Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا والجامعة العربية سجال في تداخل العربي بالأفريقي

يرى مراقبون أن مطلب أديس أبابا البحري غير متسق مع الأعراف والقوانين الدولية

يرى مراقبون أن موقف جامعة الدول العربية جاء في إطار بحثها عن مصالح دولها بالأساليب والطرق المنصوص عليها في ميثاقها (أ ب)

ملخص

رفضت أديس أبابا بيان الجامعة العربية في شأن قضية خلاف المنفذ البحري، بينما قللت أوساط سياسية من بيان الاتحاد الأفريقي مدرجة إياه في خانة "المحايد"

لا تزال قضية المنفذ البحري والخطوة التي اتخذتها إثيوبيا مع صوماليلاند (أرض الصومال) تشكل أزمة متصاعدة، وكان بيان صدر عن الجامعة العربية دان مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين، رفضته إثيوبيا لتطفو اتهامات بينها والجامعة، حينما وصفت أديس أبابا بيان الجامعة العربية بأنه لا يليق بالجامعة ودولها الأعضاء.
وأصبحت القضية في جملتها سجالاً بين العربي والأفريقي واتهامات متبادلة، إذ أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية السفير ميليس ألم عن رفض أديس أبابا بيان الجامعة العربية في شأن الاتفاق المبرم بين بلاده وإقليم أرض الصومال، وقال في مؤتمر صحافي أول من أمس الخميس إن "البيان الصادر عن المجلس الوزاري للجامعة العربية لا يليق بالمنظمة والدول الإعضاء ويقلل من قدرة الأفارقة على حل مشكلاتهم".

إقحام البعد العربي

وكانت أوساط سياسية قللت من بيان الاتحاد الأفريقي في شأن تلك القضية، مدرجة إياه في خانة "المحايد"، مشيرة إلى أن إقحام البعدين العربي والأفريقي في حد ذاته يشكل قضية جديدة.
ورد المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية المستشار جمال رشدي أول من أمس على التصريحات الإثيوبية واصفاً إياها بأنها "غير لائقة دبلوماسياً".
واتخذت الجامعة العربية موقفها بإدانة مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و"أرض الصومال" والوقوف إلى جانب مقديشو، في بيان أعرب فيه رشدي عن رفض وإدانة أي مذكرات تفاهم تخل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية، وقال إن "الجامعة العربية تتضامن بصورة كاملة مع قرار مجلس الوزراء الصومالي الذي اعتبر مذكرة التفاهم للشراكة والتعاون الموقعة في الأول من يناير (كانون الثاني) 2024 بين إثيوبيا وأرض الصومال، باطلة ولاغية وغير مقبولة".
وكانت الجامعة العربية عقدت اجتماعاً طارئاً الأربعاء في الـ10 من يناير الجاري على مستوى وزراء الخارجية، خلص إلى "إدانة ورفض مذكرة التفاهم الإثيوبية مع إقليم أرض الصومال"، ووجّه الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط في كلمته خلال الاجتماع رسالة تضامن ومساندة لجمهورية الصومال، مؤكداً "سيادة الدولة الصومالية وحكومتها الفيدرالية على أراضيها كافة".
في المقابل، وضمن الرفض الإثيوبي لبيان الجامعة العربية، كتب وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية مسغانو أرغا على حسابه الرسمي في منصة "إكس" أول من أمس أن "بلاده ترفض رفضاً تاماً بيان جامعة الدول العربية"، وأشار إلى أن "هذه محاولة تدخل في شؤون إثيوبيا الداخلية وفي سيادتها"، مضيفاً أن "إثيوبيا تتمتع بعلاقات ثنائية رفيعة مع كثير من الدول العربية، لكن الجامعة تخدم مصالح قلة منها"، وفقاً لما نقلته عنه "وكالة أنباء العالم العربي".

التهدئة والتفاوض

وعلى مستوى موقف الاتحاد الأفريقي، دعا رئيس مفوضية الاتحاد موسى فقي إلى "التهدئة والتفاوض"، وقال في بيان نشره موقع مفوضية الاتحاد الأفريقي في الثالث من يناير الجاري، "نراقب عن كثب التوتر الناتج من توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال"، داعياً إلى "الهدوء والاحترام المتبادل لتهدئة التوتر المتصاعد بين حكومتي إثيوبيا والصومال"، وأكد "همية التزام معايير حسن الجوار لتعزيز وتوطيد السلام والأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي"، مضيفاً أنه "نحث البلدين الشقيقين على الدخول من دون تأخير في عملية تفاوضية لتسوية خلافاتهما بطريقة بناءة وسلمية".
ووصفت جهات سياسية موقف الاتحاد الأفريقي بالمساند لإثيوبيا لاعتبارات خاصة بين الطرفين، بينما قالت عنه أوساط عربية إنه "إمساك للعصا من المنتصف في انتهاك واضح المعالم".
من جهة أخرى، شابهت قضية أرض الصومال والمنفذ الإثيوبي في سجالية "الموقف العربي والأفريقي"، مسألة "سد النهضة"، حينما رفضت إثيوبيا في يوليو (تموز) 2021 تدخل الجامعة العربية في تلك القضية بحجة أن "ذلك قد يقوض العلاقات الودية والتعاونية بين الجامعة والاتحاد الأفريقي".
وكان مصدر مسؤول في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أعرب عن "انزعاج الجامعة" لما ورد في رسالة إثيوبيا إلى مجلس الأمن بتاريخ الخامس من يوليو 2021 التي رفضت ضمنها التدخل في قضية "سد النهضة" بزعم أن ذلك قد يقوض العلاقات الودية والتعاونية بين الجامعة والاتحاد الأفريقي.
وأكد المصدر ذاته وقتها أن "رسالة إثيوبيا تضمنت مغالطات عدة، لكن أخطر ما ورد فيها هو السعي إلى دق إسفين بين منظمتين إقليميتين كثيراً ما احتفظتا، في الماضي والحاضر، بأوثق العلاقات وأكثرها متانة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الجامعة تخدم مصالح مصر

من ناحية ثانية، أوضح رئيس تحرير صحيفة العلم الإثيوبية الرسمية أيوب قدي أن "إثيوبيا لا تسعى إلى فتح سجال بين الأفريقي والعربي في كل الأحوال، فالقضية بجملتها هي حصول إثيوبيا على منفذ بحري بعد التوصل إلى اتفاق مع أرض الصومال، وكون المنفذ يشكل دافعاً لتنمية إقليمية مرجوة، إلى جانب تأثير استتباب الأمن والسلام في منطقة البحر الأحمر لأن إثيوبيا تمثل قوة إقليمية تسهم في خلق الاستقرار والسلام"، وقال "إذاً مذكرة التفاهم التاريخية بين إثيوبيا وأرض الصومال أمر بالغ الأهمية لضمان الرخاء المشترك والاستقرار الدائم في المنطقة. صرح رئيس الوزراء آبي أحمد في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي بأن الحصول على ميناء في البحر الأحمر ضروري ليخرج 120 مليون إثيوبي من سجنهم الجغرافي".

وزاد قدي أنه "كما هو معلوم فإثيوبيا كانت تمثل قوة بحرية قبل انفصال إريتريا واليوم لديها رغبة قوية في بناء القوة البحرية على ساحل البحر الأحمر، وليس هذا فحسب بل استغلال ميناء بربرة، وهو ميناء كبير في أرض الصومال لاستيراد وتصدير السلع عبر التعاون والأخذ والعطاء والكل رابح"، موضحاً أن "البيان الصادر عن المجلس الوزاري للجامعة العربية لا يليق بالمنظمة والدول الأعضاء ويقلل من قدرة الأفارقة على حل مشكلاتهم، وأشار إلى ذلك المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية السفير ميليس ألم".
وسأل قدي "أين كانت الجامعة عندما دمر الإرهاب الصومال؟ في تقديري القضية ليست مواجهة بين الجامعة والاتحاد الأفريقي. فالجامعة تفشل في حل قضايا الدول العربية، وهي ترى كيف تم تدمير عدد من الدول العربية مثل سوريا واليمن واليوم السودان وبالأمس الصومال، أين كانت الجامعة؟ حتى القضية الفلسطينة التي تدافع عنها في المحافل الدولية هي دولة جنوب أفريقيا".

موقف قوي

في المقابل، رأى الكاتب الصومالي فرحان حرسي أن "قضية المنفذ البحري الذي تريده إثيوبيا ليست صراعاً عربياً أفريقياً بقدر ما هي قضية بين الصومال وإثيوبيا. وبما أن الصومال عضو في كل من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، فإنه تلقى موقفاً قوياً من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. والاتحاد الأفريقي بدوره دعا إلى احترام سيادة الدول. كما أنه شكل لجنة للوساطة، إلا أن الصومال رفض الحديث عن الوساطة قبل أن تعتذر إثيوبيا من الاتفاقي غير الشرعي"، وقال "لا أرى تحرشات أو سجالاً عربياً تقوده الجامعة، ولو كانت إثيوبيا صادقة في حديثها عن الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، لما غابت عن قمة إيغاد الطارئة، وتحضر قمة دول عدم الإنحياز".
وأوضح حرسي أن "مطلب إثيوبيا البحري غير متسق مع الأعراف والقوانين الدولية، وليس تكاملاً ولا تبادل منافع كما تدعي .فهناك 16 دولة أفريقية حبيسة في القارة الأفريقية ولا توجد لديها مشكلات مع جيرانها. ولو كانت المسألة ضرورية لهذه الدرجة لماذا سمحت أن تنفصل عنها إريتريا؟"، وتابع أن "أبعاد المطلب الإثيوبي للالتفاف على السواحل الصومالية ممتدة حتى خلال الفترة الإمبراطورية لإيثوبيا، ومن غير المنطقي امتلاك جزء من بحر دولة أخرى بهذه الطريقة، وهو في مضمونه بعث وإحياء لمناكفات قديمة".
واستبعد أن "تقود هذه المشكلة إلى مواجهة بين المنظمات ولا بين العرب والأفارقة، فالصومال يواجه المشكلة بروية ودبلوماسية هادئة للضغط على إثيوبيا حتى ترجع عن موقفها المخالف للقانون وتوقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".

الماء العكر

أما أستاذة العلوم السياسية في جامعة "الزعيم الأزهري" بالسودان الدكتورة أميرة علي أحمد همت، فأعربت عن اعتقادها بأن "موقف جامعة الدول العربية جاء في إطار بحثها عن مصالح دولها بالأساليب والطرق المنصوص عليها في ميثاقها، وهذا أمر طبيعي، خصوصاً أن ما اتخذته إثيوبيا من أسلوب هو الذي حرّك الجامعة العربية، وهنا يمكن الإشادة بالجامعة لأن المنظمات الإقليمية إذا لم تساند الدول الأعضاء فيها، قد تفقد عضوية تلك الدول"، وقالت "إذاً فالقضية ليست سجالاً بين عربي وأفريقي، بل إن إثيوبيا مدعومة من جهات خارجية لخلق أزمات في منطقة مأزومة أصلاً. فإثيوبيا كدولة تسعى إلى مصالحها، من حقها أن تطالب كما من حق الدول الأخرى الرفض أو التعاون، ولكن محاولة إثيوبيا فرض ذلك عن طريق عقد اتفاقات مع معارضين أو جهات ليست شرعية فيعتبر ذلك تعدّياً على الدول"، مردفة أن "الصومال كدولة عانت مشكلات ولا تزال لديها مشكلات داخلية كثيرة، فالأجدى لإثيوبيا أن لا تصطاد في الماء العكر. كما يمكنها أن تحسن علاقاتها مع الدول المطلة على البحر الأحمر وبذلك يتوافر لها المنفذ المطلوب بالطرق الودية، بدلاً من إثارة القلاقل عبر إيواء معارضين أو محاولة توقيع اتفاقات غير قانونية قد تضر بها وبمكانتها في القرن الأفريقي أكثر من أن تنفعها".
وأوضحت أستاذة العلوم السياسية أنه "إذا حاولنا إجراء مقارنات في مسار علاقات إثيوبيا ببعض دول الجوار، فنجد أن أديس أبابا تغلّب مصالحها الضيقة وتستغل في ذلك منظمات أفريقية كالاتحاد الأفريقي وإيغاد، فالسودان على سبيل المثال كانت له مواقف لمصلحة إثيوبيا في موضوع سد النهضة، ولكن موقف إثيوبيا الحالي من السودان في ظل الحرب القائمة يوضح تراجع أديس أبابا في علاقتها التي كان ينبغي أن تكون ثابتة"، وتابعت أنه "إذا أخذنا في الاعتبار العداء التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا، فنجد أنه كان يمكن لأديس أبابا أن تكسب ود إريتريا لتحقيق مصالح المنفذ البحري الذي هو الأقرب والأجدى بالنسبة إليها، فالجغرافيا لا تتغير بالقوة إلا في حال التوسع، وهذا ما تنتهجه دول مارقة مثل إسرائيل. أما زيادة مساحة الدول والاستفادة من جغرافيا الآخرين من الجيران فتكون عادة بالود والتفاهم. وإثيوبيا في أمسّ الحاجة إلى تحسين علاقتها مع جيرانها في إرتيريا والصومال والسودان. يجب على إثيوبيا السعي إلى حسن الجوار مع تلك الدول حتى لا تُتهم بالتعدي وإثارة القلاقل".

المزيد من متابعات