Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطابا رئيس مجلس السيادة ونائبه... رسائل من بريد الحرب 

حملا رسائل محددة فيها تقسيم واضح للعمل والأدوار بين البرهان وعقار

ما يمكن الخروج به من تحليل لمضمون الخطابين، المتناقضين ظاهرياً، هو أن هناك ميلاً للجنوح إلى التوافق (أ ف ب)

ملخص

لقي خطاب عقار انتقاداً حاداً من ناشطي المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، الذين ينشطون اليوم في استثارة الحشود والاستنفار الشعبي لنصرة الجيش

في أقل من ثلاثة أيام خرج كل من قائد الجيش السوداني رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان ونائبه في مجلس السيادة الفريق مالك عقار على الشعب السوداني بخطابين، كل على حدة، يعكسان إلى أي مدى أصبح الوضع السوداني معقداً بعد الحرب، بل وبسبب الحرب ذاتها.
وإذا ما قدرنا تقديراً أولياً أن ثمة افتراضاً للتناقض في فحوى الخطابين، أقله لصدورهما عن مؤسسة سيادية واحدة، فربما يهجرنا اليقين بذلك الافتراض، متى ما تأملنا في مضمونهما، ففيما نجد أن خطاب البرهان بدا مليئاً بمفردات مثل: الخيانة والغدر والكذب، والدعوة إلى مواصلة الحرب حتى القضاء على تمرد "الدعم السريع" مع وعد قريب بيوم النصر، يعكس ظاهر خطاب عقار اهتماماً بتسيير شؤون الحكومة وحديث عن المشكلات التي تواجه المواطنين والعقبات التي تعيق دولاب العمل العام في الدولة، إلى جانب خريطة طريق للحل تحدثت عن ضرورة الوصول إلى تسوية، مع رسائل وجهها مالك عقار في خطابه لأكثر من جهة. وكان من ضمن الجهات التي توجه إليها عقار بالرسائل قوات "الدعم السريع"، فقال "اتركوا عنكم الغلواء وانظروا بعين المسؤولية إلى ما حدث ويحدث. وسلسلة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتموها من قتل واغتصاب وتهجير واحتلال بيوت ونهب ممتلكات المواطنين واحتلال المؤسسات الخدمية، هذه جرائم جعلت بينكم وبين الشعب السوداني هوة كبيرة. إن حدة الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين لم تبلغ مبلغ انتهاكات قواتكم فأناشدكم مرة أخرى كف يد قواتكم عن المواطنين والمواطنات وترك الغلواء ولا تأخذكم العزة بالإثم، وأن تعوا أنه لا وجود لجيشين في دولة واحدة".
إن تحليل ظاهر التناقض في المقارنة بين الخطابين قد لا يحيلنا بالضرورة إلى ما يؤدي إليه ذلك الافتراض بينهما، إذا ما فكرنا مثلاً في خلفيات الوضع المعقد للحرب وردود فعلها في الاهتزازات التي ضربت قوى سياسية وعسكرية وجدت نفسها بعد الحرب أمام اختبار عسير ومحفوف بالمخاطر حيال تحالفات ومواقف حرجة من طرفي الحرب في ميدان عام جعلت منه ظروف الحرب مناسبة قوية لخلط الأوراق، وسمحت تلك الفوضى ببروز فاعلين مستترين نشطوا علناً في مناخ الفوضى ليلعبوا دوراً سلبياً في توجيه الحرب، خصوصاً بعد هرب قادة النظام الإخواني من السجون، وفي ضوء الاجتماعات والحراك الذي يقودونه مع قواعدهم في الولايات من أجل دعم هذه الحرب واستمرارها.
وفقط في مثل الظروف التي وصفناها آنفاً ربما يمكننا إدراك نقاط التقاطع بين خطابي رئيس مجلس السيادة ونائبه، فنحن هنا أمام خطابين يتركان الباب موارباً في مسألة الخروج من مأزق الحرب، عبر أية خريطة طريق، كما يصرح بذلك ظاهر خطاب مالك عقار. ولسنا أيضاً أمام تنفيذ لوعيد بمواصلة الحرب والقضاء على "الدعم السريع" كما هو ظاهر من فحوى خطاب البرهان، لكننا أيضاً بإزاء رسائل محددة في الخطابين، فيها تقسيم واضح للعمل والأدوار بين رئيس مجلس السيادة ونائبه، تتصل بظروف الحرب في الداخل، وهي رسائل مزدوجة التوجيه إلى قوى في الداخل تنشط في ميدان الحرب وإلى أخرى في الخارج، الأمر الذي يدل بوضوح على اختلال واضح في القدرة على إدارة الحرب من طرف القوات المسلحة، واحتمال وجود مراكز قوى في قيادة الجيش، وفق الوقائع التي كشفت عنها طبيعة إدارة الحرب من طرف القوات المسلحة خلال الأشهر الأربعة الماضية.
وإذا تأملنا عميقاً في خطاب البرهان، سنجد إشارات مورابة لإرادة التوافق للخروج من مأزق الحرب وضرورة الحفاظ على الجيش الواحد، لكن هذا التوافق الذي ينشده البرهان الآن وهنا ليس مطلوباً من القوى السياسية، وإنما هو مطلوب على نحو ملح من الجيش و"الدعم السريع" للخروج من مأزق الحرب، وهنا تماماً نقع على الطريقة الغريبة التي أخفى بها البرهان إرادة التوافق لإنهاء الاقتتال في ظاهر فحوى خطابه المشحون بمفردات العنف. ونلحظ ذلك بوضوح في كلامه عن الجيش الواحد وهي أمنيات كان بالإمكان الوصول إلى اتفاق بشأنها في ترتيبات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري ضمن "الاتفاق الإطاري" قبل يوم الـ15 من أبريل (نيسان)، إذ كانت قبل الحرب أقرب بكثير منها إلى اليوم، وكان ثمن التوافق على تسوية آنذاك ممكناً حتى بفترة دمج تستغرق 10 سنوات، فكل ذلك كان أقل ثمناً بكثير من الحرب التي تقتل السودانيين اليوم وتهجرهم على هذا النحو القاسي.
كما أن خطاب مالك عقار وإن بدا ظاهره خريطة للحل، فهو أولاً يأتي كمبادرة ثانية بعد المبادرة الأولى التي أطلقها قبل أسابيع وكان مصيرها الفشل، وهذه المرة أيضاً لا يعكس محتوى خطابه وما جاء في رسالته إلى "الدعم السريع" أي معنى دبلوماسي لإرادة الحل، لهذا كان الرفض الواضح والسريع من قوات "الدعم السريع" غير مفاجئ لأحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى جانب ذلك لقي خطاب عقار انتقاداً حاداً من ناشطي المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في السوشيال ميديا، الذين ينشطون اليوم في استثارة الحشود والاستنفار الشعبي لنصرة الجيش، لاسيما من خلال قادتهم الذين فروا من السجن خلال الحرب أمثال أحمد هارون وعلي عثمان محمد طه، الأمر الذي يدل بوضوح إلى أن مصير خطاب عقار وخريطته للحل سيكون الفشل الذريع.
هكذا إذا كان ظاهر التناقض في خطابي البرهان وعقار يخفي توافقاً في دلالتيهما لا سيما في رسائلهما إلى الداخل، فإن تلك الرسائل هي مجرد محاولات من رئيس مجلس السيادة ونائبه هدفها تطمين جهات مختلفة باتجاهين مختلفين ظاهرياً، فالبرهان يريد أن يطمئن أولئك الذين يناصرونه علناً في هذه الحرب من قادة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وناشطيهم في السوشيال ميديا، لذا جاء خطابه بتلك النبرة الحادة والغضب المفتعل، مع ترك الباب موارباً أمام الحل السياسي الذي مر عليه سريعاً في نهاية الخطاب حين تحدث عن التوافق بين أبناء الوطن وعن نية القوات المسلحة الابتعاد عن السلطة السياسية.
أما مالك عقار فأراد كذلك توجيه رسائل، كما كان واضحاً من فحوى خطابه إلى الداخل والخارج، لكن أهم الرسائل التي توخاها كانت تلك التي أرسلها إلى كل من القوى السياسية وعلى وجه الخصوص "قوى الحرية والتغيير – المركزي"، وكذلك المجتمع الدولي والإقليمي.
وإذا كان ثمة حديث خاص – غير رسمي - في دوائر الخارجية الأميركية يرحب بفحوى خطاب عقار، فإن خريطة الحل التي يزعمها لا تملك وجاهة ولا إقناعاً لقوات "الدعم السريع" لا شكلاً ولا مضموناً، فمن الناحية الشكلية لا يمكننا أن نتصور أي إمكان لقبول مبادرة هي من طرف خصم منخرط في القتال ضد "الدعم السريع"، إذ تقاتل قوات "الحركة الشعبية شمال" بقيادة مالك عقار إلى جانب الجيش ضد "الدعم السريع"، ومن ناحية المضمون لا تعكس فحوى الرسائل الموجهة إلى "الدعم السريع" في خطاب عقار غطاء دبلوماسياً يتوخى السلم.
فمما هو معروف أنه على رغم الانتهاكات المتهمة فيها قوات "الدعم السريع" في تقارير منظمات حقوقية دولية، إلا أن تلك المنظمات ذاتها سجلت في تقاريرها انتهاكات مارسها الجيش السوداني أيضاً، بحيث أنها نسبت الانتهاكات إلى الطرفين وبطبيعة الحال لا يمكننا أن نتصور وفقاً للشكل والمضمون الذي ظهرت فيه خريطة مالك عقار للحل، إلا مصيراً فاشلاً لا محالة.   

بيد أن ما يمكن الخروج به من تحليل لمضمون الخطابين، المتناقضين ظاهرياً، هو أن هناك ميلاً للجنوح إلى التوافق، ولكن ليس ثمة إرادة واضحة لاتخاذ قرار في المضي قدماً نحو إنهاء الحرب عبر التوافق، وغياب هذه الإرادة ربما يعكس مشكلات داخلية في إدارة الحرب من طرف الجيش، وكذلك الضغوط الواقعة عليه من ناشطين من الحركة الإسلامية (خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي) تبنوا مبادرات للحشد والاستنفار الشعبي للوقوف إلى جانب الجيش، في وقت كان واضحاً جداً فيه أن قدرة الجيش بدت غير كافية على مواجهة "الدعم السريع"، الأمر الذي يفسر لنا الدعوة الصريحة للبرهان قبل عيد الأضحى للشباب ولكل من هو قادر على حمل السلاح إلى حماية نفسه والقتال إلى جانب الجيش.
وفي ظل التململ الواضح من أداء الجيش في خطاب ناشطي المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الانتقادات الشديدة الموجهة إلى قائد الجيش بسبب التراخي في مواجهة "الدعم السريع"، فإن تلك الانتقادات الشديدة ربما كانت مؤشراً إلى أن الجيش يدرس خيارات متعددة لإنهاء الحرب، على رغم غياب الإرادة الواضحة في المضي قدماً بذلك، خصوصاً بعد مضي أربعة أشهر على اندلاع الحرب من دون أن ينتصر طرف على آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل