Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيدات البطاطس يصدّرن منتجات غزة إلى العالم

مشروع مخصص لتشغيل اليد العاملة النسائية ودعم الاقتصاد ومكافحة البطالة

عاملات يشرفن على خط تقطيع حبات البطاطس (اندبندنت عربية)

عند السابعة صباحاً يقرّع جرس المنبه، معلناً حلول موعد المهمة التي تكفلت بها ريهام المدهون، ألا وهي إيقاظ زميلاتها لتجهيز أنفسهن، استعداداً لبدء يوم آخر من العمل داخل مصنع البطاطس المخصص للعاملات فقط، لمساعدتهنّ على تأمين مصدر دخل لهنّ في مجتمع يعاني تفشي البطالة. يبدأ العمل عند الساعة الثامنة صباحاً، وعادةً ما تكون ريهام المدهون أوّل مَن يصل إلى المصنع، فهي الإدارية والمسؤولة عن العاملات، ثم تصل العاملات تباعاً... التحية الصباحية بينهنّ ليست عادية، إذ ترمي كلّ منهنّ حبّات من البطاطس على الأخرى ممازحةً قبل بدء العمل الفعلي.

الفكرة

وكانت فكرة إنشاء مصنع البطاطس عبارةً عن حلم يراود مجموعة فتيات. وتقول ريهام عن البداية إن "الفكرة تتمثل في توفير فرصة عمل للخريجات الجامعيات بغض النظر عن طبيعة العمل، ثمّ توالت الاقتراحات، حتى جاءت فكرة إقامة مصنع البطاطس".
لم يبقَ الأمر مجرد فكرة، بل توجهت الفتيات إلى جمعيات زراعية متخصصة، أبرزها "الجمعية التعاونية الزراعية"، التي وافقت على الفكرة وأشرفت على إنشاء مصنعٍ صغير لتفريز البطاطس، تشغّله نساء.
وتقوم فكرة عمل المصنع على مبدأ شراء محصول البطاطس من المزارعين، بالحد الأدنى من السعر. وتوضح ريهام أن "ذلك يهدف إلى دعم المزارع الفلسطيني الذي يتكبد خسائر كبيرة، بسبب تدني سعر البيع في السوق، ونساعده من خلال شراء المنتج منه".

خط الإنتاج

وبعد شراء البطاطس من المزارعين، تكون الفتيات في انتظار المحصول، وعندما تصل الكميات إلى المصنع المجهز بأدواتٍ تكنولوجيةٍ متواضعة، تدخل الحبة الواحدة ضمن خط إنتاج متواصلٍ، تشرف عليه العاملات اللواتي وزّعنَ أدوارهنّ بشكلٍ منتظم وتكاملي. وتبدأ رحلة الإنتاج، من عملية فرز حبّات البطاطس، التي يتمّ خلالها الاستغناء عن الثمار غير الصالحة للاستخدام. وتُجمّع بعدها تلك الحبّات في أحواضٍ كبيرة لغسلها، ثمّ تدخل مرحلة التقشير، التي تكون يدويةً أحياناً. وتقول ريهام إنّ ذلك يكون وفقاً لمواصفات ومقايس فلسطينية وضعتها وزارتَا الزراعة والاقتصاد.
وبعد التقشير، تدخل البطاطس في مرحلة التقطيع الذي يتمّ بواسطة أدوات كهربائية، وتشرف عليه فتاتان، الأولى تزيل القطع الصغيرة، والثانية تعمل على غسل القطع المتبقية، استعداداً لوصول الحبات إلى مرحلة التغليف في أكيّاس مخصّصة، طُبع عليها أن العملية تمّت بأيدي نساء فلسطينيات. لكن عملية التغليف ليست آخر مرحلة تقوم بها الفتيات، بل هناك فريق مخصص للإشراف على عمليات البيع للمطاعم المنتشرة في محافظات القطاع، والأسواق المحلية، فيما يُخصّص جزء من المنتج للتصدير.

بطاطس "فريش"

يحوّل المصنع حبّات البطاطس إلى شرائح يتمّ قليها في المطاعم وتُقدَم إلى الزبائن، أو تدخل في أصناف عدة من الطعام. وتُصنَف منتجات المصنع إلى نوعين، الأوّل هو البطاطس الطازجة "فريش" وهي سريعة التصريف، ويتمّ بيعها في السوق المحلي. أما النوع الثاني، فهو البطاطس المجمدة، ذات العمر الأطول، والتي تُصدَّر إلى الخارج، أو تُخزَن في ثلاجات عملاقة لاستخدامها في غير موسم البطاطس، وتكون فترة صلاحيتها سنة كاملة. وتشير ريهام إلى أن "المصنع يسمح بالاكتفاء الذاتي من البطاطس التي تمّ تفريزها وتغليفها، وبالتالي لن يكون هناك استيراد إلى السوق المحلي، ما يعني تنشيط عملية دعم المنتجات الوطنية، في إطار تقوية الاقتصاد الفلسطيني".

للنساء فقط

تعمل في هذا المصنع 10 نساء، معظمهنّ خريجات جامعيات، قسم منهنّ يعلنَ أسرهنّ. وتقول ريهام إن "الهدف هو تحسين دخل النساء في المجتمع الفلسطيني، وتوفير فرصة عمل للفتيات الجامعيات". وتعمل الفتيات عادةً مدة تصل إلى 8 ساعات يومياً، قد تكون في الفترة المسائية، إذ تشير ريهام إلى أن المصنع يعمل وفقاً لجدول ساعات وصل الكهرباء، وعادةً ما تتجاوز ساعات قطع التيار في غزة 20 ساعة متواصلة. وتتقاضى الفتيات رواتب متدنية، إذ يُحسب أجرهنّ بالساعات، وتجني كل واحدةٍ منهنّ 1.5 دولار أميركي مقابل كل ساعة عمل. وتوضح ريهام أن تلك القيمة تأتي منسجمةً مع قانون العمل الفلسطيني. وبحسب لوائح فكرة المشروع فإنّه مخصص للنساء فقط ولا يعمل فيه الرجال، وأوضحت ريهام أنّ الهدف من ذلك هو تعزيز دور المرأة في المجتمع، وزيادة نسبة مساندتها للرجل، وتفعيل الحقوق التي تنصّ على حرية النساء في العمل.

خطة التطوير

وتحدثت ريهام عن تطوير المشروع فقالت إنه "عندما عمل المصنع، كنا نعتمد على ثمار البطاطس المحلية، ولكن بعد تطوير العمل، استوردنا شتلات أصناف جديدة من الدول الأوروبية، وغرسناها في غزّة، وبالفعل نضجت الثمار".
وتعاقدت الفتيات مع مزارعين في غرس شتلات البطاطس، في خطوةٍ من شأنها دعم المزارع الفلسطيني وحمايته من أي خسارة محتملة أثناء تسويق محصوله، في ظلّ الكساد الكبير في السوق المحلي، نتيجة تردي أوضاع المواطنين الاقتصادية، بسبب تقليص نسبة رواتب الموظفين الحكوميين سواء التابعين للسلطة الفلسطينية أو حكومة حركة "حماس". واعتمد المزارعون 11 صنفاً جديداً كحقل تجارب للمصنع، واستقر بعد ذلك العمل على ثلاثة أصناف مميزة، تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق المحلية والعالمية. وينتج مصنع التفريز في كل موسم نحو 250 طناً للبطاطس التي تنمو مرتين في العام.

عملية التصدير

في إطار تطوير عمل المصنع، تواصلت الفتيات مع دول عربية عدة، وافقت على استيراد البطاطس الفلسطينية الخام. وتقول ريهام "صدرنا كميات كبيرة إلى دولة الكويت، ووضعنا خطة لتصدير البطاطس بعد التفريز إلى دول عربية وأوروبية أخرى". وأشارت إلى أن "المصنع يُعد حلقة تكاملية تتمثل في شراء البطاطس من المزارعين لدعمهم مالياً، ثمّ دخولها إلى خط إنتاج يعمل على توفير فرص عمل للنساء لتحسين مستوى دخل أسرهنّ، ثم بيعها في الأسواق المحلية كخطوة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ثمّ عملية التصدير كخطوة لدعم تطوير الاقتصاد الفلسطيني".

المزيد من تحقيقات ومطولات