Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلسطين... حلم الدولة الذي قوضته تناقضات الواقع

75 عاماً من القرارات والمبادرات لم ير أي منها النور و"حرب غزة" أعادت للضوء خيارات التهجير أو حل الدولتين من بين ركام الخرائط المبعثرة

لاجئون فلسطينيون رحلوا عن قريتهم خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 (أ ف ب)

بين من يراها فرصاً ضائعة وآخرون يرون فيها أنها كانت ولا تزال إنكاراً لحقوق في الأرض والوطن لم تكن تقبل التنازل أو التفاوض، مرت القضية الفلسطينية منذ أربعينيات القرن الماضي بكثير من المنحنيات السياسية التي عمقت جذور صراع يستعصي على الحل النهائي على رغم تعدد المحطات لأطول وأعقد صراعات العصر الحديث وما بعد حقبة الاستعمار، وفق تعبير الأمم المتحدة بعد أن أحصت أكثر من 1000 قرار أممي بحقها منذ عام 1947.

وبقدر ما أحيته الحرب غير المسبوقة في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من فكرة عودة تهجير الفلسطينيين حيث مآسي النكبة التي تعرض لها الفلسطينيون وتهجيرهم من أراضيهم ومنازلهم وقراهم مع إعلان قيام الدولة العربية عام 1948، أعادت كذلك الضوء مرة أخرى وفق عواصم دولية عدة لضرورات حل الصراع الممتد على أساس حل الدولتين كخيار وحيد لوقف حلقة العنف المتكررة، على رغم ما شهدته الجغرافيا المتنازع عليها من تغيرات جزرية في ملامحها حتى وصلت مساحة الأراضي الفلسطينية إلى ما دون 15 في المئة من المساحة الكلية لما قبل قيام الدولة العربية من إجمال 27 ألف كيلومتر مربع.

ومع عودة الزخم للقضية عام 2023 كما لم يحدث منذ أعوام، تحاول "اندبندنت عربية" استقراء مستقبلها في عام 2024 عبر سرد أبرز المحطات السياسية التي مرت بها، بدءاً مما هو راسخ في عقول الفلسطينيين والعرب بنكبة الـ48 أو إعلان قيام دولة إسرائيل بحسب التوصيف المقابل، مروراً بقرارات التقسيم الأممية وأبرزها (181) و(194) الصادران عن الجمعية العامة، و(242) و (338) الصادران عن مجلس الأمن، ووضع الدولة الفلسطينية المستقبلية في اتفاقات "كامب ديفيد" و"أوسلو" أو المبادرات والمحاولات الدولية والعربية المختلفة لإيجاد حل عادل ودائم قائم على مبدأ الدولتين، وصولاً إلى خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب التي عرفت بـ" صفقة القرن"، وحالياً مساعي التهجير الإسرائيلية لفلسطينيي غزة والضفة والغربية باتجاه دولتي مصر والأردن.

التهجير والنكبة وقرار التقسم

لم تكن محطة عام 1948 حين إعلان إسرائيل قيام دولتها في مايو (أيار) بداية تغيير الوقائع على الأرض بقوة السلاح وفق المؤرخين والكتابات المعنية بالقضية، إذ كانت الخطوة الأولى نحو الدولة اليهودية قد اتخذت مع ما بات يعرف تاريخياً بوعد بلفور حين راسل رئيس الوزراء البريطاني آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1917 اللورد اليهودي والتر دي روتشيلد، أحد أضلاع عائلة روتشيلد الثرية، بدعم وتأييد بلاده لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو الأمر الذي تلاه اتساع لموجات هجرة اليهود إلى تلك البقعة الجغرافية وتضاعفت أعدادها خلال ثلاثينيات القرن الماضي من أوروبا بالتزامن مع حقبة الاضطهاد النازي في ألمانيا، إذ اعتبر مركز المعلومات الفلسطيني أن موجات الهجرة اليهودية توالت على فلسطين بتشـجيع ودعم من حكومة الانتداب البريطاني الذي استمر ما بين عام 1922 وعام 1947، كما ازدادت أملاكهم التي منحتهم إياها بريطانيا وسهلت لهم طرق شرائها بعد موجات سابقة محدودة في عهد السلطنة العثمانية.

وعلى وقع أعمال العنف المتبادل بين اليهود والعرب على أرض فلسطين رفعت المملكة المتحدة تلك القضية للأمم المتحدة عام 1947، ووفق المنظمة الأممية فإنه ولدى اجتماع أعضائها عام 1947 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) قدمت المنظومة الدولية خطة حل على شكل اقتراح حمل الرقم (181)يقضي أولاً بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وثانياً تقسيمها إلى دولتين مستقلتين واحدة لليهود وأخرى للعرب، إضافة إلى تدويل قضية القدس في شكل خاص كونها العقبة الكبرى في وجه أي حل بين الطرفين بموافقة 33 دولة واعتراض 13 دولة وامتناع 10 دول من التصويت.

وبحسب نص القرار الذي عرف بقرار التقسيم فهناك ثلاثة كيانات، الأولى دولة عربية فلسطينية تقام على 43 في المئة من تلك البقعة الجغرافية، فيما تقام الدولة اليهودية على 56 في المئة منها، بينما تحظى مدينتا القدس وبيت لحم بوضعية خاصة تحت الوصاية الدولية بمساحة واحد في المئة.

وبعد نحو ستة أشهر أعلنت إسرائيل قيام دولتها في مايو 1948 وهو ذلك الإعلان الذي كان له ما بعده في إطار الصراع العربي – الإسرائيلي، إذ توسعت تلك الدولة الوليدة بعد حربها مع الدول العربية المجاورة لتسيطر على نحو 77 في المئة من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من مدينة القدس.

 

 

ونتيجة ذلك فر أكثر من نصف السكان العرب الفلسطينيين أو طردوا، وسيطرت الأردن ومصر على بقية الأراضي التي حددها القرار (181) للدولة العربية وفقاً لما سجلته موسوعة النكبة الفلسطينية.

وبعد نحو عام من قرار التقسيم أصدرت الأمم المتحدة قراراً آخر حمل رقم (194) في الـ 11 من ديسمبر (كانون الأول) 1948، واختص بالتأكيد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم، معتبراً حق العودة من أهم ركائز القضية الفلسطينية.

ونص القرار على إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة ووضع القدس تحت إشراف دولي دائم، إضافة إلى تقرير حق اللاجئين في العودة لديارهم.

حرب الأيام الست وقرار الانسحاب

وبعد أقل من عقدين من إعلان قيام الدولة العبرية شنت إسرائيل وبصورة مفاجئة في الخامس من يونيو (حزيران) 1967 حرباً على ما يعرف بدول الطوق (دول الجوار العربي)، تمكنت عبرها من احتلال كامل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وأجزاء من أراضي سوريا (هضبة الجولان) وسيناء المصرية. وعليها أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم (242) في الـ 22 من نوفمبر عام 1967 الذي دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير، واحترام سيادة أي دولة في المنطقة، والاعتراف بها وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وحقها في العيش بسلام في ظل حدود آمنة ومعترف بها بعيداً من أية تهديدات أو تصرفات باستخدام القوة.

ومع مرور السنوات شكّل هذا القرار صلب المفاوضات والمساعي الدولية والعربية لإيجاد حل للصراع العربي – الإسرائيلي، وكثير من القرارات التي أتت بعده ومنها وقف حرب أكتوبر عام 1973 و"اتفاق السلام مع مصر" عام 1979 و"اتفاقات أوسلو" عام 1993 والتي أنشأت بموجبها السلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك "اتفاق وادي عربة" بين الأردن وإسرائيل عام 1994.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم تأسيس ذلك القرار للأساس الذي توافقت في شأنه الشرعية الدولية لحل الدولتين فإنه في الوقت ذاته أثار لغطا في تفسيره، إذ نصت صياغة النسخة الإنجليزية على الانسحاب من الأراضي مما جعل الإسرائيليين يقولون إن هذا يعني عدم الانسحاب من جميع الأراضي، لكن العرب أبقوا على تمسكهم بأن الانسحاب ينبغي أن يشمل جميع الأراضي التي احتلت في الخامس من يونيو عام 1967.

وفي أعقاب "حرب السادس من أكتوبر" أو "حرب يوم الغفران"، بحسب الوصف الإسرائيلي، التي شنتها القوات المصرية والسورية ضد إسرائيل، أصدرت الأمم المتحدة قراراً جديداً تضمن في جوهره القضية الفلسطينية حمل رقم (338) بتاريخ الـ 22 من أكتوبر عام 1973، إذ طالب من جملة بنوده بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (242) بجميع أجزائه، وهو القرار الذي طالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في "حرب 1967" وإيجاد حل عادل للاجئين الفلسطينيين.

وبحسب نص القرار على الموقع الأممي فإنه دعا جميع الأطراف المعنية بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (242) عام 1967 بجميع أجزائه، وفيه الانسحاب من سيناء والجولان وغزة والضفة بما فيها القدس الشرقية، إضافة إلى الدعوة لإطلاق مفاوضات بين الأطراف المعنية بإشراف دولي ملائم لإقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

ويقول إدوارد سعيد في كتابه "المسألة الفلسطينية" إنه "عقب انتهاء الحرب الأولى التي دارت بين العرب والإسرائيليين توسعت الأراضي التي كانت إسرائيل تحتلها، إذ زادت عما كانت نسبته 56 في المئة من أرض فلسطين الانتدابية التي منحت لإسرائيل بناء على توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى 78 في المئة من الأرض الفلسطينية، بما فيها كامل منطقة الجليل ومعظم مدينة القدس"، موضحاً "استولت إسرائيل بعد حرب الأيام الستة على المساحة الباقية من فلسطين، وهي 22 في المئة، كما ضمت القدس الشرقية إلى إقليمها بصورة غير قانونية، وفرضت نظاماً قاسياً من الاحتلال العسكري على سكان قطاع غزة والضفة الغربية الذي يناهز عددهم المليونين، وتزامنت جميع هذه الإجراءات مع مصادرة أراضي الفلسطينيين بطريقة منهجية وهدم آلاف المنازل الفلسطينية ومحو قرى بأكملها من الوجود، وإنشاء عدد كبير من الأحياء في المناطق العربية من القدس والناصرة".

فلسطين في اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي

بعد خمسة أعوام من حرب السادس من أكتوبر عام 1973 حين باغتت القوات المصرية والسورية نظيرتها الإسرائيلية بهجوم في الأراضي المحتلة، دعا الرئيس الأميركي آنذاك جيمي كارتر رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن والرئيس المصري أنور السادات إلى منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ماريلاند للتفاوض على السلام بعد عام من زيارة الأخير للقدس وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي في نوفمبر عام 1977.

واتفق المجتمعون بعد مفاوضات استمرت 12 يوماً وفقاً لشهادة وزير الدولة المصرية للشؤون الخارجية حينها بطرس غالي في كتابه "طريق مصر إلى القدس" على إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط يدعو إلى انسحاب إسرائيل على مراحل من شبه جزيرة سيناء، وإلى إقامة حكم ذاتي موقت للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبحسب وزارة الخارجية المصرية عبر موقعها الإلكتروني تضمن اتفاق السلام مع إسرائيل اتفاقين، الأول سمي بـ "إطار السلام في الشرق الأوسط" ووضع أسس السلام بتوسيع القرار رقم (242)، وحدد ما كان يأمل في أن يكون سبيلاً لحل المشكلة الفلسطينية، ونص على ضرورة إبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، ودعا إلى إبرام معاهدات أخرى بين إسرائيل وجيرانها، إذ هدفت الخطة إلى إنشاء "سلطة حكم ذاتي" في الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تتبع لاحقاً بمحادثات الوضع النهائي.

 

 

فيما جاء الاتفاق الثاني، وهو إطار كامب ديفيد لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي حددت خططاً للانسحاب الإسرائيلي الكامل من سيناء في غضون ثلاثة أعوام، وتم إبرامه في الـ 26 من مارس (آذار) عام 1979، ومثّل الاتفاق أول اعتراف من طرف بلد عربي كبير بإسرائيل بصفتها دولة لها الحق في الوجود لتنهي بذلك ثلاثة عقود من الحرب والنزاع بين الدولتين الجارتين.

ووفق نصّ وثيقة إطار السلام في الشرق الأوسط فقد تقرر أن تشترك مصر وإسرائيل والأردن وممثلو الشعب الفلسطيني في مفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية، وأن تتفق مصر وإسرائيل على ترتيبات لانتقال الضفة الغربية وغزة من الحكم العسكري الإسرائيلي إلى حكم ذاتي فلسطيني خلال فترة لا تتجاوز خمسة أعوام، كما تتفق مصر وإسرائيل والأردن على وسائل إقامة سلطة الحكم الذاتي، وقد يُضم للمفاوضات ممثلون عن الضفة الغربية وقطاع غزة أو فلسطينيون آخرون، بحسب ما يتفق عليه.

لكن الفلسطينيين الذين لم يكونوا طرفاً في الاتفاق رفضوا الانخراط في الاتفاق، وتحولت القاهرة لتكون أول عاصمة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل مما أغضب حينها كثيراً من الدول العربية التي رأت أنها خرجت من الصراع وقوضت وحدة الموقف العربي.

الانتفاضة الأولى والطريق نحو أوسلو

وفي عام 1982 أعاد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وضع القضية الفلسطينية مجدداً على سلم الاهتمامات الدولية بعد أن أدى هذا الاجتياح إلى انسحاب عناصر منظمة التحرير الفلسطينية إلى دول الجوار ما ولد في مرحلة لاحقة الانتفاضة الأولى عام 1987.

وخلال هذه الانتفاضة سعى الفلسطينيون إلى تحقيق عدة أهداف تقود نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم وتفكيك المستوطنات وعودة اللاجئين من دون قيد أو شرط إلى جانب تقوية الاقتصاد الفلسطيني، وعليه ضمت الانتفاضة حركة عصيان وتظاهرات ضد الاحتلال امتدت إلى كامل الأراضي المحتلة قبل أن تنخفض وتيرتها سنة 1991 بالتزامن مع مؤتمر مدريد للسلام الذي قاد في نهاية مساره إلى "اتفاق أوسلو" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

وبعد أربعة أعوام من قيام انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة انعقد مؤتمر دولي للسلام بمدريد في أكتوبر عام 1991 بهدف التوصل إلى تسوية سلمية من خلال المفاوضات المباشرة على مسارين، بين إسرائيل والدول العربية وبين إسرائيل والفلسطينيين، استناداً إلى قراري مجلس الأمن (242) عام 1967 و(338) عام 1973، وشارك فيه مندوبون من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في سابقة تاريخية.

ولم يتم التوصل إلى أية اتفاقات، غير أن المسرح أصبح مهيأً للاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين.

ووفق ما كتب دينيس روس أحد كبار المفاوضين الأميركيين في كتابه "السلام المفقود" الصادر عام 2004، فقد كان "مؤتمر مدريد" الذي رعته الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي "يهدف إلى استلهام المعاهدة بين مصر وإسرائيل من خلال تشجيع البلدان العربية الأخرى على توقيع اتفاقات سلام مع إسرائيل".

وبحسب الأمم المتحدة تُوجت سلسلة من المفاوضات اللاحقة عام 1993 بالاعتراف المتبادل بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني والتوقيع على إعلان المبادئ المتعلق بترتيبات الحكم الذاتي الموقت "اتفاق أوسلو"، فضلاً عن اتفاقات التنفيذ اللاحقة التي أدت إلى الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية وإلى انتخابات المجلس الفلسطيني ورئاسة السلطة الفلسطينية، والإفراج الجزئي عن السجناء وإنشاء إدارة فعالة في المناطق الخاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني، مشيرة إلى أن إشراكها كان ضرورياً باعتبارها حارس الشرعية الدولية، وأيضاً لتعبئة وتقديم المساعدة الدولية.

وفي "اتفاق أوسلو" أقر الطرفان في جزئه الأول على اعتراف متبادل بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بحق إسرائيل في الوجود، وبأن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثلة الشعب الفلسطيني، فيما اختص الجزء الثاني بإعلان المبادئ لتحقيق السلام ونص على انسحاب إسرائيلي تدريجي من الضفة وغزة، وتشكيل سلطة فلسطينية منتخبة ذات صلاحيات محدودة، وأن تبحث القضايا العالقة بما لا يزيد على ثلاثة أعوام، مثل المستوطنات واللاجئين وغيرها.

وعليه أنشئت سلطة حكم ذاتي فلسطينية موقتة لمرحلة انتقالية تستغرق خمسة أعوام على أن تتوج بتسوية دائمة بناء على القرار رقم (242) والقرار رقم (338).

ومروراً باتفاق غزة أريحا عام 1994 الذي نص على "اتفاق تنفيذي لأوسلو"، وهو خطوة البداية لانسحاب إسرائيل من غزة وأريحا وتشكيل السلطة الفلسطينية وأجهزتها جاء "اتفاق طابا" عام 1995 أو ما يعرف بـ "أوسلو-2" وفيه تم تقسيم المناطق الفلسطينية إلى ثلاثة مناطق (أ) و(ب) و(ج).

وتمثل المناطق (أ) 18 في المئة من مساحة الضفة وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً، أما المناطق (ب) فتمثل21 في المئة من مساحة الضفة، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، أما المناطق (ج) التي تمثل61 في المئة من مساحة الضفة فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، مما يستلزم موافقة السلطات الإسرائيلية على أي مشاريع، كما قضي الاتفاق بانسحاب إسرائيل من ست مدن عربية رئيسة و400 قرية في بداية عام 1996 وانتخاب 82 عضواً للمجلس التشريعي، والإفراج عن معتقلين في السجون الإسرائيلية.

ومع عدم تنفيذ نصوص تلك التفاهمات والاتفاقات بالكامل على الأرض جاء ما يكملها، ففي عام 1998 اتفقت منظمة التحرير وإسرائيل، وبصفة شاهد الولايات المتحدة الأميركية، في "واي ريفر-1" أو ما يعرف بـ "اتفاق واي بلانتيشن" على إعادة انتشار إسرائيلي في بعض المناطق الفلسطينية، وعلى قيام السلطة بترتيبات أمنية تقوم بها السلطة ومنها إخراج المنظمات الإرهابية عن القانون وتشكيل لجنتين الأولى ثنائية فلسطينية - إسرائيلية للتنسيق الأمني، والأخرى ثلاثية فيها الولايات المتحدة، إضافة إلى الطرفين السابقين لمنع التحريض المحتمل على الإرهاب.

كما نص على تشكيل لجنة أخرى ثلاثية أيضاً بهدف مراجعة وتنسيق الأمن ومحاربة الإرهاب، وعلى أن تستأنف مفاوضات الوضع النهائي والتوصل إلى اتفاق قبل الرابع من يونيو 1999.

ومع تعثر "واي ريفر-1" جاء اتفاق "واي ريفر-2" في عام 1999 لتعديل وتوضيح بعض النقاط المتعثر تنفيذها، بخاصة فيما يتعلق بإعادة الانتشار وإطلاق السجناء والممر الآمن وميناء غزة والترتيبات الأمنية وسواها، لكن تباعاً فشلت المفاوضات مجدداً للاختلافات العميقة بين الطرفين، ولاسيما حول مدينة القدس ومقدساتها وعودة اللاجئين في كامب ديفيد في الـ 11 من يوليو (تموز) عام 2000، وعليه انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في الـ 28 من سبتمبر (أيلول) عام 2000 فتشكّلت لجنة دولية برئاسة السيناتور الأميركي السابق جورج ميتشل في مارس عام 2001 توصلت إلى مقترحات عدة تتمحور حول إيقاف الاستيطان الإسرائيلي والعنف من الجانبين، إلا أنها كانت من دون جدوى بعد فوز أرييل شارون (الليكودي) في الانتخابات الإسرائيلية يوم السابع من  فبراير (شباط) عام 2001.

مبادرة السلام العربية

وفي خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت أواخر سبتمبر عام 2000 واستمرت خمسة أعوام، وتحديداً في مارس عام 2002 وخلال انعقاد القمة العربية في العاصمة اللبنانية بيروت، أطلق العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين استناداً إلى قراري الأمم المتحدة (242) و (338) سرعان ما أقرتها الدول العربية والإسلامية ومثلت أساس رؤيتهم لتطبيق السلام.

واستناداً إلى نصوص المبادرة فإن الحل الوحيد لذلك الصراع التاريخي يكمن في إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 تكون عاصمتها القدس الشرقية، مع تأكيدها انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان السوري المحتل وإيجاد حل عادل للاجئين الفلسطينيين.

وفي المقابل تعترف الدول العربية بحق إسرائيل في الوجود وتبحث سبل ما أعلنته سلاماً وتطبيعاً شاملين مع دول المنطقة، وهو ما مثل الإجماع العربي والإسلامي خلال الأعوام التي تلت عمر القضية، انطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الطرفين، وفق ما جاء في نص المبادرة، إلا أن الدولة العبرية رفضتها.

الرباعية الدولية والبحث عن سلام مفقود

وفي أبريل (نيسان) عام 2003 أعدت اللجنة الرباعية الدولية خريطة طريق لعملية السلام، وعلى رغم أنها كانت لا تضع تفاصيل في شأن تسوية نهائية للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني فإنها اقترحت الطرق الكفيلة لحل المشكلة وكيفية مقاربتها.

وهدفت خريطة الطريق إلى تحديد مراحل واضحة وجداول زمنية ومواعيد محددة الأهداف ومعالم على الطريق لتحقيق التقدم عبر خطوات متبادلة من الطرفين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية، ومجال بناء المؤسسات تمهيداً للوصول إلى تسوية نهائية وشاملة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني بحلول عام ،2005 بحسب ما جاء في خطاب للرئيس الأميركي أنداك جورج بوش الابن في الـ 24 من يونيو من العام نفسه، ولقي ترحيباً من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة.

 

 

وبحسب الخطة فستقود التسوية ثم التفاوض في شأنها إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ديموقراطية قادرة على البقاء، وتعيش جنباً إلى جنب بسلام وأمن مع إسرائيل وجيرانها الآخرين، وتنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967 بناء على الأسس المرجعية لمؤتمر "قمة سلام مدريد 1991" ومبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات الأمم المتحدة (242) و(338) و (1397) والاتفاقات التي جرى التوصل إليها سابقاً بين الطرفين ومبادرة السلام العربية، كما طالبت إسرائيل على الفور بتفكيك المواقع الاستيطانية التي أقيمت منذ مارس 2001، فضلاً عن تجميد الدولة العبرية جميع النشاطات الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات.

وكذلك نص الاتفاق على منح الفلسطينيين حق إقامة عاصمة دولتهم المرتقبة في القدس الشرقية، على أن يحتفظ الإسرائيليون بالسيادة على الحائط الغربي من المدينة القديمة.

لكن أمام استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية توقفت المحادثات بين الطرفين قبل أن تعود مرة أخرى خلال "قمة أنابوليس" التي رعاها الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش عام 2007، وذلك قبل ثلاثة أعوام من إطلاق خلفه الرئيس باراك أوباما في سبتمبر 2010 محادثات مباشرة في البيت الأبيض جمعت محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن انتهاء العمل في إسرائيل بالتجميد الجزئي للاستيطان أدى إلى انهيار المفاوضات، ثم عادت مجدداً في ظل دعوة من وزير الخارجية الأميركي حينها جون كيري عام 2013 وعلقت نهائياً في أبريل 2014.

وفي كتابه "كل يوم إضافة" يتذكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري بعضاً من العقبات التي حالت دون إتمام تلك المفاوضات قائلاً "إن الوقائع على الأرض التي اصطدم بها أن الجانب الإسرائيلي لا يتوقف عن خلق العقبات التي تعوق تقدم المفاوضات"، مشيراً إلى رفض بنيامين نتنياهو أكثر من مرة مقترحات أميركية للحل، ومنها تلك الخطة التي أعدها الجنرال الأميركي جون ألين وتقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وحلول القوات الأميركية مكانها، مع أحقية الجيش الإسرائيلي بالانتشار خلال ساعات إذا استشعر تهديداً، لكن نتنياهو أصر على أن إسرائيل بحاجة إلى الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في الضفة الغربية.

وبحسب كيري، "عبر هذه العراقيل أدركت صواب رأي الرئيس باراك أوباما الذي اعتبر عملية السلام منذ بدايتها إيماءة طيبة من واشنطن لإسرائيل، لكنها لن تثمر عن أي شيء، وحتى لم تشفع تلك الإيماءة من رد إسرائيل على القرار (2334)، ومنذ عام 1979 لم تعط الولايات المتحدة ضوءاً أخضر لمشروع قرار يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية، لكن أوباما قرر فعلها خلال الأسابيع الأخيرة لحكمه بعدم استخدام حق النقض (فيتو) ضد القرار (2334)".

صفقة القرن وشرعنة واقع جديد للقضية

وبخلاف المبادرات والمقترحات التي وإن اختلف بعض من تفاصيلها فإن جوهرها ظل قائماً على القرارات الأممية وما استقرت عليه الأطراف المنضمة إلى أن جاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (2016 - 2020) محملاً برؤية جديدة وخاصة لحل ذلك الصراع التاريخي في نحو 181 صفحة، قال عند الكشف عن تفاصيلها إنها خطة توفر فرصة للفلسطينيين والإسرائيليين ضمن حل الدولتين، وهي مختلفة عن خطط إدارات أميركية سابقة.

وتضمنت رؤية ترمب التي عرفت بـ "صفقة القرن" وضع إطار زمني مدته أربعة أعوام لقيام دولة فلسطينية، لكن بشروط صارمة قائمة على أن يوافق الفلسطينيون أولاً على وقف الهجمات التي تقوم بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة، كما يتعين على الفلسطينيين إنشاء مؤسسات للحكم من أجل إقامة دولتهم التي من المرجح أن تكون مماثلة للسلطة الفلسطينية الحالية التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً على أجزاء من الضفة الغربية، فضلاً عن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية والرفض الصريح للإرهاب بكل أشكاله وتعزيز مؤسساتهم.

وستشمل الدولة الفلسطينية التي ستكون منزوعة السلاح، مع مسؤولية إسرائيل عن مراقبة المجال الجوي، قطاعات من الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة الواقع على ساحل البحر المتوسط، وقطاعين ممتدين من الأراضي في صحراء النقب جنوب إسرائيل، وسيتم ربط الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين يفصل بينهما 40 كيلومتراً عبر نفق، وستقام العاصمة الفلسطينية عبر بلدات عدة على حدود القدس الشرقية.

ومِن ضمن الشروط الصارمة أمام الدولة الفلسطينية أن تحتفظ إسرائيل بالمسؤولية الشاملة عن الأمن للدولة الفلسطينية، بما في ذلك المعابر الحدودية الدولية لدولة فلسطين، كما أن التقسيم والتخطيط في المناطق الحدودية بين إسرائيل وفلسطين سيخضع للمسؤولية الأمنية الشاملة للدولة العبرية، كما ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة على المجال الجوي والطيف الكهرومغناطيسي غرب نهر الأردن، ولن يسمح للدولة الفلسطينية بتشكيل جيش أو إبرام اتفاقات أمنية أو مخابراتية مع أية دولة أو منظمة يمكن أن تؤثر في أمن إسرائيل.

وستسمح الخطة في حال تطبيقها للدولة العبرية بالحق في الدخول إلى دولة فلسطين للتأكد من أن تظل منزوعة السلاح ولا تمثل تهديداً، وفي ما يتعلق بالأماكن المقدسة دعا الرئيس الأميركي إلى الحفاظ على الوضع القائم وإبقاء الحرم القدسي وجبل الهيكل لدى اليهود، حيث يقع المسجد الأقصى، تحت إشراف الأردن، وهي الخطة التي رفضتها بالمجمل السلطات الفلسطينية.

حرب غزة وسيناريوهات التهجير

ومع حرب غزة الأخيرة عاد الحديث وبكثافة عن خطط إسرائيلية وغربية لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، باعتباره أحد السيناريوهات المطروحة لحلحلة القضية من وجهة النظر الإسرائيلية، وهو الأمر الذي قوبل برفض واستنكار مصري وعربي واسع.

ومن أبرز المشاريع الرسمية الحديثة التي تحدثت في هذا الاتجاه تلك التي جاءت في وثيقة خاصة تابعة لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية مؤرخة في الـ 13 من أكتوبر الماضي وتوصي بـ "إجلاء السكان المدنيين من غزة إلى سيناء"، ولاحقاً أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيل بنيامين نتنياهو صحتها لكنه قال إنها "مجرد ورقة مبدئية"، وفق ما نقلت موقع "نيو لوكال" الإخباري الإسرائيلي.

وبحسب صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية فإن الوثيقة "تتضمن ثلاث مراحل، منها إنشاء مدن من خيم في سيناء جنوب غرب القطاع، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وبناء مدن في منطقة شمال سيناء ليتم بعد ذلك إنشاء منطقة عازلة على امتداد كيلومترات عدة داخل مصر، وعدم السماح للسكان بالعودة لممارسة الأنشطة أو الإقامة قرب حدود إسرائيل مرة أخرى".

كما تدعو إلى إيجاد تعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول حتى تتمكن من استقبال الفلسطينيين المهجرين من غزة، وتوصي الوثيقة بتنفيذ عملية تهجير للمدنيين من غزة باعتبارها النتيجة المرجوة من الحرب، وتنقسم خطة النقل هذه إلى مراحل عدة، ففي المرحلة الأولى يتم إجلاء سكان غزة إلى الجنوب في حين ستركز الضربات الجوية على الجزء الشمالي من القطاع، وفي المرحلة الثانية يبدأ التوغل البري مما سيؤدي إلى احتلال القطاع بأكمله من الشمال إلى الجنوب، وتطهير المخابئ الموجودة تحت الأرض من مقاتلي حركة "حماس"، وفي الوقت نفسه الذي سيتم فيه احتلال غزة، بحسب الوثيقة، ينتقل سكان القطاع إلى الأراضي المصرية، ولن يسمح لهم بالعودة له بصورة دائمة.

ولم تكن تلك الوثيقة المحاولة الإسرائيلية الوحيدة للدفع بهذا الاتجاه إذ تعددت المحاولات والمساعي لتهجير فلسطينيي غزة باتجاه مصر وفلسطينيي الضفة الغربية باتجاه الأردن، طوال العقود السبعة من عمر الصراع، وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة تعود للفترة التي تلت "نكبة 1948"، إذ يرى القادة الإسرائيليون أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير