Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقديشو تلجأ إلى المنظمات الدولية لإبطال اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال

تعتبر أن المعاهدات يفترض أن تتم بين حكومات تمثل الدول ولها اعتراف من قبل الأمم المتحدة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يعلن إلغاء مذكرة التفاهم المبرمة بين إقليم أرض الصومال وإثيوبيا (أ ف ب)

ملخص

صدور قانون من جمهورية الصومال الاتحادية سيدخل حيز التنفيذ، وسيتم تسجيله في المنظمات الدولية، واعتبرت مقديشو أن أي تجاوز للتشريع الجديد سيضع المنطقة كلها في حال حرب مفتوحة

أثار إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، إلغاء مذكرة التفاهم المبرمة بين إقليم "أرض الصومال"، ورئيس وزراء إثيوبيا، والتي تنص على منح أديس أبابا منفذاً بحرياً عسكرياً وتجارياً عبر الأراضي الصومالية، جدلاً في الأوساط السياسية والقانونية. وطرحت أمام المتخصصين في الشأن الصومالي أسئلة كثيرة عن دلالات هذه الخطوة، وآثارها القانونية، ومدى قدرتها على الحيلولة دون تنفيذ "مذكرة التفاهم" المبرمة الأسبوع الماضي في أديس أبابا.

وكتب شيخ محمود على منصة "إكس" أن توقيعه لقانون جديد يلغي المذكرة "يوضح التزامنا بحماية وحدتنا وسيادتنا وسلامة أراضينا وفقاً للقانون الدولي".

في حين قالت الحكومة الصومالية في بيان رسمي، إنها ستتصدى لهذه الاتفاقية بكافة الوسائل القانونية، ونددت بما وصفته بأنه "عدوان" و"انتهاك صارخ لسيادتها".

إيجار منطقة بحرية

فيما دافعت حكومة "أرض الصومال" عن المذكرة المبرمة مع إثيوبيا، مؤكدة أنها "تمثل مقدمة للحصول على الاعتراف الدولي" للإقليم الذي يبلغ عدد سكانه حوالى 4.5 مليون نسمة، وينعم باستقرار نسبي منذ أكثر من عقدين، ولديه عملته الخاصة، ويصدر جوازات سفر لمواطنيه في غياب الاعتراف الدولي.

كما أعلنت وسائل إعلام صومالية استقالة وزير دفاع "أرض الصومال"، عبدالغني محمود عاتيي، الأحد 7 يناير (كانون الثاني)، من منصبه احتجاجاً على مذكرة التفاهم.

وقال عاتيي في مقابلة مع قناة محلية: إن إثيوبيا لا تريد البحر والميناء فحسب بل تريد الاستيلاء على أرضنا، مشيراً إلى أن الرئيس موسى بيحي عبدي لم يتشاور قبل إبرام الاتفاق مع وزرائه الذين سمعوا عن التوقيع على مذكرة التفاهم عبر وسائل الإعلام.

ودعا الوزير المستقيل إلى التصدي لمشروع إيجار منطقة بحرية لإثيوبيا لتتخذها قاعدة عسكرية، وذكّر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بأنه لن يتم الاستيلاء على أرضهم بسهولة، معتبراً أن آبي أحمد، يسعى إلى امتلاك المنطقة البحرية لا استئجارها.

وفي خطوة تشير إلى التحالفات الجديدة في منطقة القرن الأفريقي، توجه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الإثنين، إلى العاصمة الإريترية أسمرا، في زيارة رسمية.

وأفادت وكالة الأنباء الصومالية "صونا" بأنه من المقرر أن يلتقي نظيره الإريتري أسياس أفورقي، لبحث تطورات الأخيرة في الصومال بعد توقيع مذكرة التفاهم، فضلاً عن العلاقات الثنائية بين البلدين.

يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين أسمرا وأديس أبابا أزمة صامتة، في أعقاب تصريحات آبي أحمد، بضرورة تأمين منفذ بحري لبلاده في البحر الأحمر. وزاد من توتر المشهد البيان الرسمي الأخير الذي صدر من مكتب رئيس الوزراء، وتضمن عبارات تنتهك السيادة الإريترية، إذ نص على أن ما وقع في عام 1993 "يعد خطأ قانونياً واستراتيجياً" في إشارة إلى استقلال إريتريا، معتبراً أن ذلك حرم إثيوبيا من موانئها في البحر الأحمر.

ويرى مراقبون أن زيارة شيخ محمود لأسمرا في هذا التوقيت، تشير بوضوح إلى التحالفات السياسية والعسكرية المحتملة بين إريتريا والصومال، ضد حكومة آبي أحمد في أديس أبابا.

والجدير ذكره أن أسمرا ظلت خلال العامين الماضيين تدرب آلاف المجندين من الجيش الصومالي في معسكر ساوا الإريتري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قطع الطريق على المذكرة

من جهته، قال المتخصص في الشأن الصومالي، عيدي محمد، أن هناك حملة شعبية واسعة في الصومال ضد المذكرة الموقعة في أديس أبابا، وأوضح أن ثمة "حالة وفاق وطني صومالي عال، أضحى يتبلور كما لم يحدث منذ أكثر من ثلاثة عقود، على قضية داخلية، بين أجزاء الصومال الممزق (جمهورية الصومال/ أرض الصومال/ بونتلاند)"، مشيراً إلى أن "استقالة وزير دفاع أرض الصومال، جاءت استجابة لتلك الحملة الشعبية الواسعة، الرافضة لمذكرة التفاهم التي تستهدف الصومال في سيادته البحرية والترابية".

ويرى عيدي أن صدور قانون من جمهورية الصومال الاتحادية، الجهة الصومالية المعترف بها دولياً، قد قطع الطريق أمام تنفيذ الاتفاقية، إذ سيدخل التشريع الجديد حيز التنفيذ، وسيتم في الأيام المقبلة تسجيله في المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، وأن أي تجاوز لحيثياته سيمثل خرقاً للقانون الدولي، ولمواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

ويقرأ دلالات هذا التوجه إنه "يمثل الخطوة القانونية الأولى لإلغاء الاتفاق الذي تم توقيعه بين جهة لا تمثل الصوماليين، ولا تحظى بالاعتراف الدولي، ودولة أجنبية، مما يتعارض مع روح القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية".

ويضيف عيدي أن مقديشو قد أبلغت مؤسسات المجتمع الدولي بخطورة انتهاك سيادتها البحرية والترابية، وأن من حقها الدفاع عن أقاليمها.

وأكد أن تجاوز التشريع الجديد سيضع المنطقة بأسرها في حال حرب مفتوحة، مشيراً إلى أن ذلك قد يخلق تداعيات خطيرة على عموم منطقة القرن الأفريقي، ويهدد الأمن والسلام الدوليين.

وأوضح "أن أمام مجلس الأمن الدولي التزامات مهمة، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح باتخاذ تدابير مهمة، بما فيها القيام بعمل عسكري لحفظ السلم والأمن الدوليين".

ويرى عيدي في حال تخلي مجلس الأمن الدولي أو تقاعسه عن التزاماته المنصوص عليها في المادتين 39/ 51 من الميثاق، فلن يكون أمام الحكومة الصومالية سوى إعلان الحرب لحماية مصالح الشعب الصومالي، مؤكداً أن الصوماليين سيزيحون اختلافاتهم مع النظام القائم جانباً، للدفاع عن أراضيهم.

ويلفت عيدي الانتباه إلى أن "الذاكرة الجمعية للصوماليين تجاه إثيوبيا، تحتفظ بتواريخ سلبية، إذ خاضوا ثلاث حروب ضد الحبشة منذ القرن الـ16 وحتى سبعينيات القرن الماضي".

وأضاف أنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ونظراً لسقوط نظام سياد بري، واضمحلال الدولة المركزية في الصومال، لعبت إثيوبيا أدواراً حاسمة في توسيع تناقضات الصوماليين.

قصور قانوني ومأزق دبلوماسي

بدوره قال عبدالرحمن أبو هاشم، المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، إن ثمة خللاً قانونياً في مذكرة التفاهم الموقعة في أديس أبابا في يناير (كانون الثاني) الجاري، بين رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، وموسى بيهي عبدي. وأوضح أن الخلل عائد لكون الأخير لا يمثل حكومة معترفاً بها دولياً.

وأضاف أن "ذلك يعد انتهاكاً للسيادة الصومالية ولميثاق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إذ يشترط في الاتفاقيات الدولية أن تتم بين حكومات تمثل الدول ولها اعتراف من قبل الأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية والدولية، وليس بين رئيس دولة ورئيس حكومة إقليم جغرافي لا يحظى بأي اعتراف دولي". ولفت إلى أن "إقليم أرض الصومال يقع ضمن سيادة الدولة الصومالية على النحو المحدد في عام 1960، وعاصمته مقديشو".

ويعتقد المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، أن "المذكرة الموقعة تعد لاغية، ليس لصدور تشريع جديد بذلك من مقديشو فحسب، بل لأنها موقعة خارج الأُطر التي يحددها القانون الدولي". إذ لا يتيح القانون إمكانية توقيع أية دولة اتفاقيات دولية مع أقاليم دولة أخرى، بعيداً من المركز الذي يمثل الدولة وشرعيتها.

ويوضح أن ثمة قوانين وأعرافاً دولية تحدد العلاقات بين الدول، وإلا ستعم الفوضى والاضطرابات الأمنية وربما الحروب، ما يفضي في النهاية إلى تفكك الدول القائمة، وقد تكون إثيوبيا أولى ضحاياها بسبب التباينات العرقية العابرة للحدود، وعدم تجانسها في ظل غياب نظام حكم مركزي.

ويرى أن حكومة مقديشو تعد الجهة الوحيدة التي تمثل الدولة الصومالية، بالتالي تملك الحق القانوني لرفض وإبطال أية اتفاقيات تتعلق بسيادتها على أراضيها، بما في ذلك إقليم أرض الصومال وموانئه البحرية وثرواته الطبيعية.

وفي قراءته للجهود الدبلوماسية الإثيوبية لتدارك الرفض الرسمي الصومالي والانتقادات الإقليمية والدولية، يؤكد "أن أديس أبابا أدركت منذ اللحظة الأولى لإعلان المذكرة، أنها وقعت في مأزق دبلوماسي، وهي تحاول ترميم ذلك بجملة من البيانات المتعلقة بأزماتها الداخلية من بينها الانفجار السكاني، وحرمانها من الموانئ منذ ثلاثة عقود، وحاجة شعبها للتنمية"، معتبراً أنها "محاولات لتبرير هذا الخطأ القانوني والدبلوماسي".

وتحدث أبو هاشم عن سوابق أخرى لرئيس الوزراء الإثيوبي تتعلق بتصريحه أمام نواب الشعب عن أحقية بلاده "بامتلاك منفذ بحري بكل السبل، اتقاءً لحرب محتملة"، قبل أن يتراجع عنها لاحقاً، ويؤكد "أنه لن يطلق النار على أية دولة جارة لاحتلال مينائها"، بالتالي فإن مراقبي الشأن الإثيوبي يدركون جيداً أنها في ظل حكم آبي أحمد، لطالما وقعت في تصريحات وتصريحات مضادة في الوقت ذاته".

جهود دولية للتفاوض

بدوره، رأى المتخصص الإثيوبي غيداون بيهون، أن القانون الجديد الذي وقعه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، لا يلغي الاتفاقية المبرمة مع أرض الصومال، إذ إنه لا يخضع لسيادة حكومة مقديشو، ويتمتع بالاستقلالية منذ مايو (أيار) 1991، على رغم عدم حصوله على الاعتراف الدولي.

ويضيف أن حكومة أرض الصومال قد سبق أن وقعت اتفاقيات عدة مع دول أجنبية، من بينها اتفاقية لتطوير وتسيير الموانئ، وأخرى اتفاقيات تجارية، وجميعها اتفاقيات سارية من دون أي اعتراض قانوني أو سياسي.

وينوه المتخصص الإثيوبي أن "إلغاء المذكرة أتى من طرف لا يتمتع بأي سيطرة في إقليم جمهورية أرض الصومال، ولا يمارس أي شكل من أشكال السيادة عليها، بالتالي فإن هذا القانون قد تكون له دلالة رمزية، لكنه لا يقوى على إبطال مذكرة التفاهم، أو يسهم في تعطيلها فعلياً على الأرض".

ويُذكر بيهون أن جمهورية أرض الصومال، قد أعلنت استقلالها عن بريطانيا عام 1960، واعترفت بها أكثر من 34 دولة عضو في الأمم المتحدة.

وأضاف أن المزاج الصومالي في تلك الحقبة كان يميل إلى تشكيل دولة المتحدثين باللغة الصومالية، أي ضم الصومال الإيطالي والبريطاني إضافة إلى الصومال الفرنسي (أي دولة جيبوتي الحالية)، وقد بدأ ذلك المشروع من خلال الاتحاد مع الصومال (الجنوب) إذ تم الاتحاد بالتوافق.

ويوضح المتحدث أن هذا الاتحاد قد فشل في تحقيق تطلعات الصوماليين في دولة واحدة، إذ قامت الحرب الأهلية بعد 18 عاماً من الوحدة، والتي قُتل فيها ما يقارب من ربع مليون مدني. مما دفع أرض الصومال لإعادة إعلان استقلالها عام 1990. ويرى بيهون أن "تجربة الوحدة الفاشلة... لا تلغي حق شعب أرض الصومال في استعادة استقلاله، وذلك بموجب الفصل الـ11 من ميثاق الأمم المتحدة وبخاصة المادتين 73 و74، إذ لم تكن أرض الصومال تابعة لمقديشو التي كانت تحت السيادة الإيطالية، فيما كانت أقاليم أرض الصومال تحت الاحتلال البريطاني، بالتالي فإن المبادئ القانونية التي سمحت بإعلان استقلال أرض الصومال عام 1960 كانت وفقاً لمبدأ تصفية الاستعمار، إذ حصلت على اعتراف أكثر من 30 دولة عضوة في الأمم المتحدة، يمكن الاسترشاد بها كإطار قانوني لحق شعب أرض الصومال في الاستقلال، والتمتع بالسيادة بما فيها توقيع اتفاقيات دولية".

وينفي بيهون أن يكون غياب الاعتراف الدولي مسوغاً كافياً لإلغاء الاتفاقية، إذ إن أرض الصومال تمتعت بالاستقلال والسيادة عام 1960، كما إنها لا تقع تحت سيادة مقديشو منذ 1991.

وأكد أن هناك جهوداً دولية تهدف إلى تجاوز الوضع الحالي من خلال آليات التفاوض، وليس إلغاء الاتفاقية أو اعتبارها في حكم العدم، بما فيها دعوة الخارجية الأميركية للتفاوض بين مقديشو وأديس أبابا لتجاوز الأزمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير