Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظام العالمي 2030... مخاض عسير وولادة مؤجلة

لماذا تفتقر القوى الناشئة إلى مقومات القيادة الدولية المتوافرة للغرب؟ وهل هناك من سيملأ مربعات نفوذ واشنطن؟ ولماذا لا يعني صعود الشرق الآسيوي تراجعاً للنفوذ الأميركي الغربي؟

خمسة أسئلة لا بد من الإجابة عليها لتصور شكل العالم عام  2030 (غيتي)

ملخص

لماذا تفتقر القوى الناشئة إلى مقومات القيادة الدولية المتوافرة للغرب؟ وهل هناك من سيملأ مربعات نفوذ واشنطن؟ ولماذا لا يعني صعود الشرق الآسيوي تراجعاً للنفوذ الأميركي الغربي؟

من بين عديد من التساؤلات التي تطرح ذاتها بذاتها في الوقت الحاضر، وتدخل ضمن القراءات الاستشرافية، ذاك الخاص بشكل العالم في نهاية العقد الحالي، أي خلال السنوات السبع المقبلات.

كيف ستتبلور أوضاع العلاقات الدولية، لا سيما في ظل أزمة الصراع الناشئة حول القطبية الجديدة، وباعتراف رئيس أركان الجيش الأميركي السابق الجنرال مارك ميلي، أنه باتت هناك ثلاث قوى لا قوة واحدة، وكان يعني بذلك مشاركة الصين، لكل من أميركا وروسيا.

حكماً الجميع يركز على ملامح ومعالم البشرية في نهاية العقد، من خلال التطور التكنولوجي، وذلك أمر لا شك أساسي، لا سيما في ضوء التوقعات الحثيثة بصعود موجات الذكاء الاصطناعي. غير أن التطورات السياسية غالباً ما ترسم معالم الأمم وعلاقات الشعوب، ضمن حرة التاريخ الديناميكية منذ بدايات الحياة الإنسانية وحتى اليوم.

هل سنشهد مع نهايات العقد الحالي نوعاً من أنواع التراجع الغربي عامة والأميركي بخاصة، من جراء صراعات داخلية مجتمعية، أم أن وحدة الصف الأميركي ستتجاوز المشهد، لتظل راية الغرب خفاقة في مواجهة الرايات الآسيوية الصاعدة؟ وهل صعود الهند والصين على سبيل المثال يعني بالضرورة تراجع القوى التقليدية الأممية؟

ولماذا تفتقر القوى الناشئة في حقيقة الحال للمقومات التي تجعل منها أدوات فاعلة لتشكيل عالم جديد؟

في هذه السطور نحاول مناقشة ملامح العالم عند 2030، وهل نحن في طريقنا إلى التقارب أم التباعد، في سياق تشكيل العالم الجديد، وحتى قبل الوصول إلى 2050 أو 2100؟

الواقع العالمي الجديد وتساؤلات حائرة

في قراءة أخيرة مهمة للغاية يقدم لنا نائب الرئيس التنفيذي، رئيس الشؤون الدولية بالغرفة التجارية الأميركية مايرون بريليانت، باقة من خمس علامات استفهام حول مآلات العالم المقبل، يركز فيها على المنظور الاقتصادي ربما إيماناً منه بأن تاريخ القوى العظمى متشابه، فهي تبدأ من عند الازدهار الاقتصادي، والتمدد خارج الحدود الإقليمية، ومن ثم الخروج عسكرياً إلى العالم الفسيح لضمان أمن وحماية تلك المصالح، قبل العودة للداخل مرة جديدة، من جراء الأكلاف العالية لما يعرف باسم فرط الامتداد الإمبراطوري، والعهدة هنا على المؤرخ الأميركي الشهير بول كيندي.

خمسة أسئلة تطرح ذاتها على مائدة النقاش للوصول إلى شكل العالم في 2030:

1 ـ البداية من عند الأوضاع الاقتصادية للقوى الناشئة التي تقودها الصين حكماً، وتتبدى ملامحها ومعالمها في مجموعة "بريكس"، وهل ستسهم بقدر أكبر في تحمل المسؤوليات الدولية أم أنها ستمضي وراء رؤى براغماتية ضيقة محدودة؟

المتسائل لا يلقي على تلك القوى الناشئة بالعبء كله، بل يطلب من مراكز الصناعة والتجارة والحضارة الغربية التعاون مع هذه الدول لمساعدتها على حل مشكلاتها الداخلية.

هل يحدث هذا بالفعل؟

مؤكد لا، وعلى غير المصدق أن يتابع الإجراءات الأميركية الأخيرة لحرمان الصين من الاستثمارات على أراضيها في مجالات التكنولوجيا بنوع خاص.

2 ـ السؤال التالي يدور حول اعتقاد الدول ذات الاقتصادات الصاعدة بحاجتها إلى تطوير شبكاتها المؤسساتية الخاصة أم لا؟ وهل هي مجرد صحوة إلى الداخل وإهمال العالم الخارجي؟

3 ـ هل تتوافر لدى هذه الدول قناعات حول تعزيز تعاونها الاستراتيجي مع بقية أرجاء العالم أم توظيف قوتها الناشئة لصالح أهدافها الوطنية فحسب؟ المثال هنا هو الصين التي تزعم ملكيتها بحر الصين الجنوبي، من غير رغبة في المشاركة مع الولايات المتحدة، مما قد يقود إلى مواجهة عسكرية عالمية.

4 ـ أي شكل اقتصادي ستتبع هذه القوى الصاعدة، الرأسمالي المنفلت، أم الاشتراكي المنغلق، هل ستميل إلى اقتصادات السوق وتكافؤ الفرص، أم ستتبع خليطاً من هذا وذاك؟

5 ـ ما موقف تلك الدول من أهم قضية باتت تؤثر في حياة البشر في حاضرات أيامنا، ونعني بها قضية التغيرات المناخية، فهل ستلتزم تلك القوى القيود الخاصة باستهلاك الموارد العالمية من نفط وماء، إذ إن تقدمها المتنامي سيدفعها إلى زيادة استهلاكها من هذه الموارد؟

الجواب عن تلك التساؤلات، يقدم لنا من دون شك، صورة حول العالم الذي سنحيا فيه على مشارف العقد الجديد من القرن الـ21، ومن دون معالجة حقيقية لهذه القضايا لن يعرف كوكبنا الأرضي أي نوع من أنواع التوازنات والاستقرار.

هل من أزمة في القيادة الدولية؟

يتعين على المرء قبل الخوض في أوضاع القوى الناشئة التوقف عند التساؤل المركزي حول أوضاع القيادة الدولية، وهل بات يعتريها نوع من أنواع العجز بالفعل كما ذهب إلى ذلك أخيراً، البروفيسور وولتر سي لادويج، من جامعة أكسفورد البريطانية العريقة.

المؤكد أن الناظر للمشهد سيتلمس بالفعل حالة الضبابية، فمن جهة لا تزال الولايات المتحدة الأميركية سيد العالم بلا منازع على الصعيد العسكري، لكن تساؤلات عدة تشاغب مستقبلها، تساؤلات تشكك في أنها ستظل متمتعة بقدرتها على قيادة مستقرة وآمنة للعالم، وفي المقدمة منها أمران: القدرة الاقتصادية، التي تتراجع يوماً تلو الآخر، وقد باتت واشنطن محملة بما يزيد على 30 تريليون دولار ديوناً خارجية.

والثاني داخلي موصول بأوضاعها المجتمعية، ومدى ترابط مواطنيها، وقدرتهم على الاستمرار في تقديم نموذج بوتقة الانصهار كمثال لنجاحاتها وضمان بقاء الحلم الأميركي.

اليوم يبدو النسيج المجتمعي الأميركي مهترئاً، والغضب من الحروب التي أشعلتها واشنطن في الخارج ينتشر بين أبنائها، مما يهدد بالفعل بقاءها كـ"مدينة فوق جبل".

هنا يتحتم التساؤل: وماذا عن حظوظ روسيا والصين بنوع خاص؟

الجواب اليقين هو أن روسيا نعم تشهد صحوة عسكرية وقومية، لكن الشكوك تحلق حول مدى قدرتها اقتصادياً على تغيير وجه العالم، على رغم السعي "البوتيني" الحثيث، لاستنهاض صداقات قديمة، وفتح أبواب السلاح الحديث أمام دول العالم للشراء منه من غير اعتبار لعوامل ومحددات الأمن العالمي وسلامة البشرية.

أما عن الصين فحدث ولا حرج، عن المشروع الكونفوشيوسي الماضي قدماً برداء الحكمة الظاهر، لكن في باطنه رغبة لن تنفك تظهر حين تحين لحظة القدرة، وما مشروع "الحزام والطريق" إلا الخطوة الأولى في مسيرة إعلان الصين قوة عظمى منافسة من دون أدنى شك للغرب.

غير أن هذه القوة الصاعدة ينقصها أمران، الأول هو التكنولوجيا لا سيما العسكرية، إذ لا تزال تعتمد بكين على "صناعة الحضارة بالاستعارة"، وهو التعبير المهذب للسرقات التي تقوم بها للتكنولوجيا الغربية والأميركية بخاصة.

والأمر الثاني هو مقدراتها الاقتصادية، بعد أن ظهرت على السطح هشاشة نظامها السياسي، الذي فضحته جائحة "كوفيد-19"، حين لاحت في الأفق علامات الشمولية المخيفة، سياسياً وإعلامياً، وبطبيعة الحال اقتصادياً، مما دعا إلى دخولها في أزمات عميقة تمثل بعضها في نقص كبير في الطاقة، بخاصة مع دورها في تلويث الفضاء الأرضي عبر غاز الكربون وزيادة حرارة الكوكب.

هل يمكن أن يشهد العالم في 2030 نوعاً من أنواع عدم الاستقرار بصورة مزعجة؟

مما لا شك فيه أن استمرار نظام دولي معين، مثل النظام الليبرالي الاقتصادي المفتوح الموجود في الوقت الراهن، يتطلب فرض قيادة الدولة المهيمنة في هذا النظام، وغياب مثل هذه القيادة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.

تاريخياً كان العجز في القيادة العالمية من قبل الاقتصاد المهيمن، أي الأميركي وقتها، السبب الرئيس في تفشي الفوضى الاقتصادية التي وقعت بين الحربين العالميتين، وتسبب ذلك في ما عرف لاحقاً بـ"الكساد الاقتصادي" العظيم... هل سيشهد عالمنا انتكاسة اقتصادية موازية بحلول 2030؟

ماذا لو اختفى النظام الأميركي عالمياً؟

وسط الصخب والجلبة الكبيرين، اللذين يلفان الأوضاع السياسية لعالمنا المعاصر، الهائج المائج، تبدو هناك أصوات الملايين حول الكرة الأرضية الغاضبة من الأحادية الأميركية، ومن هيمنة واشنطن من دون وازع أو رادع، لا سيما أنها لا تخشى اليوم من مواجهة أو مجابهة عسكرية مع كيان مثل الاتحاد السوفياتي، والدليل على صحة هذا الطرح، هو صبر روسيا على دعم واشنطن لكييف، من دون أن تعمد إلى استخدام ما تمتلكه من أسلحة فتاكة لإلحاق الهزيمة بأوكرانيا أو من يقف وراءها.

ومع ذلك، وعلى رغم الأصوات الزاعقة ضد الولايات المتحدة، فإن التساؤل الذي يرسم بعض مشاهد 2030، وما يليها من عقود: ماذا لو اختفى النظام الأميركي مرة واحدة، لسبب أو لآخر، قد يكون إيكولوجياً على سبيل المثال، أي من جراء أحداث الطبيعة الغاضبة، أو بسبب انقلاب داخلي يقود الأميركيين إلى حرب أهلية وهو سيناريو غير خيالي؟

المقطوع به أنه في سنوات ما بين الحربين العالميتين، توفرت لدى بريطانيا الإرادة لكن لم تتوفر لها القدرة، فيما اليوم لا سيما في ظل تعالي أصوات الإنعزاليين تمتلك واشنطن القوة، لكنها تفتقر إلى بعض من الإرادة للقيادة العالمية المطلقة، لا سيما إذا كانت ستحملها أعباء اقتصادية وعسكرية مرهقة.

يرى وولتر لادويج من جديد أن النظام الدولي الراهن والمؤسسات التي تدعمه، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحتى العولمة، تعتبر إلى حد كبير نتاجاً للمبادرة والقيادة الأميركية، ولنا أن نتساءل هل ستغيب هذه الركائز الأممية، حال غاب الحضور والنفوذ والهيمنة والسيادة الأميركية؟

يقول قائل إن العالم مع الحضور الأميركي في أزمة، لكن المؤكد أن غيابها دفعة واحدة سيخلق أزمات عميقة بل ومخيفة.

هل يعني ذلك أن 2030 وما بعدها وبالتحديد حتى 2050، موصول بالولايات المتحدة، بأكثر من قدرات القوى الناشئة؟

غالب الظن أن ذلك صحيح، إذ من دون شك تمتلك أميركا القدرة على قيادة العالم، بخاصة حين تعمل جنباً إلى جنب مع حلفائها.

غير أنها أضحت اليوم تفتقر إلى الإرادة على نحو متزايد، فقد أصبح عامة الأميركيين يركزون بصورة كبيرة على ديون البلاد التي تزداد بشكل تصاعدي، في وقت تقل فيه الوظائف، كما تتراجع الالتزامات الدولية لواشنطن، ناهيك بالفساد الذي يشوب نظامها الانتخابي الحزبي.

هنا تطرح فكرة جديدة ذاتها: هل التحالفات الآسيوية يمكنها أن تقدم للعالم بحلول 2030 بديلاً جيداً مأموناً ومضموناً عن النفوذ الأميركي الآخذ في الأفول؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صعود الصين وتحديات الجغرافيا السياسية

لم يعد هناك شك في أن الصين باتت تمثل رأس حربة القوى الدولية الناشئة، التي قد تبدو مقبلة على استحياء في طريق القطبية العالمية، لكن خطواتها الواسعة تزخمها بحال من الأحوال في هذا السياق.

غير أن رؤية يقدمها لنا البروفيسور ريتشارد هاس، عبر مؤلفه الأحدث "العالم بإيجاز"، تفيد بأن التحديات الجيوسياسية الآسيوية عامة، والصينية بخاصة، تجعل قضية شراكة هذه القوى في صناعة نظام عالمي جديد بحلول 2030 أمراً ليس باليسير.

يرى هاس أن الصين دولة كبيرة جداً وغنية وقوية لدرجة أنها من نواح كثيرة أكبر من أن تستطيع أية دولة إقليمية أخرى مواجهتها بمفردها. وتعد الصين شريكاً تجارياً رئيساً لكثير من الدول الإقليمية، منها اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وهي دول تصادف أنها أيضاً حليفة للولايات المتحدة، والسؤال لتلك الدولة كان متعلقاً بكيفية تحقيق التوازن بين هاتين العلاقتين. وعندما يتعلق الأمر بالأمن، فإن، السؤال هو: إلى أي مدى يجب لهذه الدولة أن تعتمد على الولايات المتحدة، أو أن تصبح أكثر اكتفاءً ذاتياً أو تقترب أكثر من الصين؟

في هذه الأثناء لا تتضح الكيفية التي ستستخدم بها الصين قوتها؟ وكيف سيكون رد فعل الدول الأخرى؟ إذ إن الصين تتصرف عادة بشكل أحادي وحازم لزيادة قوتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، بداعي وجود منازعات إقليمية كثيرة بين جيرانها، وأن بعض الدول مثل الولايات المتحدة تعد تهديداً لقدراتها على تحريك جيشها، داخل وخارج المنطقة.

جزئية أخرى يلفت لها هاس، وهي أن الصين تستخدم قوتها الاقتصادية، من خلال مبادرة التنمية المعروفة باسم "الحزام والطريق"، التي تقدم قروضاً للدول في جميع أنحاء المنطقة، لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة، لزيادة نفوذها وتأثيرها ونفاذها إلى تلك الدول.

هنا يطفو تساؤل على السطح: كيف سيكون شكل العلاقات الأميركية الصينية خلال السنوات السبع المقبلة؟

حكماً الجواب معقود على عديد من الملفات الخلافية التي ستحدد مآلات النظام العالمي، وفي المقدم منها ملف تايوان، ذلك أنه على رغم أن الولايات المتحدة تناقض الدبلوماسية الرسمية، ولا تعترف بتايوان كدولة مستقلة، فإنها تحملت مسؤوليات كبيرة تجاه الجزيرة بخاصة تزويدها بأسلحة دفاعية، وإذا لزم الأمر بالدفاع عنها، من دون أن تكون ملزمة فعلياً بذلك.

هل إشكالات القوى الناشئة تتوقف عند أزمات واشنطن وبكين في منطقة الإندوباسيفيك، أم هناك ما يتجاوزها؟

القوى الناشئة وخلافات قديمة موروثة

مع فتح أضابير تلك المنطقة التي تقع في شرق العالم، يجد المرء أن هناك ملفات شقاقية عديدة، النار فيها تحت الرماد، وتهدد مصير القوى الناشئة أول الأمر، والسلم العالمي تالياً... ماذا عن ذلك؟

مثير جداً أن ندرك أن روسيا واليابان لم يوقعا رسمياً بعد على نهاية الحرب العالمية الثانية، هذا على رغم مرور قرابة ثمانية عقود على نهايتها بالفعل، وذلك بسبب نزاعهما على الجزر، التي تشكل الجزء الشمالي من سلسلة الجزر اليابانية.

والأمر الأكثر جدية أن اليابان والصين لا يمكنهما الاتفاق حول من له حق ملكية الجزر، فتسميها اليابان جزر "سينكاكو"، وتسميها الصين جزر "دياويو". ومما يجعل الأمر محفوفاً بالأخطار هو أن النزاع يمثل انعكاساً وأسباباً لتوترات أكبر بين أقوى دولتين في المنطقة. وإذا تورطت اليابان في صراع على هذه الجزر فمن الأرجح أن تتورط الولايات المتحدة معها، وإذا شكت اليابان في الدعم الأميركي، فمن المرجح أن تزيد من قوتها العسكرية، وربما يكون هناك احتمال تطوير أسلحة نووية.

هذه الجزئية الخاصة باليابان تستدعي فتح ملف آخر يشي بأن القوى الناشئة - وإن كانت اليابان قوة إمبراطورية من قبل - بات بعضها يجنح ناحية اليمين بصورة كبيرة، وهذا ما نراه في اليابان أخيراً، إذ تتصاعد الأصوات مطالبة بإلغاء دستورها الحالي الذي يمنعها من الصعود عسكرياً، وهو ما فرض عليها قسراً بعد خسارتها في الحرب العالمية الثانية، وغالب الظن أن هذا أمر ستجري به المقادير ربما مع الوصول إلى 2030، وحال اشتد الصراع بين الأطراف الآسيوية المتناحرة.

من هذه الأطراف يأتي الحديث عن الهند والصين الجارتين اللدودتين، اللتين نشأت بينهما معارك عدة عبر التاريخ.

تبدو العلاقات المتوترة بين الصين والهند عاملاً من عوامل إخفاق القوى الناشئة في أن تصنع لها بصمة على التاريخ بنهاية هذا العقد، بخلاف العلاقات بين شاطئي الأطلسي، أي بين كيان الناتو، أميركا غرباً وأوروبا شرقاً.

لا تزال الحدود بين الهند والصين، التي تمتد قرابة 2500 ميل، غير محسومة، وقد كانت سبباً رئيساً في حربهما معاً عام 1962. اليوم يتجاوز الأمر الخلاف الحدودي، ويعكس المنافسة الاستراتيجية بينهما، فالدافع المهم لامتلاك الهند أسلحة نووية هو حقيقة أن الصين تمتلكها بالفعل.

في الوقت نفسه نجد أن الصين حليفة لباكستان، الخصم اللدود للهند، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الصين ترى مصلحة في تقييد نيودلهي، حتى تتمكن هي من تركيز طاقاتها على جنوبها وشرقها، وإذا كانت تلك السياسات قد تبدو وكأنها سياسات قوة كلاسيكية، فالسبب أنها كلاسيكية فعلاً.

عن القوى الناشئة والقدرات النووية

والشاهد أنه في إطار الحديث عن القوى الناشئة وما يمكن أن تسهم به في رسم معالم نهاية هذا العقد الزمني من القرن الـ21، تقابلنا في الطريق علامة مثيرة حول العلاقة بين دور أو أدوار هذه القوى من جهة، ومسألة التسلح النووي من جهة ثانية.

يبدو مثيراً إلى حد غريب، أن نرى دولة مثل كوريا الشمالية على صغر حجمها الجغرافي (120 ألف كيلومتر مربع)، وعدد سكانها بحدود 26 مليون نسمة، تمثل إزعاجاً لأميركا بقدرها وقدراتها، ولا تزال تمثل نوعاً من أسباب عدم الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة.

تم تقسيم شبه الجزيرة الكورية على طول خط 38 بعد الحرب العالمية الثانية، وباستثناء بعض الحوادث الصغيرة صمد الردع حتى الآن. كان الجانبان يمتلكان ترسانة ضخمة، وكانت هناك دائماً فرصة لإغراء كوريا الشمالية بالهجوم، نظراً إلى القرب وضعف سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، ومما يزيد الأخطار في السنوات الأخيرة تطوير كوريا الشمالية أسلحة نووية وصواريخ بعيدة المدى، مما يجعلها تهديداً ليس فقط لكوريا الجنوبية واليابان، ولكن للعالم بأكمله، بما في ذلك الولايات المتحدة.

هنا سيظل التساؤل مطروحاً حول ما إذا كان يمكن لمزيج من الدبلوماسية والردع أن يستمرا في منع الحرب بين الكوريتين، وكذلك بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة أم لا؟ والتساؤل عينه يمتد لجهة استعداد الولايات المتحدة للتعايش مع كوريا الشمالية التي تهددها بصورة مباشرة وقبولها نتيجة تفاوضية، توافق بموجبها كوريا الشمالية على الحد من قدراتها النووية والصاروخية، وليس القضاء عليها.

ثم تبقى هناك قضية مدى استقرار كوريا الشمالية حقاً، فقد تم حكمها بالوراثة طوال تاريخها، وهي واحدة من أفقر الدول وأكثرها انغلاقاً على وجه الأرض.

من هنا تبدو ملفات خلافية لقوى ناشئة سبباً في الحيرة التي تلف المشهد العالمي في اتجاه عام 2030، حتى وإن امتلك بعضها السلاح النووي، في حين عجز عن توفير الخبز لمواطنيه.

تبدو الخلاصة المؤكدة هي غياب حالة اليقين، لا سيما في ظل استعلان حالة السيولة الجيواستراتيجية، بين القوة القطبية الكبرى المتمثلة في الولايات المتحدة، والأخرى التي يمتلك بعضها بعضاً من مقومات الدول العظمى، في حين يغيب بعضها الآخر كما الحال مع الصين وروسيا.

من هنا ينحو الحديث مرة أخرى لجهة فكرة نشوء وارتقاء أنواع جديدة من الأحلاف، حتى بين القوى الناشئة، لمواجهة أميركا بنوع خاص، ما تجلى في مجموعتي "بريكس" و"شنغهاي" وغيرهما، على رغم علامات الاستفهام المرسومة حول قدراتهما في القيام بالتصدي والتحدي لأميركا أوروبا مالياً وعسكرياً.

فيما تبدو الحقيقة الثابتة هي أن العالم في مخاض لمدة السنوات السبع المقبلة، وفي انتظار تباشير مولود عالمي مختلف طولاً وعرضاً عما عرفه الجميع منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وحتى الساعة.

المزيد من تقارير