Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توني بلير يطل بإرثه "الشائك" من ركام الحرب في غزة

مزاعم وساطته في عملية "تهجير الفلسطينيين طوعاً" أعادت أدواره الجدلية في غزو العراق وأفغانستان والرباعية الدولية للسلام إلى الواجهة

مزاعم حول دور مرتقب لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بشأن تهجير سكان غزة (أ ب)

بإرثه "الشائك" عاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ليطل على منطقة الشرق الأوسط مجدداً عبر نافذة الحرب المتصاعدة في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، من خلال دور مزعوم نسبته له تقارير إعلامية إسرائيلية، يلعب خلاله دور الوسيط في عملية "إعادة توطين طوعي" لسكان غزة، ليعود الضوء مجدداً لأدوار بلير التي كثيراً ما ارتبطت بالصراعات والحروب في المنطقة، على مدار العقدين ونيف الأخيرين.

وعلى رغم نفيه ومعهده "معهد توني بلير للتغيير العالمي" الذي أسسه في عام 2016، لهذه التقارير، فإن الجدل الذي صاحبها، استند في جوهره على تاريخ انخراط الرجل في قضايا وصراعات المنطقة ودوره في "تعميقها لا حلها" وفق ما يقول مراقبون، لا سيما بعد دور بلاده في غزو العراق 2003 تحت ذريعة امتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل، التي ثبت كذبها لاحقاً، فضلاً عن دور الرجل كمبعوث للرباعية الدولية المعنية بالسلام في المنطقة في الفترة ما بين 2007 و2015، وأخيراً سجله المالي "المشبوه".

وكان بلير، المولود عام 1953، والمنتمي لحزب العمال، أصغر من تولى منصب رئاسة الحكومة البريطانية في الثاني من مايو (أيار) منذ عهد روبرت جنكنسون الذي تولى الحكم عام 1812، قبل أن يحطم الرقم خلفه ديفيد كاميرون في مايو (أيار) 2010، أُخذ عليه تماهيه مع السياسة الأميركية في المنطقة لا سيما في ما يتعلق بقضية حصار العراق، والتفتيش على أسلحته، والإبقاء على منطقتي الحظر الجوي شمالي العراق وجنوبه، وصولاً إلى غزوه والإطاحة بنظام صدام حسن، وقبل ذلك الموقف من ضرب أفغانستان والإطاحة بنظام "طالبان" عام 2001، إذ قام بجولة شملت دولاً عربية وإسلامية للحشد الدولي الذي سمته واشنطن حينها "التحالف ضد الإرهاب".

بلير و"التهجير الطوعي" في غزة

منذ أيام خيم الجدل حول دور مرتقب لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في شأن "بحث إمكانات تهجير سكان قطاع غزة"، وعلى رغم نفيه الرسمي تلك التقارير التي أذاعتها للمرة الأولى تقارير إسرائيلية، فإن كثيرين لم يستعبدوها في ضوء التقارب والعلاقة القوية التي تجمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وبدأت القصة حول دور بلير المرتقب في "تهجير سكان غزة"، حين نشرت "القناة 12" العبرية في الأسبوع الأخير من العام الماضي، أن بلير الذي ترك رئاسة الوزراء عام 2007 وشغل بعد ذلك منصب مبعوث خاص للشرق الأوسط مع مهمة الإشراف على إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية، زار إسرائيل سراً قبل أيام، وعقد اجتماعات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والعضو في حكومة طوارئ الحرب بيني غانتس، في شأن دور وساطة في مرحلة ما بعد الحرب مع حركة "حماس"، يشمل أيضاً لعب دور الوسيط مع دول عربية في شأن "إعادة توطين طوعي" لسكان غزة.

وتزامن تقرير القناة العبرية، مع تجديد دعوة وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة بعد الحرب مع "حماس"، وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة، إذ نقلت حينها إذاعة الجيش الإسرائيلي عن وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يترأس حزب "الصهيونية الدينية" خلال مقابلة معه قوله "لتحقيق الأمن، علينا السيطرة على القطاع. وللسيطرة عليه على المدى الطويل، نحن في حاجة إلى وجود مدني". واعتبر أن على إسرائيل أن "تشجع" فلسطينيي غزة البالغ عددهم 2.4 مليون تقريباً على مغادرة القطاع. وهي الفكرة ذاتها التي أكدها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، وهو أحد رموز الاستيطان الإسرائيلي، في تغريدة على منصة "إكس"، بقوله "إن الترويج لحل يشجع على هجرة سكان غزة ضروري".

ومع تصاعد الجدل حول ذلك التقرير، الذي استدعى انتقاداً من مؤسسات السلطة الفلسطينية الرسمية، معبرة عن "رفضها الشديد" لتكليف بلير أو غيره "بالعمل من أجل تهجير المواطنين من قطاع غزة"، نفى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بشدة الأمر، وأعلن "معهد توني بلير للتغيير العالمي"، وهو منظمة غير ربحية تابعة لبلير، أن التقرير الإسرائيلي "كذبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب بيان المعهد، فإن تقرير القناة الإسرائيلية "نشر من دون أي تواصل مع توني بلير أو فريقه. لم يجر حديث من هذا القبيل. ولا توني بلير أجرى مثل هذا الحديث. الفكرة خطأ من حيث المبدأ. يجب أن يكون سكان غزة قادرين على البقاء والعيش في غزة".

كذلك أوردت صحيفة "جيروزاليم بوست" نفي مصدر مقرب من بلير صحة تلك الادعاءات المتعلقة بصلة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بتهجير الفلسطينيين. وقال "لم تحدث مثل هذه المناقشة أبداً، ولن يناقش بلير مثل هذا الاقتراح".

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عبَّر عدد من المسؤولين الإسرائيليين، وعسكريون سابقون، وتداولت وسائل إعلامهم، رغبة في تهجير سكان قطاع غزة سواء بشكل "طوعي أو قسري"، وهو السيناريو الذي لاقى رفضاً قوياً ومعارضة واسعة سواء من الفصائل الفلسطينية وحتى الدول العربية، كذلك عبَّر عديد من المسؤولين الدوليين والعواصم الغربية عن معارضتهم للدفع بهذا الاتجاه.

بلير وغزو العراق

قبل أسبوع واحد من انتهاء رئاسته في 20 يناير (كانون الثاني) 2009، عكس تقليد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير "وسام الحرية"، أرفع وسام مدني أميركي يمنح للأفراد الذين قدموا مساهمة خاصة للأمن أو المصالح القومية للولايات المتحدة، حجم التقارب بين الرجلين على مدار السنوات الأولى للألفية الثالثة، ومحطاتها البارزة لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إذ وصف بوش بلير في خطاب تقليد الوسام قائلاً "هذا هو الصديق الحقيقي للولايات المتحدة، لقد واجه تحديات تاريخية بتصميم كبير، وكان مثالاً لنوعية رجل الدولة المطلوب في بلده وفي الخارج".

وعلى مدار مسيرته السياسية مع حزب العمال البريطاني التي بدأت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، كانت محطة "غزو العراق" في عام 2003، الأكثر تأثيراً على إرث توني بلير، بعدما أثبت لاحقاً زيف الذرائع التي استندت عليها واشنطن ولندن، لتبرير غزوهما لبغداد.

وبقدر ارتباط غزو العراق، بمشهد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كولن باول، في جلسة مجلس الأمن، وهو مصحوب برئيس وكالة الاستخبارات الأميركية جورج تينيت، في الخامس من فبراير (شباط) عام 2003، حين قال "ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل". مظهراً في الوقت ذاته، أنبوباً يحتوي على مسحوق أبيض (في إشارة إلى أنثراكس أو الجمرة الخبيثة)، وصوراً لأقمار اصطناعية مؤكداً أنه يقدم أدلة "لا يمكن دحضها" عن إخفاء نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وأنه يواصل خروقاته المادية لقرار مجلس الأمن 1441 لعام 2002، وطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكري ضد العراق. كان على الجانب الآخر من ضفة الأطلسي، يمضي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في تمهيد كل الطرق نحو انخراط بلاده في الحرب، لدرجة وصفتها صحيفة "التايمز" الشهيرة بأنها "حرب بلير الخاصة"، بينما رأت صحيفة "الديلي ميل" لاحقاً في بلير أنه عبارة عن "وحش الأوهام".

وفق عديد من الوثائق البريطانية التي كشفت عنها لاحقاً السلطات البريطانية، ونقلتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فقد استماتت حكومة توني بلير عام 2003 في إقناع البرلمان والرأي العام البريطاني بالحرب، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن بلير كان يعلم بعدم امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، لكنه تجاهل مثل هذه القناعة تماشياً مع سياسة الولايات المتحدة الأميركية في تلك الفترة.

"خداع الرأي العام" و"كذب الأدلة"، على الصعيد البريطاني، كانت كذلك ضمن النقاط الرئيسة التي توصل إليها تقرير لجنة تشيلكوت حول الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب، والذي صدر بعد أكثر من 13 عاماً من الغزو، إذ تحدث التقرير المنشور في يوليو (تموز) 2016، بالتفصيل، عن المعلومات الاستخباراتية الخطأ والأسس القانونية المشكوك فيها التي استند إليها غزو العراق.

ووجد تقرير تشيلكوت، أن حكومة بلير قد اختارت الانضمام إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل استنفاد جميع الخيارات السلمية لنزع السلاح. معتبرة في الوقت ذاته أن التخطيط والاستعدادات للتعامل مع الوضع في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين كانت "غير كافية على الإطلاق"، كما أبرز التقرير كيف أن بلير كتب إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في يوليو (تموز) 2002، أي قبل الغزو بتسعة أشهر، قائلاً "أنا معك مهما كان".

وفي إفادته أمام لجنة تشيلكوت، قال السويدي هانس بليكس، كبير مفتشي الأسلحة التابع للأمم المتحدة في فترة ما قبل الحرب، الذي قدم تقريراً إيجابياً حول تعاون العراق مع اللجنة إنه "تم جر بريطانيا للمشاركة في حرب لا يمكن الدفاع عنها من الوجهة القانونية"، مشيراً إلى أنه طلب مزيداً من الوقت لإكمال مهمته، ولكن واشنطن ولندن تجاهلتا طلبه وقامتا بالغزو، بعد أن ضخمتا المعلومات الاستخباراتية التي كانت متوفرة قبل الحرب لتعزيز موقفهما الداعي إلى استخدام القوة.

وبعد عرض لجنة تشيلكوت تقريرها الذي وصف عملية غزو العراق بأنها كانت متسرعة ومبنية على "معلومات مغلوطة"، وأنها تجاوزت مقتضيات الأمم المتحدة، دافع بلير في مؤتمر صحافي عن قراره بالمشاركة في الحرب واعتبره صائباً. وقال إنه يتحمل المسؤولية كاملة في اتخاذ القرار "استناداً إلى المعلومات التي كانت لدى والتهديدات التي استنتجتها"، موضحاً أن قرار المشاركة في تلك الحرب اتُخذ لأن صدام كان "يمثل تهديداً لشعبه وللسلم العالمي".

واعتبر بلير أن العالم بات أكثر أمناً بعد غزو العراق والإطاحة برئيسه صدام حسين، بيد أنه أشار في المقابل إلى النتائج الكارثية للغزو، ومنها مقتل أعداد كبيرة من المدنيين العراقيين، فضلا عن 179 جندياً بريطانيا بين عامي 2003 و2009، وفق بيانات رسمية بريطانية، ومضى يقول "لو عدت إلى نفس المكان، وكانت لدي نفس المعلومات، لاتخذت نفس القرار، لأنني واثق أن القرار الذي أخذته كان صائباً".

وأمام رفضه "فرضية الكذب والخداع"، كشفت وثائق بريطانية أفرج عنها حديثاً "في مارس (آذار) 2023"، ونقلتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن لندن كانت واثقة من عدم صحة مزاعم امتلاك العراق أي قدرة على الحصول على أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى، قبل غزوه بعامين في الأقل، قائلة إن "بلير وبوش كانا متأكدين قبل الغزو بعامين من عدم قدرة نظام صدام على تطوير أسلحة محظورة"، بحسب ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

 

وتعد وثائق مجلس الوزراء البريطاني، التي أفرج عنها، الأولى من نوعها التي تثبت علم رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، توني بلير بخلو العراق من أي قدرات لامتلاك أسلحة محظورة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة الصادرة قبل وبعد إخراج الجيش العراقي من الكويت في فبراير (شباط) عام 1991 في أعقاب عملية سميت "عاصفة الصحراء".

وبقي بلير متمسكاً بموقفه لسنوات بعد غزو العراق، رغم إبداء عدد من المسؤولين الأميركيين المبكر أسفهم حول القرار، إذ عبَّر وزير الخارجية الأميركي الراحل كولن باول، بعد عامين من الغزو وإسقاط النظام، عن ندمه على هذا خطابه بمجلس الأمن، مؤكداً أنه سيظل "وصمة عار في مسيرته السياسية". وقال "إنه فعلاً نقطة سوداء لأنني كنت أنا الذي قدمته باسم الولايات المتحدة إلى العالم، وسيظل ذلك جزءاً من حصيلتي".

وفي الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2008، أي قبل أسابيع قليلة من مغادرته البيت الأبيض، شكك الرئيس جورج دبليو بوش الابن نفسه في الأدلة التي قادت إلى غزو جيشه للعراق قائلاً: "أكثر ما ندمت عليه خلال الرئاسة هو فشل الاستخبارات في العراق، فكثير من الناس وضعوا سمعتهم على المحك وقالوا إن أسلحة الدمار الشامل سبب للإطاحة بصدام حسين"، وذلك بعد أن أدت الحرب على العراق إلى مقتل ما لا يقل عن 200 ألف مدني عراقي، ونحو 4500 جندي أميركي، فضلاً عن التداعيات الاقتصادية والاضطرابات السياسية وشيوع الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة بأسرها.

بلير وعملية السلام

بعد سنواته الـ10 (1997/2007) في 10 دوانينغ ستريت، لم تكن مهمة بلير كمبعوث خاص للرباعية الدولية للشرق الأوسط المعنية ببحث عملية السلام في المنطقة، أقل جدلية من سنوات حربه في العراق، وذلك بعد أن فشل في تحقيق تقدم على صعيد عملية السلام المعقدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وملاحقته اتهامات بالتحيز لتل أبيب، وانحصار دوره في التوسط لتخفيف القيود الأمنية الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين وإزالة الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.

وشغل بلير في 2007 منصب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط (تأسست في عام 2002 بغية لعب دور الوسيط في عملية السلام على المسار الإسرائيلي - الفلسطيني)، التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا. وبقي في منصبه حتى مايو (أيار) 2015، إذ تقدم باستقالته من منصبه وقتها، مع تعثر عملية السلام.

وطوال فترة توليه مهمة مبعوث الرباعية الدولية، تعرض بلير بانتظام للانتقاد بسبب غياب أي تقدم في عملية السلام حتى ولو لم يضطلع بأي دور رسمي في هذه المفاوضات، كما أُخذ عليه أيضاً إقامة علاقات سيئة مع السلطة الفلسطينية التي تتهمه بالانحياز لإسرائيل.

وفي إحدى شهاداته، وصف نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، بلير بأنه "يتحدث وكأنه دبلوماسي إسرائيلي، وكل همه هو عدم إغضاب الإسرائيليين، من ثم فإنه لا يسعى سوى لتسويق برامجهم ومشروعاتهم، فإذا كان هذا هو ما يفعله فإنه يكون عديم القيمة بالنسبة لنا".

المزيد من تقارير