Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة داعشية... حكي إنساني على نحو مرعب

قسوة مريعة ويأس سافر في قصة واقعية أغرب من الخيال غير أنها تبلغ أقصى درجات قوتها حينما تتقاطع مع القارئ في منطقة مشتركة

لا يمكن الاطمئنان إلى البشر في روايتهم لحياتهم خصوصاً حينما يحكون من أجل إنقاذ أنفسهم (أ ف ب)

"على حافة بستان زيتون عند حدود تركيا وسوريا، وقفت سامنثا سالي معلقة العينين بزوجها إذ يسرع متقدماً في الأسود الحالك حاملاً ابنتهما الصغيرة وعلى ظهره حقيبة فيها جواز سفر سامنثا الأميركي وكل ما ادخر الزوجان في حياتهما، وفي غضون ثوان لن تميزهما في العتمة الشاسعة فلا تراهما بعدها أبداً".

"خطر لسلم [أي سامنثا] أنها لو استطاعت استرداد ابنتها لعبرت الحدود راجعة إلى تركيا ببساطة ثم إنديانا. تقدمت خطوات قليلات وصاح عليها زوجها لكي تسرع فبدأت تتحرك بمزيد من السرعة متبعة صوته في الليل الحالك، وتعثرت في بضع صخور وحشائش وهي تجري ولا ترى أي شيء. قالت فلألحق به ثم لأرى حينئذ ماذا سأفعل، ولو أن العبور إلى سوريا كان بهذا اليسر، فكم تبلغ صعوبة الرجوع منها؟".

ما سبق هو مقتطف من كتاب الصحافية الأميركية جيسيكا روي الصادر أخيراً بعنوان "فتاتان من أميركا: رحلة امرأة إلى الدولة الإسلامية وكفاح أختها لإرجاعها إلى الوطن".

تقترح سيوارد داربي في استعراض للكتاب ["نيويورك تايمز"، 16 يناير (كانون الثاني) 2024] حكاية الكتاب على هوليوود، "فلدينا الشقيقتان سام ولوري من منطقة الأوزارك، نشأتا على تعاليم (شهود يهوه) الصارمة، وفي سن المراهقة تخلتا عن عقيدتهما وتزوجتا بأخوين من مواليد المغرب هما موسى وياسين الحساني اللذان تبين أنهما شخصان مستبدان وعنيفان، وانتهى زواج لوري وياسين بالطلاق وبقيت سام مع موسى، وفي عام 2015 تبعته من بيتهما في إنديانا إلى سوريا، وقد تطرف موسى بأثر من دعاية الإنترنت وأصبح مقاتلاً في (داعش)".

إنساني على نحو مرعب

تكتب روي، "تعرفت للمرة الأولى على قصة سام ولوري في مارس (آذار) 2019 حينما كنت أعمل على موضوع لمجلة إيل (Elle) عن الأختين، سام التي عبرت الحدود إلى سوريا رفقة زوجها الإرهابي، ولوري التي بذلت كل ما في وسعها لإعادة أختها إلى أمان الوطن، وفي ذلك الوقت كنت أحسب أن قصة سام محض حكاية بسيطة من حكايات التطرف الديني، ثم لم يمض وقت يذكر حتى أدركت أن القصة تنطوي على ما هو أكثر من ذلك بكثير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تكتب داربي أن "سام اصطحبت ابنيها وأنجبت اثنين آخرين في سوريا واشترت هي وموسى طفلات إيزيديات أصبحن إماء جنسيات لموسى، ولم تتصل سام بلوري إلى أن قررت أن تهرب من (داعش) وتسنى لها ذلك عند علاج موسى في المستشفى بعد إصابته خلال ضربة جوية. (لقي مصرعه في النهاية في ميدان القتال). وتقضي سام حالياً حكماً بالسجن في الولايات المتحدة لتقديمها دعماً مالياً لجماعة إرهابية".

"روي صحافية ومديرة رقمية سابقة لمجلة (إيل) وتعتمد في كتابها هذا على الدراما الأصيلة في حكايتها، جاعلة من كتابها قصة أغرب من الخيال، فيها مشاهد قسوة مريعة ويأس سافر، غير أن الكتاب يبلغ أقصى درجات قوته حينما تلقي روي الضوء على الجوانب التي يمكن أن يشترك فيها القراء مع قصة الأختين، ومن ذلك قولها في جملة لا تنسى إن (المراوحة بين الغضب والتسامح هي جوهر الأخوة)".

"تعرضت كلتا الأختين للقوى نفسها، أي لسوء المعاملة وكراهية النساء والفقر، لكن إحداهما فقط هي التي تورطت في منظمة إرهابية سيئة السمعة، وتسعى روي إلى فهم السبب مدركة أن القراء مثلها في ذلك، وفي النهاية لا تطرح إجابة متماسكة، فلا يمثل هذا عيباً في الكتاب لأن دوافعنا إلى ما نمارس من سلوك، كما تقول روي، غالباً ما تبقى غامضة".

"ولا تتضح هذه الفكرة مثلما تتضح في فقرات تتأمل فيها روي تورط سام في أخطاء جنائية، إذ تصف الأخيرة نفسها بـ"الحمقاء" التي ارتكبت غلطات شنيعة، أو بأنها زوجة مقهورة أرغمها موسى على الذهاب إلى سوريا حيث تعذبت وتعرضت للاغتصاب من مقاتلين آخرين في (داعش).

كتبت سام في يومياتها بعد اعتقالها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017 قائلة (أنا لست إرهابية)، وتعترف بمعاونتها لزوجها في شراء طفلات ولكنها تصر على أنها ما فعلت ذلك إلا لتنقذهن، فتكتب (لن أعتذر أبداً أني فتحت لأولئك البنات بيتي). وقالت سام لصحافية في (سي أن أن)، (لقد كن لي وكنت لهن)".

لا تخفي روي، بحسب ما تكتب داربي، صعوبة التعرف على ما يمكن تصديقه في حكاية سام، "فلا يمكن الاطمئنان إلى البشر في رواياتهم لحياتهم، وبخاصة حينما يحكون لإنقاذ أنفسهم".

تكتب روي "لم يكن في ذلك الوقت من يدعم قصتها، فكان بوسعها أن تحكي ما تشاء لتمزج الحقيقة بالأكاذيب حتى تعذر تمييز هذا عن ذاك، فسام وفقاً لنسختها من الحكاية ضحية تعيسة عديمة الحيلة، وأم مرغمة على اختيار مستحيل، وشأن معظم الأكاذيب كان في الحكاية نصيب من الصحة، لكن حتى لوري التي تركت وظيفتها وكرست حياتها لاستعادة سام إلى الولايات المتحدة لم تكن مقتنعة بالحكاية كلها".

 

 

سامنثا، وفقاً للصورة التي ترسمها روي، "ماكرة وساذجة في آن واحد، تخطئ في حق الآخرين ويخطئ الآخرون في حقها، ضحية وإرهابية ومتوحشة وأم، لكنها غير مفارقة للمألوف، فواقع الأمر أن صورة سام ، كما تصورها روي، هي صورة إنسان على نحو مرعب".

تقول داربي إن ثمة خلاصة يمكن الخروج بها، وهي أن هناك "مسارات متباينة يسلكها الناس وصولاً إلى الحركات المتطرفة، إذ تسرد روي حكايات عدد من الأميركيين الذين انضموا إلى جماعات الإرهاب الأجنبية، وتلمح في عجالات إلى صعود مد الكراهية اليمينية التي كان يسهل جداً أن تمضي بسام، وهي المرأة البيضاء، إلى مسار مختلف لكنه ليس أقل فظاعة.

غير أن الكاتبة لا تغوص في أعماق قصة سام بالقدر الكافي لتبيان دلالاتها الأعم، فهي لا تضع كتابها في سياق (هنا والآن)، أي في أميركا والعالم اللذين تغيرا تغيرات هائلة عما كانا عليه حين كانت (زوجات داعش) يتصدرن العناوين".

تكتب سيوارد داربي أن "كتاب (فتاتان من أميركا) ينتمي إلى فئة شديدة الشيوع من الكتب المعاصرة هي فئة مقالات المجلات التي تتحول بالحشو إلى كتب، بإضافة تفاصيل جديدة لا تضيف بالضرورة رؤى جديدة، فمن المؤكد أن (فتاتان من أميركا) يقدم صنعة مقنعة لكنها في النهاية صنعة".

قدمت مجلة "إيل" المقتطف الذي نشرته من كتاب جيسيكا روي [9 يناير 2024] بتأكيدها ما كتبته سيوارد داربي عن الكتاب بوصفه توسيعاً لمقالة نشرتها المجلة بتاريخ 27 أغسطس (آب) 2029 تحت عنوان "أختان وبينهما إرهابي". تكتب جيسيكا روي في مقتطف "إيل"، "كيف لأم شابة من أركانسو، امرأة درجت على ارتياد الحانات والاستماع إلى الأغاني ونشر الميمز في (فيسبوك)، أن تنتهي في منطقة حربية في النصف الآخر من العالم؟ كيف تنشأ امرأة في وسط الولايات المتحدة الأميركية محاطة بمتاجر وولمارت والساعات السعيدة التي تخفض فيها الحانات أسعار الشراب ومباريات الكرة، وتنتهي بها الحال إلى الحياة في سوريا في ظل حكم جماعة مسلحة قاتلة؟".

تقول محررة "إيل" إن جيسيكا روي تحاول في كتابها أن تجيب عن هذين السؤالين من خلال تعقب الأختين لوري وسام كل في رحلتها منذ النشأة وسط "شهود يهوه" في الغرب الأوسط الأميركي، وحتى رحيل سام إلى سوريا و"داعش".

وبناء على تقارير صحافية ثاقبة مكتوبة من أرض الواقع يحاول الكتاب أن يبين كيف تبرز رابطة الأخوة، وسط تجارب الفقر والتطرف الديني وإساءة المعاملة من الأبوين، بوصفها الأكثر تعقيداً على الإطلاق بين جميع التجارب.

تكتب روي أن سام وزوجها موسى وصلا إلى الحدود السورية التركية فـ "أخذ موسى يجري باتجاه الرقة، عاصمة (داعش)"، وكان ذلك في لحظة ما من عام 2015، وقد أعلنت (داعش) نفسها خلافة تقاتل من أجل الاستيلاء على أراض في العراق وسوريا وتنشر دعاية على الإنترنت لاجتذاب مقاتلين من أمثال موسى، واعدة إياهم بالثروة والنساء (في الدنيا) ثم بالفردوس والنعيم (في الآخرة)".

وتضيف روي أن سام حكت عن اللحظة التي قضتها على الحدود التركية - السورية باعتبارها اللحظة التي تبدل فيها كل شيء، "فهناك فهمت أخيراً أن زوجها قد تطرف وأنها تنضم إلى (داعش)، وأنها ماضية في ذلك بابنتها".

وتتابع روي أن "النساء يأتمرن بأوامر أزواجهن لأنواع شتى من الأسباب حتى حين يعلمن أنه لا يجدر بهن ذلك، ففي بعض الأحيان يتراكم الخطر ببطء بالغ فلا يكون محسوساً، ولو أن ذلك هو ما جرى في إنديانا، أي التكيف التدريجي مع تحكم موسى وعنفه ثم تطرفه، ففي ليلة عبور الحدود السورية تسارع الإيقاع ومضى كل شيء بسرعة بالغة، وأخذ موسى يغوص بالأسرة في المجهول، وفي المجهول فقدت سام القدرة على التفكير".

داخل خيمة الأسيرات

لا أريد أن أقطع بشيء اعتماداً على مقتطف صغير من كتاب غير حاضر بعد بين يدي، ولكن لو أن هذا ما يفعله الكتاب، أي إنه يشيطن موسى ليبرئ سامنثا، فلا أحسب أنني سأكون شديد الحرص على اقتنائه وقراءته، بخاصة أن بالإمكان الاستمتاع بنسخة أعمق لشيطان مغربي آخر خلده ويليام شكسبير، وبالطبع أعني "عطيل".

غير أن ثمة نسخة أحدث من شكسبير، هي النقيض لحكاية فتاتي أميركا، ولم أملك إلا تذكرها فأقرأ عن فتاتي أميركا في ضوء قراءة قديمة عن فتاتين من نيجيريا أعتقد أنها لا تصلح لهوليوود على الإطلاق.

 

 

قبل قرابة عام من نشر جيسيكا روي قصة الأختين في مجلة "إيل"، كانت مجلة "ذي نيويوركر" نشرت في الـ 20 من ديسمبر (كانون الأول) 2018 مقالة عنوانها "الناجيات من (بوكو حرام) يرجعن إلى خاطفيهن".

صحيح أن "بوكو حرام" ليست "داعش" وأن العائدات إلى خاطفيهن أفريقيات لا غربيات، لكن ثمة قواسم مشتركة بين الجماعتين الإرهابيتين، وافترض بداهة وجود قواسم مشتركة بين البشر بعامة، سواء ولدن محاطات بمتاجر وولمارت أم بأدغال أفريقيا.

في مقالة "ذي نيويوركر" حكت الروائية النيجيرية أدوبي تريشيا نوباني عن بعض زوجات قيادات "بوكو حرام" ممن أنقذتهن حملات حكومية بدأت عام 2015، ومن هؤلاء عائشة التي كانت رابعة زوجات أحد القادة والأثيرة لديه، والتي كانت أيضاً بمثابة "أميرة" ينوب عنها عشرات الخدم في كل شيء إلا واحداً. تقول عائشة، "كانت المهمة الوحيدة التي لا أسمح لهن بالقيام بها بدلاً مني هي تجهيز الطعام لزوجي، وكنت أفضل أن أفعل هذا بنفسي"، وكات بحسب ما تحكي نوباني "تطرد كل جارية يبدو أنها تضع عينها على نور (زوجها) وتردها إلى خيمة بقية الأسيرات".

تقول أدوبي تريشيا نوباني إن عائشة "لم تكن الأسيرة الوحيدة التي بدأت تتماهى مع خاطفيها"، فهناك زارا جون، وهي فتاة اختطفت في الـ14 من العمر بعد أن "رأت المسلحين يحرقون بيوت قريتها ويقتلون رجالها"، ثم شحنت مع أمها ونساء أخريات في شاحنة، وفي الطريق سقطت الأم من الشاحنة فظلت تجري وراءها، أو وراء ابنتها بالأحرى، لأميال قبل أن تيأس من اللحاق، وعند وصول الركب إلى مقر "بوكو حرام" قيل للنساء إنهن الآن جاريات، وهناك أكلت زارا وجبة الدابينو. تكتب نوباني أن زارا "موقنة بأن ذلك التمر كان فيه سحر، وأنه المسؤول عن تغير مشاعرها تجاه (بوكو حرام) خلال أسرها، وتقول (لم أكن بعقلي السليم)".

لا أعرف إلى أي مدى يمكن أن يؤخذ بالسحر تفسيراً لتغير مشاعر زارا تجاه خاطفيها، لكن الروائية على أية حال تسرد أسباباً لحنين الناجيات إلى الأسر عدا السحر.

تقول، "بات ينظر إلى زوجات قادة (بوكو حرام) السابقات بارتياب بعد رجوعهن، وعومل أبناؤهن معاملة المنبوذين، فهم ضحايا خرافة ترى أن كل من يولد لأب من (بوكو حرام) يرث ميوله إلى القتل، ووصمة العار أشد على من تزوجن من (بوكو حرام) طوعاً"، ولعل في هذا ما يفسر رغبة بعض الناجيات في العودة لما نجون منه.

ظني هو أن الحقيقة تقع في موضع ما بين سام وعائشة، فلا نساء "داعش" كلهن ضحايا مخدوعات مغلوبات على أمرهن، ولا هن مفتونات طاب لهن تمر الإرهابيين، وظني أنه ما من حقيقة واحدة، وإنما هي حقائق بعدد النساء اللاتي تمتلئ بهن الآن معسكرات وسجون ومن في عهدتهن من أطفال، فلكل حكاية مهما اشتركت في تفاصيل مع غيرها تبقى مختلفة، ومهما ظننا فيها من أكاذيب فلا يمكن أن نعثر بعيداً منها على الحقيقة.

العنوان: AMERICAN GIRLS: One Woman"s Journey Into the Islamic State and Her Sister"s Fight to Bring Her Home 

تأليف: Jessica Roy 

الناشر: Scribner 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة