Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 الجزء 7من الرواية العالمية "ميلينيوم" يصاب بالفشل

كارين سميرنوف تسعى الى تدوير الأحداث السابقة وتخون صاحب السلسلة بعد رحيله

الأجزاء الثلاثة الأولى من سلسلة "ميلنيوم" التي كتبها  ستيغ لارسن ورحل (دار أكت سود)

حين يتدخّل المال في الأدب، يفسد غالباً ثماره. حقيقة لم يأخذها في عين الاعتبار ورثة الكاتب السويدي ستيغ لارسن (1954 ــ 2004) حين قرروا، بدافع الجشع، التخلي عن ناشر ثلاثيته الروائية البوليسية الرائعة، "ميلينيوم"، والأجزاء الثلاثة التي تبعتها، ومنحوا ناشراً آخر حقوق نشر الأجزاء الجديدة منها. والنتيجة؟ جزء سابع بعنوان "الفتاة في مخالب النسر"، وضعته الكاتبة السويدية كارين سميرنوف، بتكليف من الناشر الجديد، ويشكّل في نظر النقاد عموماً، فشلاً أدبياً ذريعاً، مقارنة بالأجزاء الثلاثة الأولى التي كتبها لارسون، وحوّلت هذه الملحمة البوليسية إلى ظاهرة أدبية عالمية نادرة، وبالأجزاء الثلاثة اللاحقة التي كتبها مواطنه دايفيد لاغركرانتز، وتضاهي في قيمتها الأجزاء السابقة، من دون مبالغة.

للخوض في السلبيات الكثيرة لهذا الجزء الجديد، الذي صدرت ترجمته الفرنسية حديثاً عن دار "أكت سود"، لا بد أولاً من التوقف عند قصتّه التي يمكن تلخيصها على النحو الآتي: في بلدة غاسكاس التي تقع في أقصى الشمال السويدي، يعمل سكريتير البلدية، هنري سالو، على مشروع غايته بلوغ تنمية اقتصادية دائمة تستحقها المنطقة التي تقع فيها هذه البلدة النائية، نظراً إلى طبيعتها الغنية بمواردها المختلفة. مبادرة حميدة في ذاتها، لولا تداعيات مشروعه على المستويين البيئي والبشري، والطرق المشبوهة المعتمدة لتحقيقه.

مشروع سالو الطموح يقوم على تخصيص مساحة كبيرة من الأراضي المحيطة بالبلدة لتشييد محطة لتوليد الطاقة بواسطة طواحين الهواء (éoliennes)، تكون الأكبر في أوروبا، وربما في العالم، وعلى حفر مناجم صناعية ملوّثة في أراضٍ أخرى. ولا عجب بالتالي في عدم إثارة هذا المشروع حماسة سكان البلدة، الذين يفضّلون مواصلة صيد سمك السلمون وتربية الأيائل وغيرها من المهن التقليدية، وفي رفضهم بيع أراضيهم لتحقيقه، بغضّ النظر عن السعر المعروض عليهم. رفضٌ لا يلبث أن يثير غضب رجل الأعمال الكبير والعديم الضمير، ماركوس برانكو، الذي يعمل على وضع يده على مشروع سالو برمته، فيلجأ إلى رجاله الدمويين وعصابة من سائقي الدراجات النارية القتلة لبلوغ هدفه.

الثنائي الشرير

مدينة غاسكاس تقع على بعد 900 كيلومتر من ستوكهولم، مكان إقامة بطلي سلسلة "ميلينيوم"، الشابة الرهيبة ليزبيت سالاندر والصحافي اللامع مايكل بلومفيست. كيف إذاً يجدان نفسيهما متورّطين في شؤون هذه البلدة؟ ليزبيت تأتي إليها للاعتناء بفتاة في سن الثالثة عشرة تدعى سفالا، بعد تواري أمّها في ظروف غامضة. لماذا؟ لأن والد هذه الفتاة هو في الواقع شقيق ليزبيت، المارد الألماني الذي حاول قتلها، بإيعاز من والدها، وكاد ينجح في إنجاز مهمته لولا تمكّنها من التخلص منه بدهائها المعروف. في الوقت نفسه (ويا للمصادفة!)، يأتي مايكل إلى هذا المكان النائي لحضور حفل زفاف ابنته على هنري سالو! هكذا يتشكّل الثنائي من جديد لإحباط مؤامرات برانكو وردع شرّه عن أبناء البلدة، وخصوصاً بناتها، لأن إجرامه لا يقتصر على القتل والترهيب لغايات مادية، بل يشمل أيضاً خطف القاصرات واغتصابهن، ثم إرسالهن إلى مريض ذهاني يعيش معزولاً في الغابة، ولا شيء يثيره أكثر من تقديم هذه الفتيات طعاماً للطيور الجارحة.

لدى قراءتنا هذه الرواية الضخمة (432 صفحة)، نشعر أن سميرنوف (واسم عائلتها الحقيقي لارسن!) بذلت قصارى جهدها لخوض التحدّي الذي قبلته، أي كتابة الجزء السابع من سلسلة "ميلينيوم"، ثم إثراء هذه الملحمة بجزء ثامن وتاسع. وفي الصفحات الخمسين الأولى من روايتها، نظن أنها ستنجح في مهمتها، بكتابتها السيكولوجية الفريدة ولغتها الأكثر أدبية من لغة لارسن أو لاغركرانتز. ولكن لأنها لا تملك ما يتطلبه هذا النوع الأدبي البوليسي من كتّابه، أي القدرة على إبقاء إيقاع السرد محموماً، وموهبة في استثمار عنصر التشويق فيه، ينقطع بسرعة نفَسها، ونفَس القارئ معها.

لا ننكر طبعاً أن سميرنوف درست جيداً سيكولوجيا شخصيات "ميلينيوم"، الرئيسية والثانوية، والموضوعات الحساسة العديدة التي قاربتها هذه السلسلة بعمق وجرأة لافتتين. لكن المشكلة أيضاً هي أنها، من فرط إرادتها البقاء وفية لها، فاتها الأساسي، أي تشييد عمل أدبي قائم بذاته. وبدلاً من ذلك، قدّمت لنا على طول نصّها "أطباقاً" قديمة تذوقناها في الأجزاء السابقة، لكن من دون توابل هذه المرة، بدءاً بعنوان روايتها الذي يستحضر ببنيته عنوانين سابقين في هذه السلسلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفعلاً، بنقلها إلى غاسكاس بطلي "ميلينيوم"، نظن في البداية أن غاية سميرنوف مشروعة (على رغم صعوبة تصديق اللقاء الصدفوي بين ليزبيت ومايكل في أصقاع الشمال السويدي، بعد سنوات من القطيعة بينهما)، وتتمثل في مقاربتها موضوعاً سياسياً جديداً وملحّاً، على غرار لارسن، هو البيئة. لكن بدلاً من معالجتها هذا الموضوع بعمق، تبقى على سطحه، مكتفيةً بكليشيهات مطروقة حوله، وتستسلم تارةً لعملية إعادة تدوير شخصيات من الأجزاء السابقة، كإنعاشها عصابة سائقي الدرّاجات النارية التي واجهتها ليزبيت في ستوكهولم سابقاً، واستقدامها، هي الأخرى، إلى البلدة؛ وطوراً لتلميحات إلى موضوعات عالجها لارسن ولاغركرانتز قبلها بما فيه الكفاية، كالتهديد الذي يشكّله اليمين المتطرّف في السويد، تجاوزات الليبيرالية الجديدة، تواري الصحافة الورقية، خصوصاً أولئك "الرجال الذين لا يحبون النساء" (عنوان الجزء الأول من "ميلينيوم").

عيوب سردية

ولو أن عيوب هذه الرواية تقتصر على ذلك، لغضضنا الطرف عنها. لكنها تعاني من عيوب أخرى كثيرة، نذكر منها: عدم تمكّن سميرنوف فيها من خلق بل وتسيير ذلك الشعور الثابت بالقلق الذي ينتابنا لدى قراءة الأجزاء السابقة، وبالتالي انتفاء أي تشويق في سرد أحداثها؛ إهمالها التصوير الفجّ للعنف، الذي تقصّده لارسن في ثلاثيته، وحافظ لاغركرانتز عليه في الأجزاء الثلاثة اللاحقة، بغية إيصال ألم هذا العنف وبشاعته إلى القارئ، وإحداث صدمة موقظة لديه؛ وعجزها عن مضاهاة سَلَفيّها في الغوص في موضوع العلاقات العائلية كمصدر رئيس للعُصابات والذهانات المتفشّية داخل المجتمع السويدي.

وإلى هذه العيوب، نضيف واحداً فادحاً، في نظرنا، ونقصد الحضور الخجول لبطلي "ميلينيوم" في هذه الرواية. فمن صحافي لامع ونبيه، يتحوّل مايكل بلوفيست إلى جدّ على حدود الخرف، يتأسف مراراً وتكراراً على تحوّل مجلته "ميلينيوم" إلى "بودكاست". وبدلاً من شابة معتمة وبطولية، تستثمر جرأتها وذكاءها المدهش لهزم أفظع المجرمين وأكثرهم دهاءً، تحضر ليزبيت كامرأة مبتذلة، مجرّدة بالكامل تقريباً من مكامن جاذبيتها، لا تُقدِم على أي فعل شجاع حتى المشهد الأخير، الباهت بشكلٍ محزن. وكما لو أن ذلك لا يكفي، تجعل سميرنوف هذه الشابة تكتشف داخلها ما يتعارض كلياً مع شخصيتها، كما تبلورت في الأجزاء الستة السابقة، أي احساساً أمومياً! كيف؟ عن طريق اعتنائها بابنة أخيها سفالا، التي تتمتع مثلها بمواهب تقنية وعلمية استثنائية، لكنها تتفوق عليها بذاكرتها المذهلة التي تسمح لها بتخزين معارف موسوعية، وأيضاً بكونها تعاني مثل والدها من مرض نادر يجعلها لا تشعر بالألم الجسدي.

طبعاً، يحزر القارئ في النهاية أن الكاتبة قررت، بغرور غير مبرَّر، ابتكار وريثة لبطلة "ميلينيوم، ستحلّ حتماً مكانها في الأجزاء اللاحقة. لكن المؤسف في هذا القرار هو ليس فقط الطريقة غير المنطقية التي تتّبعها لتنفيذه، أو تكريسها جزءاً كاملاً من هذه السلسلة للتخلص من شخصية مغناطيسية لم يستنفد لارسن ولاغركرانتز إمكاناتها، وتشكّل العمود الفقري لـ "ميلينيوم"، بل أيضاً تصويرها الضعيف للفتاة سفالا طوال الرواية، الذي يجعلنا لا نقتنع إطلاقاً بها كوريثة جديرة بليزبيت، وبسميرنوف كوريثة جديرة بلارسن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة