Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان ومصائر ما بعد قمة "الإيغاد" في جيبوتي

تلويح المبعوث الأميركي للسودان باستخدام الولايات المتحدة "جميع الأدوات لوقف الحرب" تعكس نفاد صبر واشنطن ومن خلفها المجتمع الدولي

المجتمع الدولي ينتظر خطوات من عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني لإنهاء الحرب (أ ف ب)

ملخص

يبقى في المهلة التي حددها بيان "الإيغاد" للقاء بين البرهان وحميدتي خلال أسبوعين أمل ما في الوصول إلى نهاية محتملة للحرب.

أمران مهمان ما لم نستصحبهما في سياق قراءاتنا وتحليلنا لأطوار الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، لن نكون قادرين على بناء تصور يجعلنا أكثر قرباً من الحقيقة، وهي حقيقة متى ما أدركناها أصبحنا أكثر بصيرة على رؤية الأمور.

الأمر الأول أن هذه الحرب في صميمها حرب عبثية وطبيعة العبث فيها تكمن في طبيعة سياق معرفتنا الأساسية بطرفيها والعلاقة بينهما، فإذا عرفنا مثلاً أن طرفي الحرب هما في الأصل نتاج حصري لتخريب نظام الإسلاميين الهوية الوطنية والمهنية للجيش السوداني خلال 30 عاماً من إدارة الخطايا السياسية لنظام الإخوان المسلمين، سندرك الأمر الثاني، وهو أن عقدة الخلاف التي نجمت بين طرفي الحرب وكانت سبباً فيها، إنما هي ذاتها العقدة التي كشفت عن محاولة النظام القديم - عبر الجيش – إلى استعادة سلطته كاملة، لكن هذه المرة من خلال منازلة الشريك السابق (الدعم السريع) بعد أن افترق موقفاهما من الاتفاق الإطاري الذي أوشك أن يكون حلاً سياسياً مناسباً لتحقيق مبادئ ثورة الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) 2018.

والحال أن الذي نراه اليوم من تطورات وتعثرات سياق الحرب بين الطرفين هو كذلك ما يفسر لنا طبيعتها العبثية، إذ تكشف لنا تماماً من خلال معطيات وافرة، عن أن ثمة طرفاً في هذه الحرب يريد إعادة النظام القديم والالتفاف على ثورة ديسمبر، وهو الطرف الذي تقاتل إلى جانبه كتائب الإسلاميين (مثل كتائب البراء والبنيان المرصوص التي تقاتل إلى جانب الجيش).

ولقد بدا واضحاً، سواء من خلال تعثر مفاوضات منبر جدة في المرحلة الثانية منه مطلع الشهر الحالي بسبب عدم إيفاء الجيش ببعض البنود التي اتفق عليها مع قوات "الدعم السريع" (مثل القبض على السجناء الفارين من كبار رجال النظام السابق) أم في اعتراضات بيان وزارة الخارجية السودانية على البيان الختامي لقمة منظمة "الإيغاد" بأن هناك في أوساط الجيش من يريد لهذه الحرب أن تستمر.

تخبط

وبالعودة للوراء قليلاً سنعرف طبيعة التخبط الذي تعكسه تصرفات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وهي تصرفات تدل، ربما، على استقطاب ما داخل قيادة الجيش. ففي يوم الـ15 من يونيو (حزيران) الماضي اعترض الجيش على قيادة لجنة "الإيغاد" الرباعية التي كان يترأسها الرئيس الكيني وليم روتو بسبب أن للأخير علاقة طيبة مع قائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، وكانت مساعي اللجنة الرباعية طلبت لقاء مباشراً بين كل من البرهان وحميدتي للبحث في وقف الحرب، لكن البرهان حينها رفض لقاء حميدتي.

وفجأة في يوم الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي طار البرهان إلى نيروبي للقاء الرئيس الكيني وليم روتو بحثاً عن سبيل لإنهاء الحرب، ثم ذهب بعد ذلك إلى أديس أبابا للغرض ذاته، الأمر الذي بدا معه أن البرهان من خلال لقائه مع روتو في كينيا وآبي أحمد في أديس أبابا ربما يسعى إلى مساعدة من وسطاء لهم علاقة مع قائد "الدعم السريع" في سبيل لإنهاء الحرب.

وحين ذهب البرهان إلى جيبوتي قبل أسبوعين وطلب عقد قمة طارئة لبحث سبل وقف الحرب في السودان – ولا سيما بعد تعثر مفاوضات منبر جدة - استجابت "الإيغاد" لطلبه فكانت القمة 41 للمنظمة يوم السبت الماضي، وشهدت حضوراً دبلوماسياً كثيفاً، فإلى جانب رؤساء دول منظمة "الإيغاد" (الهيئة الحكومية للتنمية) حضر القمة كل من المبعوث الأميركي للسودان مايك هامر، والمبعوث الأممي للسودان رمطان العمامرة، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت فيبر، وأطراف أخرى.

وبحسب البيان الختامي للقمة الطارئة للإيغاد فإنه جاءت فيه بنود كانت في تقديرنا بمثابة اختراق مهم، إذ ذكر البيان أنه اتفق على عقد لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي خلال أسبوعين من نهاية القمة، وموافقة البرهان على ذلك من دون شروط كما جاء في نص بيان قمة "الإيغاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ما إن عاد البرهان من قمة "الإيغاد" إلى السودان، حتى أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً تنفي فيه نقاطاً أوردتها القمة، وجاء فيه طلب بـ"تصحيح ما ورد في شأن موافقة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي على لقاء قائد التمرد، إذ إن السيد رئيس مجلس السيادة اشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف إطلاق دائم للنار وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها"، فيما كان واضحاً في بيان قمة الإيغاد أن البرهان وافق على لقاء حميدتي من دون شروط.

محتوى بيان وزارة الخارجية السودانية سيردنا إلى أجواء لا تعكس نية في وقف الحرب، بخلاف السياق الذي يبحث فيه البرهان، ولو ظاهرياً، عن حلول لوقف الحرب عبر "الإيغاد"، لا سيما قبوله أخيراً بالطلب القديم للجنة "الإيغاد" الرباعية (الذي طرح خلال يونيو الماضي) والقاضي بعقد لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي.

إن بيان وزارة الخارجية في نقاط الاعتراض ذات الطابع الشكلي أحياناً والعدمي أحياناً أخرى، لا يعكس إرادة في الحكومة السودانية لوقف الحرب، وهو موقف سيجر متاعب كثيرة على الجيش، لا سيما في ما ورد من حديث للمبعوث الأميركي للسودان مايك هامر خلال القمة قال فيه إن بلاده ستعمل مع المجتمع الدولي والإقليمي لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة لإنهاء الحرب واستعادة التحول المدني، ولا يخفى ما في هذا الكلام من تهديد واضح لطرفي الحرب بضرورة الكف عن الاستمرار في القتال.

محاولة للالتفاف

يبدو أن في مضمون بيان وزارة الخارجية السودانية اللغم الذي سيفجر التفاهمات الإيجابية في قمة "الإيغاد" فهو في تقديرنا بمثابة محاولة للالتفاف على ما خرج به بيان القمة ويذكرنا بالبيانات المتضاربة في بداية الحرب، بين كل من قيادة الجيش ووزارة الخارجية السودانية إذ نفت الوزارة آنذاك، أي اتجاه لوقف القتال في بيان لها، وفي اليوم نفسه كان صدر تصريح منسوب لقائد الجيش يرحب فيه بالحل السلمي، كما يذكرنا بيان وزارة الخارجية السودانية بما حدث قبل أيام من تخلف وفد الجيش عما وقع عليه في اتفاق إجراءات بناء الثقة بمنبر جدة حين تراجع وفد الجيش عن مهمة القبض على قادة النظام السابق الفارين من السجن.

لكن مع ذلك، يبقى في المهلة التي حددها بيان "الإيغاد" للقاء بين البرهان وحميدتي خلال أسبوعين أمل ما في الوصول إلى نهاية محتملة للحرب.

لقد وضعت "الإيغاد" بهذه المهلة للقاء الرجلين خلال أسبوعين، الكرة في ملعب قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، لأن ما سيترتب على الإيفاء بوعد اللقاء مع حميدتي من عدمه في الموعد المحدد، سيكون حاسماً في كشف الحقيقة عمن يريد الاستمرار في الحرب ممن لا يريده، وإذا ما بدا واضحاً أن ثمة ما يفوح من بيان وزارة الخارجية بما قد يمهد لتنصل البرهان من لقاء حميدتي، فستكون تلك إشارة واضحة للمجتمع الدولي والإقليمي، حول هوية الطرف الذي يرفض وقف الحرب.

ذلك أن الزخم الدبلوماسي الكبير الذي شهدته قمة "إيغاد" الطارئة في جيبوتي السبت الماضي يعكس اهتماماً واسعاً للمجتمع الدولي والإقليمي بمسألة وقف الحرب في السودان، لا سيما أن الإشارة الواردة في كلام المبعوث الأميركي للسودان حول إمكان أن تستخدم الولايات المتحدة "جميع الأدوات لوقف الحرب" تعكس نفاد صبر واشنطن ومن خلفها المجتمع الدولي من مجريات هذه الحرب العبثية في السودان، التي ستنجم عنها أخطار أمنية واستراتيجية كبيرة لمنطقة شرق ووسط أفريقيا حال انهيار الدولة في السودان تماماً والوصول إلى الحرب الأهلية الشاملة – لا سمح الله - الأمر الذي يعكس تهديداً لا يمكن أن تحتمله المصالح الاستراتيجية للمجتمعين الدولي والإقليمي في المنطقة.

لكل ذلك نتصور أن ثمة نتائج ستنجم في طبيعة تعاطي المجتمع الدولي مع الحرب في السودان، إذا تخلف البرهان عن موعد اللقاء مع حميدتي بحسب مقترح قمة "الإيغاد" أو إذا لم يسفر اللقاء عن إيفاء بالتزامات واضحة من طرف الجيش، كما حدث في منبر جدة، عندها نتصور أن موقف المجتمع الدولي والإقليمي من الحرب سيكون مختلفاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل