ملخص
تعول مصر على المشروع ضمن خطط التحول إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز، ويمثل لأوروبا فرصة لسد احتياجاتها بعد وقف الإمدادات الروسية
يواجه مشروع تطوير حقل غاز "أفروديت" قبالة سواحل قبرص حالاً من عدم اليقين بعد رفض وزارة الطاقة القبرصية أحدث خطة تطوير محسنة قدمت للحقل، مما يربك حسابات الأطراف المشاركة في ملكية المشروع والمعولين عليه في سد حاجة الأسواق، في وقت كان ينظر إلى الحقل الذي يعد أحد أكبر اكتشافات الغاز في المياه العميقة على مستوى العالم، لاحتوائه على ما يقدر بنحو 125 مليار متر مكعب (4.4 تريليون قدم مكعبة) من الغاز، باعتباره ثمرة تعاون مستقبلي مشترك بين قبرص وإسرائيل ومصر في مجال الغاز، وداعم للأخيرة في مشروع تحولها إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة، وتعول عليه أوروبا لسد جانب من احتياجاتها الغازية، بعد وقف إمدادات موسكو في 2022.
منذ اكتشاف "أفروديت" - وهو الأول من بين عدد من اكتشافات الغاز الكبيرة قبالة سواحل قبرص - في أواخر عام 2011 في المنطقة رقم 12 التي تبعد 170 كيلومتراً جنوب ليماسول في قبرص، و30 كيلومتراً شمال غربي حقل غاز "ليفياثان" الإسرائيلي، وهو في مواجهة مع عديد من العراقيل التي تؤخر تطويره على النحو المستهدف، بداية من النزاع القبرصي - الإسرائيلي على ملكية الحقل، وتباطؤ أعمال التطوير التي كانت تستهدف بدء إنتاج الحقل بحلول 2027، وربطه بالبنية التحتية المصرية عبر أنابيب، بهدف تسييله وإعادة تصديره.
شكوك في مسار الإنتاج
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 منحت حكومة قبرص الشركاء ترخيص إنتاج مدة 25 عاماً، مع خيار تمديد المدة 10 سنوات أخرى، إلى جانب الموافقة على مخطط تطوير الخزان، وتتوزع ملكية الحقل الغازي العملاق بين شركة "نيوميد إنرجي الإسرائيلية" بحصة قدرها 30 في المئة، في مقابل 35 في المئة لكل من شركتي "شيفرون الأميركية" و"شل الهولندية".
لكن أحدث ما يبعث على الشكوك حيال المشروع العملاق، الرفض الأخير لوزارة الطاقة القبرصية مقترح شركة "شيفرون الأميركية" لتطوير الحقل، وطلب الوزارة تعديلات أخرى، وهو ما ينذر بتأخير الإنتاج.
حال من عدم اليقين
تشير مذكرة لـ"ستاندرد آند بورز" إلى أن المفاوضات الأخيرة في شأن "أفروديت"، التي استمرت منذ أغسطس (آب) من العام الماضي على خلفية رفض الحكومة القبرصية خطة تطوير "شيفرون" المنقحة للحقل، قبل أن تتوصل وزارة الطاقة القبرصية في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي إلى "تفاهم جديد" في شأن أعمال التطوير، تواجه الآن رفضاً جديداً من الوزارة، مما يعزز حال عدم اليقين حول المشروع.
وفي بيانها الصادر في الثاني من مايو (أيار) الجاري، قالت وزارة الطاقة القبرصية إن "شيفرون قدمت مقترحاً لتحسين خطة التطوير المعتمدة في الـ29 من مارس (آذار) الماضي بعد أن منحت موعداً نهائياً في نهاية مارس لتقديمه. بعد تقييم دقيق بالتعاون مع مستشاري جمهورية قبرص، تحتاج الخطة إلى تحسينات إضافية، لذلك يقترح وزير الطاقة في رسالته إلى شيفرون بتاريخ الـ30 من أبريل (نيسان) الماضي، اتخاذ إجراءات محددة مستهدفة خلال الأشهر الستة المقبلة".
في المقابل قالت "شيفرون" إنها لا تزال تفخر بشراكتها مع قبرص في المنطقة البحرية رقم 12، وأنها تقدر العلاقة مع الحكومة والأطراف الآخرين، متعهدة بالعمل على مواصلة تطوير المشروع، بالنظر إلى أهميته لصالح قبرص ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والأسواق الأوروبية وغيرها من الأسواق الدولية".
نقطة الخلاف الحقيقية
وتحدث تقرير "ستاندرد آند بورز" عن تركز النزاع الأخير على اقتراح "شيفرون الأميركية" بأن يكون هناك بنية تحتية أقل في الحقل، مما كان متصوراً في خطة التطوير الأصلية لـ"نوبل إنرجي" الشريك السابق في الحقل قبل بيع حصته لـ"شيفرون" في عام 2020، إذ كانت تعتمد خطة التطوير الأولى للحقل في عام 2019 على إنشاء خمس آبار ووحدة إنتاج عائمة (FPU) للحقل، في حين تقترح خطة "شيفرون" المنقحة في البداية على ثلاث آبار إنتاجية فقط سيجرى ربطها بمنشآت المعالجة البحرية العميقة التابعة لشركة "شل" في غرب الدلتا قبالة سواحل مصر، إذ يمكن نقل الغاز عبر الأنابيب إلى السوق المصرية أو منشأة "شل" للغاز الطبيعي المسال في إدكو لإعادة تصديره، فيما رفضت قبرص هذا الاقتراح المعدل، بحجة أن هناك حاجة إلى وحدة FPU وخمس آبار للاستغلال المستقبلي لاحتياطات الحقل لصالح البلاد.
وتكشف شركة "نيوميد إنرجي الإسرائيلية" عن أن شركاء "أفروديت" يعتزمون دراسة الآثار المترتبة في الرسالة الواردة من الحكومة القبرصية و"مسارات العمل الممكنة المتاحة لهم"، مشيرة إلى أن الشركاء مطالبون في خطاب الوزارة "بالتأكيد كتابياً على موافقتهم غير المشروطة لبدء أداء التصميم الهندسي الأمامي في غضون ستة أشهر من تاريخ الخطاب".
"مسألة وقت فقط"
وفي ديسمبر الماضي قال وزير الطاقة القبرصي جورج باباناستاسيو إن تأجيل مخطط تطوير الحقل "مسألة وقت فقط" حتى تتخذ القرارات النهائية لبدء الأعمال، وإن الهدف يظل الحصول على الغاز من "أفروديت" بحلول نهاية عام 2027.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي المواجهة في شأن حقل "أفروديت" في وقت يواصل الاتحاد الأوروبي التعامل مع موردي الغاز البديلين من أجل تعويض فقدان الغاز الروسي بعد الحرب الأوكرانية، وهو ما ترتب عليه رفع أسعار الغاز إلى مستويات قياسية في صيف عام 2022، ومن شأن تأخير تطوير الحقل أيضاً تأجيل الخطط التي كانت تعول عليها مصر لنقل الغاز المنتج من الحقل لإسالته، مما يهدد بنسف آمال القاهرة في الحصول على الغاز، في وقت تراجع إنتاج الأخيرة على نحو ملحوظ، بخاصة المنتج من حقل "ظهر".
كان من المخطط له، نقل الغاز المستخرج من حقل "أفروديت" عبر أنابيب إلى مصر خلال الفترة من 2027 إلى 2028، بحسب ما صرح به وزير الطاقة القبرصي، في فبراير (شباط) الماضي، مؤكداً اهتمام بلاده بتصدير الغاز عبر مصر وتفهمها حاجة السوق المصرية لاستقبال جزء من إنتاج الحقل، في ظل ما تملكه الأخيرة من بنية تحتية جاهزة، لكن ثمة شكوك تحيط بقدرة الشركاء على الاتفاق حول خطة تطوير الحقل، والمضي نحو مسار الإنتاج بحلول الزمن المستهدف.
اتفاق مصري - قبرصي
كانت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية وقعت في فبراير 2015 مذكرة تفاهم مع وزارة الطاقة القبرصية، لتسهيل التعاون في هذا القطاع، قبل أن يوقعان في سبتمبر (أيلول) من عام 2018، اتفاقاً ملزماً لنقل غاز حقل "أفروديت" لمصانع الإسالة في مصر لإسالته وإعادة تصديره، في وقت تقدر كلفة إنشاء خط الأنابيب اللازم لنقل الغاز من قبرص إلى مصر بما يراوح ما بين 800 إلى مليار دولار.
وتعمل مصر على مخطط لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز في حوض المتوسط، عبر استيراد الغاز المكتشف في دول شرق المتوسط من أجل إسالته وإعادة تصديره للأسواق العالمية، بخاصة أوروبا، في صورة غاز مسال.
تراجع إنتاج القاهرة من الغاز
بالنسبة إلى مصر، ليس هناك أسوأ من تعثر إنتاج الحقل القبرصي، بخاصة بعد تراجع إنتاج القاهرة من الغاز الطبيعي إلى نحو 5.5 مليار قدم مكعبة يومياً في الوقت الراهن، من 7.2 مليار قدم مكعبة في عام 2021، وبعد أربعة أعوام فقط من تحقيقها اكتفاء ذاتياً أغناها عن استيراد الغاز عام 2018، وهو ما ينعكس بطريقة أو بأخرى على خطط التحول إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز، فيما يقول متخصصون ومسؤولون سابقون في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن امتلاك مصر للبنية التحتية اللازمة لاستيراد وتسييل الغاز لإعادة تصديره يكفي لتحقيق الهدف المنشود بتحويل القاهرة إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز، لكن مع تعثر أعمال تطوير "أفروديت" تظل المخاوف قائمة من تأثر الخطط المصرية بهذه المستجدات الأخيرة.
وبينما وقع الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) من عام 2022 مع كل من مصر وإسرائيل اتفاقاً لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر، في وقت تسعى كتلة اليورو إلى سد جزء من احتياجاتها من الغاز عبر إمداداته من شرق المتوسط ضمن خطة لتعويض جزء من واردات الغاز الروسي، فإن آخر ما ترغب أوروبا في سماعه هو تواصل تعثر أعمال التطوير في الحقل الغازي العملاق، مما يجعلها تحت ضغوط تدبير ما يلزمها من الغاز المسال.