Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لحرب غزة مأساة أخرى تحكيها تجاعيد المسنين

نزحوا إلى رفح مشياً ومشاهد التدمير والقتل جعلتهم يخجلون من طلب الطعام أو العلاج

ملخص

كيف يعيش كبار السن في غزة أيام الحرب؟

على باب خيمة إيوائها تجلس الجدة نعيمة القرفصاء، وتحمل بيدها جهاز راديو صغيراً تقربه من أذنها اليمنى، وتنصت لكل كلمة يقولها المذيع أو ضيوفه، فهي تتابع من كثب أخبار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

تتغير ملامح الجدة التي تبلغ من العمر 85 سنة، بحسب الأخبار التي تسمعها، لكنها تبدو دائماً عاقدة الحاجبين يائسة، وينتابها الخوف باستمرار، كثيرة السؤال نعيمة فعندما ترى أي صحافي تستفسر منه عن ورود أي معلومات جديدة حول وقف الحرب التي لم ترَ لها مثيلاً في حجم الدمار والموت.

قطعة من جهنم

تصف الجدة نعيمة وهي ضعيفة البنية الجسدية أيام الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها قطعة من جهنم، عاشت خلالها رعباً تؤكد أنه غير مسبوق، ولم تعشه حتى عند هجرتها من بئر السبع عام 1948.

 

 

"ليل الحرب مرعب، وفي كل يوم أشعر بأن الموت يقترب منا"، تقول الجدة التي تبدو عليها تجاعيد كثيرة حول عينيها، وبسبب هذه الأجواء التي تعيشها فقدت شهيتها للطعام والشراب، وانتابتها صدمات نفسية صعبة.

تخاف الجدة نعيمة من الليل، وعادة ما تتناول أدوية تساعدها على النوم، وعلى رغم ذلك فإن الأرق لازم عينيها، تضيف "لا أعرف طعم النوم، سوى لحظات قليلة أغمض جفني فيها خلال ساعات النهار، حين ألاحظ خفض حدة القتال في تلك الأثناء".

مشاهد مؤلمة

ترى في لحظات غفوتها كوابيس وترجع السبب إلى ما رأته من مشاهد، لم تتمالك الجدة نفسها وبكت بألم عندما قالت "رأيت المنازل منهارة فوق رؤوس ساكنيها، ونظرت في عيون رجال الدفاع المدني وهم ينتشلون أطفالاً ونساءً من تحت الركام".

إنسانة بطبعها نعيمة وتتألم لكل إنسان يفقد روحه في غارة إسرائيلية، وتشعر بأن كل منزل يدمر هو منزلها وكل شخص يسقط ضحية بأنه ابنها، ضربت الجدة كفاً بكف ومسكت عكازها الخشبي وغادرت، حتى قبل أن ننهي اللقاء معها.

 

 

ظهر معظم المسنين أنهم ليسوا منعزلين عما تعيشه غزة، على رغم انشغالهم في مرضهم وتدبر أمور حياتهم، ويعيش في القطاع 130 ألف مسن (فوق 60 سنة)، وهؤلاء يشكلون نسبة خمسة في المئة من إجمالي السكان، ونحو 70 في المئة يعانون أمراضاً مزمنة، بحسب ما أورده جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية).

نزوح صعب

بصوت خافت يقول الجد ميسرة "أنا رجل مسن لا أكاد أقوى على الحركة، والحياة التي نعيشها اليوم تحتاج إلى شباب ليتمكنوا من تدبر الطعام، وكما ترى لا يوجد لي أبناء فأنا لم أنجب أحداً وأعيش مع زوجتي وهي الأخرى ضعيفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مريض الجد ميسرة بالقلب، وعمره (77 سنة)، ويحتاج إلى أدوية ومتابعة صحية. ويضيف "أصبحت أخجل أن أذهب إلى المستشفى، هناك آلاف الجرحى، وأولى مني في متابعة حالاتهم، دعني أصارحكم، لا أستطيع التحرك من مكاني، ومن الصعب عليَّ بذل مجهود بالمشي إلى المراكز الصحية لأخذ أدويتي فمنذ الحرب لم أتناول حبوب العلاج".

نزح ميسرة من بيت حانون في شمال غزة إلى رفح أقصى الجنوب، وقطع الطريق مشياً، يوضح أنه أخذ يبحث عن كرسي متحرك لأيام ولم يجده، ولذا اضطر إلى الاستراحة مئات المرات، ولم يترك بيتاً ولا شارعاً إلا وأخذ فيه قسطاً من الراحة. ويؤكد أن ذلك سبب له مضاعفات صحية وبات يشعر بأنه الضحية المقبلة في الحرب.

في الواقع يعد كبار السن الفئة الأضعف والأصعب من بين الجميع، إذ يعاني معظمهم المرض والشيخوخة ويحتاجون إلى رعاية فقدوها في ظل الحرب التي عاشوا أهوالها، وتسببت في زيادة عذاب أجسادهم التي تعاني الوهن أساساً.

دخول الحمام 

منذ أيام لم ترفض رسمية (66 سنة) أن تتناول الطعام، وتبرر ذلك بالقول "إذا أكلت سأدخل الحمام، وهذا سيسبب لي الإحراج، لأنه يفرض عليَّ الانتظار لساعات في طابور طويل، وأنا لا أقوى على ذلك لأنني أعاني مرض السكري".

 

 

باتت رسمية كالهيكل العظمي، إذ يغطي جلدها عظامها، وفقدت كثيراً من وزنها خلال أسابيع الحرب، تضيف "تنتشر التسلخات في أنحاء جسدي وكأنه يتآكل وأنا على قيد الحياة، لكن ما باليد حيلة".

تدرك رسمية أنها في حاجة إلى طعام قبل تناول جرعة الأنسولين التي أوقفتها من دون استشارة طبيب، تضيف "بعد أخذ جرعة الأنسولين لا يمكن تحمل الجوع، فمرض السكري قائم بشكل أساس على الطعام، لكن ما أجده أحياناً كسرة خبز فقط".

آثار نفسية 

يقول استشاري طب المسنين فؤاد نجم "تراجع كبار السن عن سلم أولويات المسؤولين عنهم، في ظل انهيار القطاع الصحي، كما أن الحرب تركت فيهم آثاراً نفسية صعبة، ومع تزاحم الأولويات يعد مجرد التفكير لتوفير الصحة النفسية للمسنين ضرباً من الرفاهية".

 

 

ويضيف نجم "يحظى المسنون أحياناً بمحاولات شخصية لرعايتهم من بعض المتطوعين، لكن من دون وسائل، إذ لا يتوفر كراسي متحركة ولا طعام ولا أدوية، وهذا يعقد مهمة العناية بهم كثيراً".

ويوضح الطبيب أن مشاهد الدمار ومشاعر الفقدان والتشرد سببت مشكلات صحية عديدة، إذ جرى إيقاظ الرواسب النفسية من مشاعر الحسرة والحزن، وهذا جعلنا نرصد علامات مرض ألزهايمر والاكتئاب عليهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير