Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعبر الشخصيات "الخفية" عن حقيقة الحرب في السودان؟

تستخدم سلطة الخطاب لدرجة مخاطبة قادة الجيش وأمرهم بضرب المنازل بالطيران واستهداف الجسور

لعب ناشطون ناطقون باسم الجماعات الثورية ولجان المقاومة السودانية دوراً بارزاً في الاحتجاجات قبل أن تنتقل هذه النشاطات بعد الحرب إلى المنصات (غيتي)

ملخص

هناك اختلاف حول دور الحسابات "الخفية"، فمنهم من يرى أنها تقوم بالتنوير، وآخرون يرون أنها تمارس تضليلاً متعمداً.

لعب ناشطون ناطقون باسم الجماعات الثورية ولجان المقاومة السودانية دوراً بارزاً في انتقاد أداء الحكومة الانتقالية تحت سيطرة مجلس السيادة الانتقالي السوداني المكون من المجلس العسكري والمدنيين، إذ رأوا أنه لم يكن بحجم التوقعات بعد وقوع تضحيات كثيرة منذ اندلاع انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018 وإسقاط الرئيس السابق عمر البشير.

وكانت تلك الفترة بمثابة فترة تجريبية لبعض أشكال الحرب النفسية، إذ نشط فيها مجهولون للترويج لانتماءاتهم، وشهدت أحداث القيادة العامة للقوات المسلحة التي راح ضحيتها عشرات المعتصمين في ميدانها وخلفت عدداً كبيراً من الإصابات واختفاء آخرين.

بعد اندلاع الحرب السودانية منذ الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي أسهم ناطقون مجهولون باسم العسكر وآخرون باسم المكون المدني في التخطيط لحرب إعلامية نفسية أحدثت فوضى كبيرة، إذ استندوا إلى "الدعاية" أكثر من دورهم في الإعلام الجماهيري، وفق هدف خفض معنويات الخصم السياسي وخططه الحربية، ورفع معنويات الطرف الذي يتحدثون باسمه والحد من الدعاية المضادة. تطورت هذه النشاطات وتنقلت بين المنصات، وتحت أستار وسائل التواصل الاجتماعي وجدت بيئتها الخصبة للنماء.

غياب الإعلام

اختلف الناس حول دور هذه الشخصيات "الخفية"، فمنهم من يرى أنها تقوم بالتنوير خصوصاً مع غياب الإعلام الرسمي للسلطة وتغييب الإعلام والصحف المستقلة. وآخرون يرون أنها تمارس تضليلاً متعمداً وتعبر كل منها عن أحد طرفي النزاع وتمارس ميولاً استقطابية للناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا يخلو دورها من توجه سياسي مرسوم ومخطط له، ولا يعدونها عفوية إذ إن هناك استجابة واسعة للمحفزات المعلوماتية والتحليل لأي حدث ومستوى توقعاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لدى هذه الشخصيات صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي حازت على متابعة عالية، فمثلاً يتابع صفحة شخصية "الانصرافي" و"البعشوم" على "فيسبوك" مئات الآلاف، واستنسخت منها صفحات أخرى حصلت على عشرات الآلاف من المتابعين. ولا يعد هذا تسلسلاً هرمياً بل هو ناشئ عن الاستجابة للمحفزات المعلوماتية واستغلال ظروف الحرب لتحريك جموع غفيرة من المتابعين.

وثار جدل واسع حول قانونية حسابات الشخصيات الخفية، ولكن آراء قانونية عدة أوردت أنه لم يصدر قانون في شأنها، كما أنها لم تدخل في بنود قانون "جرائم المعلوماتية" ما لم يكن إنشاؤها بقصد ارتكاب جريمة ما أو التهرب من ملاحقة قضائية.

مهمة مزدوجة

اشتغلت شخصيات بحسابات خفية عدة على الدعاية والحرب النفسية التي بدأت على نحو بسيط وبدائي وأحياناً مبالغ فيه ولكنها تطورت بتطور الصراع. وصف الكاتب الصحافي محمود لعوتة هذه الشخصيات بأنها "عبارة عن مجسمات إعلامية متحركة تحاول الدفاع عن قضايا الوطن من خلال برنامج حزبها السياسي الذي تنتمي إليه، وتزعم تلمس القضايا الوطنية ولكنها في الحقيقة تسعى إلى تحقيق أهداف معينة".

وأوضح لعوتة "هذه الشخصيات الخفية مثل (الانصرافي) منذ ظهوره على الساحة وفي مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً (فيسبوك)، ظل منذ البداية ضد التغيير ويدعم توجهاً سياسياً معيناً يتضح في خطابه الإعلامي، ومع ذلك فهو يزعم أنه يعبر عن كيان الأمة السودانية. ومثله كثر يمثلون نفس الدور والنمط والمنهج الإعلامي الذي يعكس التعصب الحزبي ولكنه يبرع في تغطيته بقضايا وهموم السودان".

 

 

وأضاف لعوتة "أسهمت الأزمات التي مرت على السودان في الفترة الأخيرة ثم ظروف الحرب في منح هذه الشخصيات مساحة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي".

وأبدى الكاتب الصحافي ملاحظته بأن "شخصية الانصرافي وغيرها لها دور في توجيه القرارات السياسية، بل أسهمت بقدر كبير في إحداث بعض التغييرات في القدرات العسكرية للصراع الدائر، وتحديد التوجه السياسي لحكومة الأمر الواقع الموجودة في السودان بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، خصوصاً تحركاته الداخلية وزياراته الخارجية، كما فرضت تأثيرها وسيطرتها على عدد كبير من المتابعين وحددت آراءهم في كثير من القضايا ووجهتهم للوقوف مع أو ضد جهة ما مستخدمة أسلوباً عاطفياً مؤثراً وجاذباً".

وأورد الكاتب الصحافي "في ظل غياب الإعلام وضعف أدواته لجأ كثر إلى الاعتماد على الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي بسبب التقليدية المهنية في التلفزيون والإذاعة وتوقف الصحف عن الصدور. وقد أثرت الحرب في الخدمة الإعلامية، إذ تحول الصحافيون إلى نازحين ولاجئين، كما تأثرت الخدمة المقدمة بعدم الأمن والاستقرار، إضافة إلى انقطاعات الكهرباء والإنترنت".

وأضاف "البديل في هذه الحال هو اللجوء إما لمراسلي الصحف والقنوات الفضائية العالمية أو شهود عيان أو الصحافي المواطن، وربما تعتقد الشخصيات الخفية أنها تقع ضمن التصنيف الأخير، لذلك تقوم بدورها من دون أي تردد وفق اعتقاد بأنها ركيزة ثابتة في معظم مواقع التواصل الاجتماعي، مدعومة ببرنامج وانتماء سياسي معين".

وتابع "ظل دورهم متأثراً بتسارع مجريات الأحداث، ومهمتهم مزدوجة بين التضليل والتنوير، ففي حال التضليل يذهبون باتجاه دحض القرارات بإصدار الإشاعات، وفي حال التنوير يدعمون القرارات ويحفزون الجماهير لتأييدها".

سلطة الخطاب

مع أزمات السودان المتلاحقة برزت ظاهرة إنتاج الرموز وتوظيفها، وكان من الطبيعي أن يكون الاتجاه نحو رموز سياسية أو ثقافية أو اجتماعية معروفة نسبة إلى دورها ومدى تأثيرها، ولكن غرابة الوضع الحالي أنتجت رموزاً خفية تعلق بها الناس في محاولتهم البحث عن حقيقة ما يدور في الحرب السودانية. ويحيط التعتيم والفوضى بالوضع الحالي، بداية من أهداف هذه الحرب وخطة كل طرف وكيفية إدارتها.

يقول المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك فائز السليك "تمددت وسائط التواصل الاجتماعي في السودان، وحلت محل وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية، وبرز هذا التمدد خلال الحرب بصورة جلية، ويعبر عن ذلك اختفاء بث كل القنوات والإذاعات السودانية بما فيها التلفزيون الرسمي منذ أول يوم للحرب".

ويضيف "برزت ظاهرة (المباشر) على (فيسبوك) كمعادل موضوعي لبرامج (التوك شو) في القنوات من جهة الفكرة والمضمون وطريقة السرد والمخاطبة المباشرة للجمهور من قبل مقدم البرنامج بعد الاستغناء عن البرامج الحوارية، لما تتميز به من توظيف للعناصر الدرامية مثل اللغة البسيطة والمباشرة والتمثيل وتوظيف لغة الجسد، لا سيما نبرات الصوت والإثارة والتشويق".

وذكر السليك أنه "خلال هذه الحرب برزت أسماء جديدة وتراجعت أخرى معروفة ليبرز متحدثون موالون لقوات (الدعم السريع) والجيش، وتقدم هؤلاء شخص مثل (الانصرافي)، ويبدو الذكاء هنا في اختيار الاسم لسهولة حفظه ولغرابة وصفه".

وأوضح "وظفت هذه الشخصية عنصر الإثارة بصورة لافتة بدءاً من عدم معرفة اسمه والميل إلى الغموض، وهذا ما جعله مثار اهتمام، وأيضاً أسلوبه البسيط في الحديث، وفي الوقت ذاته يستخدم سلطة الخطاب لدرجة مخاطبة قادة الجيش كأنه هو الناهي والآمر، وسبق أن طلب ضرب المنازل بالطيران واستهداف الجسور، وحقق الجيش ذلك".

وتوقع المستشار الإعلامي السابق أن "مثل هذه الشخصيات تكون قريبة من أجهزة الاستخبارات والأمن التي تغذيها بمعلومات جديدة وبخاصة من دون تحمل أدنى مسؤولية. وليس بالضرورة أن تكون المعلومات صحيحة بقدر ما هي إعلام دعائي للتحشيد والتوجيه المعنوي والحرب النفسية ضد الخصم".

وبين السليك أن "سبب انتشار الظاهرة هو حب الناس وبحثهم عن الغموض، والميل إلى تصديق ما تريده النفس (التفكير الرغبوي)، وعدم إجهاد الذهن بالبحث والتحقق من المعلومات، وعدم القابلية لتصديق روايات مناقضة لما يريده بعض الناس في أوقات الحروب والأزمات، إضافة إلى البعد الدرامي".

عنصر جاذب

تفرض ديناميات وسائل التواصل الاجتماعي وتضاريس الحرب الإعلامية النشطة بموازاة الحرب على الأرض طبيعة خطاب مختلفة، لذلك اختارت الشخصيات النشطة حالياً في الفضاء الإلكتروني السوداني أن تلعب دوراً واضحاً بوسائل خفية، ومن غير مستبعد أن يكون العنصر الجاذب هنا هو التخفي.

 ذكرت الباحثة الاجتماعية أمل إبراهيم "يتميز خطاب الشخصيات الخفية بغزارة الأداء التعبيري، إذ يتلاعب بعنصري الزمان والمكان لتعميق فكرة الحرب الحالية التي تسببت في فقدان الشخصيات البوصلة للوصول إلى حقيقة ما يدور على الأرض. والمفارقة هنا ربما تكون قائمة على فكرة الانتقام والثأر، خصوصاً أن هناك من يقول إن هذه النشاطات يديرها قادة إسلاميون معروفون عبر أبنائهم أو شباب حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق".

وأوردت إبراهيم "ينطلق هؤلاء من أن الإسلاميين يؤمنون بأن هناك شخصيات خفية كانت تقاتل مع قواتهم (الدفاع الشعبي)، وهي الميليشيات التي أسسها زعيم التيار الإسلامي حسن الترابي لتكون إلى جانب الجيش، في أحراش جنوب السودان إبان الحرب الأهلية. وادعى كثر منهم أنهم شهدوا أطيافاً بشرية تقاتل معهم. وإذا كان التصور العادي لهذه القوات الإضافية هي أنها ترتدي زياً قتالياً وتمتشق أسلحتها، لكن زخرت أدبيات الإسلاميين بحكايات تقول إن ملائكة يقاتلون معهم بأسلحة متلألئة تفوح منهم رائحة المسك".

نظام معقد

من جانبه يرى الناشط السياسي عز الدين بوشي أن "(الدعم السريع) يستفيد من آلة الحرب وفق نظام معقد يعتمد على تعاون قواته مع وسائل الإعلام المستقلة المختلفة، ولا يحتاج إلى شخصيات خفية تعمل من منصة الدعاية والتلاعب بالحقائق والأحداث".

وأردف بوشي "قد يكون لدى (الدعم السريع) مراسلون مدمجون مع القوات أو لديهم إمكانية الوصول إلى معلومات سرية، ولكن مقارنة بالجيش فإن الأخير يعد أكثر قدرة على استخدام وسائل الإعلام للترويج لأجنداته الخاصة، ومع ذلك تقدم بعض الشخصيات الخفية خدماتها إليه، بينما يعتمد (الدعم السريع) على التغطيات من قواته والتحليل من مستشاريه، وهم معروفون".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات