Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طول أمد الحرب يدفع أطفال السودان لسوق العمل

استشارية نفسية تحذر من حرمان الصغار حقوقهم الصحية والتعليمية

أطفال السودان أول من دفعوا ثمن الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع (أ ف ب)

ملخص

دخلت حرب السودان شهرها الثامن ما يزيد الأعباء المادية على الأسر التي لجأت إلى الدفع بأطفالها لسوق العمل مبكراً.

مع احتدام المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في العاصمة الخرطوم، فضلاً عن عدم وجود بوادر لإنهاء الصراع الذي دخل شهره الثامن على رغم التدخلات الدولية والمبادرات لاحتوائه، تتزايد المخاوف على أوضاع الأطفال في البلاد، إذ جرى منع السكن في المدارس بعد فتحها في معظم الولايات البعيدة من القتال.

مخاوف النازحين بعد أن كانت تتعلق بالمأوى، أصبح الآن خطر الجوع والفقر يهددهم بعد نفاد الأموال التي كانوا يدخرونها، كما أن عدم صرف المرتبات ضاعف معاناتهم، في ظل توقعات بتفاقم الأوضاع، بحسب تقارير الأمم المتحدة التي أكدت أن الجوع يحاصر نحو 25 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة.

هذه الظروف القاسية قادت عديداً من الأسر النازحة إلى دفع أطفالها دون سن الثامنة عشرة إلى الانخراط في مهن هامشية من أجل توفير لقمة العيش لها، نظراً لما تمر به من وضع كارثي في ظل توقف الدعم الحكومي والمساعدات الإنسانية إلا من بعض الجهات الخيرية التي تنشط في هذا المجال، فضلاً عن ارتفاع الأسعار في السلع الضرورية، بالتالي ترك هؤلاء الأطفال مقاعد الدراسة مبكراً وهو ما يهدد مستقبلهم التعليمي ويؤدي إلى ظهور أزمة جديدة تتمثل في انتشار الجهل وسط المجتمع السوداني.

نقص الغذاء

في أحد مراكز الإيواء بمدينة بورتسودان، يقبع عدد من الأسر النازحة من أم درمان، يعانون منذ أكثر من سبعة أشهر من نقص الغذاء بخاصة أن معظمها يفوق عددها الخمسة أفراد، لكن عدم مقدرتها على الإيفاء بمتطلبات الحياة اليومية، فضلاً عن نفاد المخزون الغذائي والأموال التي خرجوا بها من منازلهم، جعلهم يزجون بأطفالهم إلى سوق العمل.

هنا تقول آمنة محمد محجوب التي تقيم في مركز إيواء، "منذ وصولنا بورتسودان قادمين من الخرطوم بعد اندلاع الحرب بأسبوع اتجهنا للإقامة في أحد مراكز الإيواء لعدم مقدرتنا المالية للسكن في فندق أو شقق مفروشة، لكن المؤسف أن هذه المراكز لا تتوفر فيها أبسط أنواع الخدمات والرعاية".

وأضافت، "لدينا تخوف مستمر من أمراض سوء التغذية وانتشار الأوبئة المعدية التي باتت تهدد الولايات بخاصة الأطفال الذين أصبحوا مواجهين بخطر الموت بسبب الإسهالات المائية، وتفادياً لأي مشكلات صحية لا بد من توفر المتطلبات اليومية من السلع الضرورية، لذلك خرج أبنائي للعمل في الوقت الذي كان من المفترض أن يكونوا في صفوف الدراسة التي فتحت أبوابها قبل أيام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابعت، "(محمد) ابني الأكبر يعمل في غسل السيارات أمام المؤسسات والشركات بمدينة بورتسودان، وعمله هذا يفي إلى حد كبير بالمتطلبات اليومية، أما ابني الثاني (عبدالله) البالغ من العمر 12 عاماً يعمل مع والده في السوق وهم يفترشون الأرض لبيع الخضراوات التي يتحصلون عليها من تجار السوق الكبار مقابل نسبة من المبيعات".

ومضت في حديثها، "هذه الأعمال التي ندفع ثمنها غالياً هي خصم من رصيد مستقبل أبنائي على رغم أننا بفضلها خرجنا من دائرة الفقر والجوع، بيد أنني أحاول جاهدة بأن لا يدب اليأس والمخاوف والاكتئاب بين أفراد أسرتي التي من الممكن أن يكون لها مردود على صحتهم النفسية ويصبح هناك طفل معاق نفسياً لا يستطيع التعامل مع المجتمع، بخاصة أنهم فقدوا أقوى سلاح يتسلحون به في المستقبل وهو سلاح العلم".

أعمال شاقة

الطفل فاروق الزين الذي يقيم مع أسرته في أحد معسكرات النازحين في مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة الواقعة جنوب الخرطوم، قال بدوره "أعمل منذ أكثر من أربعة أشهر مع تاجر في السوق، فأقوم بمساعدته في أعمال البيع والشراء وحمل البضائع وترتيبها داخل المتجر، واتجهت إلى هذا العمل نظراً لظروف أسرتي المعيشية الصعبة بخاصة أن والدي كبير في السن ومريض لا يستطيع القيام بأي نوع من العمل".

ويروي فاروق، "كنت أقوم بهذا العمل بشكل متواصل قبل افتتاح العام الدراسي، لكن الآن أعمل فقط يومي العطلة المدرسية (الجمعة والسبت)، لأنني أرغب في مواصلة تعليمي".

وأضاف "على رغم أن المكاسب التي أحققها من هذا العمل جيدة وتوفر مستلزمات أسرتي، إلا أن العمل في هذه السن المبكرة يعد شاقاً وخصماً على الدراسة وهذا ما يعانيه كثيرون من أندادي في معسكرات النازحين الذين لجأوا للعمل لإعانة أسرهم فمنهم من يعملون بائعين للحلويات والعصائر، وآخرين في المخابز، وهناك من يعمل بائع (أكياس بلاستيك) وغيرها، فكل هذه المهن تجلب بعض الأموال البسيطة التي تسير قليل من الالتزامات الأسرية".

وتابع، "أنا مثلاً اتحصل في نهاية اليوم على خمسة آلاف جنيه سوداني ما يعادل خمسة دولارات بإمكانها أن تغطي بالكاد وجبة بسيطة لأسرة واحدة مكونة من خمسة أفراد".

وذكر الطفل النازح، "أتمنى أن أواصل مسيرتي التعليمية وبعزيمتي وإصراري لن أتوقف عن الدراسة مهما كلفني الأمر من عناء وسأدبر كل ما يلزم من مصروفات مدرسية من عملي وبمساندة من أسرتي التي ظلت تقدم لي الدعم النفسي".

تقصير الدولة

من جانبها، أوضحت الاستشارية النفسية أسماء محمد جمعة أن    "الحرب الدائرة في الخرطوم لها آثار سالبة في السودانيين الفارين من هول الصراع خصوصاً شريحة الأطفال ويكفي حرمانهم من العيش بشكل طبيعي في الحياة، فضلاً عن أنها لعبت دوراً كبيراً في حرمانهم من حقوقهم الطبيعية في ما يتعلق بوضعهم الصحي والتعليمي وأيضاً لها تأثير بالغ في الصحة النفسية والعقلية بسبب النزوح وفقدهم للمأوى والانفصال عن الأشخاص المقربين الذين تربطهم بهم علاقات اجتماعية قوية".

وواصلت جمعة، "ترتب على هذه الظروف القاسية دخول الأطفال في حالات اكتئاب وقلق وخوف من مواجهة مصير مجهول لا يعلمون متى ينتهي في ظل أن معظم أطفال السودان أصبحوا دون حماية بسبب الضغوط المعيشية التي تعانيها أسرهم، فهذه الضغوط كانت سبباً في تحمل هؤلاء الأطفال مسؤولية العمل ويعد هذا الشيء أمراً خطراً سيكون له انعكاسات على مستقبلهم لأنهم يوجدون في أماكن لا تناسب أعمارهم مثل الأسواق والمصانع، مما يعرضهم لجميع أنواع الاستغلال، فضلاً عن الأخطار بسبب الأعمال الشاقة وغير الآمنة وبلا شك لن يخرج الأطفال من هذا المناخ دون أمراض نفسية وجسدية".

وأردفت، "لا توجد خسارة للدولة أكبر من ترك الأطفال الدراسة، ما يجعل مستقبل البلاد فريسة لأخطار العمل في سن مبكرة، حيث إن المكان الطبيعي للأطفال هو وجودهم في أحضان الأسر والمدارس وأماكن الترفيه حتى نضمن طفلاً معافى من الأمراض النفسية والمفارقات المجتمعية".

وزادت الاستشارية النفسية، "ما يعيشه الأطفال بسبب الحرب ليس جديداً عليهم وإنما ظل الأطفال خلال فترة النظام السابق التي استمرت 30 عاماً يعانون إهمالاً يهدد مستقبلهم، إذ لا توجد جهود من الدولة بهذا الخصوص، ومعظم الجهود المبذولة كانت من قبل المنظمات الدولية وهي جهود مهما عظمت لن تؤثر في واقع الأطفال ما لم يكونوا في مقدمة أولويات واهتمام الدولة وضمن استراتيجيتها".

وقالت، "مع استمرار الحروب تأثرت ولايات البلاد الآمنة وأصبح هناك تضخم في اقتصادها مما أدي إلى معاناة النازحين، فكل هذه الأوضاع المأسوية دفعت معظم أطفال الأسر النازحة للخروج إلى سوق العمل تاركين مقاعد الدراسة، وأصبح هناك انتشار كبير للأطفال في أماكن العمل وبشكل يدعو للقلق والخوف، ومن المؤكد أنه كلما طال أمد الحرب ازداد ارتباط هؤلاء الأطفال بالعمل، ويصبح الرجوع إلى كل ما يتعلق بحياتهم الطبيعية أمراً مستحيلاً وسيكون الثمن الذي ستدفعه الدولة كبيراً في حال توقف الحرب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية".

المزيد من متابعات