Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم على "نتفليكس" يهين الناجيات من الاعتداء الجنسي

قراءة في طريقة تصوير فيلم Luckiest Girl Alive العنف الجنسي، بعدما لقي انتقادات لعدم تضمنه تنبيهاً للمشاهدين

الفيلم من بطولة ميلا كونيس، وهو مقتبس من رواية حققت مبيعات خيالية تحمل الاسم نفسه من تأليف جيسيكا نول (غيتي)

يكفي أن يرمش جفنا مشاهد فيلم Luckiest Girl Alive على "نتفليكس"، كي تفوته الإرشادات الصغيرة عن المحتوى في بداية أحدث دراما تعرضها خدمة البث التلفزيوني. ويمكن اعتبار هذا بمثابة تحذير جدي. فمنذ إطلاقه يوم الجمعة الماضي، تعرضت "نتفليكس" لانتقادات بسبب مفاجأة مشاهديها بمقاطع وحشية من العنف الجنسي، في عمل تم تسويقه على أنه فيلم إثارة يعكس أهمية تمكين المرأة والاحتفاء بها المتمثل في مصطلح "غيرل بوس" أو (الفتاة المديرة)  #GirlBoss. إلا أن المقطع الدعائي للفيلم، الذي يشمل في خلفيته الصوتية عزفاً متتالياً على مفاتيح البيانو يطلق العنان لانسياب الأوتار، في وقت تجول فيه رئيسة تحرير مجلة في مختلف أنحاء مدينة نيويورك مرتدية حزام "غوتشي"، لا يتضمن كثيراً من المحتوى لجهة التنبيه إلى بربرية المشاهد التي يعرضها في وقت لاحق. لكن عندما تشاهدون الفيلم، سترون أن هذه ليست المشكلة الوحيدة فيه.

الفيلم من بطولة ميلا كونيس، وهو مقتبس من رواية حققت مبيعات خيالية تحمل الاسم نفسه من تأليف جيسيكا نول. ويحكي قصة آني فانيلي الصحافية التي حققت نجاحات كبيرة في سيرتها المهنية، بعدما كانت عانت من أحد أكثر حوادث إطلاق النار دموية في تاريخ المدارس في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، تحاول الفتاة البالغة من العمر 28 سنة، إعادة اكتشاف نفسها لتصبح امرأة ناجحة في مدينة نيويورك مع خطيبها الثري. إلا أن كل ما تقوم به يتعرض للخطر عندما يبدأ أحد العاملين في التوثيق التحقيق في ماضي آني، ليكشف عن تعرضها لتنمر حاد في مدرستها على يد بعض ضحايا إطلاق النار. لكن الجانب الأكثر ترويعاً يتمثل في تعرضها لاغتصاب جماعي.

هذه الانتهاكات تم تصويرها لنا كاملة من دون أي تضمينات أو إيحاءات. فقد تعرضت آني للاغتصاب من جانب ثلاثة من زملائها في صفها المدرسي، بمن فيهم صديقها ليام. أما الاغتصاب الثالث والأخير فكان الأصعب من حيث المشاهدة. فقد لاحظت آني أنها تنزف، وبعد محاولتها الحصول على بعض من الماء، ألقى دين الشاب المتنمر في المدرسة بها على السرير، وقام باغتصابها فيما كانت تصرخ وتكرر القول "لا" و"توقف" مرات عدة، حتى تمكنت في نهاية المطاف من إبعاده عنها والفرار.

اللحظات تلك تعد مأساوية للغاية، خصوصاً لجهة عدم توقعها من جانب المشاهدين الذين لم يقرأوا رواية جيسيكا نول. ولهذا السبب كان مفاجئاً عدم وجود تنبيه مناسب إلى المحتوى في بداية الفيلم، ما حدا ببعض النساء الناجيات من الاعتداء الجنسي إلى التعبير صراحة عن انتقاداتهن له. صحيح أن خدمة البث التلفزيوني تشير باختصار إلى أن فيلم  Luckiest Girl Alive يتضمن "عنفاً جنسيا" و"تهديداً"، في الجزء العلوي من الشاشة لدى بدايته، لكن عدداً من مشاهديه قالوا إن ذلك لم يكن كافياً نظراً إلى وحشية مشاهد الاغتصاب.

كيارا تشارتريس المؤسسة المشاركة لموقع  I Am Arla - وهو منصة على الإنترنت للناجيات من الصدمات - تقول "فوجئت بالمشاهد المعروضة التي لم أكن مستعدة لها على الإطلاق. إنه يتعارض مع العمل الذي أقوم به، ليس فقط بصفتي إحدى الناجيات، ولكن كإنسانة، كي أتمكن من اتخاذ خيار عملي في شأن ما إذا كنت مستعدة لمشاهدة حوادث صادمة على الشاشة أم لا". وبعدما نشرت رأيها في هذا الإطار على وسائل التواصل الاجتماعي، تلقت تشارترس فيضاً من ردات الفعل من زميلاتها الناجيات اللاتي وجدن أن الفيلم صعب المشاهدة بالمقدار الذي عبرت هي عنه.

أما جاين باتلر الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "ريب كرايسيس"  Rape Crisis الخيرية (تساعد ضحايا العنف الجنسي والاغتصاب) فترى أن "من الأهمية بمكان أن يتمكن المشاهدون من اختيار ما إذا كانوا يريدون  مشاهدة فيلم من شأنه أن يؤثر في صحتهم وسلامتهم. إن أي تجسيد للعنف الجنسي في وسائل الإعلام، وعلى وجه الخصوص من خلال الصورة، يمكن أن يكون صادماً للغاية بالنسبة إلى الضحايا والناجيات، ولا يزال عدد منهن يتعامل مع الآثار السلبية لتجاربهن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبمعزل عن مسألة عدم التنبيه المسبق لتلك المشاهد القاسية في الفيلم، فإنه يعتبر عملاً معقداً يتعين انتقاده لأسباب عدة. الأول هو أن كاتبة الرواية نول نفسها كانت قد تعرضت لاغتصاب جماعي من جانب ثلاثة من زملائها في إحدى حفلات الكلية الثانوية، وتحدثت عن طريقة استيحاء الكتاب من تجاربها الخاصة، مع العلم أنها أعدت هي أيضاً سيناريو خاص لإنتاج الفيلم. ومن خلال التسجيل الصوتي لنول ومجموعة خبراتها الخاصة التي يتضمنها، كانت لديه فرصة ليكون عملاً سينمائياً مهماً ومؤثراً بشكل فريد لجهة تعزيز الوعي بالعنف الجنسي والتعقيدات الجسدية والنفسية التي غالباً ما تحيط به. كان من الممكن أن يؤدي إلى إثارة مقدار أكبر من التعاطف مع الناجيات في وقت بات شبه غائب في كثير من الأحيان، ولا سيما بين المشرعين في بلاد لم يفلح فيها إلا 1 في المئة فقط من قضايا الاغتصاب التي سجلتها الشرطة في عام 2021  في توجيه اتهامات إلى مرتكبيها في ذلك العام، ناهيك بالإدانة. كان بإمكانه أن يخدم قضية نبيلة.

ومع ذلك، فإن الفيلم أخطأ في إصابة الهدف بطريقة ما، ففيما كانت هناك بعض اللحظات الفارقة التي نرى فيها كيف يتم إلقاء اللوم على آني الضحية والطريقة التي أثر بها الاغتصاب سلباً في حياتها الجنسية كإنسانة بالغة، نجد أن حادثة إطلاق النار في المدرسة قد طغت عليها، واختطفت منها السردية الأساسية التي انتهى بها الفيلم. تقول تشارتريس "إذا كان المشاهد شخصاً لم يسبق له اختبار إحدى تجارب الناجيات، فإنني أخشى أن يتم تغييب نقطة النقاش الأساسية التي تشكل الهدف الرئيس من إنتاج هذا الفيلم، التي غابت في ظل المشاهد الدرامية والصادمة التي تضمنها، وفقدت صداها وسط الضجيج الطاغي للسيناريو العدواني والمبالغ به"، على حد تعبيرها.  

علاوة على ذلك، فإن مشاهد الاعتداء الجنسي مروعة للغاية لدرجة أنها تغذي الصورة المضللة والنمطية بأن الاغتصاب دائماً ما يكون عنيفاً جسدياً، وفي منطق الأبيض والأسود، في حين أن الواقع غالباً ما يكون رمادياً، وكثير من الناجيات منه يكن في حيرة مقلقة حيال ما إذا كانت تجربتهن "تعد" اغتصاباً أم لا. مع ذلك، يتم تصوير الاغتصاب الذي تعرضت له آني على أنه حقيقة. من المؤكد أن العنف هو أمر مروع لكنه لا يعكس واقعاً غالباً ما يتسم فيه العنف الجنسي بحالات من الغموض. ومن إحداها حالة تجد فيها الناجيات أنفسهن في موضع تساؤل عن قدرتهن على استعادة ذكريات الحادثة لسنوات طويلة، أو ربما طوال حياتهم. لأنه ربما، على عكس آني، لم يتمكنوا من فهم ما كان يحدث على الفور. ربما لم يركلوا ويصرخوا. فهن ربما لم يقمن بركل المعتدين أو لم يتمكن حتى من الصراخ، والصياح بكلمة "لا".

في المقابل يجب ألا يبطل أي من ذلك حقيقة ما حدث لهن. لكن في نظر الأشخاص الذين ليس لديهم أي مستوى من الفهم في شأن العنف الجنسي، وهو أكثر مما تعتقد، فمن المحتمل أن يحدث ذلك. وإذا أردنا أن نصنع أي فارق بسيط في عالم تتعرض فيه امرأة من كل أربع نساء للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، فلا بد من أن نأخذ في الاعتبار الثقافة الشعبية التي تؤثر في هؤلاء الأشخاص لدى تصويرها للاغتصاب.

حتى في السنة 2022، أي بعد نحو خمس سنوات من الحملة الإلكترونية الواسعة التي حملت وسم #MeToo، كان هناك عدد قليل جداً من المشاركات التي تعالج موضوع العنف الجنسي على نحوٍ مناسب في جوانبه المعقدة والحساسة. وفي هذا الإطار، يبرز فيلم ميكاييلا كولز الذي يحمل عنوان I May Destroy You كإنجاز فني فريد من نوعه، لأنه يلتقط على نحو مثالي الأشكال المختلفة التي يمكن أن يتخذها العنف الجنسي، وبذلك يثير محادثات صعبة إنما حيوية لتحدي المشاهدين وتحقيق التغيير.

لا شك في أن فيلم  Luckiest Girl Alive سيقدم عزاء بالنسبة إلى بعض، بحيث يظهر للمشاهدين إلى أي مدى يمكن أن تدوم الآثار النفسية المترتبة عن الاغتصاب. ولكن في عالم يعتقد فيه أربعة من كل 10 أشخاص أن الناجيات اللاتي غازلن المعتدين عليهن مسؤولات جزئياً عن تعرضهن للاغتصاب، فإن الحقيقة القاتمة هي أنه ببساطة لا يكفي تغيير المفهوم الذي يكونه الأشخاص عن العنف الجنسي. على الأقل ليس بالطريقة اللازمة لمنع حدوثه. وبدلاً من ذلك، فإن مشاهد مثل هذه يمكن أن تساهم فقط في تعزيز المفاهيم المغلوطة والإشكالية السائدة حول الاغتصاب، وأن تؤدي إلى عزل الناجيات اللاتي لا تتناسب تجربتهن مع القوالب الصغيرة التي يتم تحديدها لهن. ناهيك عن تأثير مشاهدتهن بشكل غير متوقع، في بداية ما كان يعتقد أنه مجرد فيلم آخر ممتع للممثلة ميلا كونيس.

إشارة أخيراً إلى أن "اندبندنت" تواصلت مع "نتفليكس" للتعليق على ما ورد في هذا الموضوع.

تقدم جمعية  Rape Crisis الدعم للمتضررات من الاغتصاب والاعتداء الجنسي. يمكن الاتصال بها على الرقم: 0808 802 9999  في إنجلترا وويلز، وعلى الرقم: 0808 801 0302 في اسكتلندا، وعلى الرقم: 0800 0246 991  في إيرلندا الشمالية، أو زيارة موقع الإلكتروني: www.rapecrisis.org.uk. أما في الولايات المتحدة، فيمكن الاتصال بجمعية Rainn على الرقم: 800-656-HOPE (4673)

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 11 أوكتوبر 2022.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما