحيان على إخفاء نوايا الفرد ووضع قناع مزيف. لكن تفادي الإجابة على سؤال غير مرغوب، لا تكون بالصياح والصخب والتلويح بذراعيك مثل داعية ديني يوجه طائرة للهبوط.

لقد تحمّل جونسون لمدة ساعة ونصف قبل أن ينهار كل شيء أكثر فأكثر. إذ انتشرت أخبار عاجلة على الإنترنت تفيد بأن سفراء جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ27 تلقوا إحاطة بأن حكومة جونسون تمضي بنشاط نحو خروج بلا اتفاق، وأنها تخلت عن محاولة إيجاد حل "قابل للتطبيق من الناحية القانونية" للحدود الأيرلندية.

كانت الحقيبة شفافة منذ البداية، لكن القطة أصبحت خارجها الآن، بمعنى أن رؤيتها باتت واضحة تمامًا.

لقد انكشف الخداع، وانتهت اللعبة وبدأ النحيب يتلاشى. كانت تلك المواجهة الثانية مع البرلمان لبوريس جونسون كرئيس للوزراء وربما لم يتبقى له سوى اثنتين.

كانت هناك طلبات دائمة ومناقشات طارئة وتعديلات وما إلى هنالك. كانت هناك مسائل فنية وإجرائية، وجلسات تصويت على اقتراحات على اقتراحات على اقتراحات. وكانت هناك كل التعقيدات الحصينة التي تعزل وتحمي السياسة والسياسيين من الذين يسيطرون على حياتهم.

لكن كانت هناك أيضا حقائق واضحة حول ما حدث بالفعل في النهاية، في غرفة صغيرة مكسوة بألواح خشب البلوط، مباشرة عند أعلى الطريق من متجر لبيع البطاقات ومقهى "كافيه نيرو".

هناك، تقلّصت الأمور إلى عملية حسابية بسيطة. إذ أوضح 21 نائبًا من حزب جونسون أنهم لا يصدقون أكاذيبه، ولم يصدقوا أن هناك خطة. كما أوضحوا أن هناك أشياءً كثيرةً تجري ولعبةً أكبرَ من إخراج بريطانيا بأكثر الطرق تدميرّا، مع تعليق الأمل في وقوع الأفضل.

لقد قرروا منعه من القيام بذلك، عن طريق جعل خروج بريطانيا من دون صفقة استحالة قانونية. وكان قد أخبرهم أنه يتعين عليهم تصديقه، وإلا فإنه سينهي حياتهم المهنية، فقرروا أن الأمر يستحق دفع الثمن.

كانوا منتشرين حول المقاعد الخلفية، وعندما جاءت اللحظة، لم يخن أي منهم كثيرًا. ففي الساعة 10.03 مساءً، صوّت مجلس العموم بغالبية 328 صوتًا مقابل 301 صوتًا، لمصلحة منع الخروج بلا اتفاق. هناك في المقاعد الخلفية، لم يُبدِ الاستغراب على النائب المحافظ ديفيد جوك. كما لم ينفعل النائب المحافظ الآخر دومينيك غريف، وحافظ على هدوئه الذي عرف به على مدار أربعين عامًا.

ربما لأن المعركة لم تنته بعد. وإذا لم يُغير هؤلاء الأشخاص رأيهم بحلول مساء الأربعاء، فسيجري بالتأكيد تنظيم انتخابات، على الرغم من أنه لا يمكن لأحد التأكد من موعدها، لأنه ستكون هناك المزيد من المناورات حولها.

لكن وقتما تقرر تنظيمها، فهذه ليست بداية جيدة، إذ سيتعين على جونسون قيادة حزب حطّمه بالفعل، ليكون بذلك ورقة خاسرة لرجل يُجسّد فوضى الحماسة المفرطة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل