ملخص
دراسة طبية تكشف عن ارتباط محتمل بين شرب الأمهات الحوامل لـ”مشروبات الدايت” وبين إصابة أطفالهن الذكور بالتوحد
في ظل الأبعاد المتعددة لاضطراب التوحد يتجلى تعقيده في تنوع العوامل التي يمكن أن تؤدي الى ظهوره، إذ تراوحت الدراسات والأبحاث في هذا السجال ما بين العوامل الوراثية والبيئية المحتملة كمسببات للتوحد، إلا أن ثمة دراسة صادمة بعض الشيء تكشف عن سبب آخر ألقى بظلاله على المسلمات القائمة، حين أشارت إلى أن الأمهات اللاتي تناولن كميات كبيرة من مشروبات الـ"دايت" أثناء فترة حملهن من المرجح أن يصاب أطفالهن بـ"التوحد"، خصوصاً الذكور منهم.
وحملت الدراسة التي أجراها باحثون في مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس في سان أنطونيو، عنوان "التعرض اليومي للصودا الدايت والأسبارتام - دراسة الحالات والشواهد"، ونشرت في المجلة الدولية المتخصصة في التغذية البشرية "العناصر الغذائية".
ووجد الفريق البحثي أن الأطفال المصابين بالتوحد كانوا أكثر تعرضاً بثلاثة أضعاف للمنتجات المحلاة بـ"الأسبرتام" بصورة يومية خلال وجودهم في الرحم أو خلال الرضاعة الطبيعية. إلا أن الباحثين لفتوا إلى أن معظم حالات التوحد في هذه الدراسة (87 في المئة) عائدة لذكور، فيما لم يتم العثور على صلة ذات دلالة إحصائية لدى الفتيات المولودات لأمهات يستهلكن هذه المنتجات يومياً.
وفي هذا الصدد قال المؤلف الرئيس للدراسة الدكتور شارون بارتن فاولر، الأستاذ المساعد في الطب بجامعة تكساس في سان أنطونيو "تسهم النتائج التي توصلنا إليها في تزايد الأدبيات التي تثير المخاوف حول الضرر المحتمل من المشروبات الغازية واستهلاك الأسبارتام أثناء الحمل".
لا يمكننا الاستنتاج
وعلى أثر هذه الدراسة يستعرض أستاذ علم النفس الإكلينيكي في جامعة الكويت نايف المطوع اختلافه في شأن الصلة المحتملة بين مشروبات الـ"دايت" وظهور أعراض التوحد في حديثه الخاص إلى "اندبندنت عربية"، قائلاً إن "هذه الدراسة الوحيدة التي تم إجراؤها، لذا من الصعب جداً استخلاص أي نوع من الاستنتاجات بناء على دراسة واحدة، إذ إنها شملت أقل من 250 مشاركاً وهي مجموعة صغيرة جداً، إضافة إلى أن الارتباط لا يعني السببية لأن مجرد حدوث شيئين في الوقت نفسه لا يعني أن أحدهما تسبب في الآخر. على سبيل المثال، إذا كان هناك 2000 شخص أو مليونا شخص تمت متابعتهم، فهل ستكون لديك النسبة المئوية نفسها من الأفراد الذين تناولوا صودا دايت".
ونوه المطوع إلى أن تركيزات "الأسبارتام" (السكر الاصطناعي) تتغير من وقت لآخر، إذ إنها تختلف من شراب إلى ثانٍ ومن طعام إلى آخر وهي حالة نسبية تعتمد على أن المنتجات الاصطناعية بصورة عامة ليست جيدة للجسم أو لنموه وأن هناك أكثر من دراسة تشير إلى أن مجرد حدوث شيئين (عاملين) في الوقت نفسه لا يعني أن أحدهما تسبب في الآخر.
الحمض النووي والتوحد
وعلى رغم أن الدراسات الجينية أثبتت منذ فترة طويلة أن الحمض النووي يقوم بدور رئيس في تطور مرض التوحد لدى الطفل، فإن فاولر الذي درس الآثار الصحية الناجمة عن التعرض المزمن للمحلّيات غير الغذائية لأكثر من عقد من الزمان، مقتنع بأن "الأسبارتام" يشكل أخطاراً صحية جدّية ويؤكد أن نتائج هذه الدراسة الأخيرة يجب أن تدفع الأمهات إلى التفكير مرتين قبل تناول المحلّيات الاصطناعية أثناء الحمل أو الرضاعة، مما دفع خبراء من جامعتي هارفارد وبورنموث في المملكة المتحدة إلى وصف بيانات الباحثين في سان أنطونيو بأنها "معيبة للغاية" واستنتاجاتهم بـ"غير مسؤولة"، وأشاروا إلى أن البيانات اعتمدت على ذكريات كل أم بدلاً من الملاحظة في الوقت الحقيقي أو الملاحظات المعاصرة وأن حجم العينة كان صغيراً، إضافة إلى ملاحظة الارتباط التي لا تثبت أن المحلّيات الاصطناعية تسبب مرض التوحد.
جدال الحصبة
وأدت الأبحاث المتعلقة بأسباب مرض التوحد إلى جدل ساخن منذ عام 1998 عندما ربطت دراسة منذ ذلك الحين بين مرض التوحد ولقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، وأثارت هذه الدراسة حملة تضليل استمرت لعقود من الزمن يقول الخبراء إنها أدت إلى تردد واسع النطاق في شأن اللقاحات، مما أسفر عن نتائج صحية مدمرة في وقت أعلنت منظمة الصحة العالمية أن البيانات الوبائية المتاحة تدل على عدم وجود علاقة سببية بين اللقاح المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والتوحد وقد تبيّن أن الدراسات السابقة التي تشير إلى وجود تلك العلاقة مليئة بالشوائب المنهجية.
ونظراً إلى اختلاف المتخصصين في تفسير النتائج المتاحة والمعوقات التي قد تتداخل في بعض الدراسات بعدم وجود أدلة قاطعة، ينصح الخبراء بعدم تجاهل أي صلة محتملة بين مادة "الأسبارتام" والتوحد، داعين إلى إجراء مزيد من الدراسات طويلة المدى والمتنوعة التي تشمل عينات واسعة من السكان.