Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما علاقة أوروبا باستئناف تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر؟

الصراع بين إسرائيل و"حماس" جعل القارة تدرك مرة أخرى الأهمية الحيوية لعدم ربط أمنها الطاقي بشريك واحد

بعد أسبوع من قرار تعليق تصدير الغاز لمصر أفادت وسائل إعلام أوروبية ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في القارة (أ ف ب)

ملخص

يقول مراقبون إن حرب غزة لم يكن لها تأثير خاص على صادرات الغاز لأوروبا لكن السيناريو قد يتغير على المدى المتوسط

عقب هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الذي شنته حركة "حماس" ضد إسرائيل، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعليق صادرات الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر خط أنابيب لمصر واستخدام خط بديل عبر الأردن بزعم وجود مخاوف أمنية، بينما جرى تفسير الأمر آنذاك من قبل المراقبين في القاهرة وواشنطن بأنه مؤشر على توتر في العلاقة بين القاهرة وتل أبيب يتعلق بالحرب في غزة ومحاولات الإسرائيليين دفع سكان القطاع إلى سيناء، وهو ما برز في تصريحات الجانبين.

وبينما تواصل مصر من خلال كبار مسؤوليها، بما في ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسي ووزراء حكومته، تأكيد رفض توطين الفلسطينيين في سيناء وتفريغ قطاع غزة من مواطنيه وإدانة العدوان الإسرائيلي، فإنه بعد نحو شهر على قرار تعليق تصدير الغاز جرى الإعلان عن استئناف الصادرات لمصر مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بل واستعادة مستويات تصدير ما قبل الحرب، مما يدفع بتساؤلات جديدة في شأن القرار الإسرائيلي.

بالعودة إلى أكتوبر الماضي، فإنه بعد أسبوع من قرار تعليق تصدير الغاز لمصر أفادت وسائل إعلام أوروبية ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا. وذكر موقع "يورونيوز" أن سعر الغاز الطبيعي الأوروبي الهولندي TTF ارتفع بنسبة 41 في المئة ليصل إلى أعلى مستوى له منذ ثمانية أشهر عند 56 يورو (61.35 دولار) لكل ميغاوات/ ساعة. وارتفع السعر بأكثر من 50 في المئة خلال شهر واحد، وإن ظل أقل من نصف السعر الذي كان عليه قبل عام واحد.

وذكر الموقع الأوروبي أن أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية في حال متقلبة بسبب المخاوف المتزايدة في شأن إذا ما سيكون هناك ما يكفي من العرض أم لا بعد أن ألقت الأزمة في إسرائيل وغزة بظلالها على توقعات السوق إثر وقف شركة النفط الأميركية العملاقة "شيفرون" الإنتاج في حقل "تمار" البحري للغاز الطبيعي بالقرب من الساحل الشمالي لإسرائيل، مع اشتداد الصراع.

يعتقد أن حقل "تمار" يحتوي على أكثر من 300 مليار متر مكعب من الغاز، وهو ما يعادل واردات أوروبا السنوية من الغاز الطبيعي. ويوفر الحقل 70 في المئة من حاجات إسرائيل من الطاقة، بحسب شركة "شيفرون". ومن ثم كان إغلاقه سبباً في انخفاض صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، التي توفر نفسها لتصدير الغاز إلى السوق الأوروبية من خلال تسييله أولاً في منشآت تسييل الغاز بإدكو.

وكان من المتوقع قبل الحرب أن تبلغ صادرات مصر من الغاز هذا العام 7.5 مليون طن، معظمها متجهة إلى أوروبا وتركيا. كما صدّرت مصر 80 في المئة من شحناتها من الغاز المسال إلى أوروبا العام الماضي مع ارتفاع الطلب، بعد قيام روسيا بتخفيض إمدادات الغاز عبر الأنابيب إلى القارة.

استئناف تصدير الغاز لأوروبا

تعتمد أوروبا على الغاز الطبيعي المسال لتجاوز الأشهر الأكثر برودة، وبينما بدأ فصل الشتاء في أوروبا حيث تتزايد حاجة الأوروبيين للغاز من أجل التدفئة، فإن قرار استئناف ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر ربما يتعلق جزئياً بضغوط أوروبية على إسرائيل.

وقد أفاد مصدر مطلع لشبكة "بلومبيرغ" الأميركية، الأربعاء الماضي، أن سفينة "آدم" للغاز الطبيعي المسال وصلت إلى مصنع "إدكو" في مصر مما يمثل بداية لعودة الشحنات الخارجية. وقال المصدر إن مصر تعمل على تحديد كمية الغاز المبرد التي قد تكون قادرة على تصديرها هذا الشتاء.

يتفق مراقبون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، على أنه رغم تزايد أهمية مصر وإسرائيل كشريكين استراتيجيين لأمن الطاقة الأوروبي، لا سيما بعد الحرب الأوكرانية والعقوبات اللاحقة ضد روسيا، فإن دور غاز شرق المتوسط داخل الأسواق الأوروبية يظل متواضعاً إلى حد ما، من حيث الحجم مقارنة بمخزوناتها والموردين الآخرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوضح محللة الاستخبارات والأمن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والباحثة لدى جامعة "باري" في إيطاليا روبرتا لا فورتيزا، أنه في ما يتعلق بصادرات الغاز عام 2022، كانت الدول المصدرة الرئيسة هي قطر والجزائر وإيران وعمان بمقدار 136.3 مليار متر مكعب و38.4 مليار متر مكعب و17.7 مليار متر مكعب و11 مليار متر مكعب على التوالي، ثم أخيراً مصر بمقدار 8.9 مليار متر مكعب. كما تظل مخزونات الغاز في أوروبا قريبة من طاقتها الكاملة.

وتضيف الباحثة الإيطالية أنه في الوقت الحاضر لا يبدو أن الحرب بين إسرائيل و"حماس" كان لها تأثير خاص على صادرات الغاز لأوروبا، ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يمكن أن يتغير على المدى المتوسط، خصوصاً إذا استمر الصراع فترة طويلة، أو ربما اتسع ليشمل جهات فاعلة إقليمية جديدة.

وتشير إلى أن الصراع الدائر بين إسرائيل و"حماس"، تماماً كما حدث مع الصراع في أوكرانيا، جعل أوروبا تدرك مرة أخرى الأهمية الحيوية لعدم ربط أمن الطاقة الخاص بها بشريك واحد، وقبل كل شيء، أكد مرة أخرى على العلاقة التي لا تنفصل بين إمدادات الطاقة والديناميات الجيوسياسية.

من جانبه، يرى مدير وحدة الشؤون الدولية والطاقة لدى مركز "الأهرام" للدراسات السياسية أحمد قنديل، أن قرار وقف تصدير الغاز لم يكن سياسياً وإنما قررت شركة "شيفرون" غلق خط "تمار" لأسباب أمنية تحسباً لاستهداف الحقل من جانب "حماس" أو الميليشيات المسلحة في المنطقة.

وأضاف أن مصر كانت تلعب دوراً مهماً في تصدير الغاز المسال من إسرائيل لأوروبا أو تصدير الفائض من إنتاجها للقارة، لكن توقف التصدير منذ يوليو (تموز) الماضي بسبب زيادة الاستهلاك المحلي خلال أشهر الصيف، لذا لم يتوافر فائض للتصدير، وعندما توقف أيضاً ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر أثر ذلك بدوره في الصادرات لأوروبا.

ويعتقد قنديل أن النسبة التي تمثلها صادرات مصر وإسرائيل من الغاز بالنسبة إلى حاجات أوروبا ليست مؤثرة بقدر كبير إذ إنها "لا تتجاوز خمسة في المئة".

تنويع مصادر الإمداد

في حين يتفق المراقبون على أنه لم يكن للأزمة في الشرق الأوسط حتى الآن تأثير كبير بشكل خاص على الإمدادات في أوروبا، فإنهم أكدوا أهمية غاز شرق المتوسط للأوروبيين. وتقول لا فورتيزا إنه بعد بداية الحرب في أوكرانيا أدت الحاجة الأوروبية إلى تنويع مصادر الإمداد، حيث عادت منطقة شرق البحر المتوسط إلى دائرة الضوء، الأمر الذي يمكن أن يسهم في زيادة أمن الطاقة الأوروبي، وتوفير كميات غاز بديلة لتلك الآتية من روسيا.

وتنص خطة REPowerUE (مقترح أوروبي لإنهاء الاعتماد على النفط الروسي بحلول 2030) على زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر ومصر، وإلى حد أكثر محدودية، من خطوط الأنابيب مثل تلك الموجودة في النرويج وأذربيجان والجزائر.

وتضيف لا فورتيزا أن منطقة البحر المتوسط تمثل واحدة من أكثر المناطق الواعدة لهندسة أمن الطاقة الأوروبية، حيث إنها تقدم عديداً من الجوانب الإيجابية مثل البنية التحتية القائمة للتصدير والعلاقات السياسية طويلة الأمد والقرب الجغرافي واحتياطيات الغاز الوفيرة.

ووقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم ثلاثية في يونيو (حزيران) عام 2022، التزمت بموجبها تل أبيب ببيع الغاز من حقلي "ليفياثان" و"تمار" البحريين إلى الاتحاد الأوروبي عبر محطات التسييل المصرية.

قوة الغاز

يقول المراقبون إن الغاز أصبح قوة رئيسة للتعاون بين الدول فضلاً عن المنافسة. ولا تزال هذه الديناميكيات تتكشف مع ظهور عديد من التطورات الدبلوماسية والاقتصادية المهمة التي أثرت في الدول الساحلية في الأشهر والأسابيع القليلة الماضية. على سبيل المثال، عززت الجغرافيا الاقتصادية للغاز التحالف الجيوسياسي الناشئ بالفعل بين اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر ودول الخليج، كما أنها مكنت من إجراء المفاوضات والاتفاقات بين الأطراف المتحاربة في لبنان وغزة.

ووفق الاقتصادي المتخصص بالشرق الأوسط لدى وحدة الأبحاث الاقتصادية ببنك "بي أن بي باريبا" باسكال ديفيو، فإن مصر لا تزال تهيمن على قطاع الغاز في المنطقة، لما تحوزه من احتياطيات كبيرة وبنية تحتية للتصدير، لكن الإنتاج الإسرائيلي يؤثر بشكل متزايد على صادرات المنطقة.

ويشير ديفيو إلى أن مصر وإسرائيل هما أكبر منتجين للغاز الطبيعي في شرق المتوسط. إذ تمتلك مصر أكبر احتياطي (2.13 تريليون متر مكعب)، بفضل اكتشاف حقل غاز "ظهر" في العقد الأول من القرن الـ21. وتتوزع احتياطيات إسرائيل البالغة (0.59 تريليون متر مكعب) بين حقول بحرية عدة. وتوجد احتياطيات أخرى أقل أهمية نسبياً في المياه الإقليمية القبرصية (0.11 تريليون متر مكعب)، وفي المياه الإقليمية اللبنانية حيث يجري تقدير الاحتياطيات هناك بعد إبرام اتفاقية ترسيم الحدود مع إسرائيل في أكتوبر 2022.

وعلى رغم تواضعها عالمياً، حيث تبلغ نحو 3.5 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأقل من اثنين في المئة من احتياطيات العالم، فإن استغلال هذه الاحتياطيات له آثار كبيرة على الاقتصاد المصري من حيث توفير العملات الأجنبية، والاقتصاد الإسرائيلي من حيث استقلال الطاقة.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز