Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البرهان يرفض الصلح مع قوات الدعم السريع

تواصل المواجهات في عدد من جبهات القتال وجدل سوداني حول تحركات الأطراف المدنية والعسكرية لوقف الحرب

قائد قوات الدعم السريع محمد دقلو في زيارة لرئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا في مقر إقامته الرسمي في بريتوريا (أ ف ب)

ملخص

دعا حمدوك قائد الجيش السوداني لاغتنام الفرصة التي لاحت لإيقاف الحرب

 رفض قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان اتفاقاً تم توقيعه بين قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية وجماعات سياسية، وتعهد بمواصلة الحرب المستمرة منذ تسعة أشهر، وذلك في خطاب ألقاه أمام القوات اليوم الجمعة.
وقال "كل السودان وكل العالم رأى الجرائم القبيحة والبشعة التي ارتكبها المتمردون وأعوانهم في ولاية غرب دارفور. وكل العالم شهد بأن هذه القوات المتمردة ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ولاية غرب دارفور وفي كل بقاع السودان". وأضاف "لذلك نحن ما عندنا صلح معاهم. ما عندنا اتفاق معاهم".
من جهة أخرى، احتدم الجدل بين السودانيين حول ما يجري من تحركات لإنهاء الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان)، وذلك عقب لقاء تحالف القوى المدنية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك بقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" في أديس أبابا، وما نتج منه من اتفاق يلزم قوات الأخير بوقف الأعمال العدائية بشكل فوري وغير مشروط عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني.

ففي وقت يتطلع قطاع عريض من السودانيين، خصوصاً المتأثرين بالحرب، بأن يستجيب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إلى دعوة تنسيقية القوى المدنية "تقدم" بتحديد موعد ومكان اللقاء المباشر معها لاستكمال خطوات إنهاء القتال بين الطرفين المتحاربين، تعترض فئات أخرى غالبيتها من الإسلاميين على هذا اللقاء، وتبذل جهوداً لعرقلته باعتبار أن القوى المدنية سعت إلى إضفاء الشرعية على قوات "الدعم السريع" وقيادتها، وتجاهل انتهاكاتها التي ارتكبتها في مناطق سيطرتها.

في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر بين أنصار الحوار من أجل إيقاف هذه الحرب، وآخرين داعين لاستمرارها وحسمها عسكرياً، حث رئيس تنسيقية القوى المدنية عبدالله حمدوك القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان مجدداً على قبول طلب الاجتماع المباشر مع التنسيقية لوضع حد للحرب الطاحنة. ودعا حمدوك في منشور على منصة "إكس" قائد الجيش السوداني لاغتنام الفرصة التي لاحت لإيقاف الحرب والتي تم التعبير عنها في إعلان أديس أبابا الموقع بين "تقدم" و"الدعم السريع"، الذي أبدت فيه الأخيرة استعدادها التام لوقف غير مشروط للعدائيات عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة السودانية.

وواصل "هذه الفرصة للسلام يجب ألا نضيعها وأن نعمل وسعنا لوقف الحرب وبناء سلام مستدام في بلادنا الحبيبة، حيث نمد أيادينا نظيفة من غير سوء للوصول لحل سلمي تفاوضي، ونأمل أن تستجيب الأطراف المتقاتلة لذلك حتى نرفع المعاناة عن كاهل شعبنا، ونبني وطننا على أساس جديد يجعل حرب 15 أبريل آخر حروب السودان ليعقبها سلام مستدام".

دعم الحوار

في الأثناء، أكد قائد قوات "الدعم السريع" خلال لقائه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا استعداده لوقف الحرب، متهماً جهات بإشعال القتال والإصرار على ألا يتوقف. وقال دقلو على منصة "إكس"، "أجريت مناقشات مثمرة مع رامابوزا في شأن التطورات في السودان والحرب المستمرة، وشرحت أسباب اندلاع النزاع والجهات التي تقف خلفه والتي تدعم استمراره وحجم الدمار والتخريب المتعمد الذي طال البنى التحتية الأساسية وقتل وتشريد آلاف الضحايا من المدنيين بسبب قصف الطيران"، وأمل قائد "الدعم السريع" أن يقوم رئيس جنوب أفريقيا بدور يسهم في مساعدة الشعب السوداني لتجاوز هذه الأزمة لتحقيق الأمن والاستقرار واستدامة السلام في السودان، مبيناً أنه أكد رغبته "في إنهاء الحرب".

وأكدت رئاسة جنوب أفريقيا، في بيان، أن "الرئيس رامابوزا أعرب عن دعم بلاده للحوار الوشيك بين الجنرال دقلو والجنرال البرهان"، داعياً إلى "وقف فوري لإطلاق النار" و"وقف دائم للأعمال العدائية".

وكان قائد قوات "الدعم السريع" قد جال على كل من أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا. ويقوم دقلو بهذه الجولة في وقت تكثف الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد" جهودها لحمل قائدي الجيش السوداني و"الدعم السريع" على التفاوض.

احتجاج لكينيا

إلى ذلك، استدعت حكومة الخرطوم سفيرها لدى نيروبي للتشاور احتجاجاً على استقبال الرئيس الكيني وليام روتو قائد قوات "الدعم السريع". وأوضح وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، في بيان، لوكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا" أن "السودان استدعى سفيره في نيروبي للتشاور احتجاجاً على الاستقبال الرسمي الذي نظمته الحكومة الكينية لقائد ميليشيات التمرد لدى زيارته إليها"، وزاد الصادق أن "التشاور مع السفير سيغطي كل الاحتمالات لمآلات علاقات السودان مع كينيا التي ظلت، منذ اندلاع الحرب الغادرة، تستضيف قادة التمرد وداعميه، فضلاً عن التآمر مع القوى الإقليمية المعادية ضد السودان".

وتشهد العلاقات بين السودان وكينيا توتراً، منذ أشهر، إذ اتهمت الخارجية السودانية نيروبي مراراً بالانحياز إلى قوات "الدعم السريع".

تفكك الدولة

وحول ما يجري من جهود وتطورات في المشهد السوداني في شأن إنهاء هذه الأزمة، قال المتخصص في شأن الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية حسن بشير محمد نور "بالتأكيد أن تنسيقية القوى المدنية السودانية (تقدم) قدمت نفسها في حراكها الأخير بشكل لا يمكن تجاوزه، إذ ظهرت بصورة أقوى وأشمل من مجموعة الاتفاق الإطاري السابق بحكم وجود رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك الذي يجد قبولاً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي، ووسط المنظمات الدولية الفاعلة، وأكبر دليل على ذلك ترحيب مجموعة (إيغاد) به من خلال استقبال رئيس دورتها الحالية إسماعيل عمر جيلي له في العاصمة جيبوتي". وتابع محمد نور "كذلك لقاء القوى المدنية السودانية قائد (الدعم السريع) أعطى دفعاً كبيراً لجهود إيقاف الحرب في السودان، وأظهر القوى المؤيدة للحرب في موقف ضعيف ومعزول على المستويين الإقليمي والدولي، لأن لا أحد يناصر استمرار الحرب، من ثم فإن دعوة (تقدم) لطرفي القتال للاجتماع بهما لمناقشة الترتيبات والآليات الخاصة بوقف هذا الصراع هو اتجاه عملي ابتداءً من وقف إطلاق نار دائم، وفتح مسارات آمنة للمواطنين، وتقديم الإغاثة للمحتاجين، والشروع في المسار السياسي لبحث كل القضايا المتعلقة بالحكم المدني وإنهاء النزاعات في البلاد، إضافة إلى الجوانب الخاصة بتحقيق العدالة والتحقيق في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت في الحرب والعدالة الانتقالية وصولاً لتعويضات المواطنين وإعادة الإعمار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف "أما مسألة دعاة الحرب والتحشيد الشعبي فهو موضوع في غاية الخطورة، ويدل على تفكك مؤسسات الدولة وانهيارها وعجزها في الجوانب الأمنية والعسكرية، فالدولة هي المسؤولة عن أمن المواطن وحماية ممتلكاته، وليس العكس، وهذا ما ظهر عندما تراجع الجيش وانسحب من ولاية الجزيرة قبل أسبوعين وتمدد (الدعم السريع) في تخوم ولايات سنار والقضارف والشمالية، ومن ثم، فإن حمل المواطن السلاح وتطبيقه القانون بنفسه إجراء ليس في محله لأنه قد يقود إلى حرب، ويمكن أن يسهم عند الوصول للسلام في زعزعة الأمن وانفراطه لفترة طويلة الأمد".

ومضى المتخصص في شأن الاقتصاد السياسي قائلاً "هذا التحشيد يعد من المقدمات الأساسية للحرب الأهلية، لذلك استجابة قائد الجيش السوداني لمقابلة (تقدم) ضرورية لأنه يمثل الطرف الثاني في الحرب، ومعلوم أن الطريق الوحيد لإنهاء أي قتال يكون عبر الحوار والتفاوض والبديل عنهما هو الحرب، فالأمل معقود على استجابة البرهان لصوت العقل للقاء حمدوك وحميدتي لضمان سلام مستدام وإنهاء الحرب بمعالجة جذورها".

المعارك العسكرية

ميدانياً، تواصلت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في عدد من جبهات القتال بمدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، حيث شن الأول غارات جوية، فضلاً عن إطلاقه صواريخ عدة من منصاته صوب مواقع تمركز الأخيرة حول سلاح المدرعات وأحياء الصحافة وجبرة بجنوب العاصمة.

وبحسب شهود، فإن طيران الجيش قصف أيضاً تجمعات لـ"الدعم السريع" بمناطق شرق النيل وجنوب الحزام، بينما ردت الأخيرة بإطلاق قذائف مدفعية باتجاه محيط القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم وسلاح الإشارة ببحري، وسمع دوي انفجارات قوية وتصاعد لأعمدة الدخان بتلك المناطق.

وساد الهدوء الحذر جبهات القتال بمدينة ود مدني والجهة الغربية لمدخل مدينة سنار التي تشهد توتراً عسكرياً منذ سيطرة قوات "الدعم السريع" على مدن وقرى ولاية الجزيرة.

وتتواصل تدفقات النازحين من ولاية الجزيرة نحو ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف ونهر النيل، في وقت يواجه هؤلاء ظروفاً إنسانية صعبة بسبب ازدحام مراكز الإيواء بأعداد كبيرة منهم، في ظل شح الخدمات والمواد الغذائية التي تقدم لهم من قبل المنظمات والمتطوعين بالمراكز، كما شهدت أسعار الإيجارات في تلك الولايات ارتفاعاً غير مسبوق.

انتهاكات مروعة

دولياً، أشار منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة مارتن غريفيث إلى أن حرب الخرطوم دفعت بالسودان إلى دوامة تزداد تدميراً يوماً بعد يوم، إذ تتعمق المعاناة الإنسانية فيما يتقلص وصول المساعدات ويتضاءل الأمل مع توسع النزاع. وأوضح غريفيث، في بيان، أن العنف المتصاعد في السودان يعرض الاستقرار الإقليمي للخطر، مضيفاً أن الحرب أطلقت العنان لأكبر أزمة نزوح في العالم، إذ شرد أكثر من 7 ملايين شخص، عبر نحو 1.4 مليون منهم إلى دول الجوار التي تستضيف بالفعل أعداداً كبيرة من اللاجئين. وأضاف "لقد عانى الشعب السوداني عام 2023 أشد أنواع المعاناة، ومن الضروري أن تقوم أطراف النزاع بثلاثة أمور لإنهاء معاناته على الفور، ولا سيما حماية المدنيين، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، ووقف القتال".

وحض المسؤول الأممي المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية لوقف القتال وحماية العمليات الإنسانية الرامية إلى تقديم المساعدات إلى ملايين المدنيين، لافتاً إلى أن النزوح الجماعي الحالي يمكن أن يؤدي إلى الانتشار السريع لتفشي الكوليرا في ولاية الجزيرة حيث يوجد أكثر من 1800 حالة مشتبه فيها هناك حتى الآن.

ودان غريفيث عمليات نهب المستودعات والإمدادات الإنسانية في مدينة ود مدني بوصفها مركزاً لعمليات الإغاثة، مما يمثل ضربة قوية لجهود الأمم المتحدة في تقديم الطعام والماء والرعاية الصحية وغيرها من المساعدات الحيوية، لكنه أشار إلى أن عملية المساعدات عبر الحدود من تشاد لا تزال تمثل شريان حياة لسكان دارفور، موضحاً أن الجهود المبذولة لإيصال المساعدات إلى أماكن أخرى معرضة للتهديد بشكل متزايد.

وسيحتاج ما يقارب 25 مليون شخص في أنحاء السودان إلى المساعدات الإنسانية في عام 2024، إلا أن تكثيف الأعمال العدائية يمنع الوصول إلى غالبيتهم، وقد توقفت عمليات إيصال المساعدات عبر خطوط النزاع.

المزيد من متابعات