فتحت الشرطة البريطانية بعد أيام من بدء العام الجديد تحقيقاً في قضية اعتداء جنسي تعرضت له فتاة مراهقة داخل "الميتافيرس" أو عالم الواقع الافتراضي، من قبل مجموعة من الذكور يشاركون في اللعبة نفسها بشخصيات اختاروها تسمى "أفاتار".
وحماية لخصوصية الفتاة القاصر لم تنشر السلطات في بريطانيا تفاصيل القضية، لكنها تثير كما غيرها من قضايا من نفس النوع جرت داخل عالم "الميتافيرس" خلال السنوات الماضية أسئلة تتعلق بتطبيق العقوبات على الاعتداءات التي تجري بين الشخصيات الافتراضية داخل العالم الافتراضي، بخاصة أن هذه الاعتداءات لا تقع على الجسد المادي للشخص ولا تقع رغماً عنه، وما زالت هذه القضايا محل بحث وجدال ضمن أطر الأنظمة القضائية حول العالم.
ولم تتعرض المعتدى عليها أو غيرها من الفتيات اللاتي اشتكين من مثل هذه الاعتداءات الافتراضية لأي إصابات جسدية، ولكن الفحوص الطبية والنفسية بينت أنهن عانين صدمة مماثلة لتلك التي تتعرض لها ضحية الاغتصاب الحقيقي. وقال ضابط في الشرطة الإنجليزية بعد الدعوى الجديدة إن "هناك تأثيراً عاطفياً ونفسياً على الضحية أطول أمداً من الإصابات الجسدية".
لكن المشكلة تتعلق في القوانين البريطانية التي ما زالت تعرف الاعتداء الجنسي بأنه فعل مادي يطاول جسد شخص آخر من دون رضاه، وفي الاعتداء الافتراضي لا تتوفر شروط اللمس المادي والجسدي.
وتتشارك معظم قوانين الدول الحالية في هذه الثغرات، إذ إن مثل هذه الحوادث تعتبر طارئة وحديثة على قوانين ما قبل "الميتافيرس". وهناك من يعتبر أن تلك التحقيقات تستنزف موارد الشرطة ولا ينبغي تخصيص الأجهزة القضائية من وقتها ومواردها المحدودة للتحقيق في جرائم اغتصاب تجري في عالم افتراضي يمكن للضحايا أن يتفادوا الاغتصاب بالخروج منه والتوقف عن اللعب، فيما معظم التحقيقات في حالات الاغتصاب الواقعية تنتهي بإغلاق الملفات ويفلت المعتدون من العقاب.
اعتداءات افتراضية بلا عقوبة
نشر باحثون أمضوا وقتاً في عالم "الميتافيرس" والواقع الافتراضي أن أنواعاً مختلفة من الاعتداءات باتت منتشرة في عوالم "الميتافيرس"، وعلى رأسها مشاعر الكراهية والعنصرية والتمييز الجنسي والأيديولوجي والعرقي والديني.
على سبيل المثال أصدرت مجموعة مراقبة الشركات غير الربحية SumOfUs تقريراً حول المنتج أو اللعبة الرائدة في عالم "الميتافيرس" وتسمى "عوالم الأفق"، التي تسمح بنشر رسوم كاريكاتيرية عنصرية ومعادية للمرأة على الإنترنت.
وتضمن تقرير المجموعة مقطع فيديو يصور كيف أدخل المستخدمون إحدى الباحثات إلى غرفة وشرعوا في التحرش بها، فيما وزع أحدهم مشروبات كحولية على رفاقه داخل العالم الافتراضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رداً على مثل هذه الشكاوى، أعلنت شركة "ميتا" أنها ستطور ميزة "الحدود الشخصية" التي تمنع الصور الرمزية الأخرى أو "أفاتار" من الاقتراب بشدة من جسم مستخدم آخر، بخاصة أن المستخدم في حال لمس أو تفاعل مع اللاعبين الآخرين تهتز وحدات التحكم بشدة، مما يخلق تجربة جسدية مربكة وقريبة من الواقع وقد تثير هلع اللاعب الذي تم لمس جسده الافتراضي.
وعلى رغم أن العمر الأدنى للمشاركين في العالم الافتراضي لا يجب أن يقل عن 18 سنة، فإن المستخدمين دون السن القانونية باتوا كثراً، إذ تبين أنه بإمكان الأولاد الذين يعرفون كيفية التلاعب بتاريخ الميلاد الدخول من دون عوائق ويختارون شخصيات لا تكشف هويتهم الأصلية.
كتب رئيس الشؤون الدولية في شركة "ميتا" نك كليغ أن المطالبة بمراقبة اللاعبين سيبدو كنوع من الوصاية الأبوية، لذلك ستقوم الشركة بالاستجابة للتقارير والشكاوى بدلاً من فرض شروط مسبقة. وتخضع "ميتا" منذ فترة طويلة للتدقيق من قبل المشرعين والقانونيين حول العالم، بسبب تعاملها مع المحتوى الإشكالي والانتهاكات على منصات الوسائط الاجتماعية.
انعدام التمييز بين الموجود وغير الموجود
في تحقيق لمجلة "علم النفس اليوم" حول نتائج انعدام التمييز بين الإنسان المادي بجسده ومشاعره مقابل الإنسان الافتراضي غير المحسوس الذي يمتلك مشاعر نختارها له، وجد أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي توسع الوجود البشري إلى مراحل جديدة، ليس فقط مكانياً ولكن وجودياً أيضاً. ورأى البحث أن إمكاناتنا الفردية أصبحت أكبر وأوسع مما كانت عليه قبل مئات آلاف السنين، فقد بات بإمكاننا أن نخلق أنفسنا ونحدد ما نريد أن نكون عليه.
ويرى بعض الباحثين أن حالة الإنسان الآن شبيهة بمرحلة انتقال البشر من عصر الهولوسين أو الفترة التي تلت العصر الجليدي الأخير إلى عصر الأنثروبوسين عندما حول البشر قدرات الطبيعة لمصلحتهم بعد استقرارهم بالزراعة وتربية الحيوانات، بمعنى أننا لم نعد ضد الطبيعة ولم تعد الطبيعة ضدنا، على حد تعبير بول كروتزن الحائز جائزة نوبل عام 1995، بل بتنا نقرر ما هي الطبيعة وماذا سنكون فيها داخل العوالم الافتراضية.
ويعتبر متابعون ومهتمون أن هذه القفزة الهائلة بعيداً من الحالة الطبيعية لجنسنا البشري يمكن اعتبارها تقدماً واغتراباً في الوقت عينه، أي نعمة ونقمة، وهي عملية تقدمية لأننا بتنا قادرين على إنجاز الأشياء التي لم تكن في مقدورنا إلا في عوالم الأساطير والأحلام، ولكن هذا التطور هو اغتراب أيضاً لأننا نترك إلى الأبد الحالة الطبيعية الفطرية التي نشأ الجنس البشري عليها، وكما لا يستطيع جيل الهواتف الذكية اليوم أن يتخيل الحياة من دون أدواته، فلن يتمكن جيل الواقع الافتراضي الهجين مستقبلاً من العودة إلى حياتنا التي نعيشها اليوم.
ظهر مصطلح "الميتافيرس" في عام 1992 في رواية الأميركي نيل ستيفنسون "حطام الثلج" الخيالية، التي يتحدث ويتواصل فيها البشر مع بعضهم بعضاً في بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد مماثلة للعالم الحقيقي بصورة مجازية.
يعتبر "الميتافيرس" اليوم الترند الأكثر انتشاراً في سوق التكنولوجيا العالمية، وتركز الشركات التي تطور "الميتافيرس" على بناء ابتكارات وميزات جديدة لتمكين المستخدمين من التفاعل مع بعضهم بعضاً. وكانت الشركة الأم للشبكة الاجتماعية "فيسبوك" أعلنت أنها تعمل على بناء وتطوير حاسوب عملاق يمكنه القيام بملايين العمليات في الثانية من أجل تشغيل عالم "الميتافيرس".
أما عن كيفية الوصول إلى عالم "الميتافيرس" فلا يوجد تطبيق واحد يسمى "ميتافيرس" يمكنك تحميله ثم فتحه، لأنه في الأساس عالم رقمي وأجزاؤه موجودة على منصات متعددة في صورة تطبيقات وألعاب مختلفة تتيح للمستخدمين القفز بداخلها والتواصل.