Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودانيون يتخوفون من تضاؤل فرص السلام

صدام بين الحكومة و"إيغاد" وتواصل المواجهات داخل الخرطوم وخارجها

نازحون من ولايتي الخرطوم والجزيرة ينتظرون تلقي المساعدات في القضارف، 30 ديسمبر 2023 (أ ف ب)

في وقت وضع فيه السودانيون آمالهم على جهود الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) لإنهاء الحرب الدائرة في بلادهم منذ منتصف أبريل (نيسان)، جاء قرار مجلس السيادة الانتقالي السوداني برفض المشاركة في القمة الطارئة التي دعت لها "إيغاد" بأوغندا في 18 يناير (كانون الثاني) لبحث الأزمة، ليحدث صدمة وإحباط وسط غالبية الشعب خوفاً من تضاؤل فرص إحلال السلام في البلاد.

مجلس السيادة رد أمس السبت على دعوة "إيغاد" للحكومة السودانية لحضور قمة أوغندا بالرفض، وقال في بيان إنه "ظل يتعاطى بإيجابية مع كل المبادرات، خصوصاً جهود إيغاد في الوصول إلى سلام، لكنها لم تلتزم بتنفيذ مخرجات القمة الأخيرة في جيبوتي بلقاء رئيس مجلس السيادة وقائد التمرد، من دون تقديم تبرير لإلغاء اللقاء الذي دعت له نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تحت الزعم بأن قائد التمرد لم يتمكن من الحضور لأسباب فنية، بينما كان يقوم بجولة في عدد من دول المنطقة في التاريخ ذاته".

وأضاف البيان أنه "بناءً عليه، قطع المجلس بعدم وجود ما يستوجب عقد قمة لمناقشة أمر السودان قبل تنفيذ مخرجات القمة السابقة"، مؤكداً أن ما يدور في السودان شأن داخلي، وإن استجابة الحكومة السودانية للمبادرات الإقليمية لا تعني التخلي عن حقها السيادي، في حل مشكلة البلاد بواسطة السودانيين.

وعلى العكس، أكد قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" في بيان موافقته على الحضور والمشاركة في قمة "إيغاد" في ضوء تلقيه دعوة من سكرتاريتها، "اتساقاً مع موقفه الثابت الداعم للحل السلمي الشامل، الذي ينهي مرة واحدة وللأبد الحروب في السودان عامة، وحرب الـ15 من أبريل بخاصة".

وقال حميدتي "إننا في قوات (الدعم السريع) نجدد التزامنا وضع حد لمعاناة السودانيين الناجمة عن هذه الحرب والحروب الأخرى، الدائرة منذ سنوات بأطراف السودان، لينعم كل الشعب بالسلام الدائم حقاً، والأمن والاستقرار، والتنمية والعدالة والحرية والديمقراطية، والمساهمة في حفظ وصون الأمن والسلم في الإقليم والعالم".

بدورها استنكرت "الخارجية السودانية" دعوة "إيغاد" لقائد الدعم السريع لحضور قمتها، مؤكدة أنها "انتهاك صارخ للاتفاقية المؤسسة لإيغاد وكل قواعد وتقاليد عمل المنظمات الدولية، واستخفاف بالغ بضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنف الجنسي وكل الفظائع التي تمارسها عصابات الجنجويد في أنحاء مختلفة من البلاد".

وأشارت الخارجية في بيان إلى أن "إيغاد منظمة للحكومات ذات السيادة، هدفها تعزيز السلم والأمن الإقليميين، وتحقيق التكامل بين الدول الأعضاء، ولا مكان فيها للجماعات الإرهابية والإجرامية"، لافتة إلى أن "خيارات السودان مفتوحة تجاه هذه المنظمة في ظل إصرارها على التنكر لنظامها الأساس ومقتضي القانون الدولي، والقبول بأن تكون أداة للتآمر على بلادنا وشعبها".

واستغربت الخارجية من صمت "إيغاد" المطبق حيال فظائع قوات "الدعم السريع" التي أدانتها المنظمات الدولية والمجتمعين الدولي والإقليمي، فضلاً عن منحها الشرعية بدعوتها لاجتماع لا يشارك فيه سوى رؤساء الدول والحكومات بالدول الأعضاء، منوهة بأن هذه السابقة المشينة لن تؤدي فقط إلى تدمير صدقية "إيغاد" كمنظمة إقليمية، وإنما تمثل كذلك رعاية للإرهاب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وتشجيعاً للمجموعات التي ترتكب تلك الفظائع التي يعانيها الإقليم.

حرج واضطراب

وتعليقاً على رفض حكومة الخرطوم المشاركة في قمة "إيغاد" وانعكاسات ذلك على جهود إنهاء الحرب بين طرفي النزاع، قال القيادي في حزب الأمة القومي السوداني بازرعة علي العمدة لـ"اندبندنت عربية"، "واضح أن رئيس مجلس السيادة السوداني في حرج من الجلوس مع نائبه الذي قام بإعفائه من منصبه، واعتبره متمرداً في مكان واحد بصفته أحد الممثلين الشرعيين للسودان، فضلاً عن أن هناك اضطراباً في إدارة الحرب الحالية سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً من جانب الجيش وحلفائه، ويتضح ذلك من رد الفعل السلبي علي قرار إيغاد بإلغاء لقاء البرهان وحميدتي في جيبوتي لأسباب فنية بدلاً من دعم اللقاء والترحيب بتحديد موعد آخر له، والآن عاد مجلس السيادة إلى رفض القمة المقبلة والمطالبة بلقاء جيبوتي السابق على رغم أن جوهر اللقائين لا يختلف وهو البحث عن حل سلمي للصراع في السودان عبر وقف لإطلاق النار والتفاوض بعد ذلك".

ونوه العمدة بأن تضاؤل فرص الحل السلمي عبر جلوس الطرفين المتقاتلين للتفاوض من أجل وقف لإطلاق النار من شأنه أن يدفع نحو الكارثة الإنسانية، بخاصة أن هناك نذر مجاعة تلوح في الأفق بسبب نقص الغذاء والأوضاع الأمنية التي تعوق وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين.

وفي شأن ما يجري من تسليح للمواطنين لصد أي هجوم من قبل "الدعم السريع"، قال إن "عملية التسليح التي تتم الآن على أساس إثني ومناطقي ستقضي على ما تبقي من أهل السودان وتفتح الباب واسعاً أمام خيارات التدخل الخارجي الإقليمي والدولي ويصبح الفصل السابع أفضل الخيارات مقابل انزلاق البلاد إلى حرب طويلة الأمد من خلال مناصرة أطراف إقليمية ودولية لأطراف داخلية بطريقة مكشوفة".

وعن التصعيد العسكري المحتدم بين طرفي القتال داخل العاصمة وخارجها، أوضح القيادي في حزب الأمة القومي بأنه "يعني تمدد الحرب واتساع نطاقها مما يقود إلى تحولها لحرب أهلية شاملة في ظل عمليات التعبئة والاستنفار على أساس إثني وقبلي، ومع تمدد الحرب إلى ولايات جديدة وتناقص المناطق الآمنة لاستقبال النازحين لن يتبقى أمام المواطنين ضحايا الحرب اللعينة إلا اللجوء إلى دول الجوار في ظل تعقيدات إجراءات استقبال الدول لأعداد كبيرة تقدر بالملايين من السودانيين، مما يعني أننا مقبلون على كارثة إنسانية حقيقية".

خريطة طريق

في الأثناء بدأ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة محادثات رسمية مع مسؤولين سودانيين، بعد وصوله أمس بورتسودان، في أول زيارة له منذ تعيينه في منصبه نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تتركز يبحث إنهاء الحرب والأوضاع الإنسانية المتفاقمة في البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستهل لعمامرة لقاءاته بنائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، حيث جرى مناقشة عديد من القضايا حول الأزمة السودانية، بخاصة أن المبعوث الأممي في رحلة استكشاف للتعرف على رؤى السودانيين، بهدف بلورة خريطة طريق بغرض تقديمها للأمين العام للأمم المتحدة حول كيفية معالجة الأزمة في السودان. فيما قال وزير الخارجية السوداني علي الصادق إنه نقل إلى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رفض السودان الاتصال الهاتفي للأمين العام أنطونيو غوتيرش بقائد "الدعم السريع" نظراً إلى ما ارتكبته قواته من انتهاكات فظيعة أدانتها بعض مؤسسات الأمم المتحدة وغالبية المجتمع الدولي، مؤكداً أن مثل هذا الاتصال يعطي التمرد شرعية يفتقدها ويحقق أهدافه في الحصول على دعاية إعلامية.

كما التقى لعمامرة الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب، حيث تم شرح عمل الآلية ومشروعها الوطني لحل الأزمة السودانية واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، فضلاً عن نقاش مقترح الإطار الدستوري.

المواجهات العسكرية

عسكرياً، تواصلت المواجهات بين الجيش و"الدعم السريع" على عدة جبهات داخل العاصمة وخارجها، وبحسب شهود عيان فإن الطيران الحربي التابع للجيش قام لليوم الثالث على التوالي بقصف عدة مواقع لتجمعات "الدعم السريع" في أحياء جنوب الحزام وشرق الخرطوم، كما استهدف الطيران الحربي أيضاً تمركزات قوات "الدعم السريع" في كل من ولايات الجزيرة وجنوب كردفان وغربها، مما أدى إلى وقوع ضحايا وسط المدنيين.

وأشار مواطنون إلى أن طائرات مقاتلة أسقطت للمرة الثانية في أقل من أسبوع عدداً من البراميل المتفجرة على منطقة الدبيبات في ولاية جنوب كردفان التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" بشكل كامل ويوجد فيها أكبر معسكراتها في هذا الإقليم، كما قصف طيران الجيش أيضاً مدينة التبون بولاية غرب كردفان. فيما أفادت لجنان مقاومة ود مدني بأن الطيران الحربي شن غارات جوية ليومين متتاليين لعدد من المواقع بأحياء الرياض والقادسية بمنطقة حنتوب، إضافة إلى قصف مواقع بشرق النيل، ومبنى الاحتياطي المركزي، والميناء الجاف، وقرب كوبري أبوحراز، مؤكدة حدوث وفيات وإصابات بين المواطنين.

أوضاع مأسوية

يرى المحلل السياسي السوداني عروة الصادق في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "الوضع في السودان يتدحرج بصورة مريعة نحو الدمار الكامل والحرب الشاملة، فوتيرة العمليات العسكرية متواصلة في المركز والولايات، فضلاً عن استمرار محاولات الاستحواذ على مراكز النفوذ ومنصات الانطلاق نحو مدن جديدة". وقال "شهدت الخرطوم عمليات مستمرة من (الدعم السريع) لمحاولة الإجهاز على معسكر الذخيرة بمنطقة الشجرة، واستمرار عمليات القصف المدفعي والجوي من قبل الجيش على تمركزات (الدعم السريع) آخرها استهدف منطقة السلمة وراح ضحيته نحو تسعة مدنيين بينهم سيدة، واستمرت محاولات اقتحام الدعم السريع للقيادة العامة في مركز المدينة، بيد أن الهدوء اتخذ طابعاً أعم على منطقة جنوب الخرطوم وسط تحرك للمواطنين لقضاء حاجاتهم في الأسواق والمحال التجارية".

وأضاف الصادق "كذلك شهدت مدينة بحري وشرق النيل عمليات قصف جوي مستمر بالطيران الحربي والمسير على مواقع (الدعم السريع)، حيث من ضمن استهدافاته المدمرة ما لحق بمصفاة الجيلي للبترول من دمار، فضلاً عن أن (الدعم السريع) يتخذ من هذه المدينة منصات للمدفعية التي تتجه نحو مدينة أم درمان التي تمثل أسخن مناطق الصراع، إذ استمرت محاولات تلاقي محوري الجيش الشمالي والجنوبي نحو سلاح المهندسين، والعكس، وفيما توقفت امتدادات الجيش في منطقتي بانت والعباسية، وامتدادات المحور الشمالي في مناطق الثورة وغرب الحارات وتخوم أم درمان القديمة والقماير اتجاه شرق النيل، في حين تسمر المواجهات وتبادل القصف المدفعي من وإلى منطقة كرري بشمال أم درمان، إضافة إلى استمرار المناوشات الأرضية في مناطق الثورات وغرب الحارات والحارات الشمالية لمحلية أم بدة". وواصل "ظلت أحياء الفتيحاب والأحياء الجنوبية لأمبدة والصالحة تتعرض باستمرار لعمليات قصف متبادل، حيث خلت جراء هذه العمليات حارات الثورة والفتيحاب من السكان تماماً، بينما تمسك بعض سكان أم درمان القديمة وبيت المال بالبقاء فيها على رغم قساوة الأوضاع". وأشار إلى أنه في جانب الخدمات استمر قطع المياه في مدينة أم درمان ثلاثة أشهر مع استمرار قطع تيار الكهرباء، كما توقفت بعض شبكات الاتصالات عن الخدمة لمدة قاربت الشهرين، وسط تعطل التطبيقات البنكية الخاصة بتحويل المبالغ، لافتاً إلى أن كثيراً من المحال التجارية أغلقت أبوابها لانعدام السلع وتعذر الحصول عليها، وأن المتوفر منها لا يكفي حاجات المواطنين في المدينة، مما اضطر بعض الأحياء إلى عمل تعاونيات وتحديد كميات التوزيع للمواد التموينية.

ونوه المحلل السياسي بأن مواطني مدن العاصمة الثلاث يواجهون صعوبات بالغة في التنقل، حيث أصبح الوصول إلى الخرطوم من أم درمان يستوجب تحركاً دائرياً بعيداً يكلف أضعاف الجهد والوقت والمال، والعكس صحيح من مدن بحري والخرطوم.

الجبهة المدنية

إلى ذلك، أعلنت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور موافقتها على تلبية دعوة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" لعقد اجتماعات عاجلة ومباشرة بهدف بحث سبل وقف وإنهاء الحرب وبناء أوسع جبهة مدنية ديمقراطية تتصدى لهذه المهمة. وأشارت الحركة في خطاب وجهته إلى التنسيقية إلى رغبتها في العمل المشترك مع أي قوى سياسية ومدنية وقوى الكفاح الثوري المسلح، لتشكيل جبهة مدنية لإيقاف الحرب ومواجهة جذور الأزمة الوطنية وتأسيس دولة المواطنة المتساوية، مؤكدة أن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل هي تتويج لفشل مستمر لازم الدولة السودانية منذ 1956.

واعتبرت الحركة أن تأسيس "تقدم" جاء بمجموعة محددة دون إشراك كل القوى السياسية والمدنية، وقوى الكفاح الثوري المسلح الأخرى بما فيهم حركتهم، مما يعد تجاوزاً لكل ملاحظاتهم ورؤاهم السابقة واعتبارهم وآخرين غير شركاء، لكنها قالت إن "الواجب الوطني في هذا الظرف التاريخي يحتم على الجميع تدارك الأخطاء السابقة للمضي قدماً لتأسيس جبهة مدنية".

وقدمت الحركة حزمة مقترحات تمثلت في تجاوز ما سمته الاصطفافات ما قبل الحرب الحالية وطالبت بدعوة كل القوى السياسية والمدنية وقوى الكفاح الثوري المسلح ما عدا "المؤتمر الوطني" وواجهاته لإيقاف الحرب والوصول إلى منصة التأسيس، على أن يقوم التأسيس للعمل الجبهوي بالمشاركة على مبدأ الندية وليس الإلحاق، فضلاً عن الحيادية التامة والعمل على وقف الحرب الدائرة الآن لتأسيس دولة المؤسسات القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية.

المزيد من متابعات