Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعذر علينا رثاء جميع أطفال غزة القتلى فكرمنا ذكرى بعضهم فقط

من خلال سرد قصص 9 منهم أملنا في معرفة المزيد عن الآلاف الذين أزهقت أرواحهم في هذه الحرب

تمثل النساء والأطفال حوالي 70 في المئة من الضحايا في غزة منذ السابع من أكتوبر (رويترز)

ملخص

كيف نحيي ذكرى حياة بالكاد بدأت؟ لعل الأهل وحدهم جديرون بمثل هذه المهمة الشاقة فهم من شاهدوا أطفالهم يكبرون ويضحكون وتتغير تفاصيلهم الدقيقة بألف طريقة كل يوم. ولكن ماذا لو قتل الأهل مع طفلهم؟ من بوسعه عندها أن ينصف تلك القصة؟

كيف نحيي ذكرى حياة بالكاد بدأت؟ لعل الأهل وحدهم جديرون بمثل هذه المهمة الشاقة فهم من شاهدوا أطفالهم يكبرون ويضحكون وتتغير تفاصيلهم الدقيقة بألف طريقة كل يوم. ولكن ماذا لو قتل الأهل مع طفلهم؟ من بوسعه عندها أن ينصف تلك القصة؟

طرحنا تلك الأسئلة على أنفسنا أثناء محاولتنا الكتابة عن الأطفال الذين قتلوا في الحرب الإسرائيلية على غزة. إذ أزهقت أكثر من 7 آلاف روح يافعة بريئة في ذلك النزاع وهو عدد ضخم للغاية لدرجة أنه يطمس مأساة كل حالة على حدة. وصفت الأمم المتحدة غزة بـ"مقبرة الأطفال" ولكن الحقيقة هي أسوأ من ذلك بكثير، لأن حجم القتلى كان كبيراً لدرجة أن كثيرين لم يحظوا بكرامة الحصول على مقبرة لأجسادهم. دفن بعض منهم حيث عثر عليهم فيها فيما زالت أجساد الآلاف تقبع تحت الركام.

أحد أكثر العقبات المؤلمة التي واجهناها أثناء توثيق الحياة المشرقة لهؤلاء الأطفال تمثل في أن غالبية أهاليهم قتلوا أيضاً معهم

 

  من خلال سردنا لقصص 9 أطفال، نحن نأمل في معرفة مزيد عن الآلاف الذين أزهقت حياتهم في هذه الحرب. من خلال تأريخ حياتهم، مهما كانت قصيرة، كان هدفنا هو تحويلهم من مجرد إحصاءات إلى بشر لهم أسماء يعيشون ويتنفسون. يسعى مشروع بعنوان "شهداء غزة" للقيام بذلك على نطاق أوسع بكثير.

أحد أكثر العقبات المؤلمة التي واجهناها أثناء توثيق الحياة المشرقة لهؤلاء الأطفال تمثل في أن غالبية أهاليهم قتلوا أيضاً معهم. مما دفعنا إلى التحدث مع أفراد العائلة الموسعة كالعمات والأعمام والجدين. وفيما تجلى حبهم لهؤلاء الأطفال بطريقة لا جدال فيها، فإن حزنهم الشديد غالباً ما جعل من الصعب عليهم وصف ما ميز أولئك الأطفال من خصائص فريدة وأمور أحبوها ومزايا اعتاد الأهل أو الأقارب رؤيتها يومياً. وتمثل ما رشح عن ذلك في عموميات نابعة من القلب على غرار: "كان ولداً مثالياً" أو "كانت فتاة شديدة الذكاء" أو "أحبت والدها كثيراً".

ولهذا ركزنا على التفاصيل الصغيرة. طلبنا من العائلات مشاركتنا اللحظات الصغيرة التي يتذكرون أنهم أمضوها مع هؤلاء الأطفال. وعن هذا، يتذكر محمود الكرونز رحلة تخييم مع ابن أخيه عمر لم يتوقف خلالها عن إطلاق صرخات شبيهة بأصوات الحيوانات. وتذكر هاني المدهون ابنة أخيه سوار التي كانت مولعة ببناته عندما كانوا يزورون غزة في فصل الصيف. كما علمنا في شأن الصعوبات التي واجهوها خلال الأسابيع الأخيرة من حياتهم ومحاولاتهم التحلي بالشجاعة من أجل أهلهم وكيف رأوا عائلتهم تقتل أمام أعينهم وكيف أن بعضهم توفي جائعاً كما حصل مع غنى الكرونز ابنة ثمانية أعوام.

 

اكتشفنا أن بعض العائلات بحثت تحت الحطام والركام لأيام متواصلة للعثور على أجسادهم. قذف الانفجار بجسد عمر المدهون بعيداً من منزله وعثر أحد الغرباء على جثته خارج منطقة البحث على بعد 20 متراً منها. واستغرقت العائلة أياماً عدة أخرى للعثور على أخيه علي. وفي تلك الأثناء، كانت جدة الولدين تحرس بقايا منزلهم لثني الكلاب عن العثور على أجسادهم والوصول إليها قبل العائلة.

تخبرنا تلك اللحظات بجانب عن الأرواح اليافعة التي أزهقت في غزة، ولكنها لا تجيب عن السؤال الأكبر. لماذا يقتل عديد من الأطفال أصلاً؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تزودنا بعض الأسباب الكامنة بالسياق لكي نتمكن من الإجابة على ذلك السؤال. أولاً، تعتبر غزة واحدة من المناطق الأكثر اكتظاظاً من حيث السكان في العالم. إذ يعيش 2.2 مليون نسمة في القطاع الممتد على مساحة 25 ميلاً وبالتالي من شأن أي نوع من النزاعات في ذلك الموقع الضيق أن يتسبب بإصابات هائلة في صفوف المدنيين. فضلاً عن ذلك، نصف أولئك السكان هم من الأطفال، مما يعني أنهم سيشكلون عدداً كبيراً من الإصابات والضحايا. وبالفعل، تشكل النساء والاطفال حوالى 70 في المئة من عدد الوفيات في غزة منذ أكتوبر (تشرين الأول). ثانياً، إن "حماس" ليست جيشاً نظامياً تقليدياً ولا يحارب مقاتلوها ببزات عسكرية في الساحات المفتوحة. بل يتنقلون بين السكان وعبر شبكات الأنفاق. وبالتالي، يكون عديد من أهداف "حماس" قريبة من البنى التحتية المدنية. 

كان يجدر بتلك القصص أن تكون أطول لتشمل حفلات التخرج والزفاف والسفر إلى الخارج، وكان يبنغي أن يكون أولادهم حاضرين هنا ليسردوا بأنفسهم تلك القصص

 

ولكن حتى مع أخذ تلك العوامل كلها في الاعتبار، يقتل المدنيون بوتيرة لا سابق لها في غزة وتفوق أعدادهم عدد الضحايا في النزاعات السابقة التي اندلعت هناك وحروب أخرى حديثة على غرار الحرب الأميركية في أفغانستان أو ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق.

إن حجم القصف في غزة هو أحد المؤشرات العديدة التي تشير إلى أن إسرائيل قررت أن هذه الخسائر البشرية المرتفعة، بما في ذلك آلاف الأطفال، هو ثمن يستحق أن يدفع لتحقيق أهدافها العسكرية هناك.

إن هذه الحرب التي أطلقت رداً على مقتل ما يفوق 840 مدنياً و300 جندي ورجل أمن واختطاف أكثر من 200 آخرين وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقتال ضد "أعداء الحضارة". ونفى الجيش الإسرائيلي قيامه باستهداف المدنيين وألقى باللوم عوضاً عن ذلك على "حماس" لاستخدامها المدنيين كدروع بشرية. كما أعلنت إسرائيل أنه لا يمكن لومها على مقتل المدنيين في المناطق التي أمرت بإخلائها كشمال غزة. ولكن خلال الحرب الدائرة، قصفت إسرائيل ما تعتبره مواقع آمنة كالمستشفيات والمساجد ومدارس وملاجئ تابعة للأمم المتحدة.

 

وأعلن المسؤولون الإسرائيليون علناً بأن إسرائيل ركزت بشكل أقل على الدقة مقارنة بمعارك سابقة. وفي الـ10 من أكتوبر، أي بعد ثلاثة أيام من الهجوم الذي شنته "حماس" وقبل أن تطلق اسرائيل غزوها البري، قال المتحدث باسم جيشها دانيال هاغاري بأن "آلاف الأطنان من الذخيرة" استخدمت في غزة، مضيفاً أنه "مع موازنة الدقة بحجم الأضرار، إن تركيزنا في الوقت الحالي ينصب أكثر على التسبب بأكبر ضرر ممكن وليس على الدقة".

ويعني التسبب بأكبر ضرر فعلياً على الأرض في غزة تكدس مزيد من الجثث الصغيرة المغطاة بالغبار.

كما وتوصل عديد من التحقيقات حول اختيار إسرائيل للأهداف في غزة إلى أنها وسعت لائحتها التي تضم الأهداف المقبولة للقصف من استهداف المقاتلين والبنى التحتية لـ"حماس" إلى ما سمته "أهداف القوة" التي تشمل "المساكن الخاصة، فضلاً عن المباني العامة والبنى التحتية والأبنية الشاهقة" والمنازل التابعة لـ"حماس" بحسب ما نقلت مجلة 972+ الإسرائيلية. ووجد التحقيق نفسه الذي وثقته صحيفة "ذا غارديان" بأن الجيش الإسرائيلي استخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد عدد هائل من الأهداف بسرعة أكبر من الإنسان.

وبحسب الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند، فإن القصف الناتج على غزة "يصنف الآن من بين أسوأ الهجمات على أي سكان مدنيين في وقتنا وعصرنا. نرى كل يوم مزيداً من الأطفال القتلى ونشهد كل يوم تجدداً للمعاناة العميقة للأبرياء الذين يعانون هذا الجحيم".

في بيئة كهذه، لا يملك أطفال غزة أية فرصة للنجاة.

يجب أن يكون رثاؤهم أطول بكثير. لقد علمنا ما فعلوه في المدرسة وكيف كانوا يقضون وقت فراغهم على الشاطئ أو بالتخييم والألعاب التي كانوا يحبونها. ولكن كان يجدر بتلك القصص أن تكون أطول لتشمل حفلات التخرج والزفاف والسفر إلى الخارج، وكان يبنغي أن يكون أولادهم حاضرين هنا ليسردوا بأنفسهم تلك القصص.

© The Independent

المزيد من آراء