ملخص
"طوفان الأقصى" كانت نقلة مهمة على رقعة الشطرنج في استراتيجية التحرير بالنسبة لـ "حماس" و"الجهاد"
القراءات العربية في عملية "طوفان الأقصى" التي زلزلت إسرائيل لا تزال في إطار الافتخار بالبطولة والتخطيط الدقيق والتغلب على التكنولوجيا في جدار الفصل وكشف جانب من الهشاشة الإسرائيلية المغطاة بالغرور. ولا شيء معلناً عن قراءة داخل "حماس" في الأهداف التي أراد قائدها السياسي يحيى السنوار وقائدها العسكري محمد الضيف تحقيقها بعملية كبيرة تجاوزت التوقعات منها. ومن الصعب التصور أن كل هذا كان مجرد ردّ على اقتحامات العدو الإسرائيلي لحرمة المسجد الأقصى المبارك بتحريض وحضور من وزير الأمن القومي المتطرف الديني إيتمار بن غفير، وعلى حصار غزة. فلا بدّ من أن تضع القيادة في حساباتها ردّ الفعل الإسرائيلي والاستعداد له. وهذا ما ظهر من المقاومة داخل غزة التي بدت جاهزة للمواجهة وإيقاع أكثر من خمسة آلاف عسكري إسرائيلي بين قتيل وجريح ومعاق كما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" وسط رد الفعل الإسرائيلي المتوحش الذي تجاوز المتوقع حتى في عواصم الغرب الداعمة لحرب إسرائيل على "حماس". فضلاً عن أن عملية "طوفان الأقصى" كانت نقلة مهمة على رقعة الشطرنج في استراتيجية التحرير من البحر إلى النهر بالنسبة إلى "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وفضلاً أيضاً عن أن الانخراط المفترض في الميدان من "محور المقاومة" جاء أقل بكثير مما توقعته "حماس" ودعت إليه عبر بيان محمد الضيف الذي أعلن بدء "الطوفان".
ذلك أن حكومة بنيامين نتنياهو الرافضة مثل سابقاتها رأي المؤرخ اليهودي الأميركي طوني جوت القائل: "إسرائيل مغالطة تاريخية، دولة من قرن مضى"، طبّقت معادلة المؤرخ الأميركي والتر لاكوير: "قليل من العنف يقود إلى نتيجة عكسية، لكن الكثير منه قد ينجح". وما حدث هو أن الكثير من العنف أدى الى نتائج عكسية. وليس من الضروري أن تكون النظرة، التي تحدث عنها الدكتور حسين إيبش الباحث في مركز دراسات استراتيجية في واشنطن، حاضرة أمام السنوار والضيف عند التخطيط لـ "الطوفان"، وهي، كما نقلتها "الإيكونوميست" البريطانية عن "الميل إلى العنف المشهدي لأنه يقود إلى ردّ غير عقلاني من العدو، والمقاومون يعرفون أن قدرتهم على إلحاق الأذى بالقوة المسيطرة محدودة، ويفهمون أن الأذى الذي تلحقه القوة المسيطرة بنفسها أكبر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذا ما قاد إليه التدمير الهمجي لكل شيء في غزة بما في ذلك المستشفيات والملاجئ والبنية التحتية، إذ صار، حتى الرئيس جو بايدن الذي جاء إلى إسرائيل في الأيام الأولى للحرب ليقول: "نحن معكم"، ويرسل حاملات الطائرات والأسلحة والأموال، صار يطالب يومياً بتجنيب المدنيين الويلات وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وليس قليلاً ما يحدث في شوارع العالم من تظاهرات ضد حرب إسرائيل ومع قضية فلسطين: ولا ما أجبر الحكومات على تعديل مواقفها المؤيدة لإسرائيل بعد "طوفان الأقصى". فما ترفضه حكومة نتنياهو وما تريده من حرب غزة، وهو الرفض التام لقيام دولة فلسطينية، قادت الحرب إلى عكسه، وهو الدعوات الجدية إلى التفاوض على "حل الدولتين". وما أرادت إسرائيل تأكيده وهو القدرة على تدمير غزة، كشف أنها لم تعد قادرة على حماية مواطنيها سواء في غلاف غزة أو في الجليل الأعلى، وحتى في تلّ أبيب والعمق. واللافت هو حماسة الشباب في الجامعات الأميركية والأوروبية لقضية فلسطين، إذ إن الكونغرس الذي يوصف بأنه "محتل إسرائيلياً" أجرى تحقيقاً مع رؤساء "هارفرد" و"أم آي تي" وجامعة "بنسلفانيا" بحجة التراخي حيال موجة "العداء للسامية"، ما أدى إلى استقالة بعضهم. ولولا التوحش الإسرائيلي لما رأينا "الطوفان الشبابي" في شوارع واشنطن ونيويورك ولندن وباريس ومدن أوروبية أخرى حاملاً أعلام فلسطين، حتى الذين تعاطفوا في العالم مع الإسرائيليين بعد "طوفان الأقصى"، فإن حرب غزة دفعتهم إلى التضامن مع الفلسطينيين، وحتى الرئيس جو بايدن، فإنه اعترف بأن إسرائيل بدأت تفقد تأييد الرأي العام العالمي، ودعا نتنياهو إلى "تغيير" حكومته. وقديماً قال شاعر عربي: "لا يبلغ العاقل من خصمه ما يبلغ الجاهل من نفسه".